أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشوار ياسين - بنكيران في الميزان محاولة في تحليل الخطاب البنكراني















المزيد.....


بنكيران في الميزان محاولة في تحليل الخطاب البنكراني


بوشوار ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 5387 - 2016 / 12 / 30 - 08:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الكل يجمع على أن الخطاب السياسي جزء لا يتجزأ من المنظومة التواصلية، فالسياسية تواصل. وبالتالي وجب على كل خطاب سياسي أن يرتكز على أسس صلبة ودعائم وركائز صلدة من الشجاعة والجرأة والقدرة على الإقناع والتخاطب.
فقد عرفت الساحة السياسية بالمغرب أشكالا متعددة من فن التخاطب السياسي، غايته خلق نوع من الآثار والزيادة من حدته، فكما هو معلوم أن الخطاب السياسي من حيث هو خطاب مفوه شهد نقلتين أساسيتين في تاريخه المعاصر، النقلة الأولى كانت في عهد عبد الرحمان اليوسفي، والثانية في فترة عبد الإله بنكيران.
من حيث القيادة الاشتراكية للحكومة المغربية، لأول مرة في تاريخ البلاد، وهو نفس الشئ ينطبق في حالة حزب العدالة والتنمية، كحزب يصنف ضمن دائرة الإسلام السياسي بالمنطقة المغاربية. (مع التحفظ على هذا التصنيف وسنعود إلي هذا الموضوع في مقال لاحق)
إذ شهدت الفترة الأولى استمرار الخطاب المفوه من حيث نخبويته وصرامته، وامتاز بنقده للبنيات السياسية في ذاك الإبان، كخاصية انفرد بها حزب الاتحاد لاشتراكي إبان التناوب دون إغفال حزب التقدم والاشتراكية الذي انخرط بدوره في نقد البنيات القائمة ( الخطاب السياسي لعلي يعتة)، في حين تم تسجيل النقلة الثانية من حيث الإطار الخارجي للخطاب المفوه، من خلال بلاغته الشعبية والايديولوجية، وكذا عبر السياق الذي جاء فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة.
يعتبر بنكيران كائنا سياسيا وظاهرة تواصلية متفردة، احدث ثورة على مستوى الخطاب السياسي المغربي، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة سنة 2011، إلا وظهر معه خطاب سياسي تواصلي مغاير تمام لما عهد عليه عموم المتابعين، من حيث سلاسة الخطاب السياسي أو الأصح بساطة منطوق الرسالة، والتي يمكن فهمها وفك شفراتها من لدن العموم، دون إجهاد أو خصخصة فئوية.
كما يمتاز هذا الخطاب عن غيره، بحمولته المفاهيمية النابعة من اللغة المسترجلة " الدارجة " ومن الحقل الطبيعي (" معجم الحيوانات، معجم الأسطورة ") ومحاولة إسقاطها على المشهد السياسي الوطني.
وعلى ضوء ذلك، سنعمد إلى تحليل مضامين الخطاب السياسي لرئيس الحكومة المغربية السيد عبد الإله بنكيران، بالاستعانة بمنهجي الوصف والتحليل .

ملاحظات عامة
الخطاب السياسي بالمغرب، أضحى معطى تواصليا مرتبط بالمقولات الشعبية المتداولة، بدلا من خطابات النخب التي كانت سائدة في ما مضى .فالتواصل لدى بنكيران تواصل يلامس النظام الدلالي للشرائح الاجتماعية، كونه مبني على إنتاج وإعادة إنتاج هذا النظام، الذي يغترف من معين المجتمع .فهو خطاب ينطلق من الأسفل نحو الأعلى؛ بمعنى من لسان المجتمع نحو للسان الرسمي المؤسساتي.
وهذا ما يترجم حضوره في ساحة التواصل السياسي، كنموذج عرف ناجحا مقرنتا بأقرانه، من حيث خلق الآثار، وإحداث لمسة خاصة في مسار التواصل السياسي بشكل عام، أو بالأحرى على الخطاب السياسي .
