أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البكوري - القامرة التي في خاطري والقاهرة التي في خاطرك - المحطة الثانية عشر-















المزيد.....

القامرة التي في خاطري والقاهرة التي في خاطرك - المحطة الثانية عشر-


محمد البكوري

الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


الحياة مدرسة... الحياة دروس... نتعلمها بشكل يومي... نفهمها... نستوعبها... تطوعنا... تجهض حريتنا... تنسف إرادتنا ولنطيعها مكرهين في الأخير ، كما فتئنا نطيع دوما لعبة القدر-وفق منطق الانسان مسير لامخير-... عندما تسمع نداء الماضي، يتجه بالك شاردا في دروب الحنين، مباشرة، وبدون مقدمات، إلى تفكر اللحظات الأسيرة في الذهن، من حين إلى حين، والتي تتحرر نشوانة من قيودها، التي عليها أن تنكسر بين الفينة والأخرى... مرغمة... مكرهة ...مجبرة... "بسيف عليها" ... الموت يعمق في دواخلنا... يلف على رقابنا الفهم النوستالجي الجميل ... "عمي حميدو" "الله يرحمها روح" في كتاب الذكريات المبعثرة أوراقه من الأشخاص القلائل الذين دخلوا في السجل المطروز لحياتي، تركوا فيه البصمة الطيبة، ألم يكن بمثابة الكنز الذي لاينضب معينه والزاد المعرفي الذي كان لي عظيم الشرف النهل منه؟؟؟ سكوت ينطق بالحكمة... يكتظ بالأسرار... يتلون بعجائب الزمن... يتحدث بغرائب الدهر... كلامه يعبر عن لواعج الصدور... أحجياته لا تنتهي... حكاياته من زمن ألف ليلة وليلة وألغاز محيرة تتدفق وتندلق من شفتيه الجافتين بكثرة صيامه ، معلنة بأعلى صوت "صامت" عن الغموض الذي يكتنف فؤاده، الذي أصبح كجلمود صخر، يجابه الحياة مجابهة الأبطال الأشاوس... لايرضى إلا بتذوق طعم الإنتصار وبالضربة القاضية على الحياة التي قضت على أحلامه، ومنذ نعومة أظافره، حينما أهدته "الحياة الحرايمية!"، بامتعاض شديد غشاوتها القاتمة... لم يسبها... لم يقدحها... لم يلعنها... لم يناديها بالوقحة الزائلة... لم "يعيرها "... لم يجرأ قط على الصراخ في وجهها العبوس، بكلمات موسومة بالفظاظة : أف" أو "تفو " أو"الله يخليها "... إنه راضي تمام الرضى، مؤمن بالقدر، خيره وشره... متمسك بالحياة، حلوها ومرها ... تضحك أساريره في السراء والضراء – أحيانا حتى تنكشف ضرسة دلعقل- ... تعلق بالحياة تعلق "البز الصغير ببزولة أمه"، ليصبح متيما بحبها، مقتنع تمام الاقتناع أن "الهدية لاترد"، وأن الرد الواحد عليها هو "من فعل معي الشر أفعل معه الخير، حتى يغلب خيري شره" ، وأن السبيل السلس نحو السعادة هو قهر أسباب التعاسة، فكان له دوما المراد، وحقق منتصرا المبتغى بالإبتسامة الدائمة. مهما كانت الأيام حالكة ومعتمة، فالإبتسامة هي سراجه المضيء الذي ينير له سراديب الحياة الدامسة والسلاح الفتاك الذي يبارز به أعباءها... يا للعجب!!! أقصى أمانيه "زلافة دلحريرة"، ديال الوالدة "يما راضية " ،"يكمد بها لمصران ديالو" ... كنا نجود عليه في الليالي الباردة بتسخين يديه فوق المجمر، حيث ينبعث دفئ "الفاخير" ، وليجود علينا هو بكرم حاتمي، بماجادت عليه قريحته الغراء... وهذه إحدى الحكايات التي لي مع عمي حميدو المرحوم باذن الله... المكان: "الشريعة" بتاونات... الزمان: أيام نونبر في سنة من سنوات الله... نستيقظ في الخامسة صباحا... نستعد