أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - يسوع لم يتعامل بالمال ولا السيف ولم يلمسهما..[9] ق1















المزيد.....


يسوع لم يتعامل بالمال ولا السيف ولم يلمسهما..[9] ق1


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 21:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وديع العبيدي

يسوع لم يتعامل بالمال ولا السيف ولم يلمسهما..[9] ق1
القسم الأول: المال

(1)
المال والسيف، الغنيمة والحرب، الطمع والعنف، هي الاشكالية الأعوص في الحياة. الاشكالية التي لا -[لم- لا- لن]-، تنتج غير الشرور، بل هي شجرة الشرور التي لا تنتهي انعكاساتها ومضاعفاتها، على مدى الزمن وحياة الجنس البشري.
اشكالية الطمع والعنف، الغنيمة والحرب، هما غاية كل سلطة، وعلة كل انحطاط وهزيمة وبؤس. ومن الغريب ان لا تجتمع ارادة البشر، للحد من تسلط المال والسيف على قلب الانسان وعنقه.
وفي هاته المداخلة، نستعرض، كيف تعامل يسوع الجليلي مع كل منهما، وما هو الموقف الاجمالي الممكن الاستفادة منه في هذا الصدد؟!.
وللتفصيل في المناقشة، ننظر لكل منهما على حدة، وصولا لاجتماعهما –في العلة والأثر، في ختام المداخلة.

