أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيصل القاسم - العوّربة تصرع العولمة بأدواتها















المزيد.....

العوّربة تصرع العولمة بأدواتها


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1425 - 2006 / 1 / 9 - 10:09
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كما أن الثورة المعلوماتية الحديثة جعلت من العالم قرية صغيرة حسب توصيف العالم الكندي مارشال ماك لوهان فإنها في الوقت ذاته ساهمت وتساهم بشكل مطرد وغير مباشر في توحيد القوميات التي يتشكل منها العالم وتعزيز ثقافاتها وتأكيد هوياتها. أي أن العولمة قد تفرز ضدها في بعض الأحيان وهو ما لايتمناه سادة العالم الذين يريدون إعادة تشكيل المعمورة على هواهم ليصبح نسخة طبق الأصل عن ثقافاتهم. صحيح أن وسائل الاتصال الحديثة من أقمار اصطناعية وانترنت والأدوات العابرة للحدود والقارات قد صهرت العالم في بوتقة واحدة وجعلته مجالاً واحداً، إلا أنها دون أن تدري أعادت ووطدت الروابط التي انقطعت بين الكثير من الكتل القومية والثقافية التي أرادت العولمة تذويبها وصهرها في كيان واحد، وبالتالي جعلت منها من غير قصد عوائق كأداء في طريق التعولم المقصود.

صحيح أن شبكة الانترنت مفتوحة أمام كل سكان العالم ليبحروا فيها متى وحيثما شاءوا ويتفاعلوا فيما بينهم، وصحيح أيضاً أن تكنولوجيا الأقمار الصناعية جعلت كل فضائيات العالم متاحة للجميع دون استثناء، لكن لو نظرنا إلى تأثير وسائل العولمة الجديدة لوجدنا أنه يكاد ينحصر داخل قوميات ومجتمعات بعينها ولا يحقق غرضه العولمي المنشود لسبب بسيط، وهو أن العالم قد يلتقي تكنولوجياً لكنه يبقى مجزءاً ومستقلاً ومنفصلاً ثقافياً إن لم يزدد تقوقعاً مهما قويت وسائل العولمة وأدواتها، وبالتالي تكون العولمة أداة توحيد إقليمية وقومية أكثر منها أداة تجميع وصهر وتذويب عالمية. فبالرغم من أن كل مواقع الشبكة العنكبوتية متوافرة لدى القاصي والداني فإن المواقع الأكثر ارتياداً من قبل مستخدمي الانترنت العرب مثلاً هي مواقع عربية قطرية أو قومية بامتياز.

ولو أخذنا البث الفضائي مثالاً لرأينا أن العرب التفوا حول قنواتهم القومية دون سواها ليس فقط بسبب عامل اللغة بل بسبب العامل الثقافي والقومي تحديداً. فإذا ألقينا نظرة على القنوات التي يشاهدها العرب من المحيط إلى الخليج، نجد أنها فضائيات عربية بمجملها، وقد لا يزيد عددها على عشرين قناة بالرغم من أن الساتلايت يتيح للناس مشاهدة أكثر من ألف قناة عالمية في بعض الأحيان. لكن المشاهد يحصر مشاهدته في القنوات التي تعبر عن ثقافته القومية في السياسة والاجتماع والموسيقى والترفيه. وقلما تجد قناة أجنبية ضمن القنوات العشر المفضلة الأولى لدى ملايين المشاهدين العرب. ربما قد يبرمج بعض المثقفين والمتقنين للغات الأجنبية والمهتمين بالسياسات والثقافات العالمية بعض القنوات الأوروبية والأمريكية ضمن قائمة القنوات المفضلة على أجهزة الاستقبال لديهم، لكن عدد هؤلاء محدود جداً ولا يمثل الطيف الشعبي العام.

وكما ساهمت وسائل العولمة في التقريب بين العرب وجعلهم كياناً واحداً على الأقل ثقافياً، فإنها كانت أيضاً عوناً للإسلاميين الذين وسعوا رقعة نشاطهم السياسي والثقافي مستغلين الشبكة العنكبوتية وغيرها في مقارعة أعدائهم سادة العولمة. هل كانت «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن لتحظى بهذا التأثير والانتشار الدوليين لولا أدوات العولمة الإعلامية من فضائيات وشبكات اتصال؟ بالطبع لا.

