أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شريهان … قطعة البهجة والعذوبة














المزيد.....

شريهان … قطعة البهجة والعذوبة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 18:12
المحور: الادب والفن
    


===================


كان لابد أن أُقدّم موعد رجوعي لمصر من السفر عشرة أيام لأكون في مقدّمة من احتشدوا احتفاءً وفرحًا بعودة عصفورة السحر والجمال إلى عيوننا، بعدما جفّت مآقينا من طول ما غابت عنها. عانقتني بحنوّها، لحظةً طويلة كأنها العزاءُ لي عن عامٍ مرير مرَّ عليّ كأنه الدهرُ، وعانقتُها لحظةً طويلة كأنها العتابُ لها على حرماننا منها كل تلك السنوات. قالت لي: “بحبك قوي.” وقلت لها: “أنت مغروسةٌ في قلبي كزهرةٍ دائمة الإشراق.”
في فستانها الورديّ المُطرّز بالزهور الناعسة، ظهرت العصفورةُ على رأس سُّلّم الفندق الكبير في حفل الاستقبال، مثل أميرة حسناء من عصور الأساطير. عن يمينها شاعرٌ كبير وعن يسارها مُنتج فنيّ كبير، وكلاهما من "آل العدل"، صُنّاع الجمال والفن الرفيع ورُعاته في مصر. أمسك د. مدحت العدل بيمناها، ود. جمال العدل بيسراها، ووقفت بينهما شريهان عروسًا تسُرُّ الناظرين. عند رأس السُّلّم العالي وقفت تنظر إلينا، نحن المتحتشدين لاستقبالها عند سفح الدَّرَج في قلوبنا شغفٌ وفي قلبِها رهبة. حينما التقت عيناها بعيوننا المتطلّعة إليها في حبٍّ، وضعت كفيّها فوق عينيها، كأنما لا تقوى على استقبال طاقات الحبّ الهائلة التي صوّبتها قلوبُنا نحو قلبها. تهادتْ مثل فراشةٍ تحطُّ من العُلا على رؤوس الأزهار، وحينما شارفت الجميلةُ صفوفَنا الصاخبة بالتصفيق والهتاف، رفعت كفّيها نحو الله تشكره على هذا الكنز الثمين: محبّة الناس.
ومَن يقوى على غير حبّ تلك الأيقونة الجميلة، ابنة النيل وربيبة طميه الثريّ؟! شريهان، ابنة مصر الفريدة التي أحبّت جمهورَها، بقدر ما أحبّت فنّها، بقدر ما أحبّت وطنَها؟َ قالت: “أنا مش باعرف أعمل حاجة من غير حبّ.” وصدقتْ في قولِها لهذا نحن صدّقناها. ذلك نهجُ "الحقيقيين" من البشر. وشريهان إنسانٌ حقيقيّ. وفنّانة حقيقية.
بعد برهة، دخل علينا، في مقعده المتحرك، أحدُ أساطين الفن المسرحي الاستعراضي، سمير خفاجي، الذي أنتج لنا معظم ما نستمتع به من مسرحيات واستعراضات مدهشة. المبدع الذي ساهم في صقل معظم مواهبنا المسرحية. جاء في سنوات عمره الثمانين، فجثتِ العصفورةُ عند قدميه تقول له: “هل تذكر؟ استقبلتني في مطار أمريكا وأنا مطويةٌ على عودي النحيل مثل عروس ماريونيت قُطعت خيوطُها. فقلتَ لي ستعودين كما كنتِ، وساندتني حتى امتشق عودي من جديد. وها أنا اليوم أقول لك: شكرًا يا أبي لأنك لم تتخلّ عني أبدًا، وإنني أحبّك.” فأشار لها شيخُ المسرح الكبير بإصبعيه وحرّك رأسه يمنةً ويسرةً، فقرأنا على شفتيه كلماتٍ تقول لها: “أنتِ مفيش منك اتنين.”
بكت شريهان وبكت قلوبُنا. بعد خمسة عشر عامًا لم تطأ قدمُها الراقصةُ خشبات المسرح، عادت بكامل جمالها وكامل سطوتها الآسرة لتنئبنا أن الفنَّ هازمٌ المرضَ وداحرٌ الانكسار. لا فنانَ يُكسر، فإن كُسر ما كان فنانًا. ولا صاحبَ رسالة يتوارى، فإن توارى فلا كان صاحبَ رسالة. وتلك الخلاسيةُ الجميلة فنّانةٌ وصاحبة رسالة. توارت عن ناظرينا برهةً حين ناوشها المرضُ؛ لأنها أشفقت على قلوبنا من الحزن عليها. لكنها خرجت للميادين حين نادتها مصرُ حاملةً وطنيتها وحاملة غضبها من احتمال سقوط مصر. لا أنساها في ميادين مصر توزّع الطعام على الثوار وتنادي مع المنادين بسقوط المرشد ومناهضة الإخوان لصوص الأوطان. لا أنساها في الجينز الأزرق والقميص البسيط وقد عقصت جدائل شعرها الطويل بشريط خشن ورافقتنا بملامحها الفاتنة المتمردة دون مساحيق تآذر مصرَ وتطلب حريتها مع الثائرين على الطغيان والفاشية.
أثناء غيابي عن مصر العام الماضي، والغربةُ تفتت أوصالي، وحنيني لوطني ينحرُ في قلبي، كتبتْ لي شريهان تقول: “أنتِ هنا يا حبيبتي. واقعٌ وحقيقة مصرية مبدعة صادقة وجميلة في النفس وفي القلب. لم ولن تغيبي أبدًا.” لم تنسني الجميلةُ ولم تعتد غيابي، كما لم تنسها مصرُ ولم تقبل غيابها. وحين كتبتُ فيها قصيدة "الخلاسية"، ردّت عليها بقصيدة أجمل قائلة: “حفظتُ معانيها في قلبي وهو يفتخر، وكتبتُ حروفَها شرفًا على صدري. عشقي واحترامي لشخصكِ وقلبك وقلمك، أيتها المصريةُ المصرية.” أنبئينا يا شريهان، هل أنت شاعرةٌ أيضًا؟ أنت قطعةٌ نادرةٌ من البهجة والعذوبة التي لا تغيب. شكرًا للعدل جروب، ونعد أنفسنا بالكثير في مقبل الأيام، من عصفورة الفنّ الجميلة.

فاطمة ناعوت
المصري اليوم



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟
- لأن الله يرى ولأن مصر تستحق!
- طائرةٌ للفاسدين والسد العالي الجديد
- الأقباط … يركلون أمريكا
- لأن الله يرى!
- الشنطة بيني وبينك
- المصري اليوم تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت
- على هامش البطرسية
- أيها الجندي … أنت تجرحني!
- الجميلةُ المغدورة، اليومَ عيدُها
- من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟
- قُبلة يهوذا
- لهذا لم أحادثك يا صبحي!
- دموعُ الفارس | إلى محمد صبحي
- شجرةٌ وأربعُ عيون
- محاكمة نجيب محفوظ وأجدادنا والفراشات
- مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شريهان … قطعة البهجة والعذوبة