أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسامة مساوي - قصة الإرهاب وحلب والمستقبل















المزيد.....


قصة الإرهاب وحلب والمستقبل


أسامة مساوي

الحوار المتمدن-العدد: 5374 - 2016 / 12 / 17 - 01:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما تتذكرون جيدا ذلك اليوم الذي خرج فيه إلى العلن ماسمي حينها ب "مؤتمر علماء الأمة " لنصرة سوريا ، كان ذلك يوم 13-06-2013 ، وشاركت في هذا المؤتمر أكثر 70 جمعية ورابطة للعلماء في العالم الإسلامي وعلى رأسها : الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رابطة علماء أهل السنة، رابطة ‏علماء الشام ، كبار علماء السعودية ، الإخوان المسلمون ، وغيرهم . حضي المؤتمر حينها بدعم ومباركة كل الدول الخليجية والعربية بما في ذلك المغرب ، الذي كانت مؤتمرات ‘‘أصدقاء سوريا’’ تعقد في مدنه ، ومدينة مراكش المغربية شاهدة على ذلك ، حيث ستستضيف مراكش يوم 13-12-2012 الإجتماع الدولي الرابع لمجموعة ‘‘أصدقاء الشعب السوري’’ بمشاركة أكثر من مائة وعشرين دولة عربية وغربية
. وقد جاء في مسودة البيان الخِتامي لهذا المؤتمر ، أنه سيتم الإعتراف بما سمي حينمها ب "الائتلاف الوطني السوري المعارض" بعد ساعات من اعتراف الرئيس الأميركي "أوباما" بهذا الائتلاف. في ذلك اليوم أكثر من 120 دولة -وهي التي تشارك في الاجتماع- ستعلن اعترافها بالائتلاف الوطني السوري بوصفه "الممثل الشرعي للشعب السوري"، وستجدد مطالبتها للرئيس بشار الأسد بالتنحي والرحيل ، معتبرة أن كل من يدعمه شريك في القتل.
بعدها مباشرة سيتم تسليح المعارضة ودعم ما كان يعرف باسم "الجيس السوري الحر" ، وسيتم تأسيس جماعات "جهادية مقاتلة " محسوبة على قطر والسعودية والإمارات ، بضوء أخضر من أمريكا والغرب عامة ، والفاتورة تتكلف بدفعها بقرة الغرب الحلوب "السعودية" ، أما الدول التابعة كالمغرب... فدورها كان يقتصر على تنفيذ التعليمات التي كانت تأتي من "واشنطن" عبر "الرياض" ، وكذلك التصفيق والمباركة والإنضمام للجوقة لخلق الشرعية والإجماع.
تُركيا بدورها ، بزعامة "رجب طيب أردوغان" شاركت بقوة ، بل كان لها الدور الأبرز في دعم المعارضة المسلحة ، والجماعات الجهادية ، إذ كان مقر "الجيش الحر" هو إسطنبول ، فمن هناك كانت تدبر العمليات وتدار الخطط ، بمعية الغرب و الأمريكان...ووصلت ثقة أردغان في ذاته آنئذ إلى درجة تصريحه المتفائل الشهير : "أنه قريبا سيصلي في المسجد الأموري بدمشق ، لأن أيام بشار الأسد أضحت معدودة ".
روسيا كانت في ذاك الوقت تحتج على كل المؤتمرات ، وكل القرارات ، التي كانت أمريكا تتخذها سائقة كل الزعماء العرب وراءها سوقا ، فصدقها العرب ، وصدقوا أنها فعلا يمكن أن تسقط في فخ مصلحتهم المتمثلة في إسقاط نظام بشار ، لتمرير أنابيب غاز-قطر على الخصوص- داخل الأراضي السورية ،مرورا بتركيا إلى أوربا ،,ومن تمة ضرب الإقتصاد الروسي الذي يصدر الغاز لأوربا في مفصله ، وكذلك إفقاد إيران حليف استراتيجي أساسي لها بالمنطقة إسمه بشار الأسد وبهذه الطريقة يكون الغرب والعرب والأتراك قد استفادوا مجتمعين ومعهم إسرائيل.
