أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - آلان وودز - الثورة الروسية الأولى - البلشفية طريق الثورة















المزيد.....

الثورة الروسية الأولى - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
(Alan Woods)


الحوار المتمدن-العدد: 5382 - 2016 / 12 / 25 - 00:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

المؤتمر الثالث



ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

يوم 12 أبريل عام 1905، افتتح أول مؤتمر حقيقي للحزب البلشفي أشغاله في لندن. على جدول الأعمال كانت المسائل التالية: 1) الانتفاضة المسلحة؛ 2) الموقف من سياسة الحكومة، بما في ذلك شعار حكومة ثورية مؤقتة. 3) الموقف تجاه حركة الفلاحين. 4) العلاقات بين العمال والمثقفين داخل الحزب. 5) قوانين الحزب. 6) الموقف من الأحزاب الأخرى (بما في ذلك المناشفة)؛ 7) الموقف من المنظمات الاشتراكية الديمقراطية غير الروسية. 8) الموقف من الليبراليين. 9) الاتفاقات العملية مع الاشتراكيين الثوريين، والمسائل التنظيمية. حضر المؤتمر 24 مندوبا لديهم حق كامل في التصويت يمثلون 21 لجنة، إضافة إلى عدد من مجموعات الحزب الأخرى، بما في ذلك هيئة تحرير فبريود والمنظمة البلشفية في الخارج، والتي كان لها صوت استشاري. كان لينين حاضرا، كمندوب عن أوديسا.

انعقد المؤتمر في أوج النهوض الثوري. كان الحزب يواجه سلسلة كاملة من المسائل السياسية والتكتيكية الملحة: الموقف من تنازلات الحكومة (لجنة شيدلوفسكي)، وشعار البرلمان (زيمسكي سوبور)، والجمعية التأسيسية، والانتفاضة المسلحة والحكومة الثورية المؤقتة، والعمل الشرعي والعمل شبه الشرعي، والمسألة القومية والمسألة الزراعية، وما إلى ذلك. لكن المسألة التي هيمنت على جميع المسائل الأخرى كانت مسألة الانتفاضة المسلحة. كان لينين يؤكد بوجه خاص على هذه المسألة وقال: «لقد أثبت كل تاريخ العام الماضي أننا نقلل من أهمية وحتمية الانتفاضة. يجب أن نولي الانتباه للجانب العملي لهذا الموضوع».[1]

كان لوناتشارسكي (فوينوف) هو من فتح النقاش. كانت الثورة في روسيا قد بدأت بالفعل، بمعنى أن الجماهير دخلت بشكل حاسم إلى ساحة النضال. قال إن المطلوب الآن هو إعطاء شكل منظم لهذه الحركة شبه العفوية، وإلا فإن كل البطولات والتضحيات التي يبذلها العمال يمكن أن تتبدد في انتفاضات محلية غير منظمة وبلا هدف. خلال المرحلة السابقة، عندما كانت الظروف الموضوعية للثورة غائبة، ركز الماركسيون الروس، وبليخانوف في المقام الأول، بشكل كبير على مهاجمة النظريات الإرادوية للنارودنيين، هؤلاء "الثوريين الرومانسيين" الذين يتصورون أن كل ما هو مطلوب هو دفعة حاسمة من قبل جماعات إرهابية صغيرة لتحريض الجماهير إلى العمل. بالنسبة لهؤلاء المثاليين الذاتيين، كانت مسألة الانتفاضة المسلحة شيئا مستقلا عن الزمان والمكان. أما بالنسبة للماركسيين، الذين يؤمنون بأن الثورة يجب أن تكون من صنع العمال أنفسهم، فإنها تنشأ حتما عند نقطة معينة من تطور الصراع الطبقي. لكن عندما تكون الظروف الموضوعية الضرورية غائبة، يكون طرح فكرة الانتفاضة والكفاح المسلح مجرد نزعة البلانكية.