فنجاح هذا الخطاب في الانتشار بين مختلف فئات المجتمع كان راجعا بالأساس إلى تمثلات الأفراد تجاهه من حيث الاعتبار اللغوي المنطوق به، بمعنى خطاب يمثل الواقع اليومي والمعاش، ويعبر عن أذواقهم وأرائهم، أي أن بنكيران يمثلهم من خلال خطابهم.
عندما نمعن النظر في خطاباته نجدها ذات بعد دلالي يحيل على الثقافة المغربية، فهو ينطلق من الأنظمة العلاماتية التي أنتجها وينتجها المجتمع عن نفسه، ثم يعيدها إليه من جديد، وهنا يحس المتلقي انه من أنتج هذا الخطاب بنفسه لأنه يلامس لغته اليومية . فلو دققنا الملاحظة سنجد بنكيران يوظف الثقافة في جوهر الخطاب الاتصالي كمبدأ مركزي في قاعدة بياناته التواصلية. فنجذه يستخدم عبرات مثلا:
• العيلات عوض النساء، فقيه معاشو بدل العامل الهجلات بدل المطلقات....
وهذا ما يجعله نجم الشاشة التلفزيونية بامتياز، ونلاحظ كثيرا ما تختلف وجهات النظر حول فحوى وشكل الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة، مما يجعلها حَرية بالتفحص والتحليل. وذلك من جهة، لما تحققه من نسب مشاهدة مرتفعة، بلغت، حسب أرقام "ماروك ميتري " لقياس الجمهور، 3 ملايين مشاهد على القناة الثانية في نهاية حلقة برنامج "لقاء خاص" الذي بث بالتزامن على القناتين الوطنيتين وقناة العيون الجهوية، ومليون و255 ألف مشاهد على القناة الأولى، ووصلت في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية بمجلس النواب المنعقدة شهر ماي المنصرم، إلى مليوني مشاهد، ومن جهة أخرى ، لأنها صادرة عن رئاسة الحكومة وترسم ملامح سياستها في تدبير شؤون البلاد.
كما سنلاحظ أن خطاب بنكيران يعد خطابا مركبا تركيبا متجانسا مقارنة مع خصومه والسياسيين، ويظهر ذلك عبر مستويين :المستوى اللفظي اللغوي، والمستوى الأيقوني البصري.
المستوى اللفظي اللغوي : لابد من أن تتوفر في أي خطاب سياسي شروط التماسك اللغوي، كي تصل دلالات الرسالة، تبعا لذلك، يتكأ رجل السياسة على مكونات لغوية بلاغية بقصد التأثير على المتلقي، ومحاولة إثارة فضوله المعرفي وزعزعة بعض المفاهيم الراكنة لديه، محاولا تمرير خطابه السياسي بشكل يروق وينسجم مع الفضاء الذي يلقى فيه الخطاب.
أما على المستوى الايقوني: تعد الصورة البصرية إحدى أهم الوسائط الأساسية في فن التواصل بصفة عامة والتواصل السياسي بصفة خاصة، فالخطاب البصري يعتبر خطابا بلاغيا كذلك.
فبنكيران يكاد أن يكون الفاعل السياسي الوحيد بعد الملك، الذي يحسن استخدام الصورة ويوظفها بشكل يسوق نموذجه الخطابي الفريد، سواء من حيث التماهي اللفظي والصورة الإيمائية، داخل المؤسسات السياسية عبر الخطابات السياسية والتواصلية )البرلمان او داخل حزبه)، كذلك عبر تسوقيه لشخصية بنكيران السياسي المواطن) .المواطن في بيته في السوق مع أصدقائه... الخ(.(لقاء واستقبال الطلبة الأطباء في منزله، ونفس الشيء مع زعماء الأحزاب كذا مرة. بلباس منزلي فقية وسبحة ...)
فطبقا لهذا فإن اللغة الصورة واللفظ من بين السمات الأساسية للسياسي المتمرس :ونحن نذكر على سبيل المثال كيف كان المغفور له الحسن الثاني يستخدم الصورة واللغة في التأثير على المتلقي بشكل غير مسبوق في التاريخ السياسي المغربي، رغم الظروف التي كان يمر بها المسار السياسي في حقبته، لكنه عرف كيف يسوق نفسه ،انطلاقا من خطاباته وخرجاته الإعلامية التي تكون في غالب الأحيان سوق نموذجي يسوق فيه الرجل نفسه بشكل يخول له الظهور أمام المغاربة والعالم، بذكاء سياسي يرسل من خلاله رسائل تحت عنوان أنا رجل المرحلة .
