أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - هل نحن بحاجة إلى دعاة؟















المزيد.....

هل نحن بحاجة إلى دعاة؟


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 22:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل نحن بحاجة إلى دعاة
نزلت الدعوة الإسلامية في قريتين منعزلتين تقريبا عن العالم، هما مكة والمدينة، وبغض النظر عما جرى من تعظيم لمكانة هاتين المدينتين، فإن معظم العرب في شبه جزيرتهم كانوا بدوا رحلا، تسود علاقتهما الاجتماعية الحروب والغزوات ،وهذا الوضع المتوتر للحصول على الماء والغذاء والمرعى، لم يجعل من المجتمع العربي متماسكا فكريا وثقافيا, ولم تكن حياتهم تتمركز حول ما يسمى عاصمة، بمعنى أن العاصمة في أي مجتمع هي التي تعطي روحا للمجتمع، وما يحدث بها ينتقل آليا إلى المناطق الأخرى كما هو نبض القلب الذي يصل كافة الأطراف.
إذن كانت هناك صعوبات في نشر الدعوة عند القبائل الرحل والحواضر البعيدة ، لذلك كان لا بد من متطوعين يذهبون إلى القبائل يخبرونهم برسالة التوحيد، هؤلاء الدعاة الذين حملوا العقيدة في أرجاء العالم، كانوا يتحملون فوق ما يمكن أن يحتمله بشر، فهم يفارقون عشائرهم وأسرهم وأطفالهم وزوجاتهم في سبيل الدعوة وفي سبيل الله ، ثم أنهم كانوا يتحملون نفقة سفرهم وحلهم وترحالهم، ولم يكن من يتبرع بدعمهم ماديا أو لوجستيا كما يقال حديثا، اي وسائل نقل وسلاح دفاعي وغذاء، وأمر ثالث أنهم كانوا يفدون على أقوام لا يدرون ردة فعلهم، هل يقبلون هذه الدعوة أو يرفضونها، ولا يدرون من أين يبدؤون، فكل طبقة اجتماعية لها مستواها الفكري، وكل جيل له خطابه الخاص، إذن فعليهم أن يكونوا ذوي قدرات خاصة.
إذن فإن رجال الدعوة الأوائل حملوا على عاتقهم نشر الإسلام ، ليس في الجزيرة العربية إنما أيضا عند الأعاجم في البلاد المفتوحة ، وهم أصحاب عقائد سماوية وغير سماوية ، فكان المسيحيون واليهود في بلاد الشام ومصر، والصابئة والزردشتية والمثنوية في العراق بالإضافة إلى اللغات المختلفة من سريالية وقبطية وفارسية وغيرها.
إذن كانت مجهودات مضاعفة في مجال الدعوة، وان الفتوحات لم تكن إلا حاضنة لهؤلاء الدعاة، فالسيف لم يكن يوما طريقا للإيمان، فما كان يستقر لهم الوضع الأمني حتى يتحول المحاربون إلى دعاة، وبالطبع لم يصل إلينا أسلوبهم في الدعوة، ولكننا نعتقد أنهم كانوا يستخدمون القدوة الصالحة، في سلوكهم وتعاملهم مع الغير.
إن انتشار الدعوة في أصقاع العالم شرقا وغربا, شمالا وجنوبا ، لم يكن إلا بهذا الأسلوب، إذ كانوا يظهرون سلوكا يقنع الآخرين بالتقرب منهم ومحاولة فهم سلوكهم ، فالتجار الذين ذهبوا ببضاعتهم إلى جنوب شرق آسيا لم يكن مقصدهم الأول هو نشر الإسلام ، لكن التربية الإسلامية الحقة، كانت بادية على مظهرهم وتعاملهم مع الغير، ولا أظنهم كانوا يبتدرونهم بتسفيه معتقداتهم ومن ثم دعوتهم إلى الإسلام، لأن ذلك سيدفعهم إلى مناقشة عقائدهم التي لا خبرة لهم بها وبالتالي نفي صحتها، وهذا يدخلهم في نقاش له أول وليس له آخر. وآخر مثال على هذا الأسلوب هم مسلمو كوريا، إذ كان هناك ضابط تركي، يعمل ضمن قوات الأمم المتحدة، عام 1952 ، ولا نعرف كيف فعل ذلك لآنه لم يذهب داعيا، وسجل افعاله كي يفتخر بنفسه وقدرته على نشر الإسلام.
في العقود الأخيرة ظهرت حركة الدعوة الإسلامية، قادمة من السعودية والإمارات والكويت ، ومقصدها كل الدول التي تصلها الطائرات والسفن والسيارات، أي شعوب متعلمة ومتحضرة، إنه لأمر مضحك أن يظن هؤلاء الذين لم يكملوا تعليمهم الابتدائي أن الناس في بلاد الشام ومصر أناس لم يسمعوا بالإسلام، وعليهم أن يسمعوهم كلام الله جريا على سنة الأقدمين من الصحابة.
إن فكرة الدعوة الحديثة وجدت أولا في باكستان، كأسلوب عملي لنشر الإسلام في القرى والمدن والتجمعات النائية، التي تستوطن بها الأمية وترتفع لمعدلات عالية، فلا مدارس لتعليم لغة الأوردو ولا مدارس لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، فانطلق هذا المشروع لتعليم هؤلاء الناس بعضا من تعاليم الإسلام وقليلا من الآيات القرآنية، ومن المؤكد أن هذا المشروع وهذه الدعوة قد أصابت مبتغاها, وأتت أوكلها، مما جعل خبرها يصل إلى الدول العربية القريبة من باكستان، مع العمالة الوافدة من هناك.