(2)
المال..
"لايمكن لأحد أن يكون عبدا لسيّدين، لأنه إما أن يبغض أحدهما فيحبّ الاخر؛ وإما أن يلزم أحدهما فيهجر الآخر. لا يمكنكم أن تكونوا عبيدا لله والمال معا!"- (مت 6: 24)/ (الموعظة على الجبل)
في الموعظة على الجبل كان يخاطب جموع الناس –[جموع: صيغة جمع لفظة: جمع، وتعرف بجمع الجموع: أي الكثرة المُضاعَفة]-. وللتعرف على طبيعة تلك الجموع نعود الى البداية:
" كان يسوع يتنقل في مناطق الجليل كلّها،
يعلم في المجامع، وينادي ببشارة الملكوت،
ويشفي كل مرض وعلّة في الشعب.
فذاع صيته في سورية كلّها.
فحمل اليه الناس مرضاهم..
المعانين من الأمراض والأوجاع على اختلافها،
والمسكونين بالشياطين، والمصروعين،
والمشلولين، فشفاهم جميعا.
فتبعته جموع كبيرة من مناطق الجليل،
والمدن العشر، واليهودية، وما وراء الاردن.
وإذا رأى جموع الناس، صعد يسوع الى الجبل،
وما إن جلس، حتى اقترب اليه تلاميذه،
فتكلم، وأخذ يعلّمهم،
وقال:.."- (مت 4: 23- 25، 5: 1- 2).
فالتوزيع الجغرافي لجموع الناس هو من كل مناطق سورية الكبرى، والتوزيع الاجتماعي لتلك الجموع هو من مختلف الطبقات والفئات والمستويات، والاهتمامات الدينية والاقتصادية والمعيشية لهم هي عامة.
وإذ يتخذ قرار الجلوس ومخاطبة الجموع، فلا بد أن ثمة ضرورة لازمة لتلك التوصيات، وأن تلك التوصيات ليست وقتية أو ظرفية، انما هي مبادئ اساسية وشمولية، تتناول كل شيء، وتعني كل شخص.
ومنذ تدوين (الموعظة على الجبل) تخذت مكانتها التاريخية الى جانب/ في مقدمة الوصايا الخلقية والمبادئ الحياتية/ الفكرية والسلوكية في تاريخ الفكر الانساني. وقد اطلق عليها البعض بالموعظة الذهبية*.
وتتناول موعظة يسوع على الجبل، مختلف جوانب حياة الانسان واهتماماته: [الذات- الله- المجتمع- الدولة]. فهي بمثابة القواعد الاساسية لدستور الحياة السامية.
وقبل الدخول في تفاصيل القراءة، لابد من تنويه الى مرحلة الاعداد/ الاستعداد والتهيئة للتعرف والفهم والادراك المعرفي وتطبيقاته العملية من قبل القارئ، والمستمع.
ان الخطاب/ العظة، تتجه للسمع/(من كان له أذنان للسمع، فليفهم!)، والسمع احد الجوارح المتصلة بالعقل [ايعازات وأشارات تصل الى خلايا المخ التي تستجيب بدورها وتصدر اوامر وتعليمات حسية وذاكراتية].
ولتركز مواد الموعظة على مسائل ذات طابع تعليمي (ثورة ثقافية)، كما جاء في مقدمة النص، فأن الاستجابات تتجه لتخزين الافكار والمعاني الجديدة، والمعدلة لطبائع واحكام وممارسات تقليدية متوارثة غير صائبة، تُختزَن في العقل الباطن، لتكون في متناول الفعل الالي عند الحاجة.
وفي منظومة الحواس، طرفية اللوامس والعقل، يلعب القلب مركز العواطف وتركز الاحاسيس، بحسب الاعتقاد القديم. وما زال القلب رمزا لمشاعر الحب، وان المرء موضع اصطراع بين عقله وقلبه.
العلاقة بالأشياء تبدأ بالذهن/ (فكرة)، أو تبدأ بالقلب/ (رغبة/ عاطفة)، أو تبدأ بالنفس/ (غريزة). ولذا ينصب الحديث على هاته الثلاثة، أو احداها بحسب الضرورة، باعتبارها اصل ومنبع الاهتمام وحاضنته التي ينمو فيها داخل الشخص، قبل انبجاسه نحو الخارج في صورة النشاط البشري [قول - أو- فعل].
الامر الاخر يتعلق بالقدرة على التمييز وكيفية التمييز أو آلية التمييز. التمييز هو درجة في معرفة الاشياء. ولا معرفة بغير تمييز. ولا تمييز بغير اليات ووسائل ومنهج.
وما يزال التمييز في جانب كبير منه يقوم على المقارنة والمقابل: النور مقابل الظلمة، الأبيض مقابل الأسود، الخير مقابل الشر، سماء مقابل ارض، ماء مقابل يسابسة..الخ.
وفي مجتمع ديني، تتصدر مظاهر التقوى والبر والعبادة مقدمة شعاراته، يعتبر (الله) هو الرمز الأسمى للخير والبر والمعرفة بالمطلق. وبديهي في كذا مجتمع- ان لا احد فيه يزعم أنه: لا يعبد الله، أو لا يحب الله، أو لا يطيع الله!!.
لذا جاء تركيز يسوع على (قلب الشخص) في موضوع العلاقة بالمال. باعتبار ان الاساس في الموضوع هو (حب المال)، وما يترتب عليه من رغبات وشهوات وأطماع ومضاعات اخرى، وصولا للوسائل اللازمة لتحقيقها.
وبديهي ان لا يجتمع امران – متعارضان- في قلب واحد.
وهذا يعني ان [المال –كونترا- الله] في خطاب يسوع. وهو حكم صارم وشديد، في مجتمع يتصدره التجار والاغنياء ورجال الدين ضمن طبقة الاقطاع المتسلط على الفقراء والشغيلة.
ولمعرفته بعمق تعلق قلوب الناس ونفوسهم بالمال والمادة، ترك لهم خيار الطريق.

