أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الحافلة/ قصة أدب غرائبي















المزيد.....

الحافلة/ قصة أدب غرائبي


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5376 - 2016 / 12 / 19 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


9 - الحافلة
هنا... وجدنا أنفسنا في هذه الساحة حائرين ضائعين، فقدنا الذاكرة والوعي والرؤيا، لا ندري أين كنّا ولا ندري أين نكون، لم نستطع أن نتفاهم بسهولة، لأننا لا ندري ماهي مشكلتنا، وغدونا غير مكترثين، حيارى بحاجة إلى من يلهمنا ويقودنا، كانت هناك حافلات كبيرة وكثيرة، وهناك خلق لا يحصى، مستهدفون من أصحاب الحافلات، يستدرجونهم للركوب، صعدنا كما غيرنا على تهيب وخيفة، فنحن أمام تجربة جديدة للركوب في حافلات كهذه، وجديد علينا العيش في تجمعات كبيرة،
كان الليل قد بدأ يرخي سدوله، حينما تحركت الحافلة، لم نكن نملك فكرة ما عن الطريق أو المسافة أو الهدف، كانت الحافلة ممتازة رغم قدمها، لا تشتكي عطبا أو كسرا أو نفاد وقود ، تسير كما هي أحسن المركبات، على طرق غير ممهدة، لا تخلوا من حفر أو صخور أو أكوام تراب، وبرك من الماء الضحل، لكنها في جميع الأحوال تجتاز المصاعب بلا عناء، فما كانت مهارة السائق حاسمة في تخطي العوائق والعثرات مبهرة، لكننا ممتنون لهذا السائق على هذه النزهة التي يتمناها كل شخص.
فمن فرط سلاستها في السير، أفقدتنا الشعور بعناء السفر، وهذه الراحة التي ألفناها، جعلتنا لا نهتم لما نحن ذاهبون إليه، قالوا لنا كلاما لم نستوضحه، إننا سنصل فجرا إلى منطقة نسير منها مع الصباح، بسرعة تجعل كل أوقاتنا صبحا وضياء، لم نفهم ما قيل لنا، لكن وثوقنا العظيم بهذا السائق القدير، الذي لا نبصره جيدا، جعلنا مطمئنين لا نبرح هذا السرور الذي وافانا بهذه الرحلة، فما ندري مصدر راحتنا وسرورنا، أهي الحافلة المميزة عن غيرها، أم الطريق التي تخلو من العثرات، أم السائق الماهر جدا، أم نحن الذين اعتدنا الركوب المنهك على الحمير والجمال ، وها نحن نركب حافلة؟ لم نكن نبحث عن جواب ونحن مستغرقون في هذا الصفاء الممتع للروح والجسد، فلم نعتب على الذين امتدحوا مهارة السائق أو الذين حمدوا الله على بنية المركبة ومتانة هيكلها وسعة بهوها وكأنها صالون مؤثث جيدا في قصر ملكي، لذلك لم نكن مهتمين بما يدور عند السائق من وشوشات وحوارات لا تصلنا أصواتها، وإن كنا قد تنبهنا إلى أن السائق الذي أمضى زمنا طويلا في السواقة قد أجهده العمل،
ورغم ذلك لم يكن يعنينا إن ظل يمارس عمله أو استقال أو تقاعد, فهذا شأنه ما دام الحافلة تسير، ولا بأس أن تجنح هنا قليلا, أو تغرس هناك، أو تصدم في صخرة أو شجرة أو تنقز عن حجر، تخضنا قليلا أو كثيرا فنصبُّ لعناتنا الخفية علىه ، خوفا من ان يشتمنا بطريقته السوقية، فله قدرة على السواقة اختص بها دون غيره، نَسكُتُ ويظنُ أنه أفحمنا، فيُسكرُهُ الغرور ويمعن في التباهي، عندها تهزنا رعشة مقيتة وإحساس بالشتيمة والتحقير، وخاصة إذا ما بدأ ركاب الصفوف الأمامية بالتبجح والنفاق والثناء على قدرته العجيبة، وبأنه أفضل سائق في العالم، عندها نخفض أصواتنا، ونعتذر لهم، فنحن الذين لا نحسن الركوب.
لم ندر نحن ركاب الصفوف الخلفية ما جرى من نقاش عند مقدمة الحافلة، لم نسمع صوتا بل رأينا شجارا لم يطل كثيرا، حتى توقفت الحافلة وانتحى السائق الذي كنا نتمنى زواله، علنا نخلص من هذا الإزعاج المتواصل الذي اهلك به أعصابنا، والبطء الذي اسلما إلى تأخر لا مبرر له، ادخلنا في ليل دامس، ولم ندرك الفجر كما كنا نأمل، ونوافي استراحة الانطلاق، علنا نسير مع الركب في رابعة النهار، و نواكب الزمن الذي لا ينتظرنا، ترانا إين نكون الأن، وأي هزيع من الليل يضمنا، إن أضواء الحافلة لا ترينا سوى مسافة قصيرة قد لا تبعد امتارا إلى الأمام، يصيح بنا ويقمع احتجاجاتنا بأنه لم يصنع المركبة، ولا أضويتها، يهرب من الشكوى ونهرب إلى التأسي بأن العوار افضل من العمى، فنقبل السير بلا وحهة محددة، يأخذنا السائق حسب تقديراته وميوله.
