أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - حكاية حنا يعقوب















المزيد.....

حكاية حنا يعقوب


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5377 - 2016 / 12 / 20 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


رواية "دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب" للروائي اللبناني ربيع جابر، يتناول فيها قضية في منتهى الأهمية، تتعلق بالصراعات الثانوية الهامشية، صراع الطوائف، أي الأدنى من السياسي. ترتقي، لتتحول إلى واقع سياسي، تأخذ في طريقها الأخضر واليابس، وتحول بلادنا إلى مسرح عاري للأحداث.
الرواية ترصد حدث مهم، الحرب الأهلية في جبل لبنان التي وقعت في العام 1860،كسر فيها الدروز المسيحيين خلال ثلاثة أسابيع.
يبدأ النص الروائي حراكه السردي على عدة مستويات،منتقلاً من موقع إلى آخر، كاشفاً عري الواقع اللبناني المفكك والمترابط والمتداخل، كما انه يرصد دور الدولة العثمانية في فترة انحسار ها، وهزيمتها الداخلية، أو أفولها الاخير وتلاشيها ، بيد انها لاتدخر جهداً "أي الرواية" في الكشف عن الاجندات الخارجيةوتطلعاتها المحمومة للتدخل والتأثير في شؤوننا من موقع القيم الانسانية والهدف الخافي لها في الهيمنة على طرائق اللعبة القذرة من الخلف.
يتحول لبنان إلى جسد من السرد ومتون من الوقائع المشتعلة،حيث يتم تمثيل المشهد الروائي، وينتقل نقلات نوعية لافتة في فضاءات متباعدة ومتقاربة حيث تتعدد الاصوات الروائية.
في الوقائع السردية تقبض السلطنة على الجناة ظاهرياً،يتم ترحيلهم إلى طرابلس الغرب، وصربيا، ليمكثوا هناك كنزلاء في السجن جراء الجرائم المباشرة التي اقترفوها في حق أخوتهم في الوطن الواحد من الدين المسيحي.
الإنسان الضائع في المعادلة، هو بائع البيض، حنا يعقوب، الذي لا علاقة له باقتراف الجريمة. إنه مجرد إنسان بسيط، يجول القرى، يشتري البيض من القرويين ويبيعه في بيروت. له زوجة اسمها هيلانة وطفلة صغيرة اسمها بربارة. " كانت زوجته تخشى عليها من خروجه اليومي المبكر في تلك الفترة بسبب كثرة العساكر والغرباء في البلد". في هذا العام، أغار المسلمون بالبارود على حي النصارى وأحرقوه. وجرت دماء كثيرة.
شاءت الصدف أن يمر هذا ال حنا بالقرب من" الباخرة الكبيرة أم ثلاثة دواخين". "جئت في وقتك يا ابني يا حنا", هكذا يقول المسؤول التركي. ويتابع حديثه: " لا تخف, هؤلاء المحابيس حاربوا في الجبل وصدرت الإرادة السنية بنفيهم إلى بلاد الصرب وراء البحر". ويكمل: "هل تعرف عكا؟ عظيم. عكا بلد حلو. من هنا إلى مرفأ عكا رحلة يومين أو أقل في هذه الباخرة. أتيت في أحسن وقت يا ابني حنا". ويتابع المسؤول التركي خداعه: "كم ثمن هذا البيض الباقي معك؟ سأعطيك ضعف ثمنه وسأزيد على ذلك ثلاث ليرات ذهب تأخذها عندما ترجع من عكا".
وعندما فتح حنا فمه ليعترض، تتم تسوية القضية بكسر أسنانه، وفكه وركبته، ويغمى عليه ويرمى في داخل الباخرة.
يتحول هذا الإنسان البسيط، حنا، إلى رقم مكمل للعدد الناقص، الذي ساوم فيه الحاكم العثماني أحد وجهاء الدروز وقبض رشوة ثمنا للأفراج عن أحد أبناءه.
