أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كريم كطافة - في جدل الروائي المؤرخ















المزيد.....

في جدل الروائي المؤرخ


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 1425 - 2006 / 1 / 9 - 10:13
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


رغم أننا وبشكل واضح أمام آليتين منفصلتين في التناول، تلكما؛ آلية الروائي الذي يعتمد أو يستلهم التاريخ قريباً كان أم بعيداً مادة لعمله وآلية المؤرخ الذي يكون مدار عمله ذات المادة التاريخية. لكل أدواته وبؤر البحث الخاصة به وإن كان الموضوع هو ذاته. ألا أننا لم نعدم بروز الرغبة الواضحة، سواء المصرح بها من قبل الروائي نفسه أو من قبل نقاد نصه، بسعي هذا النص أو ذاك لتأرخة مرحلة ما أو حدث ما. الأمر الذي يجعل جدل الروائي المؤرخ يبرز إلى السطح بين الفينة والأخرى، بين من يريد إحلال الروائي محل المؤرخ ومن ينفي هذه الإمكانية جملة وتفصيلاً.
الرؤية على العموم، تغشوها الكثير من الطروحات والمزاوجات، إذ الحدود في موضوعنا لا تنتمي للبديهيات أو المسلمات التي تطلق هنا وهناك والتي ما عادت تريحنا من عناء مداورتها وبحثها في كل مرة بشكل مغاير. لم تزل ثمة إلتباسات وبقع معتمة تتخلل تلك العلاقة، ناهيك عن رغبة ألمت وما زالت تلم بالبشر، تدفعهم لتسقط أخبار وملامح ماضيهم لا عبر نصوص المؤرخين، بل عبر نصوص الفنانين..!! لعلنا حقاً وكما أكد (لوكاتش) في (الرواية التاريخية)، لا نريد معرفة الماضي بكتلته الخارجية المعطاة بشكل نهائي مرة وإلى الأبد، كما جرت العادة على تقديمه عبر نصوص المؤرخين، بل التعرف على مكونات تلك الكتلة وهي تعود متحللة عبر الفن إلى عناصرها الأولية الصغيرة والدقيقة، وهذه المهمة لا يلاحقها سوى الفنان(1).
آلية الروائي، وآلية المؤرخ. الاول مسكون بالواقع الحلمي، والثاني مسكون بالواقع الواقعي. الاول يستمد مادته من واقع مثلوم على الدوام، ويسعى لترميمه، والثاني يستمد مادته من واقع منتهي مكتمل، ما عليه سوى تدوينه أو هكذا يبدو له الامر على الأقل. الروائي وهو فنان بالمعنى العام، لكنه أقرب إلى الفنان التشكيلي بمعنى ضيق. هذا الفنان إذ ينظر الى وجه ما لا ينظره كما انظره أنا، هو ينظر الى الداخل وتجلياته على السطح، هو يرى بقايا ما زالت عالقة لحزن كان قد ألم بهذا الوجه وفارقه منذ قليل، يرى ملامح لفرح قادم لكنه غير مكتمل بعد، ملامح حيرة، شك، تردد، إفتقاد لليقين تطلقها العينان، في زاوية الفك العلوي ثمة توثب يقابله على الفك السفلي أرتخاء.. كل هذه وغيرها يراها الفنان ولا أراها أنا، وإذ يحاول تدوين ذلك الوجه، يجد نفسه مدفوعا لتدوين كل ذلك البوح الذي لم يره غيره. قد يكون ذلك البوح حقيقياً قد قرأه الفنان وأنفعل به، وبالتالي دونه. لكنه كذلك قد لا يكون حقيقياً، لم يبح له الوجه بتلك الأسرار، أنما الفنان كان مكتظاً بتلك الهواجس والإيحاءات وهو يبحث عن موضوع ليسقطهاعليه. وهنا تكمن تلك الفوارق التي تبدو ملتبسة بين فنان وآخر، بين من يستبطن الداخل في موضوعه، ومن يسقط الخارج على الموضوع. لكن، يبقى المؤكد أن الاثنين لا يدونان موضوعهما بأمانة. وأقصد بالامانة الموضوع كما هو عليه لا كما تريده أن يكون.
