أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مسحوق الديب














المزيد.....

مسحوق الديب


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 00:37
المحور: الادب والفن
    


كان الشاعر المصري عبد الحميد الديب(1898/1943) شاعرا موهوبا ولكنه عاش بائسا ومات فقيرا أرسله والده للدراسة في الأزهر فضاق بمناهج الأزهرنظرا لميوله الأدبية وعاش حياة بوهمية حتى أن سيد درويش(1892/1923) نابغة الموسيقى احتضنه اعترافا بنبوغه واستدرارا لشاعريته التي فكر في استغلالها بتحويل شعر الديب إلى أغاني لكن سيد درويش عاجلته منيته فعاش الديب بعد ذلك حياة الصعلكة والجوع دون أن يكف عن هجاء الناس والحياة وكان الناس يتبادلون نكته وشعره حتى أن إحدى الجرائد اتفقت معه على نشر قصيدة له مع منحه قليلا من الأفيون كمقابل ودأب الديب على نشر قصيدة كل أسبوع مقابل الأفيون لكن الجريدة لم تستطع بعد ذلك تلبية رغبة الديب لغلاء سعر الأفيون فقرر أصحابها خداعه بتقديم مسحوق غذائي على أنه أفيون استدرارا لشعر الشاعر لأن الديب هو الذي ساهم في انتشار الجريدة ومواظبة قرائها على قراءتها لكنه علم بعد ذلك أن المسحوق الذي كان يستهلكه لم يكن أفيونا فانهال على رئيس تحرير الجريدة بالسب والشتم ولم يعد إلى نشر شعره في الجريدة، وعاد إلى التشرد والصعلكة والنوم في المساجد وعلى الأرصفة حتى اخترمته المنايا في شرخ الشباب شأنه شأن النابغين الذين لم يعيشوا أمدا طويلا.
والغريب أن الديب كان ينتشي وكأنه يغيب عن الوعي لظنه أنه يستهلك أفيونا مع أنه كان يستهلك دقيقا أو حليب أطفال مخلوطا بمسحوق آخر.
وأنا أسوق هذه القصة للدلالة على مفعول الكلام وأنه سلطة كسلطة الرمز يهيمن علينا ونستسلم لخدره دون التفكير في مضمونه وفي حياتنا عبودية لأغلال صنعناها بأيدينا واتفقنا جميعا على حلاوة اللعبة وانتشينا جميعا بمسحوق الديب انظر مثلا إلى كلمة الدكتور إنها سلطة موحية بالهيبة وعدم المناقشة والاعتراض ونستسلم جميعا لخدرها دون أن نكلف أنفسنا التساؤل عن مضمون الكلمة ماذا يمكن أن تعني إذا لم تعن إنتاجا وإبداعا في العمل سواء أكان في التدريس أم في التأـليف أم في الصناعة ؟ أترى صاحبنا استسلم لخدر الكلمة فقال تحت دوحة اللقب العلمي مسلما نفسه إلى كسل واجترار وما بال الناس لا يكفون عن تعاطي مسحوق الديب، لم يقدرون هذا اللقب قبل أن يسألوا صاحبه عن إسهامه في تنوير حياة الناس ونفعهم أم تراهم انخرطوا في استهلاك ذلك المسحوق وانتشوا بلا خدر حقيقي غير سلطة الوهم؟
أشكر كل الذين يتابعون منشوراتي على أنها أدب ويستولدون صبرهم علي من رحم قلقهم حتى لا أستسلم لخدر الوهم بالإنتاج وأحسب نفسي أديبا وأتعاطى مسحوق الديب بكل وعي عكس ما حدث للشاعر وأنا أسأل إخواني عن الكف عن استعمال كلمة الدكتور حين يعلقون على منشوراتي لأن قبولي ورضاي بها خمر مغشوشة- ولكنها تسكر- فوا أسفاه أن أحد على شراب مغشوش؟
كأننا لا ننتظر كتابة إلا من حملة اللقب العلمي ولا نطمئن إلا إليه حتى الدكتور جميل ميلاد الدويهي عميد أدباء المهجر لم يبخل على بتعاطي مسحوق الديب أخذ من دراساتي للأدب المهجري وأثبت كلامي مانحا إياي لقبا علميا لا أدعيه ولقد أرسلت إليه بمقالة لينشرها في مجلته أفكار اغترابية الصادرة في ملبورون فنشرها مشكورا وأنا قصدت إلى تنبيهه إلى أنني لا أحمل هذا اللقب الذي نسبه إلي بكل لطف وكياسة، وعجبت كيف انطلت عليه اللعبة وهو الذي يعيش في الغرب حيث الاعتبار للعمل لا للإطار إذ يجلس العالم في الأستديو وينادى باسمه فقط حتى لا يكون لكلامه سلطة تضلل الناس وتمنعهم من الفحص والنقد والاعتراض، فانساق الأستاذ الدويهي وراء الوهم هو الآخر . فأنا إن قبلت بتعاطي هذا الشراب المغشوش خنت نفسي فصدقت الكذب ولهثت وراءه وأعيش حكاية أشعب لما جاع ولم يجد ما يأكله نادى الصغار وكانوا يلعبون فأرشدهم إلى بيت وقال لهم إن فيه وليمة وصدقهم وجرى وراءهم !