أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5392 - 2017 / 1 / 4 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


" لبنى "، شيّعت سيرَ زوجها بعينين ملتهبتين من الحنق والغيرة، وهيَ ترى غريمتها تقوده من ذراعه إلى خارج المقهى. لم أكن أقلّ منها ضيقاً، إلا أنني حافظتُ على صفاء ملامحي. " الشريفة "، لم يَفُتها معرفة حقيقة مشاعري، وكانت لا تفتأ تنظرُ إليّ من جانب. أما " الأستاذ محمد " وامرأته، فإنهما انشغلا عني بمراقبة حركات الزوجة المنكسرة الخاطر. وها هما يتناهضان بدَورهما، وربما تبديداً لسُحُب الموقف المحرج.
" هيا يا أولاد..! "، خاطبا ولديهما البالغين عتبة العقد الأول من العُمر. ولقد مضيتُ مع المرافقة بأثر الجماعة، مخلّفين وراءنا المرأة الملولة مع صغارها. كان من المفترض أن نعبرَ الوادي، مستخدمين أقرب جسر إلينا. إلا أنّ تغييراً طرأ على الخطة، طالما أن جماعة " الأستاذ محمد " مضوا أولاً إلى الدكان لشراء بعض الأشياء لولديهما.
" سنمضي إلى الشلالات بخطى بطيئة، ويمكن أن تدركونا في أول الطريق "، قالت للرجل ببساطة مَن تعهّدت قيادة رحلتنا الجبلية. وهذه هيَ " الشريفة " تتقدّمني إلى ناحية الجسر، ملفوفة الجسم بجلابة من قماش ثمين، أرجوانيّ اللون، مشغول بوَشْيٍ بديع. المرأة الداهية، كانت تتعمّد النطوطة على أحجار الممشى المحاذي للضفة، كي تفاقم من رجرجة مؤخرتها. وفي مقابل ذلك، راحت تطلق التعليقات الطريفة حول أولاد القرية، المطاردين الديكة والهررة.
" حينما يكبرون، فإنهم سيعتلون هذه المرة ظهورَ الماعز والحمير! "، قالتها ضاحكة ملتفتة إليّ بعينين يشتعلان غلمةً. لقد تخلّت إذاً عن النظر إليّ بإشفاق، وكان هذا من ضمن خطتها لصرفي عن التفكير المؤسي بتصرف مخدومتنا. وصولاً إلى الضفة الأخرى، كان علينا اجتياز الجسر العشوائيّ، الشديد الضيق والمرتفع عن مسيل الوادي بحوالي المترين. خرير السواقي العديدة، المشكّلة هذا المسيل، كان متماهٍ مع أصوات الصبيَة اللاهين. وكان من الممكن رؤية الحصى الملون، الراقد في قاع الوادي، المتبدّي تحت أشعة الشمس كأنه أحجار كريمة. ثمة على الضفة الأخرى، كان المرقى الوحيد، الصاعد إلى الجبل، يكمن بين الأشجار الكثيفة. الدور السكنية المتهالكة، التي أستخدم بعضها كمطاعم ومقاهٍ، كانت أيضاً ترافق خطونا إلى الأعلى. ما لم يكن بحسباني أنّ ممراً في غاية الضيق، يُشرف على هاوية الوادي، سيبرز للعيان آنَ صارت الصخور مرتفعة كما الجدار.
" أقترب قليلاً، ولا تخشَ شيئاً! هات يدك؛ فإنها خطوات ثلاث لا غير.. "، كذلك كانت المرافقة تقول لي ويدها ممدودة نحوي من الجهة الأخرى للممر اللعين. خوفي المرضيّ من الأماكن العالية، جعلني أتردد في الإقدام على تجاوز تلك الأمتار المُبتسرة. عينا " الشريفة "، المفصحتان عن التهكّم، جعلتاني أغرق مجدداً بشعور الخزي: " كيفَ لهذه المخلوقة، الأشبه بالبهيمة، أن تدرك ما تعنيه العُقد النفسية، الناجمة عن حوادث الطفولة؟ "، قلتُ في سرّي. ما لم أكن أعلمه حتئذٍ، أنّ " الشريفة " كانت متأثرة بأحداث الماضي لدرجة يعجز فيها عن علاجها علماءُ نفس بمستوى " فرويد " نفسه. هذه الحقيقة، ستتناثر بين كلمات شقيقتي " شيرين " بعد نحو شهرين، حينَ شاءت أن تأتي إليّ ذات مساءٍ كئيب لمحاولة ثنيي عن الإقتران بمَن تحمل في رحمها بذرة من زرعي، كنتُ قد غرستها خلال رحلة أوريكا: وما لم تكن لتعلمه شقيقتي كذلك، ستبلّغه لي " الشريفة " خلال إقامتنا في منزل أسرتها في الحميدية. إذاك، عليّ كان أن أكتنه مغزى تلك النظرة المتوحّشة، المطبوعة دوماً في عينيّ هذه المرأة؛ وهيَ نظرة، كانت تخيف " شيرين "، مثلما عبّرت عنه في أكثر من موضع، ثمة في مخطوطة مذكّراتها.
هأنذا على إرتفاع خمسين متراً تقريباً، خليّ البال من تخيّل مصير شقيقتي، الذي سيجدّ في نهاية ذلك العام سقوطاً من علوّ الدور الرابع لمقر التحقيق في أمن مقاطعة مراكش.. خليّ البال أيضاً، من سقوطٍ مماثل لفتاة عشقتها بكل كياني، ثمة في موسكو، بعد عامين ونيّف من الحادث الأول.. هأنذا ألتصق بالجدار الصخريّ، مولياً ظهري للهاوية السحيقة، لأعمد من ثمّ إلى تخطّي الممر في لمحة.. لمحة مديدة، أختلطت فيها صوَرُ هذا الوادي مع صورٍ غابرة من طفولةٍ كانت مقيمة على حدّ وادٍ آخر.. لمحة ممضّة، أنتهت بي في أحضان " الشريفة " وعلى مرأى من مرتادين آخرين، وقفوا لينظروا بفضول إلى ما ظنوا أنه عناق رجل أجنبي ( كَاوري ) لإمرأة مسلمة.
" هناك مقهى يقع بأسفل الشلال الأول، يمكننا قضاء وقت ممتع فيه، لأنني أعرفُ صاحبته.. "، قالت لي رفيقتي وهيَ تلملم أطراف ثوبها. كنا عندئذٍ منزويين في أيكة من أشجار السفرجل، تهيمن عليها جدعات الصبّار، المغروسة بين الصخور، نتبادل قبلاً لاهبة. ذلك الشلال، بدا قريباً لسمعي، بما كان من هدير مياهه المُصمّ. هكذا قمنا لمتابعة إرتقائنا الجبل، عبرَ المرقى الوعر نوعاً، المرسوم بين الصخور من لَدُن الانسان خلال مئات وربما ألوف السنين. كنا نسير فوق خطى ذلك الانسان الأول، كي نزرع على طريقته بذرتنا في أحضان الطبيعة. إتفاقاً أيضاً، كان ذلك المقهى عبارة عن خيمٍ بربرية، معزولة عن بعضها البعض بممرات معشوشبة وأحواض مزهرة. فكم كان شبيهاً بخيمة المرسم، ثمة في مقر إقامة مخدومتنا، أينَ رأيتني ومرافقتها نستهلّ علاقتنا الجسدية ونتوغّل فيها بصورة سرية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2