أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حنان محمد السعيد - القروض الدولية وآثارها على اقتصاديات المنطقة العربية















المزيد.....


القروض الدولية وآثارها على اقتصاديات المنطقة العربية


حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)


الحوار المتمدن-العدد: 5375 - 2016 / 12 / 18 - 23:08
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تعاني العديد من البلدان العربية من وقوعها في فخ الديون الدولية والتي وصلت إلى مستوى حرج أصبح يمثل خطرا كبيرا على اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وامتدت هذه الأزمة في الآونة الأخيرة، لتطال دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت تتمتع باقتصاد قوي وواعد، وذلك بعد تأثر اقتصادها سلبا بانخفاض أسعار النفط وهو ما تسبب في مضاعفة الأعباء على ميزانياتها.

واعلنت دولة الكويت هذا العام عن سعيها لتمويل عجز الميزانية عن طريق اقتراض مبلغ وقدره ملياري دينار من السوق المحلية، إضافة إلى ما يعادل ثلاثة مليار دينار عن طريق سندات يتم طرحها في الأسواق العالمية، وفي السعودية تسعى الحكومة للحصول على قروض دولية بقيم تتجاوز عشرة مليار دولار، فيما يعد اضخم قرض للمملكة من الخارج في خلال العشرة سنوات الماضية.

وسجلت السعودية عجزا في الميزانية في العام الماضي بقيمة مائة مليار دولار، وخفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، تصنيف الدين السيادي الطويل الأجل للمملكة بنقطتين إلى -A

اما في مصر فتحاول الحكومة الخروج من عجز الموازنة وتوفير العملة الصعبة في ظل انخفاض دخل قناة السويس وانهيار السياحة وضعف التصدير وهروب رؤوس الأموال، عبر الاقتراض من صندوق النقد الدولي والذي اسفرت المفاوضات معه عن اتفاق يقضي بدفع قرض بمبلغ 12 مليار دولار على فترة ثلاثة سنوات بمعدل اربعة مليارات سنويا، وهو ما جاء عبر التزام الحكومة المصرية بتنفيذ بعض الاصلاحات الاقتصادية كان من ضمنها تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر صرف
العملة وطرح المصانع والشركات المملوكة للدولة في البورصة وتقليل الدعم على المحروقات ومصادر الطاقة وهي نفس الإجراءات التي نفذتها الدول التي اجرت اتفاقات مشابهة مع صندوق النقد الدولي.

ويفتح هذا الأمر الباب واسعا امام تساؤلات حول جدوى الاقتراض من المؤسسات الدولية وتجارب الدول الأخرى التي اضطرت للسير في نفس الاتجاه لدعم اقتصادها والخروج من ازماتها الاقتصادية، وعن مدى ملائمة سياسات مؤسسات التمويل الغربية والدولية لطبيعة الدول النامية، وتفهمها لمشكلاتها الخاصة، حتى لا تصبح تلك الدول معرضا للتجارب الغربية التي قد تنجح أو تفشل.

بدأت فكرة إنشاء هذه المؤسسات في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي خرجت منها اغلب الدول الأوروبية واليابان مدمرة وفي حاجة لاعادة اعمار، وهو ما دعى الأمريكيين لاقتراح إنشاء مؤسسات داعمة لها خوفا من تسلط المعسكر الشيوعي عليها في ظل وجود الاتحاد السوفيتي، وتحقق نوع من التوازن خلال فترة ما يعرف بالحرب الباردة حيث سيطر النظام الرأسمالي على غرب أوروبا واليابان، كما سيطر النظام الاشتراكي على شرق أوروبا والمناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد السوفيتي، وانتهت الحرب الباردة بهيمنة امريكا كقطب اوحد على العالم.

وبموجب النظام المالي العالمي الذي تقره الأمم المتحدة، يمكن للدول الأعضاء الحصول على قروض ميسرة ومساعدات مالية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما مؤسستان تم الدعوة لانشاءهما في المؤتمر الدولي الذي عقد في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية في شهر يوليو عام 1944، ويعمل البنك الدولي على الحد من الفقر وتنمية الأقتصاديات طويلة الأمد وذلك عبر تمويل مشروعات ضخمة متعلقة بالتعليم والصحة والبنية التحتية والاهتمام بالبيئة.