لعل سر قوة الإبداع في الرواية لا يكمن في أن الروائي يعرف ما يريده، ربما الأمر على العكس من ذلك؛ سر القوة يكمن في حقيقة أنه لا يعرف تماماً ما يريد. لذلك يظل في نصه المفتوح، باحثاً، ملاحقاً لذلك الذي يريده، دونما جدوى. القصدية أو المشاريع مسبقة الصنع، هي موت للأشياء والكائنات في النص. المبدع الذي يسعى لتأطير مخلوقاته بقصدية من أي نوع كانت لا يعمل سوى على تحنيطها بعد موتها، بينما هدفه الأول كان جعلها تعيش خالدة. رحلة البحث والاكتشاف في عملية الإبداع، وعرة ودروبها مطلسمة تشير إلى التيه أكثر مما تشير إلى اليقين، وإذ يتيه المبدع في شعابها، فأنه وفي الغالب ومهما حدث لن يعود إلينا بخفي حنين، يكفي أن يعرفنا على ذلك التيه الذي عاد منه، وكلنا في الأخير متورطون به، أنه تيه الإنسان. لا يمكن للإنسان أن يعيش شريفاً يقظ الضمير مدى حياته، كذلك هو لا يستطيع لو أنتقل إلى الخندق الأخر، كم من الشرفاء المجرمين وكم من المجرمين الشرفاء نصادف في حياتنا اليومية. الأمر متعب ومضني على الخندقين، حيث الاستقامة ليست من فطرة الإنسان إن كانت في الشر أو في الخير. الإنسان وفي كثير من الأحيان، ليس أكثر أو أقل من طلسم من الأفعال وردودها غير المنضبطة إلى قصدية. والروائي كما الإله في الخلق، عليه أن يكون حريصاً مع مخلوقاته، متأنياً، عطوفاً، حاسماً، لا تأخذه شفقة وتأخذه كل الشفقة.
إذ يقال أن (غائب طعمة فرمان) قد أرخ في كتاباته للحارة البغدادية في زمن ما، وكذلك فعل (فؤاد التكرلي)مع ذات الحارة، أنا أجد أن كلا الروائيين قد دونا الحارة البغدادية بصدق، وبنكهة بغدادية صميمية، لكنهما مع ذلك ورغم ذلك، لم يدونا الحارة البغدادية كما هي، بل قدما لنا حارتيهما البغداديتين، الحارة الرابضة في مخيلة كل منهما، وإن كانت تتشابه مع الحارة الأصل، لكنها ليست هي. يحدث هذا لان الآلية التي حكمت جهدهما كمبدعين هي ذات الآلية التي تحكمت بجهد الفنانين السالفي الذكر، من استقرأ الداخل الذي رآه هو فقط ومن أسقط الخارج المكتظ به هو دون غيره على الموضوع. وهكذا يكونان روائيين مبدعين مخلصين لإبداعهما.
اما المؤرخ، فيسعى الى تدوين ما قد انتهى وأكتمل بشكل وملامح اتخذت لها صفة الثبات، هو يلاحق وقائع ماض مضى وانقضى، ليس مطلوباً منه أن يكمل نقصاً ما، قد يبحث عن مبررات وأسباب يفسر بها ما حدث، لكنه في كل الأحوال غير معني بترميم ما كان واقعاً. هذا ما يسعى إليه المؤرخ، أو لنقل هذا ما يدعيه. لكن، وحتى على هذا الجانب؛ هل الامر هو هكذا حقاً..؟ شخصياً، أشك في هذا لسببين؛ أولهما؛ أن الزمن المتحرك أبداً لا يعترف بالنهايات، إذ لا توجد نهاية وإلا وهي بداية في نفس الوقت لحدث أو شيء آخر، وكثير من أحداث الماضي نفهمها فقط بعد أن نتمعن بنتائجها الحاضرة، النتائج التي لا تدخل أصلاً في صميم عمل المؤرخ. والسبب الثاني؛ أن المؤرخ هو أيضا فنان بشكل عام، والعلاقة التي تحكم نصه ما زال للغة فيها نصيب وافر، لا أقول مهيمن، ومن هنا الجفاف الذي نشعر به لدى قراءة نصوص عن التاريخ أو من التاريخ. لكنه