يبدأ النص بالانفتاح رويدا رويدا على مساحة أفقية، يدخل مسارات الحدث بحذاقة ، تتبدى بيروت، أثناء الاحتلال العثماني، وانتقال عدوى مذبحة بيروت إلى دمشق وقتل مسيحيها أيضا. العلاقات الاجتماعية في تلك الأيام. الإشارات المبطنة التي يخفيها النص حول علاقة السلطنة والخارج بما جرى.
هناك مستويين للقراءة، الدرزي الإنسان، البسيط، النقي، الفلاح الدقيق في عمله, المخلص،يقول آمرهم في السجن:
ــ " قطفوا الكروم وكأنه كرم أبيهم ولم يكسروا الفروع ولم يرموا العناقيد رمياً في السلال" ويكمل تقييمه:
" إذا دنت من مكانهم امرأة هنغارية أو صربية حمراء الثوب عارية الذراعين حدقوا إلى التراب وتركوا رؤوس أصابعهم تقطف وحدها كما يفعل العميان".
ثم يعرج النص على الدرزي المتمذهب، المستلب الذي يخضع للشروط التاريخية التي وضع فيها كما وضع غيره من الناس في المذاهب والطوائف الأخرى:
ـــ " هؤلاء دروز من لبنان, الجبل المذكور في التوراة. لكنهم أسود كاسرة. هل تعرف ماذا فعلوا بجيرانهم المسيحيين في بلدهم؟ وهؤلاء جيرانهم وأكلوا معهم.!" وتقيأوا بعضهم فيما بعد:
ــ " الآن يبدون مثل الأولاد لكن أطول". " كنت أراقبهم طوال النهار ولم أقدر أن أتخيلهم يقتلون أو يحرقون!".
ينفتح النص ويحلق ويجول في عوالمنا، يعرينا، يكشف لنا بشكل مبطن،الطائفية، التي تحولت إلى بنية سياسية أخذت شكل طبقة أصيح لها أبعادها ومراميها.
في هذا المفصل المهم تأخذ الطائفية جزء من مرتكزات الدولة أو وظائفها، وترسم صورة تُمترس الافراد المحظوظين فيها, كما انها لاتخفي تقوقعه على نفسه. تجعله أسير ، ذات الآخر، وتحوله الى إنسان مستلب فاقد القدرة العقلية على المحاكمة المنطقية.
في هذه الحالة تتحول الطائفية إلى بنية كاملة، تأخذ دور الدولة في شكلها العام، من موقع المسخ، لها كل الأشكال الخارجية للدولة، بيد أنهاعلاقة منغلقة على مذهب.
وتحول الطائفية كمفهوم, ذاتها، إلى علاقة نرجسية بين جماعة ذات علاقة سياسية منفصلة عن محيطها، لها زعمائها يتفاوضون عليها من أجل تحسين مكانتهم كنخب يؤمنون لأنفسهم تراتبية مالية وسيطرة ومكانة منفصلة عن المهمشين.
إن الإنسان الطائفي مشوه، شوهته الظروف الاجتماعية، فرضت عليه ممارسات محددة، جعلت منه كائن لديه استعداد للخطيئة ،لكونه قد خضع لمنظومة من العلاقات شوهت ذائقته الجمالية، وحجمت إحساسه بالعدالة، واحترام حياة الأخر المختلف، بعد أن أسرت عقله ومخيلته،وشكلت له مماحكات ذهنية، ومفاهيم مسبقة للتعامل مع الواقع
إن النص الإبداعي لهذه الرواية غني جداً، وسهل القراءة من الخارج، وبسيط عندما يتم تناول موضوعه، بيد أنه في الحقيقة صعب للغاية، لإنه ينطوي على تعقيد شديد ومركب ، وذلك لتعدد قراءاته وتأويلاته.
في الحقيقة ليس بالإمكان معرفة أي نص في سياق أدبي عام دون أن نستوقفه، نجرده من الحمولات العالقة فيه، عبر تعريته، وكشفه لمعرفة طبيعة السياق الذي ولد فيه. ووضع المفاهيم الدقيقة التي تمسه أو تدور حوله من أجل الغوص فيه.
إن النص،أي نص، سلطة, تدور حوله عوالم متعددة، متداخل يسير في سياق عالم متوحد، نصل إليه عبر تأويله أو تفسيره والغوص فيه للوصول إلى عمق معانيه أو حقيقة مراميزه. عندها نركن إليه، نرتاح، نشعر بالإشباع، واللذة والنشوة.
إن انتشال النص من السياق العام، من العالم الذي يدور حولنا، وندور حوله، نحوله إلى عالم خاص بنا ضمن سياق يمثل حياتنا وممارساتنا.
