أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - مغزى سياسة -شارع ضد شارع-















المزيد.....

مغزى سياسة -شارع ضد شارع-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مصر، ألب الحزب الحاكم وأجهزة الأمن المرتبطة بالنظام بلطجية وأصحاب سوابق وجانحين ضد جمهور المصوتين المحتملين للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. كان الاعتداء على الجمهور الأعزل يتم تحت أنظار رجال الأجهزة التي يفترض أن تحافظ على الأمن والنظام. واللافت أن الأجهزة هذه فضلت "حربا بالوكالة" على حرب أصيلة تشنها هي مباشرة. في ذلك ما يجنبها، وهي معروفة العنوان ومعرضة لمراقبة الإعلام أكثر من غيرها، التورط مباشرة في أفعال غير مشروعة ومضادة للشرعية. وفيه ايضا ما يتيح لها القيام بدور الإطفائي. لكن لعله فيه "حبة" حرج تشير إلى أن شيئا من "ضمير" فكرة الدولة ما زال حيا. والأرجح أن هذا الشيء ضئيل جدا، مادام البوليس لم يبذل عناية كبيرة لحجب تواطؤه، ومادام جميع المصريين يعرفون أن أعمال البلطجة كانت تتم برعاية وتشجيع منه، ومادام البوليس يعرف أن المصريين يعرفون أنه منحاز لطرف بعينه.
مثل ذلك كان قد جرى في مناسبات عديدة في سوريا خلال عام 2005 الآفل. في مواجهة اكثر من اعتصام احتجاجي، دعا إليه نشطاء سياسيون وحقوقيون معارضون، كان يتدخل محازبون بعثيون للاعتداء على المعتصمين وتفريقهم. هنا أيضا، تحت عين عناصر حفظ النظام وأجهزة الأمن. وقع ذلك في 10 آذار الماضي في اعتصام احتجاجي ضد حالة الطوارئ، ووقع في آخر أيار في اعتصام يحتج على اعتقال أعضاء منتدى النقاش الوحيد الذي كان باقيا في دمشق. لا حاجة إلى القول أن المعتصمين السوريين، مثل المصوتين المصريين، كانوا مسالمين عزلا.
ليست هذه السياسة التي تقوم على مصادرة الحزب الحاكم للدولة ابتكارا مصريا أو سوريا، فقد عرفت البلدان المصنعة نفسها ما يشبهها ضد الحركة العمالية والنشطاء اليساريين حتى قبل الحرب العالمية الثانية. لكن مخاطرها على السلم الأهلي أكبر في بلداننا العربية، حيث التعدد الديني والإثني والمذهبي من جهة، وحيث ضعف الدولة (كفكرة لا كجهاز) مفتوح على الدوام على مخاطر كيانية. هذا يجعل من تأليب شارع ضد شارع سياسة خطيرة مضادة للدولة والمجتمع، وللسياسة ذاتها. وهي بعد أكثر خطرا في المشرق الشامي والعراقي مما في مصر، نظرا لكون الكيانات المشرقية أقل رسوخا في التاريخ، والمجتمعات أقل اندماجا.
"الشارع" غير عقلاني، يخضع لتأثير الغوغائيين، وتحركه العلاقات المحاسيبية وروابط التبعية الشخصية أو الاستزلام. هذا ينطبق بالخصوص على الشارع الوكيل، الذي يراهن من يحركونه على عنفه غير الشرعي وعلى قلة عقلانيته. إن زمام سياسة شارع ضد شارع قد ينفلت من أيدي مجربيها، ويجري في شوارع فرعية وزواريب أهلية، مع ما نعلمه من الكلفة الإنسانية والسياسية والاقتصادية العالية للنزاعات الأهلية واستحالة كسبها.
المضمون الجوهري للسياسة هذه هو نقل عبء مواجهة التوترات والاحتجاجات المحتملة على سياسات رسمية من كاهل سلطة الدولة إلى داخل المجتمع، ما يتسبب في زيادة الطلب الاجتماعي على الاستقرار والأمن، أي ما يجعل الشكل القسري للسلطة هذه حكما وحلا.
ونميل إلى الاعتقاد بأن ترك الدولة العنف يسيل في الشارع، يؤشر على طور تفسخ نموذج الدولة الوطنية الشعبوية التي حكمت بلادا عربية أساسية منذ خمسينات القرن العشرين أو ستيناته، دون أن يكون التحول إلى نموذج جديد للدولة والسياسة سهلا في غياب قوى اجتماعية وسياسية فعالة تشرف على التحول نحو النموذج هذا. إذا صح ذلك فإنه نذير مقلق بمرحلة من الاضطراب واللااستقرار السياسي. وهو ما يتعين أخذه بالحسبان من قبل المعارضين والديمقراطيين للحد من آلام ولادة النموذج الجديد، إن استعرنا لغة ماركس، ومنحنا بعض الثقة لما فيه من تاريخانية.