(3)
في معادلة [الله - المال] في المثال السالف، ثمة طرف آخر، يتصدر الاهمية وراء الاثنين، انما هو [السلطة/ التسلط]. وفي النص وردت لفظة (يخدم)، ولفظة (يحب)، بدل لفظة: (الطاعة) القرينة بهما.
والطاعة هي مقابل (السلطة).
بالمال يتسلط الاغنياء على الفقراء، بالمال يتسلط الناس بعضهم على بعض. والمال هو مغزى ومادة العبادة والطقس الديني. فالعبادة هي جزء من منظومة – قائمة الحوائج- اليومية التي يرفعها المتعبد الى ربه، لينفحه بالمزيد من المال ويفتح له سبل المال والكسب السريع والقصور الفخمة.
(يعبدون الله خوفا أو طمعا)..
هل السلطة باب للخدمة والرعاية الحقة، أم مظهر للتسلط والجاه والصيت والكبرياء الجوفاء؟؟..
الكبرياء هي دالة انحطاط الانساني أمام المظهر المادي السطحي. الكبرياء نكران لوحدة الجنس والاصل والنوع والأخوة والانتماء والشعور والمصير والعاطفة الانسانية المشتركة..
الانسان يتكبر على من؟.. يتكبر على انسان مثله!.. بل يتكبر على اخيه أو حتى أبيه وأمه، كما حصل في مجتمعاتنا غير المتحضرة، ذات الاصول البدوية والرعوية البائسة.
يتكبر على من؟..
المال والقوة والمعرفة والسلطة، ليست مواريث وحيازات، انما وسائل للانفاق والادارة وخدمة المحتاجين اليها. والانسان الغني مؤتمن على المال حتى ينفقه لمن يحتاجه.
والانسان القوي مؤتمن على قوته حتى يخدم بها المحتاجين وينجد المستضعفين ويمنع الاستبداد والاستغلال والابتزاز والاغتصاب وما وراءها من الشرور.
والانسان العارف العالم المثقف الاكاديمي مؤتمن على علمه ومعرفته وثقافته حتى يعلم ويسهل وينوّر ويخدم بها من تلزمهم المعرفة والعلم والثقافة، ومن أغمضت عنهم المدارك أو استعصت عليهم سبل النور.
وقل لي، او لنفسك، كم شخصا علمته القراءة والكتابة، او كم شخصا اضفت لمعارفه معرفة جديدة تغنيه وتصحح ما لديه، وكم جماعة وضعت ايديهم او اقدامهم او انظارهم على عتبة الحضارة.. فأنت مؤتمن على الثقافة والعلم.!
السلطة، عند رجل الحكم او الحزب أو العسكري او البرلمان أو السفير
او شبهها، هي وسيلة خدمة، وباب رعاية وعطف، وهي واجب يقدم عنه مالكها حسابا امام ضميره [الله - التاريخ - المجتمع]، حسابا عسيرا ذات يوم.
الانسان هو مجرد قناة توصيل، وليس اصلا للحيازة والملكية والتسلط.
لاحظ ان جسد الكائن الحي ذو شكل اسطواني مفرغ.
انه مجرد اداة توصيل، يدخل الهواء والماء والغذاء والدواء من خلله ويخرج من الجهة الأخرى. وفي شكل الجسد درس وعبرة لأولي الألباب، لعلهم يتفكرون.
فذكر المال، ليس مجردا في ذاته، وانما المقصود به ومن ورائه السلطة والحيازة والتسلط والتكبر والتمايز على البشر، وكلها دالة للشرور.

