أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - صبحي حديدي - برابرة عيد الأضحى














المزيد.....

برابرة عيد الأضحى


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1426 - 2006 / 1 / 10 - 11:02
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


لا يمرّ عيد الأضحى، وكلّ عيد وأنتم بخير، إلا ويجد مسلمو فرنسا أنفسهم في قفص اتهام تنصبه لهم نجمة السينما الفرنسية السابقة بريجيت باردو، بتهمة واحدة دائمة: البربرية تجاه الخراف! صحيح أنّ الستّ "ب. ب." تبدّل مفردات الخطاب هنا، او تعدّل نبرة التأثيم هناك، إلا أنّ الجوهر يظلّ راسخاً ثابتاً تختصره روحية النصّ التالي: «هؤلاء الناس يذبحون النساء والأطفال ورهباننا ومسؤولينا وسيّاحنا والخراف»! هنا يختلط البشر بالسائمة، ويستوي الذبح الشعائري للحيوان بالإزهاق الإرهابي لأرواح العباد!
ذبح الخراف عمل بربري، وأمّا ذبح ديوك الحبش في عيد الشكر، أو ذبح الإوز في عيد رأس السنة الميلادية (بمئات الآلاف، ومن أجل استخلاص الكبد فقط!)، فإنهما في صلب الحضارة وروح المدنية. هذا على مبدأ الشيء بالشيء يذكر، رغم السخف الموروث في محاججة من هذا النوع حول شعائر دينية أو احتفالية تمارسها البشرية لعشرات الأسباب ذات المحتوى الأنثروبولوجي في الأساس. وأما على المستوى الثقافي فثمة ما هو أدهى وأجدر بالتأمل، وأعني اللحم البشري وليس لحم المواشي والدواجن.
ففي مقالته الشهيرة المعنونة «حول أكل اللحم البشري»، قارن الإنسي الفرنسي الكبير مونتين بين سلوك الأقوام الأمريكية الأصلية (الذين جرت تسميتهم، قسراً وبهتاناً، بـ "الهنود الحمر")، وسلوك الأوروبيين، فاعتبر أنّ أكل البشر أحياء أشد بربرية من أكلهم أمواتاً. ورأى أن صنوف التعذيب التي مارسها الغزاة الإسبان بعد وصول كريستوفر كولومبوس إلى "العالم الجديد" كانت أشدّ قسوة ـ بما لا يُقاس، على أيّ وجه ـ من سلوك الهندي الأحمر الذي يأكل اللحم البشري (إذا أكله) ليدفع غائلة الجوع، ليس أكثر.
والأب الدومينيكاني بارتولومي دي لاس كاساس، اشهر القلّة القليلة من الضمائر التي فضحت ممارسات الغزاة في تلك الحقبة، يروي أنّ الإسبان كانوا يلقون بجثث أطفال الهنود في الماء المغلي قائلين: «إغلِ في الجحيم يا ابن الشيطان»! وروى أيضاً أنّ الهندي كان يُعلّق على مشانق واطئة بحيث تكاد قدماه تطآن الأرض، ثم تُوضع تحتهما عيدان خضراء مشتعلة، فيجري شيّه بالمعنى الحرفي للكلمة... على نار هادئة! كذلك روى لاس كاساس أنّ الإسبان كانوا يقطّعون أجساد الرجال والنساء والأطفال ويبيعونها طعاماً للكلاب، وكان هذا الإجراء ينطوي على «حكمة» عسكرية هي تدريب الكلاب المقاتلة على طعم اللحم الهندي!
في الحقبة ذاتها، وفي قلب أوروبا هذه المرّة، لم يكن أكل اللحم البشري ممارسة طارئة على المجتمع. ففي عام 1572، وبعد مجزرة سان بارتولوميو الشهيرة (1572)، كانت أعضاء مبتورة من جثث الـ "هوغنوت"، وهم البروتستانت الفرنسيون أتباع الكنيسة الإصلاحية الكالفينية، تُباع في أسواق باريس وليون بغرض الأكل. والمؤرخ الفرنسي الكبير فرناند بروديل (أحد أبرز مؤسسي "مدرسة الحوليات") يخبرنا أنّ أكل اللحم البشري كان عادة مألوفة في منطقة بورغوندي الفرنسية بسبب مجاعة 1662.
