أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد وجاني - نظرية تفوق البياض في الولايات المتحدة














المزيد.....

نظرية تفوق البياض في الولايات المتحدة


فؤاد وجاني

الحوار المتمدن-العدد: 5390 - 2017 / 1 / 2 - 09:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ألقت حوادث مقتل عدد من السود وإصابات آخرين بيد الشرطة من البيض الضوء على طبيعة المشهد المجتمعي العنصري في الولايات المتحدة. ولم تقتصر تلك الاعتداءات على السود بل امتدت إلى ذوي الأصول من أمريكا الجنوبية وآسيا، وطالت المسلمين ومن قد يشبههم كالسيخ مثلا على أساس ديني.
في الولايات المتحدة خاصة والغرب عموما، يعتبر الإنسان الأبيض أسمى من باقي الأعراق، فالبياض هو السمة المهيمنة على الأيديولوجيات والثقافات، هو القاعدة وغيره استثناء، البياض مرادف للحياد، وللخلو من العيوب، ولما هو غير مرئي وغير شاذ عن الطبيعة، والأبيض يشغل موقع الامتياز وإن لم يَسْعَ أو يطمح لذلك.
وتعد المسيحية بفرقها المختلفة ديانة البلد، وإن لم يتبنها الدستور كالدين الرئيس. الاعتراف بتعدد الديانات حبر على ورق، ومسرحية تُعرض أمام العالمين. الواقع يؤكد أن الأعياد المسيحية عطل رسمية على مستوى الاتحاد الفيدرالي. وتحمل الأوراق المالية شعار: بالله نؤمن! لكن أي إله؟ هل إله المسلمين أم الصابئة أم البوذيين؟ إنه الإله كما جاءت صفاته في الإنجيل بعهديه القديم والجديد. بيد أن الأعياد الدينية للمسلمين واليهود والبوذيين مهمشة ولا تنال حظها الذي تستحقه، بل يفترض في هذه الأقليات أن تشارك مرغَمة البيض أعيادهم، فتتعطل مصالحهم وأيامهم إحياء لذكرى مولد المسيح وعيد الشكر مثلا.
على المستوى الثقافي، فإن اللغة الإنجليزية تعد اللغة الأولية رغم أن الدستور لا يمنحها تلك المكانة والخصوصية. ولا تُدرس اللغات الأخرى كالإسبانية إلا كلغات إضافية رغم أن بعض المناطق يغلب فيها عدد الناطقين بغير الإنجليزية. وأما لغات كالعربية والصينية فلا تُدرس إلا لماما في المدارس الحكومية. حتى الكتب المدرسية تمجد الإنسان الأبيض، ترسمه مبشرا بالحضارة، منقذا من براثن التخلف، تمحي تماما تاريخ خمسمائة قبيلة من الهنود الحمر ولغاتهم وحضاراتهم المتجذرة لعشرات الآلاف من السنوات، مبتدئة التاريخ الأمريكي من 1776 أي سنة الإعلان عن وثيقة الاستقلال والتي وقعها ما يسمى بالآباء المؤسسين، وكلهم من البيض.
ذاكرة العنصرية في الولايات المتحدة مرتبطة بممارسات الإرهاب، فقد سجل التاريخ حقبا من الاستعباد وعمليات الاغتصاب والتعذيب والشنق خارج إطار القانون التي مورست على السود. فقد كان الإنسان ذو البشرة السوداء وما يزال يعتبر أدنى من درجة الإنسان. يكفي أن تعاشر البيض الأمريكيين لتسمع وترى بأم عينك وتعلم ما يكنونه ويضمرونه من كراهية للإنسان ذي البشرة السمراء، فهو متهم في كل الحالات وإن لم يرتكب جرما، وهو في الغالب موضع شك ونبذ ونفور.
إن بنية العقل العنصري معقدة الفهم وشمولية في آن واحد، و تسيطر حتى على هندسة المباني والطرق، فهي مشيدة حسب الذوق والطراز الأوروبي ونظرة الإنسان الأبيض النمطية للمعمار وشكله ولونه. فمنزل الرئيس سُمي البيت الأبيض، ومر قرنان وثلاثة عقود قبل أن يدخله رئيس نصفه العرقي أسود. وهناك مناطق سكنية لا يمكن أن تقطنها الأقليات ألبته، ليس لارتفاع أسعارها فقط، بل لعدم رضا البيض بيعها لهم وإن توفر المشترون على المال، ولاستحواذ ورثة الاقطاعيين البيض على الأراضي فيها. الإحصائيات والأرقام مذهلة، وتبين أن بعض المناطق الراقية -حسب مصطلحات أهل العقار- تخلو تماما من الأقليات.
