أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 44














المزيد.....

سيرَة أُخرى 44


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5394 - 2017 / 1 / 6 - 19:01
المحور: الادب والفن
    


1
لليوم الرابع لم أخرج من البيت، بسبب نزلة البرد الطارئة. في مقابل ذلك، صرتُ معتاداً على الصعود صباحاً إلى سطح الدار للتمتع بأشعة الشمس الساخنة والهواء اللطيف والرائحة العبقة للأزهار. ولكن، منذ اليوم الأول أشترطتُ على أهل الدار أن يربطوا الكلبة " ليزا " بسلسلتها. إنها من الحجم الكبير، لديها على السطح حجرة خشبية، مفروشة. وأنا عادةً أتجنب الاقتراب منها مع أنها أكثر لطفاً بكثير من الكلبة " روز "، الضئيلة الحجم، التي تبقيها خالة ابني في الدار عندما تسافر مع أسرتها إلى إحدى مدن الساحل للاستجمام.
أعتقد أنّ عقدة ( رهاب الكلاب ) متأصلة عند بني قومنا بشكل عام. الحقيقة، أنني لم أقرأ ذلك في أي مصدر تاريخي يتعلق بالكرد وإنما لحظته من حكاياتهم وتصرفاتهم. ربما أنّ هذا الخوف من الكلاب، المندمج في جيناتنا، هو أحد نتائج طريقة العيش القديمة لأسلافنا. إذ المعروف عن القبائل الكردية ( باتفاق المصادر التاريخية )، ميلها إلى قطع الطريق والإغارة بهدف السلب والنهب. كون جيرانهم من عرب السهول وعاشوا بمجتمع رعويّ، فإن تلك الغارات كانت تستهدف أولاً قطعان الماشية. حتى مدونات الإخباريين الشوام العائدة للعصر العثماني، كانت تتكلم عن قيام الكرد ببيع الماشية المسروقة في أسواق دمشق وبسعر رخيص. إلا أن أولئك الأسلاف النهّابين، جعلونا ندفع الثمن نحن الأحفاد؛ لأن كلاب الرعيان العرب كانت تسبب لهم فزعاً كبيراً خلال تلك الغارات !

2
قمتُ بجولة بانورامية على المدينة بدأتها مشياً عند الساعة الخامسة مساء وأنهيتها على الموتور بحدود الساعة العاشرة ليلاً. لما خرجتُ من منزل العائلة، كنتُ مكتسٍ بجاكيت خفيف وتحته كنزة صوفية سميكة. فما لبثت أن بقيت بالكنزة، حين وصولي لساحة جامع الفنا. وكالعادة، كنت قد أخترتُ درب سوق الأضباشي ممراً إلى مركز المدينة. أفواج المحتفلين، من أطفال وفتية، كانوا يملأون الدرب والكثير منهم مع الطبلة والدف. هنا، يسمح بالألعاب النارية فقط في الفنادق ولا يمكن أن تباع في المحلات حتى الأنواع الصغيرة من المفرقعات. الأهالي كانوا يتسوقون أنواع الحلوى، استعداداً لحفلة رأس السنة. كان الزحام على أشده في السوق، وقد تلألأت فيه الرؤوس الشقر للسياح، المنهمرين على مراكش مثل ثلوج بلادهم.
ساحة جامع الفنا، هي كرنفالٌ يوميّ، فما بالك والليلة رأس السنة. أجتزتُ طريقي بصعوبة، وأذني يصدى فيها أصواتُ الآلات الموسيقية لفرق الكَناوة العديدة، علاوة على هدير الحشود الهائلة. وبسبب وجود الملك في مراكش، كان حضور رجال البوليس والمرور كثيفاً أيضاً. مررت بالمقهى الشعبي، المقابل للكتبية، ثم بما يليه من مقاهٍ. زوجان عجوزان، أوروبيان، كانا يتبادلان نخبَ السنة الجديدة. على الرغم من أن الوقت شتاء، فإنّ جميع نافورات شارع محمد الخامس كانت أضواؤها تتراقص على وقع موسيقى المياه. ومن ساحة غيليز، ذات النوافير العملاقة والعمارة الرائعة، أنعطفتُ نحو شارع الأوبرا. وإلى شارع محمد السادس، المبهر بأنوار على شكل النوافير والخيم والأشجار، وصولاً إلى المقهى. لدى العودة على موتور قريبي، مررنا بالحيّ الشتويّ الأكثر رقياً، وإذا بسيارة رانج روفر بيضاء تتوقف بإزاءنا عند الشارة الحمراء. الحسناء، التي تقود السيارة، ذكّرتني عندئذٍ ببطلة روايتي المراكشية !

3
عند الظهيرة، تمشيت إلى المدينة وهذه المرة عن طريق سوق القنارية، المتخصص ببيع التحف التذكارية. هذا السوق، عرضه لا يتجاوز المترين في بدايته، ثم يبدأ بالانفتاح رويداً إلى أن يتصل بساحة جامع الفنا. السياح هناك كانوا يفوقون أعداد المواطنين، وقد أكتسوا بالشورتات والقمصان القصيرة تحت شمسٍ حادة. ومن الساحة، أنتقلتُ إلى حدائق الكتبية ماراً بموقف عربات الكوتشي ( الحنطور ) ومن ثمّ قاطعاً شارع محمد الخامس. أشجار التين والرمان والتوت، تجرّدت تماماً من أوراقها، فيما أخواتها من البرتقال والزيتون والنخيل تزهو بخضرتها وثمارها. في حديقة الكتبية الشمالية، كان العمال منهمكين بترميم القناة الأندلسية الشكل، الممتدة عشرات الأمتار والمتصلة بين بحرتين كبيرتين لكل منهما نافورة على شكل الزهرة.
بين مدخليّ مجمع المأمونية والحيّ الشتويّ، فإنّ الدرب جميعاً محفوفٌ بعرائش المجنونة والياسمين ومظلل بأشجار الزيتون والنخيل والليمون. أمرّ على الأثر بإزاء صفين من العمارات العالية بدءاً بالفندق المطعم، جاد محل، ومن ثمّ سلسلة المتاجر والأوتيلات والمقاهي ذات الأسماء الفرنسية والمنتهية بساحة رائعة، يركن على طرفها الفندق الشهير، سوفيتيل. سائقو التكسي وحوذيو الكوتشي، يلوّحون لي من أمكنتهم الظليلة تحت الأشجار. أستمر بالسير تحت أسوار الفندق الآخر، السعدي، ثمة أين تنفتح ساحة أخرى تؤدي إلى جهة غيليز. فأصل إلى المدرسة الثانوية، ابن عبّاد، المقسّمة إلى أبنية عديدة جدرانها مكتنفة بعرائش المجنونة واللبلاب. وإلى حديقتي الأثيرة، جنان الحارثي، التي لن تلبث أن تفسح لي مقعداً في أفياء الزيتون والنخيل لكي أمتع عينيّ بمنظر كرم الصبّار الكبير، المحتوي على كل ما يمكن تصوره من شوكيات متوسطية وكاريبية. أشعر بعد قليل بالجوع، فأضطر للذهاب إلى أحد المطاعم. من هناك أتمشى إلى جهة المقهى، ولكن ليس قبل القيام بجولة على شارع العشاق !



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 44