هذا المصطلح [البلانكية] الذي استخدمه بشكل واسع الماركسيون الروس للدلالة على المغامرة الثورية، يأخذ اسمه من اسم الثوري والشيوعي الطوباوي الفرنسي الشهير، لويس أوغست بلانكي (1805-1881)، الذي تبنى تصورا تآمريا يساريا متطرفا للثورة باعتبارها ليست من صنع للجماهير، بل مهمة أقلية ثورية صغيرة. لكن بلانكي، وبالرغم من صدق طويته وشجاعته الشخصية، لعب دورا سلبيا، بسبب افتقاره للفهم النظري. كتب انجلز عنه قائلا: «إن بلانكي في جوهره سياسي ثوري واشتراكي بالمشاعر فقط، بسبب تعاطفه مع معاناة الشعب، لكنه لا يمتلك نظرية اشتراكية ولا مقترحات عملية محددة للإصلاحات الاجتماعية. في نشاطه السياسي كان في جوهره "رجل أفعال".»[2] إن اليساريين المتطرفين المعاصرين حافظوا بكل أمانة على كل أخطاء بلانكي دون امتلاك أي من فضائله.

عندما كانت الظروف غائبة، ركز الماركسيون الروس على العمل البطيء لتطوير الكوادر الماركسية، مؤكدين على النظرية والتنظيم، ادخروا الموارد بعناية وبنوا العلاقات مع الجماهير. لكن الآن كان الوضع برمته قد تحول بفعل الزلازل الاجتماعية التي أحدثتها الحرب والثورة. بعد 09 يناير قال مارتوف إنه لا يمكن "تنظيم" الثورة وكان اتهام "البلانكية" الذي وجهه ضد البلاشفة يفوح برائحة السفسطة. في الواقع كان موقف المناشفة نابعا من مفهومهم الكامل للثورة بأنها ثورة برجوازية ديمقراطية يجب على الطبقة العاملة خلالها أن تخضع نفسها للبرجوازية الليبرالية. لم تكن مسألة تنظيم العمال للانتفاضة المسلحة تدخل في مخططهم، لأنهم رأوا أن دور العمال هو مجرد دعم لليبراليين، وإجبار الاستبداد على التراجع تحت ضغط الإضرابات والمظاهرات بهدف إيصال الليبراليين إلى السلطة. كان موقف البلاشفة مختلفا بشكل جذري.

بعد صدمة الأحد الدامي، تغير وعي الجماهير. كانت هناك موجة من الإضرابات والمظاهرات المحلية، ذات طابع عاصف غالبا. أشار أحد المندوبين إلى المزاج الكفاحي في المصانع قائلا: «بعد أسبوع يناير الثوري في بيترسبورغ كان هناك ما يشبه موجة من الإضرابات الفوضوية، إلى درجة أنه في العديد من المصانع كان كافيا أن يصيح أحد العمال:"أوقفوا الآلات، يا شباب!" لكي يندلع الإضراب، وكل من عارض ذلك ينال من الآخرين تهمة "عميل استفزازي".» والخطر هو أن طاقات العمال من شأنها أن تتبدد بهذه الطريقة. المطلوب هو محاولة توحيد الحركة بحيث تكون قادرة على تركيز "كامل قوتها عند نقطة الهجوم". وأكد نفس المندوب على ضرورة مكافحة المغامرة اليسارية المتطرفة والإرهاب الفردي: «من جهة أعمال الإرهاب التافهة التي لا داعي لها، ومن جهة أخرى الأعمال الاستفزازية التي لا معنى لها، أو الاشتباكات مع الشرطة والجنود، عندما يقوم بعض الأفراد المسلحين، الذين يأتون بأسلحتهم، بإعطاء العدو المبرر والفرصة لإطلاق النار على الحشود غير المسلحة وذبحها».[3]

