أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - شعرية المسرح بين النظرية والإبداع















المزيد.....

شعرية المسرح بين النظرية والإبداع


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 5387 - 2016 / 12 / 30 - 16:46
المحور: الادب والفن
    


نظرية المسرح وشعرية النوع
بين الموضوع القارئ والموضوع المقروء

د. أبو الحسن سلام

من بداهة القول في التفريق بين شعرية النوع الدرامي ما بين نظرية ونظرية أخري وشعرية النظرية وشعرية والتطبيق مسافة يجب وضعها في الحسبان عند الاشتغال علي ما بينها من ائتلاف واختلاف . ذلك أن النظرية تشتغل على الموضوع؛ بينما يوظف التطبيق آليات النوع ويفعل التقنيات التي تجسد الموضوع تجسيدا إبداعيا ؛ بما يتوافق مع معطيات كل نظرية درامية . فشعرية النوع الدرامي في نظرية الغريب تختلف عن شعرية النوع الدرامي في نظرية المحاكاة ( أرسطو ، فن الشعر) ، حيث تشتغل نظرية المحاكاة على موضوع التطهير ؛ بينما تشتغل نظرية التغريب على موضوع التغيير .

وفي التطبيق تنتهج المحاكاة طريق شعرية الإيهام والاندماج بقصدية التطهير، بينما يسلك التغريب طريق شعرية الدهشة والإدراك بقصدية التغيير .

والمسرح نصا وعرضا يتأسس كل منهما على نظرية إحداهما تؤسس لموضوع الأدب الدرامي ، والثانية تؤسس لموضوع فنون التعبير الأدائية
ولأن المسرح في نشأته قد تأسس على نظرية المحاكاة الأرسطوية للفعل ، و على نظرية المحاكاة الأفلاطونية الظلية للفكرة المثالية المطلقة ( أفلاطون، خيال الكهف) - من وجهة أخرى - إلي أن تفرعت عن تلك النظرية نزعات ومدارس مسرحية مسايرة لتطور العصور الثقافيةى؛ ؛ فقد أصبح لكل منها منهجها النظري وتقنياتها التطبيقية ؛ وهنا اختلفت شعرية الكلاسية عن شعرية الرومنتيكية ومن ثم عن الطبيعية والواقعية والتعبيرية والرمزية ( دريني خشبة، المذاهب المسرحية) في اتجاه موضوع النظرية الأرسطوية ؛ صوب محاكاة الفعل بإيجابياته وسلبياته . وجاءت شعرية العبثية لمحاكاة الحالة ( أبو الحسن سلام، مقدمة في نظرية المسرح الشعري)

، وركز مسرح القسوة على شعرية محاكاة الفعل المكبوت.بصدمة التلقي ( آرتو ، المسرح وقرينه.) بينما ولى المسرح الفقير ( ييجي جروتوفسكي، المسرح الفقير) وجهه شطر نظرية المحاكاة الأفلاطونية ليخلع فكرة المقدس والمدنس على شعرية موضوع أداء ظل الممثل لمحاكاة صورة لموضوع نقاء الحياة البدائية بشعرية الحلولية الصوفية. (أبو الحسن سلام ، الممثل وفلسفة المعامل المسرحية ) على غبر ما ذهب إليه كريج ( كريج ؛ في فن المسرح) من قصر المحاكاة على شعرية القداسة الجمالية للصورة البصرية بالتباعد عن آليات شعرية الحوار الدرامى واستبدالها بصناعة شعرية الصورة

وإلى جانب تلك المدارس والمناهج الدائرة في فلك المحاكاة ؛ مع تباين مناهجها بين التنظيرات والتطبيقات ؛ انطلاقا من نظرية محاكاة الفعل أو من نظرية محاكاة الفكرة المثالية المطلقة ؛ محاكاة ظلية تقديسية ؛ بظل الممثل أو بالصورة الظلية ؛ تفرعت نظرية التغريب الملحمي ( بريخت، نظرية المسرح الملحمي) عن نظرية الاستلاب الهيجلي لتتخذ شعرية الحكي بديلا عن شعرية المحاكاة ؛ نقيضا منهجيا لها بإعادة تصوير الفعل بوصفه صفة للطبقة الاجتماعية ؛ حيث تنوب صورة فعل الشخصية عن طبقتها ؛ تبعا لطبيعة الاختلاف الجوهري بين مثالية المنبع الفلسفي المثالي لنظرية المحاكاة والمنبع الفلسفيالمادي الديالكتيكي النادي لنظرية الاستلاب :( التغريب).