ومما يزيد في حنق سادة العولمة وموجهيها أنه حتى العرب الذين يعيشون في الغرب والذين يتقنون لغات البلدان التي يقطنون فيها ومن المفترض أنهم انصهروا في المجتمعات الغربية نجد أن جل مشاهدتهم ينحصر في القنوات العربية. صحيح أن المشاهد العربي قد يشاهد القنوات المحلية في أوروبا مثلاً لكنه بعد وصول البث الفضائي العربي إلى ديار الغربة قلل كثيراً من متابعته للقنوات الأوروبية وحصر اهتمامه بالفضائيات العربية العابرة للحدود. لهذا السبب تحديداً فرضت السلطات الفرنسية في فترة من الفترات قيوداً على تركيب أجهزة الاستقبال الفضائية في المناطق التي يسكنها الأجانب والعرب لا لشيء إلا لأنها وجدت أن السواد الأعظم منهم راح يشاهد قنواته القومية وهجر القنوات الفرنسية المحلية مما أفشل تماماً ما يسمى بسياسة الإدماج الفرنسية المعروفة الهادفة إلى صهر الأجانب في المجتمع الفرنسي. بعبارة أخرى فإن ثقافة التجمعات القومية (الفيتو) في الغرب من سخرية القدر قد تعززت أكثر فأكثر بعد ظهور وسائل العولمة التي تنشد التذويب الثقافي والتوحيد العالمي، وبدلاً من الانصهار الثقافي توطد التشظي الثقافي والقومي مما جعل الدول الغربية تراقب الوضع عن كثب خشية أن تتحول إلى مسرح للصرعات العرقية والثقافية. بدورها تقوم السلطات في الكثير من البلدان الأوروبية بمراقبة البرامج التي تبثها بعض القنوات العربية وتدرس تأثيرها على العرب المقيمين فيها، خاصة بعدما راح المغتربون العرب يزدادون تعلقاً واهتماماً بقضايا بلدانهم بفضل وسائل العولمة الحديثة.

ومن الواضح أيضاَ أن التأثير العكسي للعولمة لا يقتصر على الأوساط الشعبية فقط بل طال أيضاً شرائح المثقفين المنفتحين على الثقافات الأخرى، فقد سمعت من كثير من الفرانكوفيين في دول المغرب العربي أنهم تخلوا عن متابعة القنوات الفرنسية مثلاً بعدما أشبعت القنوات العربية نهمهم السياسي والثقافي والمعرفي. بعبارة أخرى فإن العولمة الإعلامية تحديداً لم توحد فقط الشارع العربي من المحيط إلى الخليج وجدانياً وثقافياً بل حيدت أيضاً بعض النخب التي كانت محسوبة على التيار الغربي أو العالمي المتعولم وجعلتها أكثر قرباً من قضايا وطنها وثقافته.

باختصار فإن مفعول العولمة جاء عكسياً على الصعيد العربي. وربما كفرّت تكنولوجيا المعلومات الغربية من خلال توحيدها للشارع العربي دون قصد عن ذنوب المستعمرين الغربيين الذين سعوا عبر تاريخهم إلى دق الأسافين بين العرب وتفريقهم عملاً بالاستراتيجية الاستعمارية القائمة على مبدأ «فرق تسد». صحيح أن الواقع السياسي العربي ما زال مشرذماً، إلا أن الواقع الثقافي القومي ازداد صلابة وتوحداً. بعبارة أخرى فإن العولمة نجحت حيث فشلت الأحزاب القومية العربية. ولعل القنوات الفضائية العربية العابرة للحدود أنجزت على صعيد الوحدة الثقافية أكثر من كل الشعارات والحركات «القومجية» مجتمعة. وهذا ما جعل حرب الأفكار التي تشنها أمريكا على العالم العربي مثلاً تواجه عقبات وصعوبات متصاعدة بفضل وسائل الاتصال التي انتجتها العقول الأمريكية والأوروبية واليابانية والتي على ما يبدو غدت سلاحاً يستخدمه العرب وغيرهم في الاتجاه المعاكس تماماً للعولمة المنشودة أمريكياً.

والمدهش أن أمريكا راعية العولمة لم تتذمر وتشتك من بعض وسائل الإعلام العربية وحتى تهددها إلا في عصر السماوات المفتوحة. كيف لا وتلك الوسائل الجديدة تعمل بمبدأ: «داوني بالتي كانت هي الداء». أي أن بعض العرب نجحوا إلى حد كبير في استخدام سلاح العولمة الإعلامية ضد صانعي ذلك السلاح أنفسهم. فهل انقلبت العولمة إلى عوربة في حالتنا العربية؟ ألم تستطع العوربة أن تصرع العولمة بأدواتها على المدى القريب على الأقل؟



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنيتا روديك: لدي خمسون مليون جنيه لن أترك منها جنيهاً لأولاد ...
- عندما يتاجر مصممو الأزياء بعذابات الفقراء
- لماذا وحدتهم الوطنية مقدسة ووحدتنا مدنسة؟
- السمكة تفسد من رأسها
- خرافة الإعلام الحر
- لماذا كلما ارتقى الغرب علمياً انحدر إنسانياً؟
- تعددت الأكاذيب والاستعمار واحد
- -الدمقراطية- العراقية:ضجيج ليبرالي وحُكم كهنوتي!
- مجلس الطُغيان الدولي
- متى يُحسن السوريون التعامل مع الإعلام؟
- محاكمة صدام على جريمة من وزن الريشة
- متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟
- أمريكا والشارع العربي: متى تأثر الرعيان بثغاء القطعان؟
- إلى الأمريكيين: إذا أردتم تحسين صورتكم لدينا فلا تصغوا لأزلا ...
- هل يحق للسعودية أن تتباكى على العراق؟
- كاترينا... من صنع أيدينا!
- ديكتاتورية الخبز
- لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟
- سامحكم الله يا آباءنا الطيبين!
- ليس دفاعاً عن الانفصاليين...ولكن


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فيصل القاسم - العوّربة تصرع العولمة بأدواتها