وهذا ما يمكن ملاحظته في شخصية الملك محمد السادس، كواحد من ابرز الزعماء الذين يحسنون استخدام الصورة باعتبارها خطابا كامل المعنى، أوليست الصورة ابلغ من ألف كلمة؟ .
وتجدر الإشارة أنه لا يمكن القول أن جميع خطابات بنكيران هي خطابات مسترجلة بمعناها الأعم، وان الدلالات التي يحملها اعتباطية مبنية في أنيتها، بل هو حوار نابع من مجموعة عمل تواصلية يحاول أن يترجمها، فعفويته هي عفوية متحكم فيها، وهي بذلك ورقة رابحة في الممارسة السياسية يجيد السيد بنكيران لعبها بذكاء. فبنكيران لديه أسلوب في التواصل مبني على عفوية مفكر فيها، وليست عفوية خالصة، تهدف إلى التواصل مع جموع المواطنين وبناء نوع من المكاشفة أو البوح ليشعر المواطنين أنه قريب منهم.
فالأسلوب الذي يلجأ إليه في تمرير وإيصال أفكاره للمواطنين، يستند إلى المقولة الشهيرة للزعيم السياسي البريطاني وينستون تشرتشيل، التي تذهب إلى أن "أحسن الخطابات المرتجلة، هي تلك المعدة سلفا بعناية وإتقان"، أي في المظهر عفوية وارتجال، وفي الجوهر تفكير واتزان.
وعليه فان بنكيران يجد نفسه خارج النص أو بالأحرى يحاول دائما التخلص من سلطة النص (ما عليك عزيزي القارئ إلا عقد مقارنة بين بنكران وهو يتحدث من نص مكتوب وبين تحرره من سلطة الورقة النص )
ويهمني هنا إزالة بعض سوء الفهم في حدود ما تم الإشارة إليه في ما يخص الرسالة السياسية أو بالأحرى النصية، باعتبارها الحامل لكل المكونات المشكلة للخطاب السياسي. وبالتالي فكل رسالة ليست عشوائية دون معنى، فكل رسالة لها معنى وإنتظارات نتوقع منها غايات.
وما يمكن أن نسجله كذلك في حدود هذه الملاحظات، هو السياق الذي جاء فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة باعتباره حزب ينطق بلسان المواطن المغربي إبان المعارضة، حيث كان يلتزم بتشييد خطاب هجومي على الحكومة الاستقلالية، والنداء الدائم بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. بالإضافة إلى ما تشكله مرجعيته الدينية كأطروحة تمثل الإسلام السياسي بالمغرب، وما يمثله ذلك في الحس الجمعي للمواطن المغربي.
بالتالي نجد أنفسنا بصدد تحليل الخطاب السياسي أمام مدخل يتمثل في طبيعة الشخصية المغربية التي تشكل البنية الأساسية، لفهم طبيعة الخطاب. وبهذا لابد من الوقوف أمامها لفهم طبيعة العلاقة القائمة بين نوع الخطاب وتأثيره على الأفراد.
وعلى العموم فإن الأمر متعلق بدرجة أولى بطرائق التفكير والتفاعل لدى الشعب المغربي الفئة الناخبة ، فهو في غالب الأحيان لا يتفاعل مع الخطاب العقلاني القائم على أسس بيانية وحسابية، ( ويعتبر هذا النوع من الخطابات، خطابات فئوية لا يجري تفسيرها إلا من طرف النخب بصفة عامة)، بقدر ما يتفاعل مع الخطابات التي تستنطق العاطفة، وهذا ما يفسر أن اغلب الأفراد يتفاعلون مع الخطاب السياسي لا مع السياسة أي مع المشروع السياسي .( ومنه فلكل مجتمع سياسة (السياسيين) التي يستحقها).