(4)
"- أيها المعلم الصالح: أيّ صلاح أعمل
لأحصل على الحياة الأبدية؟..
لماذا تدعوني بالصالح؟.. واحد هو الصالح!..
ولكن أن أردت أن تدخل الملكوت..
فاعمل بالوصايا!..
أية وصايا..
لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تكذب،
لا تشهد زورا، اكرم اباك وامك،
احب جيرانك كنفسك!..
هذه كلّها عملتها من صغري!..
إن أردت أن تكون كاملا..
اذهب وبع كل ما تملك، ووزعه على الفقراء،
فيكون لك كنز في السماوات، وتعال اتبعني!
فلمّا سمع الشاب الغني العبارة الأخيرة،
مضى حزينا، لأنه كان صاحب ثروة كبيرة!..
فقال يسوع لتلاميذه: الحقّ أقول لكم..
أنه من العسير على الغني أن يدخل الملكوت!
من السهل أن يدخل الجمل في ثقب أبرة،
من أن يدخل غني في الملكوت!"- (مت 19: 16- 24)
مثل آخر ايضا، في صدد المال، لا يقبل الجدل والمساومة.
"بع كل ما تملك، ووزعه على الفقراء والمحتاجين!" .
لماذا تكنز الاموال في جعبتك، في رصيدك البنكي، الوفا وملايين مجمدة، والجوع والفقر والحاجة والمرض، من حواليك، أنى تلتفت!..
لماذا تسخر أموالك في مجالات تدميرية، سواء كانت ترفية تافهة، أو شريرة تتسبب في أضرار للبيئة والبشر؟..
ولا تنتظر.. أن تدفع عنها حسابا يليق بحجمها..!
الشاب الغني في المثال، وما أكثر الأغنياء الشباب في زمن العولمة والدمقراطية الأمريكية، وعصر الفساد والتحلل والفراغ القيمي، هو يسلك كما تعلم من المجتمع ومن سبقوه. ولم يخترع شرا جديدا من ذاته، كما يحدث اليوم على الأرض، او عالم الانترنت وتجارة الفيروسات والموت. ولكن ذلك لم يخفف من مسؤوليته في ابتزاز الناس وسرقة المجتمع.
يمكن تلخيص الأمر في نقطتين بالجملة، فيما يتعلق بكيان الانسان..
أولا: أنه طالما وجد في الحياة، فعليه أن يجتهد – كأفضل ما يقدر ويجيد- بعقله ومجمل امكاناته!..
ثانيا: ان اجتهاد الانسان ينبغي ان يكون في النافع والمفيد للناس ويحقق نفعا اشتراكيا عاما للمجموع، أو يساعد في رفع الضعفاء وشفاء المرضى، بما يحقق العدل والمساواة والتآخي والتعاون المثمر بين الناس.
أي تجميد أو توظيف للقدرات والمواهب في باب الانانية أو ما يترتب منه اضرار مباشرة أو غير مباشرة، فهو مردود على صاحبه. وربما كان – مشروع جائزة نوبل- مثالا وجرسا لأولياء الشر اليوم وكل زمان.
فما كان الفريد نوبل يقصد شرا في ابحاثه العلمية التي نتج منها اختراع اسلحة الدمار، لكنه ما زال يشعر بالندم، ويحاول التكفير عن غلطته، دون أن يحظى براحة الضمير، وغفران الذات!.
فالعلم والمعرفة الى جانب المال والقوة، عناصر مثلث الشر المدمر في تاريخ العالم.

(5)
"لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض..
حيث يفسدها السوس والصدأ..
وينقب عنها اللصوص ويسرقون..
بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء..
حيث لا يفسدها سوس
ولا ينقب عنها لصوص
ولا يسرقون.
فحيث يكون كنزك، يكون قلبك!"- (مت 6: 19- 21)
هنا تأكيد آخر على علاقة المال بالقلب، وعلاقة القلب وتسلطه على الفكر والشعور والسلوك. وعندما يلتبس القلب [أفكار/ مشاعر/ رغبات] بمظاهر دنيوية ومجتمعية، يقع الفرد فريسة للشر، ومنظومة البؤس التي لا تنتهي بغير الضياع والاحباط واليأس.
"رأى الربّ: أن شرّ الانسان
قد كثر في الأرض، وأن
كل تصور فكر قلب الانسان،
يتسم دائما بالاثم.
فملأ الأسف والحزن قلب الربّ،
لأنه هو عمل الانسان!"- (تك 6: 5- 6)
ان المال، إذا كنزته، امتلك عليك قلبك، وامتلكك، وساد عليك؛ وإذا أنفقته، املتكته وكنت سيدا عليه.
وفي هذا تمييز بين من يختار ان يكون عبدا للمال، أو يكون سيدا على المال!