ويتكون البنك الدولي من مجموعة من المؤسسات المالية من ضمنها البنك الدولي للتنمية والتعمير والوكالة الدولية للتنمية ويبلغ عدد الدول الأعضاء في البنك الدولي 185 دولة تصب مصالحها في مجلس الإدارة ومجلس المحافظين ومقرهما واشنطن وعلى الدول الراغبة في الحصول على عضوية البنك الدولي ان تحصل اولا على عضوية صندوق النقد الدولي.

وصندوق النقد الدولي يتخذ أيضا من واشنطن مقرا له ومن مهام الصندوق الاشراف على النظام الدولي النقدي ودعمه والغاء القيود على تجارة السلع والخدمات والعمل على استقرار أسعار صرف العملات بهدف اتاحة الفرصة للدول الرأسمالية لفتح أسواق في مختلف انحاء العالم، كما يعمل الصندوق على تقديم الاستشارات المالية والاقتصادية للدول الأعضاء وتوفير القروض اللازمة لها ومساعدتها على تدوير هذه القروض لتحقيق الفائدة المرجوة منها.

ويأتي تمويل صندوق النقد الدولي من الدول الأعضاء فيه، وتساهم كل دولة بحصة تتناسب طرديا مع حجم اقتصادها من حيث الإنتاج وحجم وتنوع معاملاتها التجارية، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الحصة الأكبر في الصندوق إذا تبلغ حصتها 17.6% من اجمالي قيمة الحصص.

وبحسب التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للمحاسبين في عام 2000، فإن صندوق النقد الدولي يمنح الدول قروض مقابل الالتزام بمجموعة من الاشتراطات التي تضمن استمرار اعتماد هذه الدول على التمويل الخارجي، حيث يشترط تقييد دور مؤسسات الدولة الوطنية واعاقة المسار الديمقراطي لها على اعتبار ان الشروط التي على الحكومة تنفيذها هي املاءات خارجية لا تملك الحيد عنها.

وهي نفس النتائج الملموسة فيما يخص دول العالم الثالث التي لجأت من قبل للاستدانة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تفاقمت لديها الديون الخارجية وتعرض صناع القرار فيها لضغوط شديدة من قبل الدول العظمى التي تسعى من خلال الهيمنة المالية لفرض سيطرتها على دول العالم الثالث، وهو ما دعى بعض الاقتصاديين للمطالبة بانشاء مؤسسات مالية عربية بديلة تقوم بادارة القروض ما بين الدول الأعضاء ووقف التبعية المالية والاقتصادية والسياسية للدول المتقدمة.

ووجهت العديد من الشخصيات العامة والمحللين الاقتصاديين انتقادات واسعة لسياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومن أبرز هؤلاء عالم الاقتصاد الكبير ميشيل تشوسودوفيسكي والذي قال إن سياسة الصندوق تترك الدولة أكثر فقرا مما هي عليه قبل القروض مع مديونية أكبر ونخبة أكثر ثراءا.

كما انتقد جوزيف ستيغلتش الاقتصادي الأمريكي الكبير سياسات صندوق النقد في أحد ابحاثه الاقتصادية معتبرا ان هذه القروض غالبا ما تضر بالدولة التي يتم اقراضها لها باجبارها على انتهاج سياسات ليست في صالحها ولا تحل مشكلاتها الاقتصادية، على الرغم من ان اللوائح التي أسس عليها الصندوق تمنع ذلك.

ومن ضمن الانتقادات الشديدة الموجهة لصندوق النقد والبنك الدولي ان امريكا وحدها تملك حق نقض القرارات الصادرة عنهما وهو ما يوضح مدى سطوتها على سياساتهما، حيث يعتبر أنصار هذا الرأي ان البنك الدولي هو مجرد واجهة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية لفرض هيمنتها على العالم والحفاظ على مصالحها سواء في السيطرة على خامات الدول، أو استخدامها كأسواق لمنتجاتها أو كمواقع استراتيجية تضاعف من قدرتها على التحكم والسيطرة.