كما نسجل كذلك عاملين كان الحزب يلعب على وترهما ولازال يتغنى بهما :
اولا نظافة اليد : حيث يعتبر حزب العدالة والتنمية واحد من الأحزاب التي يسوق لها أعضاءها، بنظافة أيادي قادته، لكونهم لم يشتبه بهم في قضايا الفساد، عكس قادة الأحزاب الأخرى. حيث لا تمر دورة في البرلمان إلا ويذكر قادة الحزب، المغاربة بنظافة أيديهم التي أصبحت كباقي الأيادي بعد مشاركته في الحكومة .
ثانيا لعب دور الضحية : كما حاول صياغة خطاب سياسي يوافق ولسان حال المواطن المغربي المقهور، لذلك تعرض على طول مساره لنوع من المضايقات من طرف المخزن، خاصة ما تترجمه مواقفه تجاه المؤسسة الملكية وتجاه السياسية الدينية التي تنهجها الدولة المغربية، وبالتالي فهو يحاول أن يمس الحس المشترك الجمعي عبر خطابته ويؤسس لنوع من خطابات التظلم. لكن بمجرد وصوله إلى الحكومة قام الحزب بتغيير خطابه بل ومجموعة من المواقف التي كان يتغنى بها أمام أنصاره.
علاوة على إتقانه لنظرية المؤامرة التي يحسن الحزب اللعب بها، حيث يحاول أن يرسخ لدى المواطن البسيط فكرة مفادها أن اغلب الأحزاب الوطنية تشترك في مؤامرة ضد الإصلاح، وان حزبه هو الوحيد القادر على الوقوف ضدا في هذه المؤامرة السياسية التي تحاك ضد الشعب المغربي، وما يسميه الحزب بالتحكم.
الجمع بين المتناقضات
تكمن القوة الخطابية ل بنكيران في القدرة على الجمع بين المتناقضات، ففي حديثه الدائم عن عدم قدرة الحكومة أو فشلها في مجموعة من القطاعات الحيوية، إلا أن هذا لا ينفى نجاحها في قطاعات أخرى مهمة، ويعبر عن ذلك انطلاقا من عدة خطابية ترتكز على الممارسة الكلامية، التي تدحض الأفكار التي عبر عنها في البداية كفشل. لينزع التناقض عن طريق تعبيره الدائم، أن حكومته هي الأفضل على مر التاريخ المغربي، لأنها تمكنت من الخوض في جملة من القضايا الإصلاحية على حد تعبيره، التي لم تمتلك الحكومات السابقة الجرأة في مجاراتها أو إصلاحها مخافة فقدان الكراسي وهذا تعبير مباشر على أن بنكيران جاء للإصلاح الممكن ولا يهتم بالعودة مرة أخرى إلى المشاركة في تدبير الشأن المحلي. ونسوق هنا نموذجين :
• ملي تنشوف مالين تاكسيات راه قلبي يتقطع... ولكن ماتستغربوش حيت بنكران مادارش، لكن تسغربوا حيت بنكيران دار.. هكذا خاصكم تفكروا.. فالبلاد حمد الله تنعم بالاستقرار ... مقتطف من الجلسة الشهرية 1/ 12/2015
• أنا مالي ومال تقاعد اش داني ليه ... أنا درت جهدي ومميمكنش ندير حاجة أخرى ...اشنو لنعتب أنا على راسي من مشات لنا مليار درهم ...هذي لي نقول لكم ربما إلى خرجتو تقول خاص نطيحو بنكيران لأنه مادارش الإصلاح من الأول نخرج معكم هذي هي روح المواطنة. انظر الجلسة شهرية مع النقابات
ونستشف من هذه النماذج، كما لو كان يحاول أن يؤسس لدى المواطن المغربي فكرة مفادها، أن الغاية إصلاحية، وليس البقاء على كرسي الحكومة. وهذا ما يفسر حديث الحزب عن نظافة اليد وسعيه إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي للإفراد وانقاد الاقتصاد الوطني بل والى خلق توازنات ميكرو اقتصادية، ومحاربة الفساد والمفسدين.