(6)
"احذرو!.. أن تعملوا برّكم أمام الناس
بقصد ان ينظروا اليكم!.
والا، فليس لكم جزاء عند أبيكم السماوي.
فاذا تصدّقت على احد،
فلا تنفخ أمامك في البوق..
كما يفعل المراءون في الشوارع..
ليمدحهم النلس!..
أما أنتم، فلا تفعلوا مثلهم..
وعندما يتصدق احدكم..
فلا يدع يده اليسرى تعرف ما تفعله اليمنى!
لتكن الصدقة في الخفاء..
وأبوكم السماوي يرى ما في الخفاء!"- (مت 6: 1- 4)
تخصص اليوم صفحات كاملة في الصحف، وساعات بث طويلة للترويج الاعلاني، لفلان الفلاني، أو المؤسسة الفلانية، الحكومة الفلانية أو الحزب الفلاني أو الطائفة الفلانية، لقيامه بمشروع خيري، أو مساعدته جيوب الفقر او المرض، او برامج الاغاثة الانسانية..
وربما خرجت تلك المساهمات والتبرعات عن سبل الخير والصلاح، وكان ظاهرها خلاف باطنها..
ونعرف، أنه منذ ظهور جماعات الاسلام السياسي، انتشرت ظاهرة جمع تبرعات في الشرق والغرب، على شكل صناديق أو برامج أو هيئات خيرية، ناهيك عن المراكز الدينية وبعض العاملين بها، كانوا قنوات لتدعيم وتمويل الجماعات الارهابية وعمليات التدمير والقتل الجماعي المزدهرة منذ الثمانينيات لليوم.
وعندما تقيّم كلف الاسلحة والاعتدة ورواتب المرتزقة، يعرف المتصدقون والمتبرعون، مدى مساهماتهم في سياسات التقتيل والتدمير المبرمجة التي طال معظمها بلداننا ومجتمعاتنا.
معظم المتاجر والمنشآت التجارية في بلدان المهجر، تقدم اتاوات وزكوات وصدقات لجماعات مرتبطة بالارهاب والدمار. فهاته التبرعات ليست مظهرية منافقة فحسب، وانما لا صلة لها بالعنوان.
استغلال التبرعات للدعاية الشخصية أو غير الشخصية، هو مظهر من مظاهر الفساد التي لا تحصى اليوم. ناهيك عما تتضمنه من فضح وتشهير بحماعات المحتاجين ومستلمي الاعانات.
ومنه، يعرف الجميع اسماء البلدان والحكومات والجماعات المسجلة على قائمة المعونات الأمريكية السنوية.
هذا الامر يمتد في معناه اليوم ليشكل النشاط الاعلاني ووسائل الاعلام التي تتصدر الحياة المعاصرة، ومدى خطورة دورها وممارساتها في خدمة الشر العالمي.
بل ان المؤسسات الاعلامية اليوم، جزء من امبراطوريات المال التي يبتلع احدها الاخر. ليس على صعيد الدعاية والورق، فحسب، وانما شركات النت المولغة في الفساد المالي والاخلاقي.
وما شركات تنظيم المباريات الرياضية ومسابقات الجمال والفنون والاداب الشائعة اليوم، في ظلال الكوارث والحروب وسقوط البلدان والمجتمعات، إلا مظهر من مظاهر الفساد، وغطاء له!.

(7)
"- أيجوز أن تدفع الضريبة للقيصر أم لا؟..
أيها المراؤون، لماذا تجربونني؟...
أروني عملة نقدية! (فأروه دينارا)
لمن هذه الصورة وهذا النقش؟..
للقيصر!..
إذن، ادفعوا ما لقيصر لقيصر،
وما لله، لله!"- (مت 22: 17- 21)
هنا اختباران لموقف يسوع من المال، وموقفه من السلطات، مما يحيل على التعليم الذي استهللنا به هاته المداخلة.
وكان قادة الدين يتربصون به، كي يوقعوه بكلمة أو يورطوه مع السلطات الحاكمة، وهو ما أشار اليه ضمن ردّه عليهم.
وكان موقف يسوع من الاثنين واحدا وواضحا، في عدم خضوعه لأي منهما.