العرب المساكين أصروا على اتباع خطوات أمريكا حذو النعل بالنعل والقدة بأختها ، رغم أنهم لُذغوا من جحرها عشرات المرات . لم يخطر ببالهم ، أن أمريكا ستبيع "سوريا" للروس مقابل "العراق" في يوم من الأيام ، وستقدمهم -العرب- لروسيا وإيران كهدايا إضافية على الصفقة ، وستلغي العقوبات على عدوهم الأزلي "إيران" مطلقة يدها للقتل والسحق والتدمير والتهجير ، وستتغاضى عن أكثر من 35 ألف مقاتل "شيعي" دفعت بهم إيران لخوض المعارك في سوريا دفاعا عن ما أسمته المقدسات والمراقد الشيعية ، وهم ينتمون بالترتيب إلى العراق ولبنان وإيران وأفغانستان إضافة إلى أزيد من 5000 عنصر من الحرس الثوري ، كانت إيران قد أعلنت عن مقتل أكثر من 1000 منهم مؤخرا {1}.
أمريكا لم تفعل هذا حبا في زرقة عيون الروس أو سواد عيون الإيرانيين ، بل اضطرت إلى ذلك اضطرارا ، بعدما كانت تعول على الآلة الدعائية الدينية السعودية لمحاصرة تنامي خطر "داعش" التي صعد نجمها فجأة ودون سابق إنذار، فبات تهديدا مشتركا ، للروس والأمريكان والإيرانيين ، والنظام السعودي ودول المنطقة بالشرق الأوسط كلهم . لكن فشل الأيديلوجية الدينية السعودية في الحد من تفاقهم الخطر الإرهابي الذي تمثله "داعش" ، سيفرز رؤية جديدة واستراتيجيات بديلة ، وتحالفات راديكالية تماما . فأمريكا -كما لايخفى- خرجت منهكة من حربها على الإرهاب في كل من العراق وأفغنستان ، دون أن تحقق أيا من أهدافها ، بل جنت نتائج عكسية ، خالقة أزمة اقتصادية عالمية ، وموفرة حاضنة شعبية للإرهاب ، بتدميرها للعراق ، واستفزازها لمشاعر الأمة بشنقها لزعيمه "صدام حسين" يوم عيض الأضحى ، واقصائها ل "أهل السنة" ، وسماحها للنظام العراقي الطائفي الجديد ، بتحويل الجيش إلى حشد طائفي شيعي ، وتشريد كل الضباط البعثيين وعاوائلهم ، ومن تمة تسليم البلاد على طابق من طائفية لإيران ، التي كانت ولاتزال هي الحاكم الفعلي للعراق منذ عهد "العلاوي" 2004 ثم "المالكي" إلى "العبادي" اليوم . أمريكا فعلت كل هذا مكافأة لإيران على الفتوى التي كان قد أصدرها المرجع الشيعي العراقي "السستاني" سنة 2003 بأمر من "الخامنئي" بحرمة مقاتلة القوات الأمريكية أو إطلاق ولو رصاصة واحدة على جنودها . {ويجب أن لا ننسى أن الطائرات الأمريكية انطلقت من دول الخليج ، لقصف الشعب العراقي وإطاره بالديمقراطية من بطون الطائرات}...سقط العراق وملايين الضحايا من الأطفال والنساء ، بتواطئ عربي إيراني وسلاح أمركي . تُرِك الشعب العراقي لوحده يواجه الموت والقتل والمحق على أيدي الأمريكان ومن بعدهم الملشيات الشيعية المدعومة إيرانيا ، ولا أحد يستجيب لإستغاثة هذا الشعب الأعزل ، فكبر اليأس والإحباط وطفت إلى السطح مشاعر الكراهية والفرقة والإنتقام ، وزادها تغذية القمع والقتل الذي واجه به "المالكي" المظاهرات السنية سنة 2013 ، فتحولت ساحات الإحتجاج إلى ساحات مذابح . هنا سيجد الخطاب الإرهابي الذي تتبناه داعش -الدولة الإسلامية في بلاد العراق سابقا- آذانا صاغية ونفوسا مَيَّالة للحل الراديكالي الذي بات كأن لامحيد عنه . وبما أن الأمر سار كذلك ، وكبر الإرهاب وتنامى بشكل غير مسبوق ، فإن أمريكا لم يعد أمامها من خيار سوى ، إيجاد من يحارب عنها بالوكالة ، بعدما فشل وكلاؤها الأوائل "العرب" في ذلك ، وتبين لها أن لاطاقة لهم بمحاربة "داعش".
