أديب حسن محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 09:40
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تسلك تجربة الشاعر السوري محمد عيسى مساراً يتصف بالكثير من الخصوصية،
وإن صح التعبير يمكن أن نطلق على تجربته في مجموعاته الثلاث:شيء ما،مائدة البراري،رتوش ما بعد العاصفة...
تسمية الصعلكة النثرية!!
ولاريب أن هذه التسمية لا تأتي من فراغ ..
حيث تكاد جميع نصوصه تنشغل بهموم الإنسان البسيط المسحوق الجالس أسفل السلم الاجتماعي،
العدّاء الراكض خلف الرغيف،
وخلف المسرات الصغيرة التي تشغل روحه القلقة المتعبة،
وهكذا فإنه عندما يرغب في كسب امرأة
فإنه لا يضع الشروط الخيالية التي يحلم بها إي إنسان بل يريدها:
"امرأةٌ جميلة..
وبارعة في قلي البطاطا
هذا ما أبحث عنه
لنتقاسم مفتاحي بابي
على سنة الله ورسوله"....17
وتكاد هذه السخرية المرة أن تطبع تجربة الشاعر بطابعها الحاد المفجع،
فهو يسخر من الواقع لينقلب عليه،
وليس لديه من أسلحة سوى سخريته اللاذعة التي ينتقم بها من قلة حيلته:
"عمري خمسون عاماً
لو كنتُ مصْنَعَ براداتٍ
أو ديكتاتوراً
لاحتفلت الآن بعيدي الذّهبيّ."...ص49
فالشاعر هنا يضع ثلاثة أشياء في مواجهة غير متكافئة:
عمره،ومعمل البرادات،والديكتاتور..
وعبر هذه المقارنة الساخرة يستطيع الشاعر خلق تعاطف وفهم للحالة التي يريد إيصالها للقارئ
وهي حالة البؤس الإنساني في المجتمعات المتخلفة حيث تتغذى الأقلية على دماء الأكثرية البائسة.
وينتقل الشاعر إلى لغة حزينة ومرة عندما يعاين الحالة المزرية لمجتمعاتنا الشرقية
فيعلي صوته المتوجع بكلمات تبلغ حد جلد الذات،
وكأنه يريد أن يقلب المائدة على رؤوس الوصايا والخرافات والتراث المقلّد منذ مئات السنين:
"علّمناهم السباحة..
لسبحوا في ملكوت الله
والرماية..
ليتعلّموا فنّ السقوط من علٍ برميةٍ واحدة
ودون حيل سينمائية..
وعدنا الآن لنعلّمهم على مضضٍ..
ركوب الخيل
فربما ضاقت بهم الدنيا
ولم يجدوا النساء!!"....ص92
ورغم هذا الجو المتلبّد بالانكسارات والهزائم والخيبات
فإن القصيدة تفلت أحياناً إلى مساحات من الرؤيا والتأمل
حيث يشرق جمال اللغة التي تحاول التقاط لحظات فاتنة من صيرورة الطبيعة ومن التماعاتها الخفية،
تحاول القصيدة إيجاد مبررات جمالية لحركات الطبيعة عن طريق تفعيل خيال شعري خصب وقادر على خلق أثر جمالي معتبر:
"المطر الذي يهطل من السماء
ليس بفعل الجاذبية
بل رغبة منه..
بالعودة إلى غيمة.".....ص112
ـــــــــــــــــــــــ
رتوش ما بعد العاصفة
شعر محمد عيسى
الناشر:دار التكوين بدمشق 2004
#أديب_حسن_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