ناقش المندوبون بطريقة جدية كل التفاصيل التقنية: رسم الخرائط الاستراتيجية للمدن وتدريب القادة الأكفاء وجمع الأموال، لكن وقبل كل شيء حاجة كل فرع لامتلاك معرفة تفصيلية بالظروف المحلية ومزاج العمال. وجنبا إلى جنب مع الإعداد التقني والتنظيمي، كانت هناك ضرورة تطوير العمل الإيديولوجي والتحريضي والدعائي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من التحضير للإطاحة بالنظام القيصري. كان من الضروري القيام بالتحريض ليس فقط بين العمال، بل أيضا بين المثقفين والطلبة والشباب والنساء والقوميات غير الروسية، وقدر الإمكان بين الفلاحين، بدءا بفقراء الأرياف. تم إيلاء اهتمام خاص للعمل بين الجنود، بهدف كسب الجنود إلى صف العمال. كان يجب التدخل في قوات الجيش بالمناشير، وشكلت لجنة من متخصصين ذوي خبرة، بتسيير من اللجنة المركزية، للعمل على وضع برنامج مطالب انتقالية للجنود.

ومع ذلك فحتى في الوقت الذي دفعت الأحداث بمسألة الانتفاضة المسلحة إلى رأس جدول الأعمال، بقيت المهمة الأساسية للحزب هي كسب الجماهير. فدون ذلك كان كل الحديث عن إسقاط القيصرية سيبقى مجرد ثرثرة عقيمة. لكن المؤتمر أكد العديد من مخاوف لينين حول أن المناضلين البلاشفة داخل روسيا كانوا بطيئين في التعامل مع الظروف المتغيرة. فأعضاء اللجان، الذين كانوا قد اعتادوا، طيلة فترة طويلة، على العمل السري داخل الحلقات الصغرى المغلقة، لم يستسيغوا العمل وسط الحركة الجماهيرية واستخدموا كل الذرائع لتجنب الانخراط فيها بشكل وثيق. لقد ساهم الفهم الصوري للتنظيم والانضباط والمركزية، إلى جانب بعض الميول اليسارية المتطرفة، في تغطية النزعة المحافظة والعصبوية المتأصلة والموروثة عن الماضي. استخدم لينين المؤتمر ساحة لخوض النضال الحازم ضد هذه النزعات.

وفيما يتعلق بمسألة المشاركة في المنظمات الشرعية مثل النقابات والتعاونيات ومؤسسات الضمان والخدمات الاجتماعية، التي كان الموقف السائد بين أعضاء اللجان هو مقاطعتها، حذر لينين من أنه: «لا يمكن للمؤتمر أن يتخذ قرارا جامدا وسريعا حول هذه النقطة. ينبغي استخدام كل الأساليب من أجل التحريض. إن تجربة لجنة شيدلوفسكي لا تعطي أي أساس للموقف السلبي»، ووجه صدمة لدعاة المقاطعة حين أكد أنه سيكون من الصحيح، في ظل ظروف معينة، المشاركة حتى في البرلمان القيصري المزور: «من المستحيل الحسم مسبقا بشكل قاطع في ما إذا كان من المستحسن المشاركة في الزيمسكي سوبور. كل شيء يتوقف على الوضع السياسي وعلى النظام الانتخابي وعلى عوامل أخرى محددة، والتي لا يمكن تقديرها مسبقا. يقول البعض إن مجلس الزيمسكي سوبور مزور. هذا صحيح، لكن هناك أوقات يجب علينا خلالها أن نشارك في الانتخابات لفضح التزوير». قدم لينين إضافة إلى القرار بشأن هذه المسألة، جاء فيها: «فيما يتعلق بالتنازلات الحالية والصورية التي يقدمها النظام الاستبدادي الضعيف للديمقراطيين بشكل عام، وللطبقة العاملة على وجه الخصوص، يجب على حزب الطبقة العاملة الاشتراكي الديمقراطي الاستفادة منها من أجل، من جهة، ترسيخ كل تحسين يحققه الشعب في الأوضاع الاقتصادية وكل توسيع للحريات بهدف تكثيف النضال، ومن جهة أخرى، أن يفضح أمام أعين البروليتاريا الأهداف الرجعية للحكومة، التي تحاول تفكيك وحدة الطبقة العاملة وإفسادها ولفت انتباهها بعيدا عن حاجاتها الطبقية الملحة أثناء لثورة».[4]