وانضاف إلى ذلك فشلهم -أي العرب - في مواجهة بشار وإيران وروسيا في حرب الوكالة الدائرة رحاها على أرض الشام ،, فاستنفذوا كل الخيارات والإحتمالات ، فحكمت عليهم أمريكا بالعزلة والتهميش ، واقتضى المنطق البرغماتي الذي يحرك دوالب الحكم في واشنطن ، أن يدير الأمريكان ظهر المجن لعشيقتهم القديمة "مملكة آل سعود" ومن خلالها كل العرب . بل إن الأمريكان سيواجهون السعودية بقانون "جاستا" الذي يطالب بتعويضات خيالية على الهجمات الإرهابية في 11 من شتنبر 2001 ، في واحدة من أكبر الإبتزازات التي سيعرفها التاريخ المعاصر. المشعل إذن سيُسلَّم لإيران كحليف استراتيجي بديل في الشرق الأوسط ، والقادر -في نظر أمريكا- على مواجهة الإرهاب السني الذي تمثله "داعش" ، لأن المواجهة بينهما مواجهة حتمية معلنة. ولن تخفي الطائرات الأمريكية اليوم توفيرها الغطاء الجوي "للحشد الشيعي" بقيادة الحرس الثوري في مواجهة "داعش" لتحرير مدينة الموصل من قبضتها.
والمفارقة التي تعكس غباء الأنطمة العربية وعلى رأسها النظام السعودي ، هي دعمها وتوميولها للحملة التي يشنها الحشد الشعبي-الشيعي على "أهل السنة" في العراق ، فيُقتِّل ويهجر ويقطع أوصال المدنيين في "الفلوجة" وغيرها من المدن العراقية بعد إخلائها من عناصر داعش ، بينما يتباكى إعلام العرب على "حلب" في نفاق مفضوح ، وتواطؤ معلن مع إيران وأمريكا وروسيا على أهل العراق ، لايهمهم في ذلك سوى إبعاد النيران عن بلدانهم ، حتى وإن أبيدت كل الشعوب العربية الرخيصة . لذلك لا أحد كان سيصدق أن دعمهم "للإنتفاضة" السورية كان من أجل الديمقراطية وإبعاد الديكتاتورية والقهر والتسلط ، بل لأن أمريكا أمرتهم أن يفعلوا ، فاصطدمت بحقيقة ضعفها أمام "الروس" فما كان منها إلا أن تترك العرب في منتصف الطريق ، بعدما غررت بهم تغيررا، وهم الآن في ورطة حقيقة لن يخرجوا منها أبدا.

سنعود ونقول أن ما كان قد سمي ب "مؤتمر علماء الأمة " والذي شارك فيه كل العلماء السنة الرسميين ، كان إطارا خلقته الأنظمة العربية بتوجيهات أمريكية ، تشكل سنة 2012 لقضاء مهمة أيديولوجية-سياسية تصب في مصلحة الإمبريالية العالمية بقيادة الغرب وإسرائيل. وكان أبرز ما قام به هذا المخلوق القيصري الولادة ، هو توجيه نداء لشباب الأمة الإسلامية لحثهم على ’’النفير إلى سوريا للجهاد في سبيل الله’’ ، ولابأس أن نذكر هنا أن "محمد حسان" هو الذي كُلِّف بقراءة ذاك البيان ، وهو موجود على اليوتيوب ، وجاء في البيان :
الحمدلله العلي القدير القائل " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ’’ و ’’وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" وجاء في البيان أيضا "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" وهم يقصدون بكيد الشيطان كيد روسيا وإيران والنظام السوري ، وليس كيد أمريكا أو إسرائيل طبعا , فهؤلاء يقاتلون إلى جانبهم , في سبيل الله.
