أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: القاف 1















المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: القاف 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 15:43
المحور: الادب والفن
    


ثمة صورة شخصية ملوّنة، لا يمكن ألا تشدّ إنتباه الزائر لفيللا الأسرة، متصدّرة جدار الصالة المتمتع بأكبر قدر من الضوء نظراً لمحاذاته النافذة المطلة على الحديقة. إطار الصورة، هوَ من النوع الشائع في عقد السبعينات، ويبدو صاحبها على مشارف سنواته الخمسين. وجه الرجل، الشبيه بأيّ من مواطنيه الشلوح، يحتلّ جلّ مساحة الصورة لدرجة أن من المحال تحديد نوع النبات المتسلق، الظاهرة أوراقه الخضر في الخلفية.
" الشيخ مانع، أخذ لي هذه الصورة بنفسه.. "، كذلك دأبَ السيّد على القول بزهو أمام كلّ زائر يحل للمرة الأولى في منزله. وعليّ كان أن أسمع ذات الجملة، مع تغيير طفيف، على لسان أرملة " السيّد الفيلالي ". إذاك، كنتُ ما أزال مقيماً في ضيافة الأسرة الكريمة، وفي المقابل، مضطراً أن أتحمل وخزات إبنتهم الصغرى المدللة. على أن داخلي كان يضمر سعادة خفية، لم يَجُز لملامحي أن تفصح عنها. إذ كنتُ أدرك آنذاك، أنّ حركات " خدّوج " إن هيَ إلا محاولة منها للفت نظري إليها. وقد وقعت في غرامها فعلاً، وبشدّة، حدّ أنني كنتُ أهيم على وجهي طوال النهار في دروب المدينة القديمة مردداً في سرّي قصائدَ غزلية من وحي الحبّ.
وهأنذا أعود للحلول في نفس المكان، بعد مضيّ ثلاثة أشهر على مغادرتي إياه بطريقة شبيهة للطرد.. أعود، لكي أنتحل هذه المرة دَوراً سبقَ للإبنة المدللة أن مثلته معي، وكان من نتيجته جرحَ كرامتي.. أعودُ في بذة جديدة كلّ الجدّة، مثلما هيَ حياتي في المدينة الحمراء. وإنها لأشهر ستة حَسْب، قضيتها حتئذٍ ثمة وكنت أحْسَبُها عُمراً كاملاً.. شهورٌ ستة من الأمل واليأس، الرجاء والخيبة، دفء العاطفة وبرودها، رقة الأحاسيس وتبلّدها، سموّ الجسد وإباحيته وخلاعته.. وكل الأشياء الأخرى، المنسجمة والمتعارضة، الشبيهة بكينونة مراكش نفسها.
ولعلني كنتُ يومئذٍ على زهوٍ بهيئتي، مماثلٍ لما كان يُبديه " السيّد الفيلالي " أمام ضيوفه بخصوص صورته الشخصية. هذا الشعور، كان متناقضاً مع جوّ الجلسة الغالب عليه الكآبة والملالة. إذ أختفت في ذلك الربيع معظمُ الوجوه الأليفة، التي كانت تملأ الصالة بحضورها شبه اليوميّ، وبالأخص على مائدة الفطور: الصهر الفرنسيّ " إريك " وشريكه العراقيّ " رفيق "، " سيمو " وامرأته " الشريفة "، الدكتور " عبد المؤمن " ومجادله الفتيّ " غني ".. بل وحتى " غزلان "، التي أضحت تمضي منذ الصباح إلى مشغل أحد الرسامين فلا تعود إلا مساءً. هذا المشغل، كما أعلمتني " للّا بديعة " وليسَ بدون تحفّظ في نبرتها وملامح سحنتها على السواء، يقع في أحد أزقة باب أغمات غير بعيدٍ عن منزل " خولة ".
وإنه نفس المنزل، من أمتلكه " السيّد الفيلالي " وأقام فيه آنَ حظوته بتلك الصورة الشخصية. في أحد الأيام، وعلى غير عادته، عاد إلى البيت عند مشارف الفجر. لم يكن من الممكن أيضاً أن يؤدي صلاته المعتادة، طالما أنّ رائحة الخمر تطوف حول هيئته. وما فاقمَ من دهشة امرأته، وإنزعاجها من ثمّ، أنه طلبَ منها أن تشعل بعض الشموع في حجرة النوم. على الأثر راحَ الرجلُ، المتناثرة في فوديه شعيراتٌ بيض تفضح سنواته الخمسين، يجرّد زوجته الشابة من مبذل نومها. عريُ جسديهما، كان هوَ وحده المتكفّل بمحي فارق العُمر، الفادح.