حول شعرية مفهوم النظرية :

النظرية هي الإطار المنهجي الفكري النظري المحدد لجوهر خاصية موضوعية لبلورة ماهية النوع وفلسفة وجوده - باعتباره ظاهرة - بالكيفية التي هو عليها وسببية وجوده على تلك الكيفية ؛ مع ترسيم حدود تلك الظاهرة علي هيئة اصطلاحية ذات مفهوم محكم منضبط الحدود ومؤكد لخواص الموضوع ؛ تثبيتا لأسسه وتحديذا لأغراضه ؛ بحيث تشكل النظرية قاعدة جديدة مؤسسة في مجال التخصص النوعي ؛ تعد إضافة إبستمولوجية لاتجاه علمي أو لنوع أدبي أو فني ، أو لنشاط فكري أو علمي مبتكر ؛ تأصل وأصبح ظاهرة جديدة مكتشفة عبر تراكمات تطور ذلك النشاط ؛ لتصبح مرجع قياس منهجي يقاس عليها في تنظيم استمرارية النوع ؛ عبر الحركة من عصر إلي عصر ؛ وفق الحاجة إلى الموضوعات الفرعية ذات الصلة بالنظرية نفسها . ومن أمثلتها :
- نظرية المحاكاة عند أرسطو.
- نظرية المثل عند أفلاطون .
- نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني .
- نظرية العامل في مجال اللغة .
- نظرية اللاوعي الذاتي أو الجمعي في علم النفس.
- نظرية الاستلاب عند هيجل.
- نظرية الصراع الطبقي عند ماركس.
- نظرية الخيال عند كولردج .
- نظرية التغريب عند بريخت. في المسرح الملحمي.

هكذا تعددت النظريات حسبما تعددت الظواهر والأنواع في كل المجالات تفاعلا مع مستجدات الجدل التاريخي المادي ؛ بما في ذلك الظواهر المسرحية في تنوعاتها المختلفة مابين النص الدرامي والعرض المسرحي وفنون التمثيل وفنون العرض المسرحي ومجالات التلقي ومجالات النقد .

وفيما يتعلق بنظرية الإبداع نجد من بينها ما يؤسس لماهية موضوعه اعتمادا على المحاكاة سواء أكانت محاكاة الطبيعة ( طبيعة الفعل، أو طبيعة الفكرة المثالية المطلقة) أو مجاراة له؛ أو متوافقا معها. وحول التوافق مع نظرية محاكاة الفعل ؛ يقول المخرج المسرحي الفرنسي ( جاك كوبو ) " لا وجود لتجديد دائم منفصل عن التقليد المستمر أو المسترجع"
لذا تركز الموضوع المسرحي في نظره في المعمار والشاعر ؛ خدمة للممثل ؛ وهي نظرة على مسافة قريبة من نظرة المخرج الألماني (راينهاردت) لموضوع المسرح حيث التركيز على السينوجراف لتهيئة أجواء التمثيل . فمعمار العرض يستدعي موضوع النص عند (كوبو ) ليخدما معا موضوع التمثيل ؛ بينما يستدعي موضوع اندماج الممثل الموضوع السينوغرافي عند. ( ماكس راينهاردت ) . وهنا تتباين شعرية نوع العرض المسرحي عند كل منهما .
( حسن المنيعي ، لغة الجسد)
وفي مناصرة نظرية محاكاة الفكرة المثالية المطلقة يقول جريك " الطبيعة والفن شيئان مغايران يجب ألا نخلط بينهما " ولتأكيد ذلك عنده يستشهد فيقول" لقد كان الممثل نفسه في الماضي يخفي شخصه وكذا هويته الشخصية عبر قناع أو لباس " نقابيا " خطوات الطبيعة التي يظل الخالق فيها خفيا على الدوام " من هنا أكد كريح على وظيفة الخلق لدى الممثل والمؤلف وعارض الدمى .