ويروج البنك الدولي لاقتصاد السوق الذي تضعف فيه سيطرة الدولة على الاقتصاد مقابل اتاحة الفرصة للقطاع الخاص للعمل والازدهار كما يقل الدعم المقدم للصادرات والمنتجات المحلية، مقابل تقليل التعريفة الجمركية على الصادرات، إضافة إلى تخفيف القيود على الاستثمار، وهي السياسات التي يدعمها العديد من رواد الاقتصاد في الدول النامية والذين درسوا في الدول الغربية، ولديهم اعتقاد ان السياسات التي سارت عليها الدول الغربية هي تذكرة الدول النامية للوصول إلى ما وصل اليه الغرب، الا ان هؤلاء تناسوا أو تجاهلوا ان هذه الدول التي اعتمدت النظام الرأسمالي لم تهمش دور الدولة ونفذت سياسات الحماية على منتجاتها بالدعم وزيادة التعريفة الجمركية للواردات.

ويلزم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الدول التي يتم تمويلها بالقروض بتخفيض الانفاق الحكومي لتقليل عجز الموازنة العامة، وهو الأمر الذي يساهم في تفاقم مشكلات مثل الأمية والفقر والحد من النمو الاقتصادي على المدى البعيد.

واثرت سياسات البنك الدولي على حياة ملايين الأشخاص في الدول النامية حيث تؤثر هذه السياسات في حياة المجتمعات الأصلية وتجبر ملايين الأشخاص على النزوح من المناطق التي ينفذ فيها مشاريعه التي تتضمن في الكثير من الأحيان ازالة الغابات وتدمير المصائد السمكية وتغيير النظم البيئية في احواض الأنهار.

ويعد البنك الدولي المنفذ الأهم للسياسات الاقتصادية لمجموعة الدول السبع الكبرى، وهو أكثر مؤسسات التنمية نفوذا في العالم، حيث يبلغ اجمالي قيمة ما يقدمه من قروض سنويا نحو 28 مليار دولار للدول النامية، وهي اموال يتم توجيهها إلى مشاريع البنية التحتية والتعدين والصيد وبناء محطات الطاقة.

ويعد الغرض الرئيسي من تمويل مشروعات البنية التحتية هو تيسير الحصول على الموارد والأراضي الغير مستخدمة لصالح مستثمرين أجانب بالمشاركة مع الرأسماليين المحليين، ومن ضمن الدول التي تضررت بشدة من ذلك النوع من المشروعات، دولة البرازيل التي مول فيها البنك الدولي مشروع تنمية بقيمة 320 مليون دولار في عام 1981 تضمن المشروع إنشاء طريق سريع وطرق ثانوية تشجع على استيطان بعض المناطق الغير مأهولة بالسكان والتي تنتشر بها الغابات غرب البلاد، ونتج عن هذا المشروع حالة تصحر واسعة كما ادى لمصادرة مناطق يملكها تسعة آلاف شخص من السكان المحليين وهو ما ادى لاندلاع اشتباكات عنيفة بين المستوطنين واصحاب الأرض، وهي أزمة مشابهة لأزمة اهالي النوبة في مصر والذين اصبحوا مهددين بفقد اراضيهم في توشكى بدعوى جذب الاستثمارات.

ومول البنك أيضا مشروع لاستخراج خام الحديد من منطقة نهر الأمازون وهو ما هدد حياة خمسة آلاف مواطن من السكان الأصليين ودمر مناطقهم، وانتهى الأمر في عام 1991 باعلان البنك فشل مشاريعه في تلك المنطقة والتي تكلفت 300 مليون دولار تقريبا.
ودعم البنك الدولي في فترة الحرب الباردة بعض الديكتاتوريات العسكرية وانظمة القمع، واقرض هولندا في عام 1947، مبلغ 195 مليون دولار في أثناء شنها حرب ضد استقلال إندونيسيا، كما مول البرتغال وجنوب إفريقيا للابقاء على مستعمرات إفريقية في موزمبيق وانجولا، وامتد تمويله للعديد من الديكتاتوريات العسكرية الأخرى في الأرجنتين والفلبين وتشيلي، في الوقت الذي امتنع فيه عن تمويل حكومة سلفادور أليندي المنتخبة في تشيلي في عام 1972، نجد انه قد عاود اقراض البلاد بعد ان اسقط الجنرال اوغستو بينوشيه المدعوم امريكيا السلطة المنتخبة من الشعب.