كما هو الحال بنسبة للكثير من المحطات التي يعلن فيها على أن حزبه وصل إلى الحكومة بطريقة نزيهة وانتخابات شفافة، وهذا يعني أن الانتخابات السابقة كانت متحكم في نتائجها، وان حزبه يمثل صوت الشعب، دون الأخد بالحذر الكمي الإحصائي. الذي يترجم حقيقة الأصوات التي أوصلته إلى الحكومة ،التي لا تتعدى أكثر من 2% من مجموع سكان المغرب.
فهذا الجمع بين المتناقضات كان مفكرا فيه، بحيث يحدث نوعا من الاختلال الذهني لدى المتلقي، ويجعله حائرا بين الخطاب المفوه والواقع المرير الذي لا يترجم بالأساس المقولات الخطابية للرجل.
فالجمع بين المتناقضات ليس أمرا اعتباطيا بل هو تأسيس لنوع من المصداقية والاعتقاد في إزاحة البديل الذي لا يمكن أن يحل محله مادام صادقا في خطابه المفوه، ومنه يخلق نوعا من الانتظارية لدى المتلقي على أساس إمكانية الإصلاح في المستقبل .
فالملاحظ أن خطابات بنكيران حاولت ألا تنفصل عن المجتمع باعتبارها خطابات كلامية مفوهة، اتصالية لا توضيحية تواصلية تستمد دلالاتها من إحصاءات وأرقام. والملاحظ أيضا أن بنكيران يتميز بكفاءة أسلوبية كلامية خاصة لا لغوية تؤسس لخطاب سياسي مؤسساتي جديد.
ففي نهاية المطاف، ان إتقان هذه الوسائل من لدن الفاعل السياسي سيمكنه بلا شك من التأثير على الحشود واتساع قاعدته الجماهيرية مقارنة مع أقرانه وخصومه السياسيين.
المعجم السياسي و الدلالي لرئيس الحكومة المغربية بنكيران
تعد الأبعاد الإستعارية للخطاب السياسي مكونا أسياسيا للتعبير عن الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فإشراك الاستعارات ليس بالأمر الاعتباطي أو المجاني بل له دلالاته القوية التي ترنو إلى تحقيق الآثار أو الممكن، الذي يعبر عن علاقة جدلية قائمة على التفاعل بين الضمير الجمعي والواقع المعاش بوجه عام والسياسي بوجه خاص.
كما يمكِن ذلك من إيصال رسالة إلى المتلقي بشكل يترك له المجال للتأويل المباشر للرسالة فالخطاب السياسي ليس حامل أوجه كما يعتقد البعض ففي غالبيته يكون غير قابل لتأويلات متعددة
نظرا لكون المصطلحات والمفاهيم الاستعارية مجردة والتصورات والتمثلات متجسدة أساسا على حد تعبير جورج لاكوڤ وتبقى قيمة هذه الاستعارات، تتمثل في تلك العمليات التخيلية المتجسدة في هذه الاستعارات اي الاستعارات الحية التي تمتلك القدرة على التشَاكل بناء على رواسب التي راكمها الضمير الجمعي للمجتمع تجاه الخطاب السياسي ،وبالتالي تأسيس لأشكال تأويلية ذات اتجاه واحد يسهل إلى حد ما التلاعب بها، كلما كان الخطاب مغايرا شريطا ان يكون هذا الخطاب يحمل جملة من المتغايرات التي لم تكن تعبر عنها الخطابات السالفة والانطلاق من ذات المرجعية التي ينطلق منها معظم الأفراد داخل المجتمع واقصد هنا المرجعية الدينية كمؤسسة لنوع من الشرعنة .
فما تشكله العفاريت والتماسيح في التراث الشفهي المغربي خارج السياق السياسي غير ما تشكله داخل هذا السياق ، وعليه فان المعنى يتشكل انطلاقا من القائم بالاتصال، بنكيران معبرا عن وضع معين بالتماسيح والعفاريت فهذا التعبير يعد تعبيرا مباشرا عن الفساد والمفسدين. حينما يقول احدهم لأحد أصدقائه فلان عفريت فهذا دليل على كفاءته أو تحايله، "تختلف حسب السياق" .