ويقترب من ذلك .. تلك الشكوك التي نثر بذرتها آرتو على هيئة تساؤلات استنكارية ، حيث قال : " من قال إن المسرح خلق لتحليل شخصية ، لحل صراعات الحب والواجب، للمصارعة مع كل المشاكل التي لها طبيعة موضوعية وسيكلوجية ، والتي تحتكر مسرحنا المعاصر ؟ من ثم قال ان هدفه هو خدمة الأدب ، ونسخه الواقع ، وحل الصراعات الاجتماعية والسيكلوجية ، والقيام بدور ميدان المعركة للعواطف الإخلاقية ... ؟ "
( مقتبس في المنيعي ، نفسه ) التنظيرية تمهيدا آو تذييلا لمنتجهم الإبداعي هي مجرد تساؤلات قلقة يمكن أن تتخذ ركيزة أو عتبة لكتابة تنظيرية تمهد لتأسيس نظرى حول المسرح بوصفه موضوعا يراد وضع نظرية له . ومثل ذلك أيضاً قول جان لوي بارو ، في مجاراته لتيارات آرتو الاستنكارية لمسرح الكلمة ؛ فهو يتوافق مع آرتو في أنه من الممكن أن يكون هدف المسرح هو إعادة تأكيد جوانب من العالم الداخلي . أي جوانب من الإنسان، على اعتبار أنه ميتافيزيقي. ومن حين لآخر قد يجرؤ المسرح - ليس جماهيريا - على استكشاف واقع بدائي أصلي وخطر، واقع تكون
مبادره مثل الدرافيل ؛ بمجرد أن تظهر رؤسها تسرع بالغطس ثانية في ظلمة الأعماق." ( المنيعي ، نفسه )
وقصد جان لوي بارو هو أن موضوع المحاكاة موضوع يقوم على المراوغة والذئبقية .

النظرية إذن وعاء ضبط محاكاة الموضوع في مسيرة تطوراته ؛ حفاظا على ماهية وجوده على ما هو عليه في الطبيعة أو ماهية وجوده المجاري للطبيعة ، ضمانا لديمومه نوعه، علي الكيفية التي هو عليها، وتمكين المشتغلين به من القياس عليه عند الحاجة .

ولأن موضوع المحاكاة بذلك يتجه في مسارين مختلفين من حيث الماهية ؛ لذا يكون من المنطق اختصاص كل من المحاكاة الطبيعية للفعل( الصفة الذاتية ) أو للفكرة المثالية المطلقة ( الموضوع) والمحاكاة المجارية، آو المغايرة لها(الصفة الاجتماعية الطبقية) بنظرية خاصة بكل منها، تحفظ لكل منها ماهيتها وأهدافها ونوعها. لذا ركزت المحاكاة الأرسطوية على موضوع فعل الذات وماهيته مستهدفة تطهير النفس البشرية بينما نظرت المحاكاة الأفلاطونية شطر الفكرة المثالية، مستهدفة تطهير الفكرة بصون قداستها من تدنيس اشتغال الانسان عليها؛ باعتبار كل من المحاكاتين صادرا عن نبع فلسفي واحد مفسر للكون ، هو نبع الفلسفة المثالية ، بينما اشتغل التغريب الملحمي على موضوع الحكي إعادة لتصوير صفة الفعل الاجتماعي من الوجهة الطبقية ؛ مستهدفا الحض على تغيير سلبيات العادة في رسوبيات ثقافتها، باعتبار منبعها الفلسفي المادي الذي ينظر الي الأفعال والصفات في حالة حركة جدلية دائمة ، قابلة للتغيير في ظل الظرف المتغير ٠

نخلص مما تقدم الى انه لما كان اشتغال نظرية المحاكاة مقصورا على موضوع فعل الذات الدرامية عند أرسطو ، وعلى موضوع قداسة الفكرة المطلقة عند أفلاطون ؛ فإن اشتغال مفهوم التغريب الملحمي عند بريخت على إعادة تصوير موضوع الصفة الاجتماعية للطبقة الاجتماعية ، تبعا للانتماء من منظور احتمالي يساعد المتلقي على التزام موقف طبقي نقدي من الموضوع المعاد تصويره تصويرا معاصرا ؛ ينتهي بتلقي المشارك إلى اتخاذ موقف مما أعيد تصويره.