يتمظهر النص، في دخول الناس إلى السجن، عوالم الناس فيه، سحق لحيوات هؤلاء البسطاء. يحشرون فوق بعضهم في قبو مظلم تحت الأرض في ظروف بالغة القسوة. الأكل من نوع واحد دون أية قيمة غذائية،ولا تنفس في النهار ولا ضوء أو قنديل في الليل. كأنهم أشباح منفصلون عن هذا العالم. لا يسمح لهم بالتواصل مع الناس، ولا رؤية أهلهم جراء منع الزيارة عنهم.
لم يتذمروا, ولم يشكو من ظروفهم القاسية، ربما خجلاً أو ترفعاً. وكأن ما فعلوه واجب مقدس فرضته الضرورة التاريخية لانعدام الوعي بالضرورة.
تشاء الصدف أن تحتاج نازلي، عشيقة جودت باشا حاكم بلغراد وقوّادته على جهتي الدانوب، لعمال كي يقطفوا لها العنب والتفاح والاجاص والتين والرمان من بساتينها:
ــــ " من سلمين وراء الحدود يجيء إليها زبائن على المركب البخاري. تجار واصحاب مزارع وموظفون في جمارك الأمبرطورية النمساوية ــ الهنغارية يقطعون ثلاثة أميال قصيرة من الماء كي ينعموا بالعسل الشرقي. يجلبون ضيوفاً نبلاء من بودابيست وفيينا وسالزبورغ. وبنات صغيرات رومانيات وشركسيات وألبانيات وغجريات وسودانيات. لم تتعلم لغتهن لكنها علمتهن بعض الفنون"
يتحول هؤلاء الرجال المدافعون عن طائفيي الطائفة، إلى مجرد عبيد عند القوادة "نازلي" والداعر والخسيس جودت باشا. بهذه الحالة تهبط قيمة قضيتهم إلى اسوأ مستوى أخلاقي، إلى مجرد مجرمين منفيين عن بلادهم وأهلهم ووسطهم الاجتماعي. وبعيدين عن نسائهم وأولادهم، وأصدقائهم، أراضيهم وكرومهم، وبساتين التفاح والرمان. بل تحولوا إلى زوائد بشرية لا قيمة لها من أجل غاية لا غاية لها, أن يذبح الجار جاره.
إنهم بشر من لحم ودم من طينة طيبة, بل في منتهى الرقة والشفافية والنبالة. إن النص ينقل لنا أهدافه ومراميه ليقول لنا بشكل خفي, إن الإنسان قبل أن يعبأ بالأفكار السابقة عليه يكون رقيقا ناعماً وما أن يدخل ذهنه ويتمثله حتى يتحول إلى وحش كاسر.
الكتابة الإبداعية غوص في الأرض المجهولة، لانتزاعها من السماء، وزرعها في الأرض ككروم وأشجار دائمة الخضرة،من أجل البحث عن مسارات مجهولة، سارحة في الهواء الطلق. خاصة إذا كان النص المقروء، زاخرا بعدة قراءات، وله مقاصد متنوعة واسقاطات كثيرة، يحمل في طياته هموم وأمنيات، وهواجس الإنسان في بحثه المضني عن الحرية والجمال والحق.
تقع الرواية في مئتين وواحد وأربعين صفحة, دار الآدب, طبعة عام 2011.





#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
- في مقر منظمة العفو الدولية
- خبايا العولمة
- جيلبريت سينويه وابن سينا
- عدت والعود ليس أحمدُ 4
- عدت والعود ليس أحمدُ 3
- عدت والعود ليس أحمدُ 2
- عدت والعود ليس أحمدُ
- السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
- الثورة والتواصل الاجتماعي
- الخروج من المأزق الوطني
- رسالة إلى صديقي
- الملك السويدي إيريك الرابع عشر
- الأرض المحرمة النهاية
- الأرض المحرمة الفصل الخامس عشر
- الأرض المحرمة الفصل الرابع عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثالث عشر
- الأرض المحرمة الفصل الثاني عشر
- الأرض المحرمة الفصل الحادي عشر
- الأرض المحرمة الفصل العاشر


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - حكاية حنا يعقوب