ويمكن اعتبار اليونان النموذج الحي على فشل سياسات صندوق النقد والبنك الدولي في انقاذ الدول التي تتعرض لازمات مالية واقتصادية.
وكانت اليونان دولة غير جاذبة للاستثمار قبل ان تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، ثم تغيرت هذه النظرة بعد ان اصبحت أحد دول الائتلاف وبدأت المؤسسات الدولية في اقراض الحكومة اليونانية وتمويل خطط الإصلاح الاقتصادي لديها بقروض ميسرة الا ان ذلك لم يحول دون ارتفاع نسبة الدين مقارنة بالانتاج المحلي الى ان تفاقمت الأزمة بشكل كبير في عام 2009.

وتدخل صندوق النقد الدولي ودائنين آخرين من ضمنهم البنك المركزي الأوروبي واللجنة الأوروبية في محاولة لانقاذ اقتصاد اليونان المتعثر، حيث وفر هؤلاء قروض بقيمة 110 مليار دولار مع فرض إجراءات تقشفية تهدف إلى تحقيق فائض في الايرادات بعد خصم قيمة الدين المستحقة وهو أمر انتهى بالفشل بعد عجز اليونان عن تسديد ديونها.

ووصلت نسبة الديون اليونانية بالنسبة للدخل إلى 175% في عام 2015، كما وصلات معدلات البطالة إلى 25% وهو ما تسبب في احتجاجات يومية من الطبقة المتوسطة والفقيرة ضد إجراءات التقشف التي فاقمت من الفقر والبطالة والتضخم.

وهنا تحولت أزمة اليونان من أزمة اقتصادية إلى كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهو الأمر الذي جعل مسؤولين في صندوق النقد نفسه يتسائلون عن مدى نجاح الإجراءات التقشفية في تسديد الديون، وطالب هؤلاء بمراجعة النظام الاقتصادي العالمي ومراجعة ما فيه من تناقضات.

واعلن صندوق النقد الدولي في شهر يوليو 2015 عن عجز اليونان عن الوفاء بما عليها من ديون، كما أكد على امتناعه عن اقراضها المزيد من الأموال والاكتفاء بالدور الاستشاري في علاج الأزمة.

وفي الاراضي الفلسطينية ينفذ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي برامج تنمية ويدير المعونات التي تقدمها الدول المانحة للسلطة الفلسطينية، ويقوم بتوجيهها نحو تطوير مشاريع حيوية بالقدر الذي يضمن تبعية السلطة الفلسطينية للنظام الدولي حيث اشترط الصندوق التزام السلطة الفلسطينية تطبيق اقتصاديات السوق واعتماد النص الكامل الخاص بالبنك الدولي.

وكان من ضمن المقترحات التي يدعمها البنك الدولي إقامة منطقة صناعية ضخمة تحت سيطرة السلطات الاسرائيلية كنوع من الرؤية المستقبلية لعمل منطقة حرة شرق اوسطية ما يضمن تحكم إسرائيل بشكل كامل في الاقتصاد الفلسطيني.

ويعتمد المشروع على الأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة التي تعاني من قلة فرص العمل خلف الجدار الفاصل.

ومن ضمن التجارب المؤسفة التي مرت بها الدول مع صندوق النقد الدولي تجربة بيرو التي خاضتها في التسعينيات من القرن الماضي، والتي اضطرت فيها الحكومة إلى تخفيض التعريفة الجمركية على القمح الأمريكي المستورد، على الرغم من الدعم الأمريكي الضخم الذي تقدمه الحكومة لمزارعيها والذي يصل إلى 40 مليار دولار سنويا، وادى ذلك إلى امتناع المزارعين في بيرو عن زراعة القمح والاتجاه إلى زراعة الكوكا والتي تستخدم لانتاج الكوكايين.