والحال، ترتسم سياستان لمواجهة تحلل الشعبوية والسياسات الانتحارية المرتبطة بها: سياسة تقوية العناصر العقلانية والعمومية في الدولة إزاء القوى المتطرفة والمصالح الخصوصية المتحصنة بها أو المحتلة لها؛ وسياسة أخرى قد تكون أكثر جذرية، تنفض يدها بالكامل من نموذج الدولة القائم، وتميل إلى أن الدولة الديمقراطية المأمولة ليست هي الدولة الشعبوية القائمة بعد إصلاحها. باللغة الماركسية، هاتان سياسة إصلاحية وسياسة ثورية. الجمع بينهما لا يثمر غير سياسة متهافتة. السياسة الإصلاحية، بالمقابل، سجلت إخفاقا وراء إخفاق في سوريا ومصر وغيرهما. فيما لا مجال لسياسة جذرية في ظل ما أشرنا إليه من ضعف القوى الاجتماعية المنظمة.
لا يبدو أن ثمة حلا لهذه المعضلة في الأفق الراهن. والقول إن مشكلة اجتماعية أو سياسية بلا حل، يعني أن الحل الوحيد هو الانحلال. ويعزز من احتمال الحل الانحلالي أن "إعادة إنتاج" السلطة لنفسها عبر إنتاج الانقسام الاجتماعي الذي يزيد الطلب على سلطة الإكراه التي تدعم الانقسام الاجتماعي... وهكذا، لم يعد ممكنا. إذ يعاني المنطق المحكم هذا من خلل متفاقم مع دخول لاعبين "خارجيين" أكثر حيوية واشد عدوانية كطرف في اللعبة. إعادة إنتاج السلطة في البلاد العربية، المشرقية على الأقل (وقد كانت تفترض ثبات البيئة الإقليمية) يمر بصورة محتومة اليوم بواقع الهيمنة الأميركية المباشرة الجديد.
على الفور، أخذت تظهر أعراض سوء تكيف على الدولة المعهودة. تظاهر ذلك في قرارات متناقضة، في العجز عن متابعة السياسات القديمة الخاصة ب "إعادة إنتاج" النظم ذاتها وتثبيت أركانها (أضحت السياسات القديمة المجربة تفضي إلى نتائج عكسية، كما يثبت المثال السوري في العلاقة مع لبنان)، تفاقم التناقض بين التشابك السياسي والأمني مع "الخارج" وتغذية العداء الشعبوي ضد "الخارج"، وبالتأكيد في مداعبة لعبة شارع ضد شارع على المكشوف.
في الشارع السوري تقدمت في الأسابيع الأخيرة سياسة أخرى: إحماء المشاعر الوطنية. مسرح الإحماء الرئيس هو الشارع الذي أعيد احتلاله وتعميره بالأيقونات والرموز واللافتات والشعارات والصور.
وبينما تقود الحمى الوطنية تلقائيا إلى لجم الانشقاق الداخلي، كما أعاد تذكيرنا بذلك المثال الأميركي ذاته بعد 11 أيلول، فقد ترافق في سوريا مع فرط وبعثرة كل أشكال التجمع المنظمة، المستقلة أو المعارضة، حتى لو كانت تجري في أعماق البيوت.
إعادة احتلال الشارع، أي المجال العام، ماديا ورمزيا، ارتبط على الدوام بسياسة عزل المعارضة أو ضربها أو تهميشها، وفي جميع الأحوال بنزع شرعيتها السياسية والفكرية والأخلاقية. وبقدر ما إن "الدولة" ضعيفة فكريا وشرعيا، ويخترقها عنصر أهلي أو "شارعي" قوي، فإن احتلال المجال العام هو في الواقع شكل منظم أو هيكلي من سياسة شارع ضد شارع. والشكل هذا لا يستبعد شكلا سائلا من السياسة نفسها، أشرنا إلى أمثلة منه فوق. تقف الشرعية اليوم ضد الشارعية، أي ضد سيلان العنف في الشارع. إن العنف المشروع هو العنف الملموم من الشوارع، تحتكره مؤسسات (نقيض أجهزة) تخضع لمنطق الدولة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده
- معارضة، إسرائيل، أميركا، مخابرات، شيبس، إلخ
- هل من سبيل لإبطال المخاتلة الطائفية؟
- الكتابة السياسية وسياسة الكتابة
- بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - مغزى سياسة -شارع ضد شارع-