وهذا واضح في صيغة البيان الذي دعى إلى "الجهاد بالمال والنفس لنصرة الشعب السوري الذي يتعرض لإبادة " من قِبل من أسماه النظام الطائفي ، مؤكدا أن " إيران وحزب الله وحلفاؤهم الطائفيون يشنون حربا على أهلنا فى سوريا وهي حرب معلنة على الإسلام والمسلمين عامة ، لذا وجب النفير العام للجهاد في سوريا والتسريع بإغاثة الشعب السورى وثواره بكل ما يحتاجون إليه من عتاد وسلاح لصد عدوان النظام الظالم وحلفائه ووقفه ، وكذا قطع التعامل مع الدول المساندة له كروسيا والصين وإيران وغيرها، وقبول تمثيل سفراء للثوار السوريين والشعب السوري" انتهى نص البيان.
مباشرة بعد تلاوة البيان ، ستفُتح الحدود أمام الجهاديين في جميع الدول العربية ، قصد النفير إلى سوريا ، وكان الغرض حينها مزدوجا ، الأول إسقاط نظام بشار الأسد ، والثاني حرق هذا التيار الجهادي وقطع دابره دون رجعة . فؤسِّست الفصائل والجماعات المسلحة بأموال وقيادات مخابراتية خليجية سعودية قطرية وتركية {2} ، تماما كما ستؤسس إيران فصائلها السالفة الذكر. لكن حدث مالم يكن في الحسبان، فجل جحافل الجهاديين الذين جرى فتح المطارات ، والحدود أمامهم ، خاصة التركية منها، والذين تم الإفراج عنهم من السجون ، سيلتحقون ب "داعش" بدل الفصائل التي جرى تأسيسها بسوريا لإستقطابهم واحتوائهم داخلها ، وحينما سيصعد نجم "داعش" وستبدأ المدن العراقية والسورية بالسقوط في قبضتها ، حينها فقط سيستفيق العرب من سذاجتهم التي لاحدود لها ، وستكتشف أمريكا معهم -متأخرة- أن وصفة إسقاط الإتحاد السوفياتي القديمة لم تعد مُجدية، ف"الجهاديون" طوروا أنفسهم وأصبحوا أكثر ذكاء من أن يتم استخدامهم في حرب وكالة لصالح الغرب والعرب. بعدها سيجري إغلاق الحدود وإحكامها ، وإقرار عقوبات ثقيلة لكل من أراد "النفير" ل "الجهاد في سبيل الله" إلى جانب الشعب السوري الذي لازال يبادُ ، ومن طرف الشيعية الذين قال عنهم البيان "أنهم يشنون حربا على الإسلام والمسلمين ".
جرى إغلاق الحدود - حينما أمرت أمريكا بوقف النفير وتدفق الجهاديين - لكن بعد فوات الأوان نسبيا. أما بالنسبة لروسيا وإيران ، والصين ، فقد عرفوا كيف يقبضون العصى من الوسط ، لتلتقي مصالحهم في مابعد مع أمريكا المثخنة بحروبها . فأدركت أمريكا أن الحرب معهم لاجدوى منها ، وأن لاطاقة لها اليوم ببوتن وجنوده ، وضمه للقرم خير دليل على عجز أمريكا ، وهذا ما عبر عنه جون كري بالحرف الواحد مخاطبا أحد المعارضين السورين الذي عاتبه على تقصير أمريكا في حماية المدنيين : هل تريدوننا أن نذهب لحرب روسيا من أجلكم ...هذا ماتريد؟
هنا تبخرت أحلام المعارضة التي علقت ثقتها في عنق أمريكا ،متناسية سحقها للشعب العراق . هُنا صدم العرب المساكين الذين ظنوا أن أمريكا لن تتخلى علنهم ، بعدما ورطتهم في حروب استنزاف لا أساس ولا قعر لها ، في اليمن وسوريا وليبيا ، وهاقد بدأت تطل برأسها على حدودهم مع اليمن... وهاهي النتائج عكسية تماما ، وها نهاية من يثق في أمريكا ويسير خلفها.