اما التجربة الغانية فلم تكن احسن حالا من سابقتها، حيث اضطرت الحكومة الغانية فيها لالغاء التعريفة الجمركية عن ورادتها من الغذاء في عام 2002 بعد مطالبات من صندوق النقد الدولي، وهو ما تسبب في اغراق البلاد بالمنتجات الأوروبية وتقليل الدعم الموجه لانتاجها من الغذاء الذي كان يتم تصديره للخارج.

وفي زامبيا اضطرت الحكومة للخضوع لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والغت التعريفة الجمركية من على وارداتها من الملابس، وهو ما ادى لانهيار صناعة الملابس لديها وبعد ان كان لديها أكثر من 140 شركة منتجة لم يتبقى منها غير 8 شركات فقط بعد ان أصبح من المستحيل عليها منافسة الشركات الأمريكية والأوروبية التي تصدر إلى الداخل دون دفع جمارك بينما تضطر هذه الشركات إلى دفع مبالغ ضخمة من أجل التعريفة الجمركية إذا ارادت التصدير لنفس تلك الدول.

ونشرت جريدة "وول استريت" في عددها الصادر يوم 14 يوليو عام 1999 مقالا نقديا تناول الدور الذي قام به البنك الدولي في إندونيسيا حمل عنوان "لا تقل شرا: لم فشل البنك الدولي في توقع أزمة إندونيسيا العميقة؟ " واظهر المقال تلاعب البنك الدولي بالبيانات الصادرة عنه لدعم الديكتاتور الدموي سوهارتو واسرته واتاحة الفرصة لدخول رؤوس المال الأجنبية للبلاد.

واعترف رئيس البنك الدولي جيمس وولفينستون في عام 2000 بدور البنك الدولي في فشل التجربة الاندونيسية في ذلك الحين، وارجع ذلك إلى الحماسة بشأن الاصلاحات، ولم يذكر أحد شيء عن وقائع الفساد الكبيرة التي قام بها مسؤولون حكوميون في إندونيسيا والتي تغاضى عنها البنك الدولي.

وكشف تقرير تحقيقي قدمه مارك ديفس في برنامج "ديتلان" باستراليا عن تمويل البنك الدولي لفرق الموت المؤيدة لاندونيسيا والتي قامت باجتياح تيمور الشرقية في عام 1999 حيث جاء في التقرير ان وزارة المالية الاندونيسية قامت بتحويل مبلغ 12 مليون دولار استرالي كانت موجهة للرعاية الاجتماعية، لتمويل هذه الميليشيات.

ونصح الرئيس الإندونيسي جوكوا ويدودو دول العالم الثالث بناء على تجربة بلاده مع البنك الدولي إلى عدم التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية إذا كانوا يرغبون في تجنب الاثار الكارثية لذلك والوقوف على قدم المساواة مع الدول المتقدمة.

وعلى الرغم من تلك التجارب المريرة، يوجد بعض الدول التي طبقت سياسات اتسمت بالحكمة فيما يخص برامج الإصلاح المرتبطة بالقروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومن هذه الدول ماليزيا وتركيا، وتمكنت تركيا من دفع جميع مديونياتها في العام الماضي، لتبدأ عصرا من الاستقلالية.

ويقول مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق عن تجربته مع صندوق النقد، ان بلاده رفضت الامتثال لمطالب الصندوق المتمثلة في تخفيض قيمة العملة ورفع معدلات الفائدة والسماح باعلان الشركات افلاسها.
ويقول ان بيع وشراء العملة يحقق لهم مكاسب خيالية وهو ما جعل ماليزيا تفهم ان هناك محاولات لتدمير العملة وقال انهم اعادوا هيكلة الديون وصمدوا في مواجهة التحديات التي صنعها لهم صندوق النقد.
وخلاصة الأمر ان البنك الدولي قد مول العديد من الأنظمة الديكتاتورية واشاد بقدراتها على ابقاء أجور مواطنيها منخفضة وتوفير المناخ الجيد للمستثمرين، وامتدح قدراتهم الفائقة على قمع أي نشاط عمالي يطالب بحقوق العمال.