من هذا المنطلق يعد القول بعدم وجود نظرية للمسرح الملحمي البريختي مجافيا للمنطق ، ونافيا لمنهجية التحقق العلمي عند قائله ؛ وهو: ( كمال الدين عيد، فنية تطور المسرح ) .
ولنر بريخت ؛ ماذا يقول : " لقد أصبح المسرح حقل نشاط للفلاسفة ، أولئك الذين يسعون ليس فقط لتوضيح العالم ؛ بل إلى تغييره أيضاً " ويقول: " ليس هناك تقاليد بين المعدمين ، هناك فحسب الفعل ونقيضه بكلمة واحدة ؛ يوجد هناك ردود الفعل"

هو اختلاف إذن بين فلسفتين فلسفة مثالية انبنت عليها نظرية المحاكاة التي تشتغل على موضوع التطهير وأخرى مادية انبنت عليها نظرية التغريب الذي يشتغل على حكي ينفي وجود تقاليد لدى الغالبية المعدمة ؛ ومن ثم يحض على تغيير أوضاعها المزرية لا مجرد محاكاة تلك الأوضاع ؛ بما يؤديي إلى تثبيتها اكتفاء بتفسيرها عن طريق محاكاتها.للفعل .

التغريب إذا نظرية مضادة لنظرية أرسطو؛ ومن ساروا على دربه ، ومضادة لمحاكاة الفكرة المثالية المطلقة عند أفلاطون وأصحاب فكرة التقديس والتدنيس ؛ ( كربج - جرتوفسكي والمنبهرين المعاصرين بهما) الفرق جوهري إذن بين منطق الحركة والتغيير في نظرية التغريب ، ومنطق الثبات اكتفاء بمحاكاة الموجود . وهو فرق من ثم في نوع شعرية كل منهما.

شعرية الموضوع المسرحي كلاسيكيا:

لم يخرج الموضوع في المسرحية الكلاسية عن نظرية المحاكاة . فمع آن نظرة الكلاسيكيين للإبداع تمحورت حول مقولة إن الإبداع عمل وصناعة؛ ليس معرفة ولا هو بالحدس أو الإحساس ؛ فلذلك كله نصيب ضئيل من الإبداع نفسه . ومعنى القول : إن الإبداع عمل وصناعة هو أن الموضوع في الكلاسيكية هو نواة العمل الكلاسيكي الذي تنبني عليه صنعة الإبداع ومن ثم يصبح اختيار الفنان لموضوع عمله الأدبي أو الفني بداية لعملية الإبداع ذاتها، دون أن يكون الموضوع محل اختياره إبداعا في ذاته ؛ قبل دخوله في إهاب الشكل الفني . وهذا يحيل إلى ما قال به الناقد العربي القديم ( القاضي عبد العزيز الجرجاني) صاحب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) حول الإبداع السعري إذ هو عنده " ذوق ودربة " ويحيل إلى ما قاله الاردايس نيكول حول المسرح كذلك ، فالإبداع عنده. " قوة اختيار وطاقة إخبار" وقريب - إلى دحد ما - مما قاله جون ديوى تأكيدا لذلك الرأي ، في مؤلفه : " الفن خبرة "
فالمحاكاة إذا في المسرح الأرسطوي تتقصد التأثير الدرامي عن طريق المتعة الجمالية بوصفهما موضوعين من نتاج المحاكاة .
ومع أن نظرية التغريب الملحمي تتوجه نحو الموضوع أيضاً إلا أن وجهتها حكي واصف لفعل الطبقة محمولا على ممثل يعيد الصفة الطبقية التي تنتمي إليها الشخصية التي يعاد تصويرها للصفة الاجتماعية بانتمائها الطبقي على نقيض محاكاة الشخصية الدرامية لفعل ذاتها وفق مهارة رسمها الاندماجي الايهامي في النص وتجسيد الممثل لذلك دراميا وجماليا .
وهذا ما يؤكده أرسطو نفسه حيث يرى أن ( المتعة الجمالية تنبع أساسا من ذلك الباعث الطبيعي والفطري الذي يدفع الإنسان للمحاكاة )