الحاصل اليوم ، بعد المقلب التاريخي الذي أحدثثه أمريكا ، لكل من العِرب والأتراك ، بقيادة زعيمهم أردغان ، وبعد كل ذلك التحريض والدعم والتسليح وفتح الحدود ، بعد كل تلك الأرواح التي سقطت ، وكل تلك المؤتمرات ، واتحادات علماء السنة ، وخطب النفير والجهاد ، بعد كل الوعود التي كانت أمريكا قد أطلقتها من أجل إسقاط نظام بشار الأسد ، بعد الضجة التي كانت قد أقيمت حول استخدم بشار للكيماوي في قصف شعبه في حلب ، الغوطة ، وتريمسة ... وأنه الخط الأحمر الذي لن يسمح المجتمع الدولي بتجاوزه ، بعد كل هذا وذاك ، هاهي أمريكا تقول بملئ فِ يها أن مسألة رحيل الأسد لم تعد قائمة إطلاقا ، وأنه لاحل عسكري في سوريا ، وأن الأسد يعتبر جزءا من الحل ، وأننا غير مستعدين للدخول في حرب مع روسيا من أجل السورين وكل العرب ، فما العمل أيها العرب ؟

رجب طيب أردغان سيهرول في اتجاه "روسيا" طالبا صفحها وعفوها عن اسقاط طائرة " السُّوخوي" التي كانت قد اخترقت مجاله الجوي فأمر باسقاطها . ولن يتوقف مسلسل تقربه من الروس وضعفه أمامهم عند هذا الحد ، فبعد الإنقلاب الذي كاد يذهبه عن الحكم ، صار ضعيفا منزوع الأسنان والحنجرة ، فهو لن يتردد أبدا في طلب عفو وصفح "بوتن" مرة ثانية في 01 من ديسمبر 2016 مُتراجعا عن تصريح كان قد أقر فيه في نزوة رجولة أن : " دخول القوات التركية إلى شمال سوريا يهدف إلى إنهاء حكم بشار الأسد الوحشي" ، وسعيلن على الملأ أن تصريحاته فُهمت بشكل مغلوط من جهة الروس قائلا : أن القصد هو محاربة الإرهاب ، وأن الحليف الروسي لاينبغي أن يؤول التصريح بشكل مغلوط" ، رغم أن التصريح واضح ، ويحمل اسم بشار، ولايقبل التأويل أصلا.

الجيش التركي الآن يوجد في مدينة الباب ، محتلا للأراضي السورية ، بعد إذن " فلاديمير بوتن " الحاكم المباشر لسوريا اليوم . الجيش التركي يوجد لقصف الأطفال السورين والمواطنين الواقعين تحت حكم "داعش" مند 2014 بمدينة الباب ، وحكم الأكراد ، وهو في قصف لايفرق بين الإرهابيين الجهاديين وبين المدنيين ، تماما مثلما تفعل "عاصفة الحزم" في اليمن مدمرة البيوت والمدارس فوق رؤوس أصحابها.
والمفارقة الحقيقة هي أن المجازر التي يرتكبها النظام السوري والروسي والإيراني الطائفي ، في حلب ، 14 و 15 و16 من دجنبر 2016 تقع على مرأى ومسمع من هذا الجيش الذي كان يتوعد زعيمه أردغان بإسقاط نظام الطاغية بشار الأسد ، المدعوم من روسيا التي كانت تعتبر حليفا للظلم والتسلط حسب تعبير أردغان وبيان اتحاد علماء الأمة الإسلامية.
فلماذا لايحرك هذا الرجل الهمام كما وصفه القرضاوي وأتباعه من الإخوان المسلمين في المغرب وخارجه ساكنا لنجدة المظلومين والمستضعفين من النساء والولدان ؟ أليس الجهاد واجبا عليه وعلى جنوده وجنود العرب أيضا ؟ ألا تصدقُ الآيات التي جرى حشوها في البيان على الجُيوش قبل الشباب الذين جرى التغرير بهم من سنة 2012 إلى اليوم ؟ أليس الجيوش المدربة والمسلحة أولى بقول الله : "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" ؟ أين هم الآن " علماء الأمة" ليستنفروا جيوش الأمة؟ أم أن أمريكا لم تفت بذلك الآن؟