نصيب موجود ومتحكم أحيانا. واللغة بتعريف مختصر قد يكون فيه من الإرتجال الكثير، هي وعي العالم الذي يدخل فيه الذات كذلك، بالكلمات. وإذا اتفقنا أن جين الايديولوجيا والعقيدة من الجينات الفاعلة في الكلمات، عندها نستطيع أن نفهم حجم وفاعلية المؤثرات المختلفة التي تتحكم بآلية عمل المؤرخ ولا تدعه يقدم الحدث كما هو عليه. يأتي على رأسها مدى تمكنه من الوسيلة (اللغة)، وهنا تكون لغة الزمن الذي يريد تدوين أحداثه وشخصياته، ثم تأتي التجربة الحياتية الشخصية للمؤرخ، ثم الغاية من البحث ودرجة الشعور بالمسؤولية إزاء العمل ومدى خطورة وفاعلية الرقابة والممنوعات في زمنه أو نوع السلطة الحاكمة.. وغيرها الكثير من المؤثرات التي تتحكم بوعيه وسلوكه وتدمغهما ببعدين أساسيين؛ تاريخي وأيديولوجي. لهذا اعتقد ان تاريخ الطبري هو تاريخ الطبري وليس تاريخ مسمى آخر. ما نقله لنا الطبري هو الأحداث الجارية في عصره أو العصور التي سبقته، لكنها الاحداث الممزوجة برؤيته الشخصية وبغايته من استعادتها. ذات الاحداث إذ يسجلها مؤرخ آخر سنجد فيها الإختلاف البين، الذي يزيد وينقص تبعاً لتلك العوامل التي قلنا أنها مؤثرات تتحكم بطريقة التناول. في تاريخ العراق الحديث، تطالعنا اسماء (علي الوردي) و (عبد الرزاق الحسني)، لو قرأت الاثنين وهما يتناولان ذات الحدث، ستجد إختلافات واضحة. ستجد إغفال يبدو متعمداً هنا، وزيادة تبدو متعمدة هناك. السبب مرة أخرى هو الرؤية الشخصية، الزاوية المحكومة بوعي مؤدلج بالضرورة. ويظل الاثنان مؤرخين صادقين، لكنهما صادقان مع نفسيهما وليس مع الاحداث.
عند هذا الحد، أستطيع أن أزعم؛ أن تدوين التأريخ عملية غير أمينة في كل الأحوال ومن أي طرف جاءت. وما وجد حتى الآن وسمي بـ(التاريخ)؛ هو مجموعة رؤى شخصية لأحداث قد جرت في زمن ما، وعلى المتلقي ان يقرأها بحذر وبشك وبمقارنات مع غيرها ليخرج بحصيلة يعتقدها هي التاريخ. وهنا تسقط تلك الأمانة المزعومة لكلا المبدعين؛ المؤرخ والروائي.
(1) نقلت ما قاله (جورج لوكاتش) هنا بتصرف وليس نصاً، لأن ما قاله كان فكرة لاحقها على مدى كتابه (الرواية التاريخية)، وأزعم أني اختصرتها بهذا المجتزأ الصغير.



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحيح العراقي
- بين الملاكم (تايسون) و(فيصل القاسم) ثمة جثة..!!؟
- مرة أخرى عن الحصان والعربة..!!؟
- نحن والمشتبه بهم
- محنة قناة الشرقية مع المجهول..!!؟
- بين الجزيرتين..!!؟
- شبكة الإعلام العراقية ومحنة الهوية
- بين العراقيين العرب وعرب الطائفة المنصورة..!!؟
- ماذا يحدث في سومرستان وأنباريا..!!؟
- من أفشى السر..!!؟
- ليس عندنا فساد.. عندنا تمويل ذاتي
- أسلم.. تسلم أيها السيد (القمني)..!!؟
- للحلاق رب يحميه..!!؟
- بين ثقافة الداخل وثقافة الجوادر..!!؟
- شؤون وشجون آخر امبراطورية للبعث
- لماذا يلاحقون لواء الذئب..!!؟
- الدنيوية بدل العلمانية..!!؟
- ماذا يريد اليسار..!!؟
- في ظلال مؤتمر نصرة الشعب العراقي
- ما زلنا نواجه ماري أنطوانيت الطيبة


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كريم كطافة - في جدل الروائي المؤرخ