والواقع أن مراكز القرار بيد البيض عموما، ولو في مقاطعة ذات أغلبية من الأقليات العرقية والدينية، فالإنسان الأبيض الأمريكي خائف لا يطمئن إلا إذا كانت السلطة بيده.
وفي مناصب الشغل العليا التي تتطلب كفاءة ومعرفة عاليتين، يتم الدفع بالأمريكي الأبيض فور تخرجه من الجامعة نحو تسلق الرتب بسهولة، بينما يجب على الشخص من الأقليات أن يبذل مجهودا مضاعفا ليجد نفسه تحت إمرة من هو أقل منه كفاءة ومعرفة.
وقبل أيام، قامت عمدة مدينة كلاي في ولاية وست فيرجينيا واسمها بيفرلي والين بالتعبير عن غبطتها بفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، كاشفة عن الطبيعة العنصرية لمعظم البيض في الولايات المتحدة:
" من المنعش حقا أن تعود للبيت الأبيض سيدة أولى راقية وجميلة ومكرمة، لقد مللت من رؤية قردة ترتدي حذاء ذا كعب عال"، في إشارة عنصرية واضحة إلى ميشيل أوباما.
وفي حادثة مماثلة عبرت طبيبة بيضاء من ولاية كولورادو عن عنصريتها بتلقائية متناقضة واصفة زوجة أوباما: "إنها ذات وجه قردة، وتتحدث بلغة السود الركيكة، أشعر بطمأنينة نفس الآن ولست عنصرية، لقد قلت الحقيقة".
عقلية الإنسان الأبيض تحتم أن يكون هو السيد والحاكم والمتخذ للقرارات النهائية، الظاهر على شاشات التلفاز لافتتاح المشاريع، الفاضل الذي يحارب الأشرار، الكابس على زر الصاروخ الصاعد نحو المريخ، رغم أن النوابغ والكادحين من الأقليات هم الذين يقومون بالعمل كله من أول لبنة حتى الصيغة الأخيرة، هم الذين يبنون أمريكا كل يوم، ويوفرون الطعام والحماية لسكانها، ويطببون مرضاها، ويخترعون الآلات لتتبوأ المقام الأعلى. هي أمريكا، تبني قوتها على الأقليات ليرتدي البيض أوسمة التقدير والشرف.
إن العنصرية ليست فطرية بل مذمة ينبذها العقل، لكنها تتحول إلى خصلة حميدة حين يعززها نظام مؤسسات الدولة وثقافتها وتعليمها وتاريخها، لتصبح حقا مشروعا لا يُتنازل عنه.
العنصرية هي عقلية البيض وهي قيمة سرية من قيم الغرب، حاضرة بقوة ولا يُعلن عنها جهرا، وأن تناهض تلك العقلية معناه أن تناهض كل الغرب وقيمه قاطبة. إنها بنية العقل العنصري التي تستعمر الشعوب الأخرى باعتبارها دونية، وتغزوها وتقيم القواعد العسكرية الثابتة على أراضيها والمتنقلة على مشارف شواطئها.



#فؤاد_وجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا فشلت هيلاري كلينتون؟
- حكمة العدس
- -فراقش- السيد الوالي لا تصلح للحناء
- هل هو انفصال بريطانيا أم تشييد لقبر الرأسمالية؟
- أي وجه بقي لملك المغرب بعد الشريط الوثائقي الفرنسي؟
- لماذا وجب على المغرب الابتعاد عن الحلف الخليجي؟
- هل يستقيل الملك؟
- بين الخطاب الشعبي والخطاب الشعبوي في السياسة المغربية الحالي ...
- جوج فرانك وأعلى الهرم
- راعي الماعز المغربي
- بين تكساس وتيقيساس جبالة
- مَتاجر السويد ومَتاجر قضية الصحراء
- من الحركة إلى التنظيم
- الملك والرعية
- خطر السعودية على الانتقال الديموقراطي بالمغرب
- عشرة أسباب لمقاطعة الانتخابات الجماعية القادمة في المغرب
- الموت والديموقراطية
- الضيعة والدولة
- هل المغرب في طريقه نحو الديموقراطية؟
- لماذا يزعج فن الراب السلطة في المغرب


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد وجاني - نظرية تفوق البياض في الولايات المتحدة