(8)
"ولما وصلوا الى كفرناحوم،
جاء جباة الضرائب الى بطرس
وقالوا: ألا يؤدي معلمكم ضريبة الدرهمين؟..
فبادره يسوع بالسؤال:
ما رأيك يا بطرس،
ممن يستوفي الجبة الضريبة؟..
أمن الأجانب أم من ابناء بلادهم؟..
أجاب بطرس: من الأجانب..!
إذن: الأبناء أحرار!..
ولكن، لكي لا نضع عثرة لهم،
اذهب الى البحيرة، والق السنارة،
والسمكة التي تطلع أولا..
تجد في تجويف فمها أربعة دراهم،
خذها وسدد الضريبة عني وعنك!"- (مت 17: 24- 27)
في هذه ايضا، لم يثبت ان يسوع كان معه مال، صغر أو كبر، ولم يكن لتلاميذه مال، أو سعي للحصول عليه.
من الممكن ان تكون الاشارة للسمكة، بيانية رمزية، كأن تكون محارة او ماسة، أو مادة تشتق من عالم البحر، بقيمة الدراهم المطلوبة. وكانت الدفوعات السلعية مقبولة حتى الفرن العشرين، سيما عند السلطات الحكومية.
الاشارة هنا، تتجه لطريقة استخدام المال او الغرض منه، اكثر منه، الالة المجردة، حيث سبق الاشارة لعدم الاكتناز، وانما تسخير القدرة للاستثمار والمنفعة العامة.

(9)
"دخل يسوع الهيكل
وطرد من ساحته
جميع الباعة والتجار
وقلب موائد الصيارفة
ومقاعد باعة الحمام
وقال لهم: مكتوب،
ان بيتي بيتا للصلاة يدعى!
وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!"- (مت 21: 12- 13)

(10)
"وتطلع، فرأى الاغنياء
يلقون تقدماتهم في صندوق الهيكل.
ورأى أيضا أرملة فقيرة
تلقي فلسين في الصندوق.
فقال يسوع: الحق أقول لكم:
ان هذه الأرملة، قد ألقت
أكثر منهم جميعا.
لأن هؤلاء –(الأغنياء)-
من فضلتهم ألقوا،
وأما هي، فمن حاجتها
القت كل ما لديها!"- (لو 21: 1- 4)
فقيمة المال لا تقاس بكثرته الكمية، وانما بقيمته النوعية، بحسب الحاجة والتوظيف.

(11)
"واحد من الاثني عشر،
وهو المدعو يهوذا الاسخريوطي،
ذهب الى رؤساء الكهنة، وقال لهم:
كم تعطونني لأسلّمه لكم؟..
فوزنوا له ثلاثين قطعة من الفضة.
ومن ذلك الوقت، أخذ يهوذا
يتحين الفرصة، لتسليم المعلم.
(وفي بستان جثسيماني)
فيما يسوع يتكلم،
إذا يهوذا الاسخريوطي،
وصل ومعه جمع عظيم
يحملون السيوف والعصي،
وقد أرسلهم الكهنة وشيوخ الشغب.
وكان الخائن قد أعطاهم علامة،
أن الذين يعانقه ويقبله،
يكون هو، فيقبضون عليه.
فتقدم في الحال الى يسوع،
وقال له: سلام يا سيدي! وقبّله.
فقال له يسوع: يا صاحبي!
أبقبلة تبيعني؟.. تقدم الجمع
وألقوا البض على يسوع.
(!) فلما رأي يهوذا
أن الحكم قد صدر
على معلمه بالاعدام، ندم،
وردّ الثلاثين قطعة من الفضة،
الى رؤساء الكهنة وشيوخ الشغب.
وقال: اخطأت إذ سلمتكم دما بريئا!.
وألقى قطع الفضة في الهيكل
وانصرف. ثم ذهب وشنق نفسه.
وأخذ رؤساء الكهنة قطع الفضة
وقالوا: هذا المبلغ ثمن دم!.
ولا يحل القاؤه في صندوق الهيكل.
وبعد التشاور اشتروا بالمبلغ
حقل الفخاري ليكون مقبرة للغرباء.
وما زال ذلك الحقل لليوم،
يدعى حقل الدم."- (مت 26: 14- 16، 47- 50، 27: 2- 10)
فالوجه الظاهر ان المال وراء الخيانة والشاية وايقاع يهوذا بمعلمه. وما هي النتيجة المنطقية، حقل الدم، الندم والانتحار.