وإذا كان ذبح الخراف في عيد الأضحى يتمّ لأسباب دينية أو شعائرية أو وفولكلورية محضة عند المسلمين، فإنّ الباحثة الأمريكية كارولين ووكر بينوم Bynum جمعت أمثلة مدهشة على عادة أكل الجسد الآدمي لأسباب طقسية في بعض التراث المسيحي. والترتيلة القديمة Sancti Uenite تقول: «تعالوا يا أبناء الشعب المقدس وكلوا جسد المسيح، واشربوا الدم المقدس الذي يخلّصكم. ها قد افتدانا المسيح بجسده ودمه، فلنأكله وندعو بالشكر». (مزيد من الأمثلة في كتاب بينوم "العيد المقدس والأكل المقدس"، 1987 ـ منشورات جامعة بيركلي).
وحين تتحدث بريجيت باردو عن «هؤلاء الناس» الذين «يذبحون النساء والأطفال ورهباننا ومسؤولينا وسيّاحنا والخراف»، فلأنها تريد وضعهم في سلّة أنثرو ـ عنصرية كبرى ينبغي أن تتسع للإسلام بالمعنى الثقافي الدوني، وللمسلمين بالمعنى العنصري، وينبغي استطراداً أن تسمح باحتقار الثقافة الإسلامية الدنيا وأبنائها، تمهيداً لتمجيد الثقافة الأوروبية العليا وأبنائها. وفي واقع الأمر لا يختلف سلوك باردو في شيء عن مواقف الذين يمكن أن يأخذوا كامل الديانة المسيحية وكامل المسيحيين بجريرة طقس شعائري محدد ومحدود من النوع الذي أشارت إليه بينوم، فتُشتقّ على أساسه صفات البربرية والإرهاب.
ولهذا فإنّ باردو لم تكتف بالمواقف والتصريحات ونصب أقفاص الإتهام، بل أصدرت كذلك كتاباً بعنوان "صرخة تكسر الصمت"، كانت عنصريته ضدّ المسلمين واضحة إلى درجة جعلت محكمة الجنح في باريس، بناء على شكوى تقدّمت بها مجموعة منظمات حقوقية، تدين باردو لأنها "تقدّم المسلمين باعتبارهم غزاة برابرة قساة مسؤولين عن الأعمال الإرهابية، يتطلعون للسيطرة على الفرنسيين إلى حدّ الرغبة في إبادتهم". وهذا الحكم، الذي صدر في أواسط العام 2004، كان الرابع من نوعه منذ سنة 1997 حين شرعت باردو في مهاجمة مسلمي فرنسا بذريعة أنّ ذبح الخراف في عيد الأضحى هو تنكيل بربري بالحيوان.
رغم هذه الأحكام فإنّ وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، وهو بحكم القانون وزير المعتقدات الدينية وعلى رأسها الإسلام طبعاً، لا يفوّت فرصة إلا ويظهر فيها مع باردو ضاحكاً مبتسماً سعيداً. آخر لقاء بينهما جرى بصفة استثنائية، بعد أنّ كان ساركوزي قد ألغى كلّ مواعيده بسبب الصداع الشديد. فأيّ رفق أعلى كعباً، والحال هذه: الرفق بحيوانات الستّ "ب. ب."، أم الرفق بـ "رعاع" و"حثالة" و"دهماء" الضواحي الباريسية؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع
- قمّة المعلوماتية: إحتكار التكنولوجيا أم اجتماع المعرفة؟
- إستشراق أسعد بيك
- خطاب الأسد: سلوك إنتحاري وذرّ للرماد في العيون
- ابتسامة التلمود
- بعد القرار 1636: النظام السوري أمام خيارات صعبة
- لويس فرقان والإسلام الأمريكي: قصة مدينتين
- دوائر ميليس
- الإخوان المسلمون و-إعلان دمشق-: الأساطير والحقائق
- نوبل آداب... كردية؟
- تغييب أو غياب غازي كنعان: مَن سيستأجر السفينة الغارقة؟


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - صبحي حديدي - برابرة عيد الأضحى