سيذكر التاريخ أنه كان للعرب جيوش مترسنة لا شغل لها غير العلف وقمع مواطنيها بأكثر الأسلحة فتكا بالمستضعفين وليس بإسرائيل أو الأعداء. فلماذا هذا التباكي على حلب بينما الآليات تصدأ ؟ لماذا هذا النفاق ؟ أما سئمتم السير وراء أمريكا وفي كل مرة تخيبون ؟ أما عرفتم أن أمريكا هي من ستسلمكم لإيران لتذبحكم تماما كما كانت قد ذبحت مناضلي حزب "تودة" الشيوعي الإيراني بعدما شاركوها في إسقاط حكم الشاه في الثورة الخمينية سنة 1979؟ أما تستفيدون من التاريخ الذي ستدور عليكم دوائره؟
إن كل من رأى مايجرى في حلب ، وصمت العرب المخزي عليه ، تماما كما فعلوا مع العراق حينما سلموا قواعدهم العسكرية للأمريكان لكي تنطلق طائراتهم لقتل أزيد من مليوني طفل عراقي ، كل من رأى هذا ، لا بد أن يمتلئ حقدا وحنقا على هذه الأنظمة العميلة التي لايهمها غير الكرسي اللعين . كل من يرى هذا يمكنمه أن يستنتج ببساطة أن "الإرهاب السني" الذي تقوده " داعش" اليو م ، سوف يثمر ويونع ويشعشع ولن يتوقف ، بل هو الدم والهدم والردم يضخ في عروقه دماء جديدة ، دماء يغذيها الصمت والتواطؤ العربي الغربي الروسي الإيراني على الشعوب المستضعفة المهجرة . ولا يجب أن نستغرب إذا ما فرح "أهل السنة" بالتفجيرات والمذابح وأفلام الرعب الوحشية التي تبثها داعش .لايجب أن نستغرب من إعجاب شباب " أهل السنة " بالقوة التي تُسوِّقها داعش عن نفسها حينما تغزو منطقة في سوريا أو العراق . حينما تفجر في بغداد أو كربلاء أو سامراء . حينما تحرق أو تذبح أو تغرب...فللعرب والمسلمين "جرج نرجسي" غائر لايداويه غير الإنتقام والتشفي في من باعهم للجلاد وساقهم لحتفهم جريا وراء مصالحه الفانية . وحتى إن لم يؤمنوا ب "أيديولوجية الإرهاب" ولم يتنبنوها كعقيدة ، فهم على الأقل سيتماهون مع "القوة" التي تقدمها آلتها الإعلامية ، وسيتشفون في سقوط جنود بشار والحشد الشعبي في قبضة الإرهابيين ، وما حصل في قبل أيام "تدمر" من أسر وقتل لجنود بشار الأسد من طرف داعش ، مناسبة لتفريغ مشاعر الحقد والإنتقام وسيكلوجية التشفي .
إن الأمم المتحدة ومجلس الأمن هي مؤسسات لم تخلق لحماية المستضعفين والكداح والشعوب العربية والمسلمة أصلا ، بل هي مؤسسات " مافيوزية" لتفكيك الجيوش ومحاصرة المقاومة والكفاح وإطالة أمد الصراعات من أجل تسويق الأسلحة ونهب خيرات الشعوب ومقدراتها.
لكن نبشر الكل أن صمت العالم اليوم عن مايجري في حلب، لايقل عن صمته حيال ماكان يجري في العراق حينئذ ، وبورما ، ولننظر إلى ماخرج من العراق من إرهاب وشراسة ووحشية . إذ ليس من المعقولية في شيء أن ننادي بالقضاء على الإرهاب ، بينما نحن من نخلق له الشروط النفسية والإجتماعية والحاضنة الشعبية . ليس من العقلانية أن يتواطأ العالم على قتل العرب والمسلمين في كل مكان ، بينما يبكي ويصرخ حينما تضرب داعش في فرنسا أو أمريكا أو بلجيكا . ليس من المعقولية أن يكون قتلاهم خمسة نجوم بينما قتلانا غير مصنفين.
إذا استمر هذا -وليس هناك أي مؤشر يلوح في الأفق على انقطاعه - فإن الإرهاب في تصاعد وتنامي مادام العالم فاقد لقيمه راكض خلف مصالحه ، منحاز للقهر والديكتاتوريات والطائفية المقيتة. وَلْنُوقن أن قيادات الجماعات الإرهابية القادمة ستكون أكثر شراسة من هذه بمئات المرات ، لأن هذا القتل وهذه الإبادة تخلق شرعية لخطاباتها وفلسفتها ، مختصرة عليها جهد الإقناع والحجة الجدلية الصورية أو التارخية ، وربما سيترحم العالم على نسخة "داعش" الحالية ، كما ترحم على "القاعدة" فصارت كما حمامة السلام أمام وحشية داعش وأساليبها البشعة .