يعتبر المعجم أهم جانب في تحليل الخطاب، فلكل خطاب معجمه الخاص، كما أن المستوى الصوتي و الايقوني هو جانب في التحليل لا محيد عنه، سواء فى التحليل السوسيولوجي أو السيميولوجي لنظام العلامات اللغوية، خاصة ان تعلق الأمر بموضوع القادة السياسيين، باعتبار هذه المكونات الثلاث هي المشكلة للخطاب السياسي، مما يستدعي تماهي بعضها ببعض في علاقة تجانس واتصال.
ومما لاشك فيه ان توظيف المصطلحات في الميدان السياسي لا يتم بشكل اعتباطي عشوائي بقدر ما يتم انتقائها بشكل حاد ودقيق سواء تعلق الأمر بالوصف مباشر أو بالإيحاءات.
مند الوهلة التي أرخى فيها بنكيران العنان لقرحاته كرئيس للحكومة المغربية، إلا و دشن خطابا سياسيا جديدا، يستند إلى معجم مفاهيمي استثنائي، يزخر بجملة من المصطلحات التي تغترف من الطبيعة للتعبير عن ما هو سياسي، وعليه سنحاول الوقوف عند البنية الدلالية لهذه المفاهيم بالرصد والتحليل . ومن ابرز هذه المفاهيم التي تؤثث الخطاب "البنكيراني" كخطاب جديد في الساحة السياسية الوطنية، بتوظيف استعارات لأسماء حيوانية .
واهم هذه الأسماء المتداولة في القاموس البنكيراني و التي تداولها شركائه وخصومه السياسيين, بل حتى الإعلاميين وعامة المواطنين . نجد " التماسيح, العفاريت,الدود , الجن , الذئاب..." وغير ذلك من المصطلحات والنعوت .
التمساح: من أضخم الزواحف الحية، له جسم طويل وأرجل قصيرة و ذنب طويل له جسم يمكنه من السباحة و أسنانه حادة يقبط بها على فريستيه و من الغريب انه لا يستطيع إخراج لسانه .
و يعد التمساح من بين الحيوانات الارستقراطية التي يفضلها الكثير من القادة لإظهار الجبروت والقوة، كما استخدمه الرومان للدلالة على عظمتهم في قتل أعدائهم بدم بارد ،فهو رمز من رموز الغموض والتحايل والعدوان و المراوغة، و يقال لشخص تمساح بمعنى انه شخص مراوغ .
أما بالنسبة ل بنكيران فهو يشمل هذا النعت، بعض الاقتصاديين المسيطرين على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين، مما يقوي وجودهم على الساحة الوطنية كقوة ضغط على الفاعل السياسي، و بذلك التدخل في رسم الخرائط السياسية وفق ما يخدم مصالحهم الخاصة، مشيرا إلى أن حكومته لن تكون لهم لقمة سهلة بقوله : داكشي لكنتو عارفنو راه مابقاش ...لتقولها هيا لتكون... وقت أخرى هذه... و الكذاب راه معروف ...
العفريت :تستخدم كلمة عفريت للدلالة على شخصيات معينة غالبا ما تكون خرافية أو خيالية وأحيانا يمكن أن تذكر كشخصيات حقيقية لها وجودها في عالمنا وموضوع خرافية أو حقيقة وجودهم تتعلق عادة بمعتقدات الشعوب وطريقة تفكيرهم أو عقيدتهم وما ورثوه من أسلافهم. والعفريت كان وما زال له مكانة هامة في الإنتاج الأدبي والفلكلوري للشعوب .
والعفريت يقصد به الشخصية الذكية التي تتميز بصفة المكر، و يوظفه بنكيران لوصف أولئك الأشخاص النافدين المتوغلين في السلطة، الذين يدبرون أمور البلاد من وراء الستار، فقد عرف بنكيران العفريت في إحدى مقابلاته الإعلامية أنه يحرك الأشياء و أنت لا تراها و هذا ما ينطبق حسبه على الحياة اليومية للمغاربة. وعليه فالعفاريت هم شخصيات نافدة في المجتمع ويسيرون الشأن الوطني، فهم كائنات معنوية غير مرئية، ولهم من التجربة والذكاء ما يكفي لرسم والنقش على الخريطة الوطنية كما يحلوا لهم و وفق ما يخدم مصالحهم.