قصو أدب غرائبي
لم نستبن هوية السائق الجديد، لأن مكياجه الذي أجري على وجهه وشكله هو نفس الخطوط والألوان التي عهدناها فيمن قبله، حتى أننا لم نفرق بين السابق واللاحق، فطقوس جلسته على الكرسي هي ذات الجلسة وذات العنجهية، تساءلنا تساؤلات استنكارية إن كان على قدرةٍ استثنائية كي يوصلنا مع الفجر، أم تراه سيحكمنا بمزاجيته، وكسلفه يلعب بالحافلة على هواه، لكن ماذا نفعل ما دمنا قد ركبتنا صدفة في هذه المركبة،
حينما تحركت المركبة، تلونا للمرة العاشرة دعاء السفر، لأننا في هذه الورطة لا نملك إلا الدعاء، بل لم ترك دعاء إلا ذكرناه، وأضفنا من عندما ما عنَّ على بالنا، ومع ذلك لم يكن دعاؤنا مستجابا، إذ انحدر بنا في منزلق السفح الجبلي، في تسارع لا مثيل له ، امسكنا ببعضنا، وتشهدنا شهادة المشرف على الموت، وتعوذنا وحوقلنا، واستنجدنا بالله الساتر، لكن الحافلة لم توقف تهورها، بل اصبحنا كحبات القمح في غربال الفلاح النشط، أسوأ ما في الوضع أولئك الجالسون في الأمام، حيث يوثقون بحزام السرعة المربوط إلى الكرسيّ ومطمئنين به، فها هو أحدهم يأمرنا بالهدوء والثبات في المكان، والآخر يرى في سرعته تعويضا عن البطء الذي انتابنا سابقا، وعلينا أن نشد من أزره ونثق به، ونشكره على ما يبديه من تنبه ومهارة,
كانت قلوبنا تسقط مع كل هزة عنيفة وسقطة مفاجئة، نصرخ لا شعوريا، كأننا لا ندري لمن نرسل استغاثتنا، فنحن مغمضو الأعين نتلقى الصدمات المفاجئة والسائق ممعن في الهروب، ولا يشعر أن أحدا معه، ها هو السقف الذي طالما حفظنا من أن نقفز خارج المركبة، يفرقع بصوت مرعب ـ اصطدم بسقف النفق الذي ولجه، وأطيح به بعد أن أمطرنا رعبا، وشظايا أدمتنا وأشياء مقرفة سقطت منا، والجالسون في الأمام بقولون الحمد لله على السلامة ، ويتوعدون من انزل سقف النفق بالويل والثبور، ويدعوننا للهدوء،
الجأنا الخوف إلى الرقود كما الزمنا الرعب على الانكماش، لكن هذا الهواء البارد العاصف الذي اطار أغطية رؤوسنا ونثر الشعر المصفف وأسقط النظارات المستقرة على الأنوف، لم نأسف كثيرا، فهذه ابسط الخسائر التي نعتبرها تضحية لا بد منها، لكنها الأمطار الباردة التي بدأت تصفعنا بلا رأفة، تبعها بَرَدٌ بحجم حبة الجوز يضرب رؤوسنا العارية، يشتد صراخ الألم، ولا ندري بما نتقي به، ولكن ها هي أفعى تسقط من حيث لا ندري، تثير الفزع وشبح الموت بالسم الزعاف، ما عدنا نصرخ فقد أتلفنا حنجرةً اسرفنا في استعمالها، وصلنا الحائط المسدود، فها هو نمرٌ يقفز من خلفنا، يتفاجا بكل هذه الفرائس المستسلمة التي لا تقاوم، بقي أطفال يصرخون كأن لديهم بعض الأمل بأن أحدا سيسعفهم, وها هي أفواج من الحشرات الطائرة والزاحفة التي تلسع وتؤلم وتمضي كأنها تمارس عملا توكلت به,
ها هو الصباح يعلن عنه شفق ناري، جعلنا نوقظ ما مات فينا وما فقدناه من امل وحرص على الحياة، نظرنا في الآفاق لعلنا قد وصلنا، فإذا بنا في الساحة التي انطلقنا منها.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان مع الإسراء معراجا؟
- ترشيد الدعاء
- وصية
- من قسم البشر إلى كفار ومسلمين؟
- نجومية رجال الدعوة
- هل نحن بحاجة إلى دعاة؟
- إلى الذين يستنكرون المولد النبوي
- في رثاء الشهيد زياد أبوعين
- مصداقية التوثيق الشفاهي
- فقه إدارة البؤس
- ليس كابوساً / ادب غرائبي
- تديين العادات
- حد الرجم في الإسلام
- مصدرا الخير والشر
- صورة الله
- هل فرض الله القراءة
- ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
- الوباء - من الأدب الغرائبي
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الحافلة/ قصة أدب غرائبي