كما دعم دول تعتمد على عمالة الأطفال الرخيصة كما هو الحال في الهند، حيث يمول صناعة الحرير بملايين الدولارات وهي تعتمد بشكل كبير على تشغيل أطفال باجور متدنية للغاية، ويعمل في كارناتكا أكثر من مائة ألف طفل في ظروف اشبه بالاستعباد، ويبدأ بعضهم العمل في سن الخامسة، ويحصل هؤلاء الأطفال على عشرة روبيات تقريبا في اليوم، كما يتعرضون لكافة صنوف المخاطر المهنية واساءة المعاملة.

وينكر البنك الدولي أي مسؤولية له عن عمالة الأطفال ويؤكد على تقييمه الدوري لصناعة الحرير في الهند حيث لا يظهر في التقارير الخاصة بها أي اثر لعمالة الأطفال.

ان تأثير اعتماد حكومات الدول العربية والنامية على القروض كان فادحا حتى الآن، إذ تسبب في زيادة التضخم وتدهور قيم المدخرات وهو أمر يدفع المواطنين لايداع اموالهم في الخارج وهو ما يعني هروب رؤوس الأموال، وضعف القدرة على الاستثمار، ويرفع من معدلات البطالة وهو ما يشكل تهديدا اجتماعيا يؤثر بالضرورة على الاستقرار السياسي.

وتتجه الدول الدائنة في الوقت الحالي لاعتبار مشكلة الديون المتعثرة كمشكلة افلاس وتنال عبرها اصول وحقوق ملكية في شركات ومشاريع الدولة المدينة مقابل الديون الغير مسددة وهو ما يؤدي إلى تهديد سيادة هذه الدول،
واثبتت التحقيقات الجنائية ان دخول الشركات المتعددة الجنسيات إلى الدول المدينة وسيطرتها على نسبة كبيرة من اقتصادها قد تسبب في اختراق بعض النظم السياسية كما هو الحال في امريكا وفرنسا وذلك عبر دعمها لأحزاب بعينها في الانتخابات لضمان مصالحها وهو ما يحول رجال السياسة إلى بائعين ورجال اعمال.

لقد اثر النظام العالمي الجديد الذي تحكمه اقتصاديات السوق على العلاقات بين الدول وبعضها، لصالح الشركات الكبرى، واصبح يتحكم في المزايا التي يمكن لدولة الحصول عليها دون أخرى، وهو ما يعني ازدواجية في المعايير.

وبناء عليه تصبح الدول النامية عامة والدول العربية بشكل خاص في حاجة ماسة لوضع رؤية مشتركة ومتكاملة تمكنها من مواجهة التحولات الدولية والأوضاع الراهنة.

ان ما يتم الإعلان عنه من أهداف نظرية تسعى اليها المؤسسات الدولية التي تقوم باقراض الدول المتعثرة والتي تتضمن المساواة والقضاء على الفقر، لا تتعدى كونها حديث انشائي لا اثر له على الأرض، فكل ما فعلته حتى الأن هو مفاقمة الفقر وانعدام المساواة.



#حنان_محمد_السعيد (هاشتاغ)       Hanan_Hikal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معامل تفريخ وتجنيد الدواعش
- اعداء الكرامة والثقافة والعلوم
- إصلاح .. أم افقار؟
- مصر في المزاد
- العائشون في الوهم .. نظرة من الجانب الأخر
- من الذي يريدها سوريا؟
- مواطن عادي .. في دولة العسكر
- سارق الأحلام
- الأخ الأكبر يعد انفاسك
- الرؤوس التي قد اينعت .. وحان وقت قطافها
- حوارات .. غير بنّاءة
- الذين فجروا في الخصومة
- النقطة البيضاء في الثوب الأسود
- هذا المسلسل .. يأتيكم برعاية أمن الدولة
- المجتمع الدولي الذي يشعر بالقلق
- العنصرية والتدين الزائف .. معارك الفقراء
- الفتنة الطائفية .. في شبه الدولة المصرية
- السلام .. والسلام الدافئ
- العسكر .. في اللغة
- كتائب العار وتقنين التزييف


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حنان محمد السعيد - القروض الدولية وآثارها على اقتصاديات المنطقة العربية