للذهاب إلى الأرض المعطاء... إنها ليست بنزهة، بل هي رحلة نحو " المشقة اللذيذة"، حيث سينهمك جسدك النحيل في "لقيط" الزيتون، في الرحبة الممتدة هناك في الأرجاء الفسيحة المجاورة للعزيب ... مرة أخرى، ستتاح لك فرصة اللقاء بزيتونات"الشريعة" كلقاء الحبيب بحبيبته ... سوف" تسسن"، بلا شك ،من "الطبسيل"المملوء بعبق الزيت المحروق أو "العلوانة" ... حيث المذاق الاستثنائي، في زمن استثنائي، في منطقة استثنائية... مرة أخرى، ستتمكن من نهم أكلتك المفضلة "البيصارة" بالكمون والزيت البلدية "الحايلة" ... ولتمارس في بعد ذلك لعبتك المعتادة في أيام موسم جني الزيتون" وهي أن "تغلل" "-وفق مبادئ السرقة المقنعة- حبات من شجرة الزيتون الواحدة التي يمتلكها "عمي حميدو" المكفهر البصر والمتقد البصيرة، والذي لايتوانى على مناداتك باللص الظريف... "وباركا أعفريت... راك غللت بزاف... راه هاذيك الخنشة ديال الزيتون... لبعتيها في كاعدة الجامع... غادي يكون عندك مصروف صحيح!!!" صافي أعمي حميدو... غير هاذ الحبات ونخيوي سكتور" ... "لاحبات لامولاي بي... سير غبر وغلل في التيساع..." كنت متأكدا أن عمي حميدو، رحمة الله عليه، لن يتراجع ولن يستسلم عن إبعادي من ساحة المعركة المصيرية... معركتي في تجميع أكبر كمية من حبات الزيتون وبيعها في حانوت الدرب، للظفر ببضع دريهمات، أصرفها في السينما والحمام والبيار... وفي مشاهدة "فيلم ثقافي" وشراء مجلات ماجد أو العربي أو جريدة من الجرائد، والتي أحرص جاهدا على التهام قراءتها بشغف شديد، حتى أتمكن من معرفة ماكان يرمي إليه عمي حميدو في قوله إياي : "أنت يا ولدي! ستكون شيئا ما في المستقبل!" كنت أعتقد أن القراءة، هي التي ستجعلني " هذا الشيء"ما، وليخيب ظني لكوني وصلت إلى الحقيقة المرة الكامنة في كلام عمي حميدو، وهي أن التشييئ chosification ورم خبيث يمكن أن يمس جميع أعضاء جسدك وأحاسيسيك ورغباتك وطموحاتك، لتصيرها حجرا جامدا، ولتموت فيك في النهاية كل القدرات المنعشة لحياتك... التشييىء في قاموس عمي حميدو، يظل "شيئا"منبوذا، وأنا تعاملت معه بايجابية، على أنه حافز... خاب ظني ورجائي مرة أخرى، وضاع أملي وجهدي في متاهات قراءة صحف اكتشفت مع مرور الوقت، أن غالبيتها صفراء أو... بلا لون ... لا طعم... لارائحة... إنها "لاشيء"... أقراها أنا "الشيء" المستقبلي... وليشغلني التفكير من جديد، في أيام الصبا الجميلة... يستقبلني الحنين إلى الماضي، بمودة رقيقة رقة نسائم الصباح الباكر ، حين كنا نظطر للاستيقاظ مع "النبوري" قال عمي حميدو : "الفياق بكري بذهب مشري"... وأقول أنا: "الفياقة طريق نحو اللعاقة"... سأتحول إلى بورجوازي صغير، لأيام قليلة... سأشتري رايبي والسردين والمندري، وما لذ وطاب وماتشتهي نفسي... سأشتري العالم... لايهم أن أجرح أصابعي، وهي تندمل بشوك " الدفلة"... لايهمني اطلاقا، أن أرشف من قدح "الفيتور"...