وإذا انضاف إلى هذا تصاعد نجم اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية في الغرب فاقرأ السلام على شيء اسمه السلام.
{1} حزب الله اللبناني ، و "ألوية أبو الفضل العباس" التابعة للتيار الصدري في العراق ، "كتائب سيد الشهداء" و" ذو الفقار" ، فرقة "فاطميون" وفرقة "زينبيون" قالت المعارضة الإيرانية إن طهران شكلت الفرقة الأولى من السجناء الأفغان الذين أفرج عنهم شريطة القتال في سوريا، وشكلت الثانية من باكستانيين شيعة قاطنين بإيران ’’ فيلق "ولي الأمر’’ وكتائب "عصائب أهل الحق" و"فيلق بدر’...وفي المحصلة، تجاوز عدد الفرق والتشكيلات الإيرانية بسوريا 12 على الأقل تحت إشراف الحرس الثوري ،الذي هدفه المعلن هو إقامة ما يدعى ولاية الفقيه وإعادة مجد الدولة الفارسية كما كان مستشار المرشد الأعلى خامنئي "علي يونسي" قد صرح في 09 مارس 2015 معلنا أن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية ، قبل أن يتراجع عن التصريح.

{2} لواء أحرار سوريا، فيلق الرحمن ، وجيش الفسطاط ، وكتائب شهداء سوريا ، الجيش الحر ، أحرار الشام ، جيش الإسلام...وغيرهم. نذكر أن ما زاد الطين بلة في المشهد السوري وخدم مصالح إيران والنظام السوري بشكل أو بآخر هو تناحر الفصائل المسلحة بسوريا بعد الخلاف بين السعودية وقطر. ناهينا عن الصراع القائم بين هذه الفصائل و"داعش" ، بينما لم يحصل أي تناحر على الأرض السورية بين الفصائل الشيعية فيما بينها ، نظرا لتوحد المرجعية الدينية.
ولا يخفى أن المغرب وحكومة حزب العدالة والتنمية على الخصوص كانت من الداعمين لمثل هذه المؤتمرات ، وكانوا يسيرون بخطى حثيثة وراء أمريكا المجاهدة في "سبيل الله" كما قال "القرضاوي" في خطبة جمعة بقطر قائلا : "على أمريكا أن تقف وقفة لوجه الله" وكذلك رئيس حركة التوحيد والإصلاح سابقا , أحمد الرسيوني , ونائب القرضاوي سابقا على رأس "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي كان بدوره قد طالب الشباب المسلم بالنفير لما أسماه الجهاد في سبيل الله بأرض الشام . وهذا موثق في حوار له على جريدة بديل المغربية أما اليوم فسيكتفون بالبكاء والعويل والنواح على حلب ، مادامت أمريكا سندهم المتين لم تفتهم بالنفير.



#أسامة_مساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة على الشخصية -المسلمة-!
- مقال سريع بين فلسفة القتل وفلسفة التسامح!
- 14 سؤالا عاجلا للمغاربة والمُستقبل!
- أَمريكا وأخواتها
- حين يَتَأبَّط الإِرهابُ الحُجَّة والدَّلِيل!
- أيها المَغارِبة..ألاَهل بَلَّغْت فاشهدوا!
- مَبدأُ العَطالةَ والسِّياسَات الدِّينية بالمغرب نموذجا!
- صَباح الخير يارسول الإسلام مُحَمَّد..إنها الشَّرِيعَة إِيبْد ...
- أنا الموقع أسفله..في أخر أيام 2014!
- رسالة قصيرة إلى إخوان العدالة والتنمية بالمغرب!
- إنَّها القيامة!
- كَاهْ كَاهْ كَاهْ كَاهْ!
- تمرين ذهني للأذكياء فقط!
- إلى صَغِيرَتِي نادية..وَجَعُ رقم 5 المُسْتَمِر!
- الحُبُّ حُبَّانْ عَلى الأقل!
- سأرفعُ دعوى قصائية ضد وزير التربية الوطنية المغربي!
- ضِفدع ابن سِيرين
- أينشتاين يُخاطبكم في أقلَّ من دقيقة!
- في انتظار السُّكَّر !
- بَولُ خُفَّاشَة أَرمَلَة..هَذَا هُو دِينُهُ!


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسامة مساوي - قصة الإرهاب وحلب والمستقبل