اصطدم فهم لينين المرن والجدلي للتكتيكات والاستراتيجية الثورية مع الدوغمائية المتصلبة لأعضاء اللجان، الذين يدور عالمهم حول محور حلقاتهم المحلية الضيقة، التي يحرصون عليها بغيرة ضد القيادة في المنفى من جهة ، ومن جهة أخرى ضد مطالبة العمال بحقهم في مجال أوسع للتقرير في تسيير شؤون الحزب الداخلية. كان التكوين الطبقي للمندوبين في المؤتمر في حد ذاته معبرا عن طبيعة الوضع، مثلما قال أحد المندوبين، ليشينسكي (جاركوف): «بينما أنظر حولي، في تكوين المؤتمر الحالي، أستغرب أنه لا يوجد سوى عدد قليل جدا من العمال، رغم أنه كان من الممكن، دون أي شك، العثور على العمال المناسبين لحضور المؤتمر».[5] وهذا ما تؤكده كروبسكايا، التي تقول في مذكراتها: «في المؤتمر الثالث لم يكن هناك أي عمال، أو عمال بارزين على الأقل... بينما كان عدد أعضاء اللجان كبيرا».

في الواقع أصبح الجو متوترا جدا داخل المؤتمر، خاصة عندما هاجم لينين الأحكام المسبقة التي يتبناها العمليون، بينما لم يخف هؤلاء الأخيرون استياءهم من "تدخل" المنفيين. كتبت كروبسكايا: «كان أعضاء اللجان عادة أشخاصا واثقين من أنفسهم. كانوا يرون التأثير الكبير الذي يمارسه عمل اللجنة على الجماهير، وهم عادة لا يعترفون بالديمقراطية داخل الحزب. لسان حال أعضاء اللجان يقول: "إن الديمقراطية داخل الحزب لا تؤدي إلا إلى المشاكل مع الشرطة. نحن على اتصال مع الحركة كما هي"، إنهم في أعماقهم يحتقرون أعضاء الحزب العمال في الخارج، والذين أفضل ما يمكنهم القيام به، من وجهة نظر أعضاء اللجان، هو إطباق أفواههم. كان أعضاء اللجان يعترضون على تزايد نفوذ القيادة بالمنفى قائلين: "عليهم أن يجربوا العمل في ظل الظروف الروسية". وفي الوقت نفسه لم يكونوا يحبون التجديدات. لم يكونوا راغبين ولا قادرين على تكييف تكتيكاتهم مع الظروف المتغيرة بسرعة».[6]

قدم بوغدانوف مشروع قرار، صاغه لينين، عن العلاقات بين العمال والمثقفين داخل المنظمة الاشتراكية الديمقراطية، وهو القرار الذي رغم اعترافه بالصعوبات في ظل ظروف السرية، دافع عن تطبيق مبدأ الانتخابات على نطاق أوسع، وفتح الحزب للعمال، لإفساح المجال لفئات شابة جديدة داخل لجان الحزب القيادية.

أثار هذا القرار عاصفة من الاحتجاجات من جانب أعضاء اللجان. كان كامينيف (غرادوف) أول المحتجين، إذ قال: «لا بد لي من التحدث بشكل حاسم ضد الموافقة على هذا القرار. مشكلة العلاقة بين المثقفين والعمال داخل منظمات الحزب لا وجود لها. (لينين: بل هي موجودة!) كلا، إنها غير موجودة: إنها موجودة كقضية للديماغوجيا، هذا كل شيء». وذهب آخرون إلى أنه لا يوجد وقت كاف أو قوات كافية لتدريب العمال، معتمدين على الاقتباس الشهير من كتاب ما العمل؟ الذي يؤكد، بشكل غير صحيح، أن الوعي الاشتراكي يجب أن يصل للعمال من الخارج. وهكذا قال رومانوف (ليسكوف): «يبدو لي أننا نبالغ هنا في تقدير نفسية العمال (كذا!)، وكأن العمال قادرون لوحدهم على أن يصلوا إلى الوعي الاشتراكي الديمقراطي».[7] ومع ذلك، فإن مؤلف كتاب ما العمل؟ نفسه أجاب منتقديه من خلال مناشدة الغريزة الطبقية للعمال، وصدم مستمعيه بشكل متعمد من خلال الإشارة باستحسان لمشاركة العمال في المنظمة الحزبية خلال مرحلة "الإقتصادوية". لقد تم حذف خطاب لينين هذا في الأعمال الكاملة بالإنجليزية، لأسباب معروفة جيدا للمحررين الستالينيين. لذا سأقتبس هنا من تقارير المؤتمر باللغة الروسية:


«لقد قيل هنا أن حملة الأفكار الاشتراكية الديمقراطية هم في الغالب المثقفون. هذا ليس صحيحا. خلال مرحلة الإقتصادوية كان حملة الأفكار الثورية هم العمال، وليس المثقفون... ومن المؤكد كذلك أن قادة المنشقين هم عادة من المثقفين. هذه الملاحظة مهمة جدا لكنها لا تنهي المسألة. نصحت منذ فترة طويلة في كتاباتي بضرورة إشراك العمال داخل اللجان بأكبر قدر ممكن. لقد تميزت الفترة التي أعقبت المؤتمر الثاني بعدم كفاية تنفيذ هذا الالتزام، وهذا هو الانطباع الذي حصلت عليه من محادثاتي مع "العمال العمليين"... من الضروري التغلب على جمود أعضاء اللجان (تصفيق وصيحات استهجان)... العمال لديهم الغريزة الطبقية، ومع قليل من الخبرة السياسية سرعان ما يصبحون اشتراكيين ديمقراطيين مخلصين. سأكون في غاية السعادة إذا ما صار لدينا، فيما يخص تكوين لجاننا، ثمانية عمال مقابل كل اثنين من المثقفين».[8]

هذا هو الجواب النهائي على أولئك الذين ما زالوا يصرون على تكرار الخطأ الذي ارتكبه لينين في ما العمل؟، حيث أكد بشكل خاطئ أن البروليتاريا، إذا ما تركت لنفسها، لا يمكنها أن تطور إلا "وعيا نقابيا". لم يكرر لينين ابدا هذا القول، بل إنه، في الواقع، انتقده في أكثر من مناسبة. لم يكن لينين هو الذي تشبث بهذا الموقف، بل أعضاء اللجان بتصورهم الكاريكاتيري الشكلي عن البلشفية، والذين وقفوا ضد لينين عندما حاول تصحيحه. كان ساخطا جدا من موقف الازدراء الذي يتبناه المثقفون تجاه العمال حتى أنه كان يستفزهم بشكل متعمد أثناء تعليقاته الإيجابية بخصوص العمال الاقتصادويين. والواقع هو أن العديد من العمال الاقتصادويين القدامى، من أنصار تيار رابوتشايا ديلو، انضموا في وقت لاحق إلى البلاشفة، في حين أن المثقفين الاقتصادويين، مثل مارتينوف وأكيموف، انضموا، جميعهم تقريبا، إلى المناشفة. هذه نقطة مثيرة للاهتمام لم تذكر أبدا، لكنها مع ذلك صحيحة. لينين، الذي كان يغلي سخطا، تدخل مرة أخرى قائلا: «بالكاد تمكنت من البقاء في مقعدي عندما قيل إنه لا يوجد عمال مناسبون ليدخلوا إلى اللجان (...) يجب أن يمنح العمال مكانا داخل اللجان. ومن الغريب أن هناك ثلاثة ناشرين فقط في المؤتمر، أما البقية فهم من أعضاء اللجان: لكن يبدو أن الناشرين يدافعون عن دمج العمال، في حين أن أعضاء اللجان يبدون، لسبب ما، غير مرتاحين لذلك».[9]