" لا تفعل بي ذلك، أستحلفك بالله.. "، كانت تردد وهيَ تشعر بثقل جرمه على ظهرها. كانت مرعوبة أكثر منها متألمة. ولقد بقيت تضغط على جرح روحها سنيناً، قبل أن تفتحه مجدداً أمام إمرأة من سلالتها الخاطئة. وإنها " للّا بديعة " بنفسها، من لم تكن بقادرة عندئذٍ على تفسير مسلك رجلها في ذلك الفجر: " من يستطيع الإحتفاظ ببراءته في مدينة كمراكش، تفسدُ حتى أهل أرض النبوّة! "، قالت لإمرأة ربيبها وقد كسا فمها تعبيرٌ مرير يميّز أولئك المحتفظين بذكريات معذّبة. ولم تلبث أن أفصحت عن مغزى مفردات جملتها الأخيرة، حينَ راحت تستعيدُ ما قصّه عليها زوجها من حكاية ليلته الحافلة. ربما كانت تحيل مسلكه معها، الغريب والشاذ، إلى ما كان من تأثره بمشاهد ليلته تلك.
كان " السيّد الفيلالي " يتأهّب للسفر إلى باريس للعمل في فرع الشركة هناك، وقد أعطيَ إجازة لمدة أسبوعين كي يدبّر أموره. في صباح أحد أيام ذلك الصيف، طرقَ على باب منزله مساعدٌ له قديم كان قد أضحى معلّماً معمارياً. فورَ جلوسه في صالة الدار، قال الضيفُ لمعلمه السابق بإنفعال: " أرجوك أن ترافقني لقصر أحد مشايخ الخليج، وستُجزى على ذلك بمكافأة كبيرة من لَدُنه. على ما يبدو، فإنّ المهندس المعماريّ أرتكبَ خطأ جسيماً خلال عمله بمسبح القصر ". ولأنّ السيّد بحاجة لكل درهم من أجل مصاريف السفر ( كان مبذراً متلافاً للمال )، فلم يتردد عن مرافقة الرجل في سيارةٍ أتى بها. القصر، كان يقع على طرف منطقة المنارة، ويمكن الوصول إليه عبر دربٍ ممهّد يشق غابات الزيتون ذات الجذور المتعمّقة في الزمن، المترعة بالرطوبة والعذوبة.
" على مَ أنت على عجلة من أمرك، أيها المعلّم المتجهّم الوجه..؟ "، خاطبه ذلك الشيخ بنبرة فيها ما فيها من ودّ ودعابة. كان في نحو الثلاثين من عُمره، يغطي سحنته السمراء شاربٌ متدلّ ولحية مشذبة بعناية. وعلى عادة من يدعوهم المغاربة ب " السواعدة "، فإنّ الشيخَ كان متأنقاً بجلابة من الحرير الناصع البياض، المتألقة في عتمة المساء الزاحفة ببطء. إلى ذلك، كانت فصوص المجوهرات تتوّج الخواتم المزينة أصابع الشيخ. وما كان على أسماء الله الحُسنى، المرقّشة تلك الفصوص، أن تولي إهتمامها بقدح الويسكي المنتقل من يد صاحبها إلى يد المعلّم ذي الوجه المتجهّم. ثمة على الزربية الثمينة، المحيطة بجانب من حافة المسبح مع الكثير من الشموع الكبيرة الحجم، بالغ الشيخُ من إكرام " السيّد الفيلالي " حينما دعاه للجلوس بقربه والإتكاء على الوسائد المخملية. ثم ما عتمَ أن أقتربَ خادمٌ شاب، قاتم البشرة، ليقف أمام مولاه وقد جعلَ صقراً رشيقاً على يده المغلّفة بقماشٍ سميك. قال الشيخ للمعلّم المعماريّ، مُشيراً للطائر: " إنه رفيق رحلاتي نهاراً في صحرائكم المدهشة، أين الطرائد الوفيرة.. ". ثم أردفَ بصوتٍ معابث أثقله نوعاً تأثيرُ الخمرة: " أما في هذه الليلة، فإنّ موعدنا مع طرائد محلية أكثر بهاءً وإثارة! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: القاف 1