أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في روسيا















المزيد.....

مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في روسيا


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


صدر عن "دار المدى" بدمشق كتاب "مذكّرات صيّاد" للقاص والروائي الروسي إيفان تورغينيف، ترجمة الدكتورة حياة شرارة. يضمّ الكتاب ست قصص من بينها "خور وكالينتش"، "يرمولاي وزوجة الطحّان"، و"طبيب المنطقة". صدرت هذه القصص بأكثر من طبعة نقّحها المؤلف بنفسه لكن حياة شرارة اختارت الطبعة الأخيرة التي ظهرت عام 1883 الأمر الذي يفضح تأخرنا في ترجمة عيون الآدب العالمي إلى اللغة العربية.
حينما نشر تورغينيف قصته الأولى "خور وكالينيتش" عام 1847 في مجلة سفرِمينيك التي يُشرف عليها الشاعر نيكراسوف والناقد يلينسكي لم يضع في حسبانه أنه سيؤلف مجموعة قصصية لكن إشادة القرّاء والنقاّد والأدباء بهذه القصة هي التي دفعته للتفكير في كتابة قصص "واقعية" أخرى مُستقاة من حياة الريف الروسي مُتتبعًا فيها "نهج غوغول، مؤسس المدرسة الطبيعية". لم يُهادن تورغينيف النظام القيصري الذي كان سائدًا آنذاك فلاغرابة أن يستفزّ الرقيب ويُغضب السلطة لما تنطوي عليه مجموعته القصصية من أفكار مناهضة للقمع والاستبداد والتمييز الطبقي. وعلى الرغم من اعتقال المؤلف لأكثر من تُهمة منها الحضّ على الكراهية، وإثارة البغضاء إلاّ أن القيصر نيكولاي الأول قرأ الكتاب وأُعجب بمضامينه فأصدر أمرًا ملكيًا يقضي بإلغاء نظام القنانة وتحرير العبيد من ظلم الأسياد والملاكين في عموم الإمبراطورية الروسية.
تكمن أهمية هذه المجموعة القصصية في ثلاثة أشياء أساسية وهي الثيمة، والتقنية، وزاوية النظر لكاتب النص ومُبدِعه. ومن بين الثيمات الرئيسة هي الحُبّ، والانعتاق، والتماهي مع الطبيعة وما إلى ذلك. وفيما يتعلّق بالتقنية فهي تنحصر بضمير الشخص الأول الذي يُعرِّفنا بالشخصيات تباعًا، ويروي لنا أحداث القصة ووقائعها، ولا يكتفي أحيانًا بقصة واحدة وإنما يعززها بقصة أخرى بهدف التنويع وكسر آلية السرد التتابعي. أما زاوية النظر فنعني بها الفكرة التي يجترحها الكاتب ويجسِّدها على مدار النص كثيمة أخلاقية أو ثقافية أو فنية.
تتمحور القصص كلها، باستثناء "طبيب المنطقة" على موضوعات القنانة، ومحاولة الانعتاق منها، وجَلد الخدم والفلاحين، واستعباد النساء، هذا إضافة إلى ثيمة الصيد والقنص التي تهيمن على المذكّرات. ففي قصة "خور وكالينتش" يقدِّم لنا الراوي تباعًا ثلاث شخصيات وهي الملاّك الصغير، والصياد المتحمس بولوتيكين الذي نكتشف ضيق أفقه من خلال إطرائه لكُتّاب هابطين. والشخصية الثانية هي "خور" الذي قرّر الإقامة في مسكن منعزل في الغابة العائدة لبولوتكين مقابل مائة روبل فضّي شرط ألا يكلّفه بأي عمل آخر. أما الشخصية الثالثة فهو كالينتش الذي يرافق سيده بولوتكين كل يوم إلى الصيد لأن هذا الأخير لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة بدونه. تتكئ القصة برمتها على السؤال الذي وجّهه الراوي بصيغة تعجبية: "ما بالك يا خور لا تبتاع حريتك؟" فيأتي الردّ بطريقة ضبابية مشوّشة: "ما عساني أفعل كي أبتاع حريتي؟" فنفهم أن السبب قد يعود لضيق ذات اليد أو لاعتياده على الاستعباد الذي كان سائدًا آنذاك. لا يكتفي تورغينيف بالثيمة الرئيسة في القصة وإنما يجنح إلى الغوص في أعماق شخصياته وتحليلها نفسيًا، فإذا كان "خور" شخصًا عمليًا، وعقلانيًا، وقريبًا من الناس على رغم أميّته، فإن "كالينتش" مثالي، رومانسي، مُتعلِّم، ومتماهٍ مع الطبيعة. أوردَ المؤلف قصة "بائع المناجل" لكسر الأفق السردي، ومفاجأة القارئ بحدثٍ آخر حتى وإن كان جانبيًا، وسوف تُصبح هذه التقنية ديدنًا يعتمده الكاتب في غالبية قصصه.
ليس من الصعب ملامسة الثيمة في قصة "يرمولاي وزوجة الطحّان"، فالأول صياد غريب الأطوار طلب منه الملاّك أن يأتي بزوجين من الطيهوج وكروانًا كل شهر مقابل أن يعيش كيفما يشاء. يذهب الراوي مع يرمولاي إلى غابة البتولا، وبعد القنص يعرِّجان للمبيت في سقيفة الطحّان حيث نتعرف من خلال الراوي على قصة أرينا تيموفيفنا التي خدمت زوجة سيدها ألكسندر سيليتش عشرة أعوام ثم التمستهُ أن يسمح لها بالزواج فأمرَ بقصّ شعرها، وإلباسها ثيابًا رثّة، وإرسالها إلى القرية حيث "اشتراها" الطحّان سافيلي، وهي تعيش برفقته منذ سنتين. بيت القصيد في هذه القصة أن أرينا ناكرة للجميل، كما خرقت التقاليد وأحبّت الخادم بيتروشكا، وهي تتطلع دائمًا إلى الحرية، فـ "مهما أطعمتَ الذئب فإن نظرهُ ميمّم نحو الغابة"(ص49).
