أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - الزيارة















المزيد.....

الزيارة


حسام الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5389 - 2017 / 1 / 1 - 13:16
المحور: الادب والفن
    


مع أول تباشير الصباح وقبل أن يستيقظ حتي النور من نومه، احكمت وضع ثيابها وهي تحكل عينيها بمرود خشبي لتسوي اهدابها الطويلة الناعسة، حزمت طعاما كثيرا في صرة قماش ، وهي تودع زوجها وأولادها بالدار ساعية نحو الخارج، هم أحد أطفالها الصغار أن يعدو ورائها لكي يتشبس بها كالعادة ليخرج معها ولكن زوجها اسرع وامسكه من خصره وهو يرفعه الي صدره ويحتضنه ليثنيه عن ذلك متابعا اياها ببصره في صمت دون ان يقل شيئا
سارت عبر طرقات القرية والناس يرمقونها بنظارت أسفة ، وهمسات تتردد هنا وهناك " انها الزيارة" لم يبد عليها انها قد لاحظت همسهم ونظاراتهم، كانت شاردة فمضت في طريقها بدون توقف حتي بدأت بيوت القرية تختفي ويظهر الخلاء ومن بعيد لاحت لها مقابر القرية فتبسمت لاول مره منذ الصباح
بدا أنها تعرف طريقها جيدا عبر القبور حتي وصلت الي أحد القبور المسواة بالأرض الا من قطعة بلاط ملقاة عليه تعرفها المراة جيدا فهي قد وضعتها بيدها منذ زمن، افترشت المرأة الأرض وهي تفتح صرتها مفرقة بين الطعام الذي تداخل وهي تقول في صوت لا يسمعه الا من يسترق السمع لها :
- السلام عليكم يا (جودة)
صمتت لحظات قبل ان تقول في حزن عميق :
- اعلم انك متضايق مني لأني لم أتي لك بالامس ، انا اسفة يا ( جودة) حقك علي ، اخيك (عوض) انت تعرفه ، لقد رويت لك عنه مرارا، انه شقي ومؤذي ، كان يلعب في ماء الترعة طوال النهار فاصيب بالبرد وسخن جسده واصابته الحمي ، ظللت طوال اليوم أداويه بكمادات الماء البارد والحساء الساخن، شقي ويشقيني معه، يا ليته كان مثلك يا (جودة) هذا ما أخرني عنك، هل لازلت متضايقا يا جودة ... اعلم انك طيب وتنسي وتسامح بسرعة ، هذا هو ابني وقد ربيتك جيدا
اخرجت قطعة جبن لتلفها في فطيرة وهي تمدها في الهواء قائلة:
- هيا أليك افطارك؟
ظلت يدها معلقة في الهواء وهي تردف:
- لا يا (جودة) حرام ، النعمة لا يقال لها لا ، لا يوجد شئ اسمه احبه واكرهه في نعمة الله ، قل الجبن لا يحبني ، اعلم انك كنت تريد أن احضر لحما وأرزا معمرا، ماذا .... لا تريد ان تاكل ، لما يا بني ، حسنا غدا سوف اتي لك بما تريد، فقط لا تحزن ، انت تعلم اني لا اقوي علي حزنك
عادت تربط صرتها وهي تكمل قولها وان بدا صوتها يعلو قليلا:
- احوال ابوك لا تعجبني هذه الايام يا (جودة) يسهر كثيرا خارج المنزل ويذهب الي مقهي (عزوز) انت تعلم ان هذا الخبيث (عزوز) بيبع البوظة ، ماذا .... البوظة والعياذ بالله خمر نشربها فقط حين المرض ، وهو ليس مريضا فلما يشربها ، اني اتشمم فم والدك كل يوم وانا اعرف انه شربها ، اني لا اخشي سوي علي صحته، ثم أليس اخوتك اولي بنقود البوظة، طيب يشرب سجائر بدلا منها
صمتت قليلا وهي تسوي التراب حول القبر مردفة :
- هل تعلم (سناء) ابنة عمتك قد جاءها عريس ، أي والله عريس، تصور هذه السوداء القبيحة قد جاءها العدل والنصيب اخيرا، ربنا كبير ، امها سيدة طيبة وتستحق الخير ، العريس ليس غريبا ، إنه ( محمد ) ابن عم ( سلطان) انهي لتوه الجيش وابتني غرفتين فوق سطح دارهم وسيدخل بها بعد شهرين ... لأ اعلم لماذا هذا البطء ، شهرين كثير ، أليس كذلك يا (جودة)؟