(12)
"لا تهتموا لمعيشتكم، بشأن
ما تأكلون وما تشربون،
ولا لأجسادكم بشأن ما تكتسون..
أليست الحياة أكثر من مجرد كساء
تأمّلوا طيور السماء،
انها لا تزرع ولا تحصد،
ولا تجمع في مخازن.
وأبوكم السماوي يعولها.
أفلستم أنتم أفضل منها كثيرا!
فمن منكم إذا حمل الهمّ..
يمكنه أن يطيل عمره ساعة واحدة؟..
فلا تحملوا الهمّ قائلين:
ما عسانا ناكل؟..
ما عسانا نشرب؟..
ما عسانا نكتسي؟..
فهذه الحاجات كلّها،
تسعى اليها الأمم..
وأبوكم السماويّ
يعلم حاجتكم اليها جميعا!
فاطلبوا أنتم ملكوت السماء وبرّه،
وهذه كلها تزاد لكم!..
لا تهتموا بأمر الغد،
يكفي اليوم ما فيه من سوء!"- (مت 6: 25- 27، 31- 34)
هذا النص هو تتمة متصلة لنص التعليم عن المال في الموعظة على الجبل، وامتداد مباشر له. وبشكل يلغي فكرة اشتغال القلب بالمال، الذي يراد به تامين الطعام والشراب والكساء. فإذا تم تأمين حاجات الطعام والثياب والكساء والسكن والمواصلات، فما هو الغرض من المال أو مبرر وجوده اذن؟!.
وبحسب منظور المالية العامة ونظام البنوك، لا يسوغ اكتناز المال أو تجميده، ولا وجوده خارج دائرة الاستثمار والتوظيف في المجالات الاجتماعية والمصلحة العامة للمجتمع.
البعد الاخر في هذا الصدد، نجد تقاربا وتداخلا بنيويا لرؤية يسوع تجاه المال والاقتصاد السلعي، من نظم المشاعية القبلية و الادارة الاشتراكية لاقتصاديات المجتمع، بما يحقق الاكتفاء الذاتي وسد الاحتياجات والتكافؤ بين الافراد والمشاركة في العمل والخدمة العامة، دون أثر للملكية الخاصة والحيازة والتمايز والتنابز.

(13)
يقول الشاعر في ذلك..
ثيابي، ثياب رثّة،
غير أنها نِظافٌ،
فلم تلحق بهنّ، جيوب!
!
ـــــــــــــــــــــــــــ
دعيت ايضا بالوصية الذهبية، تمييزا لها عن الوصية العظمى: (مت 22: 36- 40)



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع لم يحقد ولم ينتقم ولم يتوعد.. (8)
- يسوع لم يتكبر ولم يفتخر ولم يعيّر..[7]
- يسوع لم يتسلط ولم يتسلطن..[6]
- يسوع لم يهتم بالثياب والطعام والسكن..(5)
- يسوع لم يرسم كليركا ولم يصنف هيراركيا..(4)
- يسوع لم يؤسس كنيسة حجرية ..!(3)
- يسوع لم يؤلف كتابا.. (2)
- يسوع لم يؤسس ديانة..! (1)
- المنظور الاجتماعي في قصيدة بن يونس ماجن بعد عودتي من مراسيم ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر حسن البياتي (جنود الاحتلال ...
- عيد ميلاد مجيد للشاعر الكبير مظفر النواب..!
- المنظور الوجودي في قصيدة الشاعر ماهر شرف الدين: (حصاة في كلي ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعرة وداد نبي (لا فراشات هنا)
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر بلند الحيدري (عشرون ألف قت ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر أحمد عبد الحسين :قول (قصة ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر سلمان داود محمد (عندما حذف ...
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (5)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (4)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (3)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - يسوع لم يتعامل بالمال ولا السيف ولم يلمسهما..[9] ق1