تنطوي قصة "مياه توت الأرض" على ثلاث ثيمات حيث تكشف الأولى جانبًا من شخصية ستيبوشكا، اللافتة للانتباه، فهو ليس خادمًا، ولا يتلقى معونة من أحد، ولكنه يكدّ كالنمل من أجل تأمين هاجس الطعام. بينما تسلّط الثيمة الثانية الضوء على الثراء الذي يتمتع به الكونت بيوتر إليتش، وحفلاته الصاخبة. أما الثيمة الثالثة وهي ثيمة جانبية فتتحدث عن الفلاح المُغبّر الذي مات ابنه الحوذي في موسكو وينبغي عليه أن يسدّد ما عليه من ديون أو يعمل بالسُخرة. ولعل أجمل ما في هذه الحكاية المؤارزة أن الأب يروي محنته بشكل ساخر وكأنه يتحدث عن شخص آخر تماما.
تنفرد قصة "طبيب المنطقة"بموضوعها العاطفي الذي يتأجج على فراش الموت بين المريضة ألكسندرا أندرييفنا والطبيب تريفون إيفانيتش الذي فقدَ ثقته بنفسه وبدأ يشعر أن الغَلَبة للمرض، وأنها راحلة لا مُحالة. لا تجد ألكسندرا حرجًا في القول بأنها تحبّه أو تطلب منه أن يأخذها بين ذراعيه، فكل إنسان يجب أن يحب بطريقة ما. وأنه من المرعب حقًا أن يموت الإنسان في الخامسة والعشرين من دون أن يُحب أحدا. وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تعترف له بأنها لم تحب أحدًا غيره. ما يميز هذه القصة عن غيرها من قصص المجموعة هو رهافة الثيمة، ورصانة البناء، وهيمنة المعطيات الثقافية.
لا تبتعد "جاري راديلوف" عن أجواء القصص الخمس الأخرى التي تدور حول الصيد، والكرم، وحُسن الضيافة، لكنها تنتقد الموسيقى الضحلة التي لا تبعث على الغبطة. وبما أن الهدوء يخيّم على حياة هذه الأسرة بعد وفاة سيدة المنزل فلابد من إلقاء حجر في البحيرة الساكنة. ما لفت انتباه الراوي هو حضور أولغا بجمالها المُبهر الذي يشعّ في أرجاء هذا المنزل الكابي والذي يشكِّل الثيمة المرتقبة التي كانت تنضج على نار هادئة. وحينما عاد الراوي بعد أسبوع ليلقي التحية على مضيّفيه لم يجد راديلوف وأولغا، شقيقة زوجته الراحلة، لقد تواريا عن الأنظار، وقررا العيش في مكان آخر.
تتضمن القصة السادسة والأخيرة "المالِك المعتوق أوفسيانيكوف" أكثر من ثيمة وحسبنا الإشارة هنا إلى هذا المالك الذي لا يعتبر نفسه من النبلاء، يقرأ الكتب الدينية، ويحل مشكلات الجيران الذين يذعنون لحكمته. وثمة ثيمة أخرى تتمحور على الوالد الذي جلدوه أمام أفراد أسرته وأنتزعوا أرضه في وضح النهار كإشارة إلى قسوة الملاّكين والنبلاء في الحقبة القيصرية. أما الثيمة الجانبية التي غيّرت إيقاع السرد فهي حكاية فرانس ليجيون الذي كانوا يجبرونه على الغطس تحت الجليد فأنقذه ملاّك بدين كي يعلّم بناته العزف على الموسيقى التي لا يجيدها أصلا. ثم انتقل إلى ملاّك آخر أكثر ثراءً فتزوّج من ربيبته وأصبح نبيلا.
لقد نجح تورغينيف في معالجة الثيمه، وترسيخ التقنيه لكن بعض قصصه لم ينجُ من هشاشة البناء المعماري، وهيمنة النَفَس السردي المذكّراتي.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل
- الشكل الفني الجديد في -جوهرة التَّعْكَر-
- إشكالات الحَبْكة في رواية سماء قريبة من بيتنا
- رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة
- التشكيلي الهندي بُوبِن كاكار : إرضاء الجميع غاية لا تُدرَك
- أوغادين: عار إثيوبيا المخفي
- قيثارة أور الذهبية وعبق الزمن السومري القديم
- زرادشت: النجمة الصفراء. . .مغامرة وثائقية بلا أدلّة
- الأحياء المتوهجة في ممالك العتمة وأعماق البحار
- الفنان الكوبي ويفريدو لام وشخصياته المهجّنة في التيْت غاليري
- رصانة القصة في فيلم -على حلّة عيني- لليلى بوزيد
- ترييف العاصمة المنغولية آلان باتور في فيلم وثائقي
- حيث تنمو الأعشاب عالياً
- إشكالية الموت في فيلم -شبابِك الجنّة- لفارس نعناع
- الدورة الحادية والعشرون لمهرجان بورتوبيللو السينمائي بلندن
- قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في روسيا