أن أتماهى مع التراب أو أن يخنقني الغبار، "غبار البهائم والدواب"، التي ستحمل على ظهرها، بعد أن حملنا نحن على ظهورنا "الخناشي الزرقاء" المملوءة بالزيتون... ما أروع عبق اللحظة ! التي ترسم طيفها الجميل في ذاكرتي، عند حلول كل موسم جني الزيتون، حيث تترأى لي من جديد الحياة الحلوة بصخب جميل، لترتجف دواخل قلبي وتصدح مشاعري بأنغام الماضي السعيد... أرى الآن السلاح الفتاك... ابتسامة عمي حميدو، رغم أنه "وصلتلو لعظام"، يزغرد فرحا وينادي العصافير، التي لم يرها يوما، ويطلب منها أن تغرد "تغريدة الهيام" وترقص رقصة الصبابة ... في يوم غابر، حرصنا أنا وأخي... أنا وأخي ... أن نذهب إلى "الموقف" أومكان تجمع "لي مالقا مايدير" لنستأجر وفق تعليمات الوالد الصارمة "سقاط" ، سيسقط في أول اختبار... كم الثمن؟ سألناه ... ليسألنا هو بدوره: أين؟ أجبناه بدون أدنى تردد : " الشريعة"... فحدد أجرته في خمسين درهما... " تصويب شوية" ..."لا ...الشريعة بلاصة محجرة، كلها أحجار وأشجار الزيتون فيها باسقة عالية، وأنا عندي مسقط صغير"... "لا ماتخافش غادي نعونك"... قال له أخي ... "لاكان هكذاك ، أربعين درهم... كلمة أخيرة... وعلى بركة الله ..." وصلنا إلى ساحة الوغى وأقسم أنها ساحة وغى حقيقية... حيث أشلاء الشجرة المباركة متناثرة هنا وهناك " بالسقيط العشوائي" ...صعد "السقاط" إلى أعلى الشجرة التي تفاجأ بعلوها الشامخ... بجسده المكتنز... إنها شجرة التاريخ... مئات السنين... الآن أرى وترى عيني اللاقطة كل شيء أمامي كأنه وقع البارحة ... ربما قوست عليه تلك العجوز الجالسة هناك بمحاذاة باب العزيب... بمجرد الصعود "طاح" فوق صخرة صلدة كسرت عظامه... صرخ بأعلى صوته "أيما ظهري" ... اجتحته رجفة... دخل في نوبة بكاء هستيرية... حتى الرجال يبكون ... " بالله علي أش داني... ولو بألف درهم أو يكون معلق بالبوادة"... ننتظر مجيئ المسعف الذي لم يأت وليترك الرجل المسكين يئن ... يتوجع... يواجه مصيره لوحده... وأنا لم أنشغل-على غير عادتي، أنا صاحب القلب الرهييف- بالبات والمطلق بآهاته ولا بنحيبه،-"يدبر قبو! وأنا مالي!"- بل كان همي الواحد أن "أغلل" أكبر كمية من الزيتون لأصبح بورجوازيا صغيرا ... " لايهمني فهاذ الوقت لي طاح ... المهم هو أنني أنا أنطيح شي صرييف"... لأشتري به العالم... أصنع فيه حماقاتي العالم الذي سأصبح فيه شيئا مستقبلا على قول عمي حميدو... فرحمة الله عليك يا أعز مفقود... ألم تقل لي يوما بإصرار شديد : أن مثواك هناك !؟ فاللهم، إجعل مثواه الفردوس، في هذا اليوم المبارك ... يوم الجمعة الأغر... يتبع... "



#محمد_البكوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجر
- القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الحاد ...
- -ثورة الواو- ما قبل الأخيرة وما بعد الآخرة.
- -امي نفري- ! جنة الله فوق ارضه !
- لقاء Surf club
- العدالة الطرقية
- بوح الطام طام (2)
- بوح الطام طام (1)
-   عطسات البنغو ! أو - ديجيتالية عايشة مولات لبحر -
- فجرية الفجور أوغروب التشظي !
- مرتين.....
- فيسكاليتية اللذة !
- الهجرة السرية والامن الانساني المفقود
- -المكتب المركزي للابحاث القضائية ومأسسة الحكامة الامنية بالم ...
- سحر القلادة
- زوائد ... زوائل
- القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة العاش ...
- مريولة و البحر ...
- فاجعة طانطان : الاسئلة -الحارقة
- ازمة العقار بالمغرب ومخاطرالفقاعة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البكوري - القامرة التي في خاطري والقاهرة التي في خاطرك - المحطة الثانية عشر-