ثم ما حاجة الإنسان إلى اللقب إن شكوة الزمن تمخض السائل الذي بها فما كان زبدة سوف يبقى وما كان رغوة إلى زوال تحقيقا للمقصد الهي من سعي الإنسان في هذه الفانية.
وكأننا لا ننتظر حداثة إلا من مهندم هنداما أوربيا إن الشيخ محمد عبده والشيخ المراغي وعبد الحليم محمود والشيخ شلتوت كانوا أكثر حداثة من المهندمين هنداما أروبيا أيوصفون بالرجعية لأنهم لم يلفوا أنفسهم في ثياب أروبية ؟ وكأننا لا ننتظر التنوير إلا من من يقدم إلينا مسحوق الديب فيوهمنا بهندامه أنه تنويري مع أنه رجعي فكم من دعاة التنوير المهندمين هنداما أروبيا أشد ظلامية من حالك الدجى ؟
وبالمقابل لا ننتظر دينا إلا من معمم أو من أزهري أو زيتوني وماذا يصنع مصطفى محمود وقد كان طبيبا ألا يحق له الكتابة عن التصوف لأنه طبيب أمراض صدرية؟ وما عساه أنيس منصور يكتب وهو مجرد طالب فلسفة وصحافي وأنا أحب أن أقدم مصطفى محمود قدوة ونموذجا لأنه عاش في خدمة الناس طبيبا للفقراء بالمجان ثم بنى مسجدا في الزمالك ومرصدا فلكيا تحقيقا لقناعته بضرورة ربط الإيمان بالعلم؟ أنرفض كتابته في الدين لأنه طبيب ولا يستحق أن يقرأ لأن الطبابة تمنعه من تذوق الجمال والإحساس به والاندغام فيه والتدبر في بهاء الملكوت وجلاله والتعبير عن ذلك بالقلم ؟
إنني أشكر شكرا إخوانيا لا ديوانيا مضمخا بطيب المودة وصادق الامتنان بالتقدير الذي تكنوه لي والمشاعر النبيلة الطافحة بأريج الإعجاب والمغلفة بكلمات نسجت من شرايين الفؤاد ومهرت بأنفاس الروح وهي عندي محل تبجيل واحتفاء وإنما أردت التنبيه على مسألة هي أشبه تماما بمسحوق الديب وهي الاستسلام لخدر الكلمة وسلطتها حتى يقول الواحد منا بلسان مقال وحال قيس بن الملوح:
أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها: اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا؟
وإذا كانت السلطة على قيس مبررة فسلطة الكلمات علينا لا تبرير لها إلا أن نبخس أنفسنا حقها في الوعي والرأي واستقلالية الشخصية .
وقد تكون الكلمة مجرد وثن صنعناه بأيدينا مع أنه حجارة من حروف الأبجدية وسرباله رموز سلطوية لا أكثر ولا أقل.
شكرا لكم جميعا وعلى الوئام والوعي نلتقي.



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة
- سلطة اللغة
- فتنة باريس/دفاعا عن ثقافة الأنوار
- مي زيادة وصالونها الأدبي(تحية لكل امرأة واقفة صامدة كالشجرة)
- فى حب مصر: عتاب بين يدى إيزيس
- الجواهري شاعر الرفض والإباء) نحو مجتمع مدني ديموقراطي عادل و ...
- خابية الأوهام -حاجينا وجينا-
- تأملات في عالم حنا مينة الروائي (المقال مهدى لروح صادق جلال ...
- في وداع جدي
- بروميثيوس عربيا
- كلمة عن العلم
- حلم
- أشراف و..........
- عذابات مثقف غير عضوي
- سيدة لبنان وجارة القمر في عيد ميلادها:
- رباعيات الخيام روعة الانتشاء ولوعة الفناء
- بيدي لا بيدك عمرو ظاهرة الانتحار عند أدبائنا
- جمانة حداد وأنطولوجيا الشعراء الغائبين
- من حديث الثورة والثائرين
- طه حسين ورسالة التنوير العربي


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مسحوق الديب