نخلص مما تقدم إلى آن المحاكاة تستدعي موضوع الإبداع وليس العكس ؛ في حين يتمثل الإبداع في الأسلوب - مع تباين وجهات نظر قديم النقد العربي عن حديثه ؛ إذ يرى القدماء أن ما قبل الإبداع من ( تجربة غامضة أو حالة شعرية وإسقاط وجداني ) ليس علة في ذاته لوجود العمل الفني . ؛ بينما يذهب النقد الحديث إلى أن ما قبل الإبداع من. ( تجربة غامضة أو حالة شعرية وإسقاط وجداني ) هو سبب في ذاته لوجود العمل الأدبي والفني . وهذا ما قالت به نظرية التعبير من منطلق نفسي فرويدي، تبلور عند
سانا بيف.. حيث امتطاء لاوعي الذات الطفولية لجهد الأديب والفنان بما يتكشف في منتجه الإبداعي.
وكذلك كانت التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية الثقافية والحضارية موضوعا مشتبكا مع ذات المبدع بوصفهما شرطين حتميين في عملية الحض غير الملموس على التحول و تغيير الواقع سببا للإبداع وفق النظرية الانعكاسية : ( الماركسية ) بمعنى أن الموضوع هو الذي يستدعي المحاكاة .

شعرية الموضوع المسرحي ملحميا:
يشتغل على إعادة تصوير الموضوع بسلبياته وإيجابياته من منظور حدثي غير تقليدي يتيح للمتلقي اكتشاف دلالات جديدة متعددة للموضوع نفسه ؟؛ سواء آكان موضوعا مستعادا من موقف تاريخي أو تراثي حيث يفرغه من مضمونه القديم ويضع له مضمونا حدثيا ؛ مضمونا لا يتوحد مع المضمون القديم للموضوع المشتغل عليه . باعتبار المضمون التاريخي أو التراثي للموضوع المعاد طرحه على مائدة العصر يعاد النظر فيه بعين العصر وبذلك يخرج عن حالة الجمود والثبات ليعاد الحكم على صلاحية استمرار تأثيره من عدمها. فالموضوع في نظرية التغريب منشغل بمقاومة الدافع العاطفي حيث يعكس الروح العلمية التحليلية للعصر . ونخلص مما تقدم إلى أن اشتغال نظرية التغريب الملحمي على الموضوع الدرامي باعتباره موضوعا قارئا لصفة اجتماعية لجدلية للعالم من منظور طبقي ؛ وهو بذلك مفارق لنظرية المحاكاة باعتبار اشتغالهاعلى موضوع مقروء : يستعاد فيه موضوع مناظر لموضوع قائم من خلال المحاكاة التي يتوحد فيها الموضوع المحاكي مع الموضوع الأصلي.

موضوع الإبداع بين المحاكاة والحكي:

مما سبق يمكننا ملاحظة وجه اختلاف جوهري بين
موضوع المحاكاة وموضوع الحكي حيث يتوحد الموضوع المحاكي مع الأصل الذي يحاكيه من خلال الإيهام والاندماج ، بينما يتباعد الموضوع المحكي عن الأصل الذي يعيد تصويره بعين الدهشة.
ومع أن موضوع المحاكاة اندماجي إيهامي ، وموضوع الحكي تعريبي إدراكي؛ إلا أن كليهما باعتبار كل منهما عمودا مسرحيا فقريا يعتمدان على النص المسرحي لجدل الموضوع في كتابة النص هنا أو هناك قائم بين استدعاء موضوع وجودي حاضر لموضوع وجودي غائب ؛ سواء أكان الاستدعاء ببعثه حيا من الذاكرة التخيلية والانفعالية ، أم كان بإعادة
تصوير ذلك الموضوع بعدسة المعاصرة .
وسواء بعث الموضوع إبداعا تجسبديا مسرحيا حيا أم من خلال تشخيص معاد تصويره فإن نصا مسرحيا دون اندهاش لا يساوي شيئا . إذ لابد من نبذة من الجنون تكمن في نص . أو نبذة من جنون تكمن في بعض النصوص ؛ وإلا افتقد موضوع الإبداع في ذلك النص. فالمحاكاة الإيهامية ، لابد أن يبني النص الدرامي من دقائق متماسكة. حتى يؤثر دراميا وجماليا تأثيرا قائما على الضرورة والحتمية. و الحكي التغريبي في النص المسرحي التغريبي لابد أن ينبني النص من رقائق ملتحمة منفصلة في آن حتى ينتج تأثيره الدرامي والجمالي موقفا من العصر قائما على الاحتمال لا الضرورة .
وفي كلا الحالين ( محاكاة - حكي تعريبي) يتأسس النص المسرحي على زوابع الخيال ؛ حتي يصبح إبداعا حقيقيا. وفي كلا الحالين فالنص المسرحي بوطيقي سواء كتب شعرا أو نثرا . وليس هناك شئ خارج النص ؛ حتى وإن اعتمد النص المسرحي على تجربة وجدانية او شعرية سابقة على إبداعه؛ يجب إلا نشعر بشئ من خارجه ؛ فكل ما هو خارج النص يقضي علي النص ؛ فالإبداع يتمثل في أن كل ما ماهو داخل النص هو النص ذاته .
والنص المسرحي القارئ والمقروء كلاهما ؛ لكي يخلد يجب أن يكون ملعبه المستقبل .- كما يقول رجل المسرح التونسي : ( عز الدين المدني ، ورشة كتابة مسرحية ، المركز القومي للمسرح ) " خلود النص في جنوحه نحو إظهار اللاشعور ، جنوحه إلى النمط ، إلى النموذج ؛ لأن النموذج من صنع الفكر. "

وهو ما يعني أن النص المسرحي سواء في المحاكاة وفي التغريب ؛ هو شبكات ، أجهزة ، أنظمه ، هو هياكل ، قنوات ؛ لكن مادته ؛ من ذاته ، ففي أي اتجاه هو كائن كلاسيكيا ، رومنتيكية، طبيعيا ، واقعيا ، أو عبثيا أو ملحميا فإن مادته هي ذاته ؛ وما اختلف إلا تشكيلها؛ وشعرية نوعها ؛ خدمة للأثر الدرامي والجمالي المقصود سواء أكان إيهاميا أم إدهاشا إدراكيا .

أ.د أبو الحسن سلام
[email protected]



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح بين التفكير والتكفير
- نجيب محفوظ وغيبوبة الوطن
- أسئلة مسرحية تبحث عن أجوبة
- المسرح وقضايا المجتمع
- سينوغرافيا في عروض المسرح المصري - مناقشة رسالة علمية -
- جماليات الساكن والمتحرك في معرض منحوتات درامية
- مشروع إخراج نص مسرحي - مس جوليا-
- في منهجية مناقشة الرسائل العلمية في البحوث السينمائية
- معمار الدور المسرحي
- خطاب التسلط بين السياسة والمسرح
- دعونا نحتسب !!
- حيرة الممثل وتعدد مناهج أداء المونودراما التعاقبية
- على هامش الإبداع
- مقاربات في نقد عرض مسرحي
- مباهج الحكي التراثي ودراما اللاشكل - مسرح عز الدين المدني -
- الفاعل الفلسفي في الدراسات المسرحية
- سارتر وقضية الالتزام
- الإيقاع وروح الشعر
- الديالوج في دراما الصورة الغنائية بين الغناء والقوالة – عبد ...
- الخطايا السبع للبرجوازي الصغير


المزيد.....




- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
- تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال ...
- الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - شعرية المسرح بين النظرية والإبداع