أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - أنا والشعر والتكوين















المزيد.....

أنا والشعر والتكوين


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 22:48
المحور: سيرة ذاتية
    



كانت بداياتي وأنا تلميذ في الإبتدائي وحتي الصف الثاني الثانوي تشي بأنني سأكون أحد الخصوم الألداء لفن الشعر

كانت الأناشيد والنصوص الأدبية التي كنا ندرسها في تلك المراحل التعليمية في منتهي الجمود والإصطناع والرتابة

وأغلب نصوص الشعر العربي التي كنا ندرسها كانت بعيدة تماماً عن أن تصيب وجداننا بأي لمسة جمال
فقد كانت في غالبها تنحصر في أدبيات المدح والهجاء الفخر والحماسة والإعتزاز بالقبيلة العربية وبالأنساب وماإلي غير ذلك من أغراض كنت أحس أنها لاتنتمي لعالمي المعاش فعلاً ولاتخاطب مخيلتي ولا تدلل علي ملموسات أعلمها وألمسها

وبما أن ماهو مطلوب منا كان عملية حفظ وتخزين تلك النصوص في الذاكرة ثم افراغها في امتحانات آخر العام
فمن هنا كان يبدأ الألم
ومن هنا كانت كراهيتي للشعر تتزايد
فقد كانت ولازالت أضعف ملكاتي العقلية ولم أكن استطع حفظ أكثر من أربعة أبيات علي الأكثر من النص المطلوب حفظه
ثم يجئ وقت (التسميع) في حصة اللغة العربية فأتلعثم فيما حفظت ثم اتوقف لتفعل عصاة أستاذ اللغة العربية فعلها فور نطقه لعبارة :
- أفتح إيدك
وهذه العصاة لم تكن عصاة دون الوقت بل أحياناً كانت عود الخيزران اللاهب وأحياناً أخري كان حرف المسطرة الذي كان يهوي مرات معدودات علي عقل أصابع كفي المقلوبتين بناء علي طلب الأستاذ

وزاد الطين مبلةً عندما نصح أستاذ اللغة العربية في الصف الثاني الإعدادي والدي (رحمة الله عليه) أن أخذ دروس تقوية في اللغة العربية فانتقل العقاب إلي الدرس مع دخول متغير هام هو (الفلكة) وهي لمن لم يخبر عبارة عن شريط من الكاوتشوك اللاسع مثبتة علي يد خشبية قصيرة ويتم استخدامها عند (العبط) أي أن يأمر الأستاذ زميل لي قوي البنيان أن يحتضنني ثم يتولي هو ضربي بالفلكة علي مؤخرتي أو أن يأمرة بإمساك قدمي ويتولي هو الضرب بالفلكة أو عود الخيزران أو البامبو

ولم تفلح اشكال العقاب المتنوعة في أن أقم بحفظ جملة أو بيت شعري واحد ممادرست في هذه الفترة اللهم تلك الجملة الشعرية الوحيدة التي كانت قد علقت بذاكرتي هي :

(مفر مكر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من عل)

ربما لأنها تعد من اسثناءات الشعر العربي التي احتوت علي ملمح حركي وتصويري مفعم بالحيوية الناجمة عن التصور والإيقاع المتسارع المتسق مع ماتفجره الجملة من دلالات حركية
بعيداً عن تلك القعقعات الإيقاعية الفارغة التي تميزت بها غالب قصائد الشعر العربي القديم تلك الإيقاعات التي كانت تفتئت علي حركة المفردات واللغة ودلالاتها
ربما ...

ولكن هذا لم يمنع من حقيقة أن النصوص الأدبية والدينية قد ظلت هي مصدر ألمي بل وتحولت مواد اللغة العربية كلها إلي أمر بغيض وكريه كنت اجتاز اختباراتها بالكاد وأحصل بالكاد علي النقاط التي تؤهلني لما كان يسمي (الرأفة) والحصول علي النجاح في آخر العام

وأذكر مفارقة أنني كنت أحصل في اختبارات منتصف العام علي (كعكة حمراء) في اللغة العربية بينما كنت أحصل علي الأرقام النهائية في العلوم والجغرافيا والتاريخ

لكن هناك فضاء آخر رحيب يتسع للتحليق بالوجدان فيه كان يتمثل في عالم عبد الحليم حافظ الذي لم أكن أدري - وقتها - إن له علاقة بالشعر أم لا
ولكن مايغنيه ذلك العبد الحليم كان يهيمن علي روحي ويفتح أمام مشاعري أبواباً للنمو والتحرك داخل الوجدان
وكانت لدي رغبة شديدة في ترديد تلك الكلمات وكانت هناك مكتبة اسمها مكتبة (الطافش) في حي إمبابة الذي كنت اقيم فيه تبيع كتيبات لأغاني المطربين فاشتريت كتيب لأغاني عبد الحليم حافظ الذي كان بمثابة المهندس لوجدان جيلنا
اكتشفت أيضاً اسم عبد الرحمن الأبنودي كمؤلف للأغاني ذات الكلمات القوية

إلي أن بدأت أرهف السمع لأي أغنية يقدمها المذيع في الراديو علي اعتبار أنها من كلمات عبد الرحمن الأبنودي