برزت هذه المصطلحات في إحدى الملتقيات الخطابية لشبيبة حزبه كلازمة لغوية يرددها مع أنصاره
لا للتماسيح ...... لا للمشوشين
لا للعفاريت ...... لا للشياطين

ولاعتبارات موضوعية وتجنبا لأي تحليل قد يفضي في نهاية المطاف إلى الخروج بنتائج عامة وذات طابع قيمي. سأتوقف في عرض مقتطف من مقابلة تلفزيونية أجراها عبد لإله بنكيران مع القناة الفرنسية "فرانس 24" يشرح فيه بنفسه المقصود بالتماسيح والعفاريت
بنكيران يجيب عن سؤال حول المقصود بالتماسيح والعفاريت ؟ :
(العفاريت والتماسيح هي كائنات موجود في كافة الدول ,وهي كائنات تتسرب إلى السياسة وتكون مصالح ومنافع بطبيعة الحال وهي تقاوم الإصلاح ...
س: من تقصد ؟
ج بنكيران : لو كنت ضابطا لهذه الأسماء لما كنت سميتها بهذا الوصف, فهي طريقة للإشارة إلى المقاومة الموجودة لكل عملية إصلاحية ... تكون فئات معينة تشعر أنها سوف تتضرر من الإصلاح , فهي تتصرف بهذه الطريقة التي تتصرف بها التماسيح و العفاريت ...
فالتماسيح تأتيك من الأسفل وتمسك بك وأنت لا تراها، والعفاريت تحرك أشياء أنت لا ترها .(
انتهى الحوار.
على سبيل الختام
أن قوة الخطاب لا تتجسد في المنطوق أو موقف من المواقف، إنما في الحركة والقوة والاحتواء والعلو والانخفاض أثناء الإلقاء فالاستعارة تحضر في كل مجالات حياتنا وفي سلوكياتنا بكل بساطة وبالتالي فان العادة هي الاستعارة وليس شيء آخر.
فموت السياسية ليس سوى موت للخطاب السياسي وسذاجته، والذي فقد أدواره التفاوضية وتحول إلى أداة للصراع الايديولوجي، أو ما يمكن أن نسميه بالعنف والازدراء السياسي الذي يفقد السياسة معناه البرغماتي القائم على القيمة ذات الفعالية، وبالتالي فإننا أمام مجال يحوي الكثير من الخطاب السياسي والقليل من الفعالية السياسية، ليصبح الخطاب غاية في ذاته، وممارسة السياسة ليس سوى وسيلة لتحقيقه.
ومما سبق، نجد أنفسنا أمام تساؤلات مشروعة، فان كان الخطاب البنكيراني تمكن في المرحلة السابقة من أحداث نوع من الآثار لدى المتلقي، فإننا هنا أمام سؤال الاستمرارية في ظل تحولات، خاصة مع الائتلافات الممكنة، التي ستغير لا محال من خصوصية الخطاب السياسي) خاصة بعد أن فقدت المعارضة أهم أقطابها( ، كما هو الحال بنسبة له إبان المعارضة، وفي مشاركته في قيادة الحكومة السابقة.فما هو إذن الخطاب السياسي الجديد الذي ينتظر المغاربة في ظل هذه التحولات المتوقعة؟وهل سيحافظ الحزب على نفس المكانة والخطاب تجاه الفئات الشعبية بعد رحيل بنكيران ؟ وهنا يطرح السؤال هل بنكيران هو من صنع الحزب وأخرجه إلى الساحة السياسية أم العكس ؟ وبمعنى أخر ألا يمكن القول أن وصول حزب العدالة والتنمية إلي الحكومة المغربية هو بداية نهاية بريقها؟

باحث في التواصل السياسي
[email protected]*



#بوشوار_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة في مقدمة الشغب الرياضي


المزيد.....




- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوشوار ياسين - بنكيران في الميزان محاولة في تحليل الخطاب البنكراني