سقطت كل الحجج التي طرحها لينين وأنصاره على آذان صماء. ظلت الأغلبية عنيدة، وتم رفض قرار لينين على أساس أنه "ليست هناك حاجة" لقرار خاص حول هذا الموضوع. أظهرت الأحداث اللاحقة كم كان لينين محقا. لكن على الرغم من هذه النكسة، فقد شكل المؤتمر الثالث محطة تاريخية. ودون معارضة قبلت أفكار لينين الأساسية حول الدور القيادي للبروليتاريا في الثورة، وضرورة الاستقلالية الطبقية المطلقة وعدم الثقة في الليبراليين. تم تغيير سياسة الحزب حول المسألة الزراعية (كان لينين هو من سير ذلك النقاش) بشكل جذري لتشمل مصادرة ملكيات جميع أصحاب العقارات الكبيرة وتشكيل لجان الفلاحين. من هذه النقطة فصاعدا، صار الحل الثوري للمشكلة الزراعية يقع في صميم استراتيجية البلاشفة الثورية. قوانين الحزب التي كان المؤتمر الثاني قد صادق عليها أكدها من جديد المؤتمر الثالث، على الرغم من أن لينين أوضح بشكل جلي تماما أنها يجب ألا تفسر بمعنى ضيق، بل على التنظيم الحزبي أن ينفتح بسرعة ليشمل أفضل العناصر بين العمال والشباب. وبينما تجربة الانقسام المريرة كانت ما تزال ماثلة في ذاكرة الجميع، أصر لينين أيضا على أن تتضمن قوانين الحزب ضمانات واضحة ومحددة تحمي حقوق الأقليات داخل الحزب. كان للأقليات الحق في التعبير عن وجهة نظرها بحرية في جميع مستويات الحزب، بشرط واحد فقط وهو ألا يؤدي طرح تلك الاختلافات بطريقة تؤدي إلى تخريب الحزب وتقويض التدخل العملي للحزب في النضال ضد القيصرية والرأسمالية.

هوامش:


[1] LCW, The Third Congress of the RSDLP, April 12 (25)-April 27 (May 10), vol. 8, p. 370.

[2] Marx and Engels, Selected Works, vol. 2, p. 381.

[3] Tretiy s’yezd RSDRP (Protokoly), p. 10

[4] LCW, The Third Congress of the RSDLP, April 12 (25)-April 27 (May 10), 1905, vol. 8, p. 375 and 376.

[5] Tretiy s’yezd RSDRP (Protokoly), p. 124.

[6] Krupskaya, Reministences of Lenin, p. 125 and pp. 124-5.

[7] Tretiy s’yezd RSDRP (Protokoly), pp. 255 and 265.

[8] Ibid., p. 262 (التشديد من عندي- آ.و)

[9] LCW, The Third Congress of the RSDLP, vol. 8, p. 411.



#آلان_وودز (هاشتاغ)       Alan_Woods#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لينين و-أعضاء اللجنة- - البلشفية طريق الثورة
- البلشفية طريق الثورة - لجنة شيدلوفسكي
- البلشفية طريق الثورة - الثورة بدأت
- الأحد الدامي - البلشفية طريق الثورة
- إضراب بوتيلوف - البلشفية طريق الثورة
- البلشفية طريق الثورة - الأب غابون
- الثورة الروسية الأولى -الزوباتوفية-
- التاسع من يناير 1905 - البلشفية طريق الثورة
- قطيعة تروتسكي مع المناشفة والانشقاقات في صفوف الأغلبية - الب ...
- الحرب مع اليابان - الفصل الأول: ميلاد الحركة الماركسية الروس ...
- روزا لوكسمبورغ- البلشفية طريق الثورة
- ارتباك في صفوف القواعد - البلشفية طريق الثورة
- المعنى الحقيقي لانقسام 1903 - البلشفية طريق الثورة
- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يخلق صدمة في كل أوربا
- كتيّب «مدخل للماركسية»
- ميلاد الحركة الماركسية الروسية - المؤتمر الثاني - البلشفية ط ...
- البلشفية طريق الثورة - توترات في صفوف هيئة التحرير
- 2016: عالم على حافة الهاوية
- مجزرة باريس زرعت الديناميت في أساسات النظام
- يقظة جديدة- البلشفية طريق الثورة


المزيد.....




- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - آلان وودز - الثورة الروسية الأولى - البلشفية طريق الثورة