وعبر ذلك كان هناك اكتشاف مهم بالنسبة لتكويني الوجداني وهو المطرب الرائع محمد حمام سمعته لأول مرة في الراديو عبر تتر مسلسل (الأم) من كلمات الأبنودي طبعاً

( ياامه
يااحن الأطبا
عليا
ياامه)

ثم سمعت حمام بصوته الفريد ذو النبرة الدافئة والملمح المصري العميق في تتر مسلسل (شفيقة ومتولي)

( ماشي يازمن.. ماشي
ماشي .... ذي القشاشي
لانت مخلي الراكب راكب
ولا مخلي الماشي ماشي
. . ...... )

لم أكن أدرك علاقة كل هذا بالشعر إلا بعد أن استمعت في الراديو عبارة (من أشعار عبد الرحمن الأبنودي) و (جوابات الأسطي حراجي القط العامل في السد العالي)
ثم البرنامج الإذاعي (حروف الكلام)

أيقنت ضرورة أن يكون ذلك هو الشعر وأن مادرسته في المدرسة هو البطلان بعينه

ثم حدث وأن وقعت علي اكتشاف شديد الأهمية أسس لبداية جديدة في علاقتي بالشعر والثقافة وربما الحياة

كنت في الصف الثاني الثانوي وإذا بأحد زملائي يأخذني لزيارة زميل له في طريق التسكع اليومي أثناء العودة إلي المدرسة وإذا بزميله يعرض عليه قراءة كتاب صغير اختلسه من مكتبة أخيه الأكبر نظير إيجار قدره قرش صاغ، فاندفعت أنا بقرش صاغي الذي كان في جيبي وقلت آخذه أنا وفرح زميل زميلي بذلك فقد جاءه زبونين في وقت واحد وناولني الكتاب وذهب ليختلس كتاباً آخر لزميله الأصلي وبغض النظر عن حظ زميلي فقد كان حظي أنا رائعاً
فقد كان كتابي الصغير عبارة عن ديوان شعر بعنوان (قصائد) للشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي (وكانت هذه أول مرة أمسك بديوان شعر) وكان علي غلافه رسماً بديعاً لفنان تشكيلي اسمه أحمد مرسي
قرأت فيه عبارات شعرية جديدة علي معرفتي التقليدية بالشعر الذي درسته في المدرسة

( إني لأومن في غد الإنسان
في نهر الحياة
فلسوف يكتسح التفاهات الصغيرة
والسدود
ولسوف ينتصر الغداة
إنسان عالمنا الجديد)

واعارني صديق صديقي ديوان آخر هو (صياد وجنيه) للشاعر المصري العظيم سيد حجاب فعرفت أن هناك نوع آخر من الشعر يمكن أن يتناول حياة الناس ويحمل همومهم

وكانت مجلة (الأقلام) التي كانت تصدرها وزارة الإعلام العراقية في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي بمستوي متميز من كتاب العالم العربي الكبار وبشكل طباعي فخم علي الرغم من أن ثمنها كان لايزيد عن العشرة قروش مصرية
قرأت فيها مقاطع من قصيدة البياتي (أولد فأحترق بحبي)

(( تستيقظ (لارا) في ذاكرتي ..
قطًّا تتريًّا ،
يتربص بي ، يتمطَّى ، يتثاءب
يخدش وجهي المحموم
ويحرمني النوم
أراها في قاع جحيم المدنالقطبية
تشنقني بضفائرها
وتعلقني مثل الأرنب فوق الحائط
مشدودًا في خيط دموعي .
أصرخ: (لارا)
فتجيب الريح المذعورة:
(لارا)
أعدو خلف الريح وخلف
قطارات الليل وأسأل عاملة المقهى.
لا يدري أحد.
أمضى تحت الثلجوحيدًا
، أبكي حبي العاثر في كل مقاهي العالم والحانات

كنت أحفظ هذا المقطع عن ظهر قلب وكنت أقوم بآدائه لأصدقاء المدرسة في جلساتنا الخاصة بآداء يغلب عليه الطابع التشخيصي لأنني كنت أردد كلمات هذا المقطع بعمق وإحساس شديدين

هنا بدأ الشعر في مصاحبة روحي وملازمة وجداني بعد أن كان عدواً مبيناً
وبدأ أيضاً وعيي بالعالم يتشكل
ويأخذ انعطافة جديدة

حمدى عبد العزيز
3 يناير 2017



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث نصوص ذاتية
- آل سعود وبدايات فاشية التأسلم السياسي في القرن الماضي
- علي هامش مقتل السفير الروسي في تركيا
- مواسم تجديد الخطاب الديني
- الملتبس والمراوغ والمخادع في طرح شعار الإرهاب ليس له دين
- حول حادث الكنيسة البطرسية
- فلنفعلها في 11 ديسمبر القادم
- وداعا فيدل العظيم
- وداعاً كاسترو العظيم
- مرحباً إسلام بحيري
- في مسألة د. مني مينا
- هم لايتعلمون
- مع اللحظات الأولي لفوز ترامب
- مع النتائج شبه المؤكدة بفوز ترامب
- حسابات ومعادلات في الاستحقاق الرئاسي اللبناني
- ماذا بعد هزيمة الدواعش المسلحة ؟
- الخيار - عون
- من هذا المنطلق
- أحد تلاميذ مدرسة التكيف الهيكلي
- متلازمات الأزمة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - أنا والشعر والتكوين