نظرت حولها لتري ان كان من احد يسمعهما ام لا قبل ان تقول :
- قل لي يا ( جودة) ما اخبار ( العجرودي) ... الا تعرفه ، انه الرجل العجوز المدفون الي يمينك ، ما حسابه ، لقد كان رجلا سيئا ولا يصلي ، هل يعذب ، هل تسمع الملائكة وهي تحاسبه ، أم ان الله قد غفر له، لو كنت تتضايق يا (جودة) من وجودك الي جواره، قل لي وانا اجعل ابوك ينقلك من جواره، تذهبالي جوار الشيخ ( ابراهيم) امام الجامع ، انه رجل طيب واظن انه يتنعم الان ، ربنا يعطينا جميعا، ادعو لي يا (جودة) ادع يا ( جودة)

بدا للحظة بانها ستهم بالقيام قبل ان تقوم بالغاء الفكرة مكلمة :
- هل اضحكك علي اصدقائك الأنذال (شكري) و (عمر) أتوا ذات يوم ببيض مسلوق وباعوه في السوق علي انه بيض طازج، وخدعوني فاشتريت منهم خمس بيضات لكي اصنع منهم عجة، وما ان كسرتها في الطبق حتي اكتشفت الخدعة وكانت فضيحة، يومها قلت لهم أتخدعونني وانا ام صاحبكم (جودة) بكي (عمر) يومها ، الولد ( شكري) ماكر ، لكن ( عمر) طيب، ربنا يكرمه، ولكني تضايقت منهم ، في اول يومين كانوا يأتون معي لزيارتك، وبعد ذلك اخذوا يتهربون مني ، (شكري) تعتزم امه ادخاله المدرسة السنة القادمة ، وتقول ان ابني سيصبح مهندس للري مثل خاله، قلت لها ان ( جودة) دخل المدرسة لأصبح طبيبا ، أليس كذلك يا ( جودة) كنت ستصبح طبيبا وسوف تداوي اي مرض تصاب به ولن تموت

قامت واقفة لتنفض ثيابها وهي تحمل صرتها وان لم تفكر في المغادرة مردفة:
- لا اظن ان هناك الكثير يمكن ان تسمعه، فالقرية صغيرة كما تعلم ، سوي ان ( اميمة) زوجة ( محسن الفولي) قد انجبت بنت بالامس ، بنت مثل القمر في تمامه ، خسار يا (جودة) كان بودي حجزها لك ، ولكن ( محسن الفولي) متكبر ويريد ان ينتقل باسرته الي المدينة ليعيش هناك ، وأنت تعلم يا (جودة) اني لا أثق بتربية بنات المدن ، ( سرحان) الذي يسكن علي اطراف القرية سرقوا حمارته بالامس ، تصور هذا الرجل حظه سيئ مع اللصوص، منذ شهر سرقوا حذائه من امام الجامع وبالامس سرقوا حمارته ، الحذاء كان جلد اصلي ، اشتراه من المدينة، كان يغري بالسرقة، لكن الحمارة يحتاجها ، حرام

مر بها رجل يمسك بطفلته الصغيرة متحسسا طريقه وسط المقابر قبل ان يشير لها بيده قائلا:
- السلام عليكم يا (ام جودة)
- وعليكم السلام يا ( عبد القادر)
- ما اخبار (جودة ) اليوم
- بخير في احسن حال
- بلغيه مني السلام ، والنبي

انحنت المراة علي القبر وهي تجهز نفسها للرحيل قائلة:
- عمك ( عبد القادر) يرسل لك السلام يا (جودة) اتركك بعافية واراك ان شاء الله غدا
ثم اعتدلت واقفة وهي تولي القبر ظهرها عائدة الي القرية وبيدها صرتها والطفلة تهمس في اذن ابيها :
- هي عمتي (عزة) مجنونة يا أبي ، انها تتكلم مع ميت
رد عليها الرجل وهو يرمق المرأة في هدوء:
- لا يا ابنتي ، ليست مجنونة ، لكنها لو امنت فعلا بان ابنها قد مات ربما جنت بالفعل ، ومن يدري ، ربما تسمعه مثلما يسمعنا هو ، ربما ما تفعله هو العقل بنفسه



#حسام_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قدح الشاي
- قاتل أبيه
- فوضي الفتاوي
- اشكال الاسلام المرفوضة
- المسرح الاسلامي
- السينما الاسلامية
- البدائل الاسلامية
- مشروع مصر المستقبل


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الخطيب - الزيارة