هذه الدعوة لاقت هوى من أتباع المذهب الوهابي الذي نشأ أصلا لمحاربة الزيغ الذي أصاب العقيدة الإسلامية بسبب أفكار الطرق الصوفية وأعمالها كالتبرك بالأولياء والصالحين وبقبورهم ومقاماتهم، وقد وقر في أذهان أتباع المذهب الوهابي أن جميع العرب هم على هذا النحو من الضلال، لذلك كانوا من المشجعين والممولين لمثل هذا التوجه، لإعادة الإسلام إلى مساره الصحيح.
من هذا التزاوج بين فكرة أصيلة وناجحة في باكستان وبين حركة مدعومة ماليا من الدول النفطية، ومتطوعين يريدون نشر الإسلام في بلاد المسلمين. اقتداء بالرعيل الأول وعلى خطاهم، تكونت وتحركت طلائعها إلى الأردن وسوريا والعراق ومصر، وبلاد كثيرة من العالم كما يدعي دعاتها، وأن الذين اسلموا على يدها عشرات الآلاف بل مئات ، واسمحوا لنا أن نلقي بعض الأضواء عليها.
1- لم تكن هذه الحركة منظمة تنظيما صحيحا، بحيث تضع الشروط المسبقة لقبول الدعاة، ويخضعون لتقييم محتواهم من العلوم الإسلامية، ومن ثم إدخالهم في دورات تعليمية، ويكونون تحت إمرة مشرفين على عملهم وتوجيههم ومحاسبتهم إذا زاغوا، وفي غياب هذا, ذهب للدعوة كل من هب ودب، لذلك كان خطابهم فجا ومعلوماتهم بدائية، وتأثيرهم سلبيا.
2- مثل هذا المشروع الحساس، يتوجب على رجل الدعوة أن يكون إما حاملا لمعلومات غزيرة، أو يحمل أفكارا جديدة ينشرها بين الناس، لكن رجال الدعوة لا يملكون هذا ولا ذاك، إنهم يقولون ما تعرفه العامة أو اقل من ذلك، و يغرقونك بالخرافات والقصص والأعاجيب كأنهم يخاطبون أطفالا، وأيضا حملوا معهم أشرطة وأقراصا مدمجة لشيوخ وأئمة مساجد، طاعنين في الجهالة، تباع بسعر زهيد أو توزع مجانا.
3- يتوجب على الداعية أن يفهم مسبقا ثقافة الشخص الذي سيتعامل معه ويهديه إلى الإسلام، وبما أن الشعوب مختلفة في عقائدها وثقافتها ولغاتها فإن دعوة هذه الشعوب إلى الإسلام، يفترض أولا فهم ثقافتها، ولكن هؤلاء الدعاة الذين يعتقدون أن أهل الأردن وسوريا جهلة يحتاجون إلى تعليم، فإنهم سيكون أكثر سوءا مع الأمم الأجنبية، يذهبون وينامون في المساجد ولا يفعلون شيئا ولكنهم يعودون ويتكلمون عن غزواتهم الدعوية، ويفبركون القصص،عن إسلام علماء الذرة والفلك يسبب سماعهم آية واحدة من القرآن.
4- لم يذهب هؤلاء الدعاة إلى مجاهل إفريقيا، حيث الناس على فطرتها وبدائيتها، ويحتاجون إلى رؤية متكاملة عن الله والكون والإنسان، بل ذهبوا إلى أقوام متعلمين، فجنوب السودان الذي ذهب إليه المبشرون المسيحيون ومعهم كرفانات يشكلون منها عيادات صحية ومدارس تعليمية، ومراكز تغذية، كانوا أقدر على جذبهم من بعض الجماعات الدعوية التي ذهبت هناك، والذين كانوا يكتفون بالكلام. مما جعل انحيازهم للإسلام ضعيفا، وبالتالي انفصال جنوب السودان عن شماله أمرا محتوما.
5- إذا كانت الدعوة إلى الإسلام واجب ديني وأساسي، فلماذا لا يعطي الحق أيضا للمسيحي أو غيره بالتبشير لدينه، فكيف يكون التبشير خطرا، أما الدعوة للإسلام فليست خطرا على الأديان الأخرى، لماذا يكون كل من تنصر مرتدا يجب قتله؟ بينما يكون المسيحي إذا اسلم نصرا عظيما سيزيد المليار مسلم مسلما جديدا، وإذا ما قتل المسيحيون ابن دينهم الذي اسلم تقوم الدنيا ولا تقعد، أليس هذا كيلا بميزانين؟
6- كانت فكرتهم الأساسية هي أن العالم مقسوم بين مسلمين وكفار، وان من واجبهم هو حماية المسلمين من غواية الكفار، وكان مشروعهم الأعظم هو ارتداء الحجاب والخمار للنساء، وعدم التصوير ورؤية التلفزيون وسماع الموسيقى و الأغاني والرياضة، بدون أي سند فقهي أو منطقي لمنع كل ذلك، وإذا سألتهم وماذا بعد، هل نصبح بذلك خير امة أخرجت للناس؟
7- إن تصورهم بأن البشر إما مسلمون أو كفار، جعلهم يرون الآخرين بعدسة مقعرة ، أي يرونهم صغارا وبعيدين جدا، وهذا البعد يجعلهم خلقا آخر، وبهذا أسسوا للعداء بين المسلمين وبين مواطنيهم من أديان أخرى، وإني لأظن أن ما حل بالمسلمين من مذابح في البوسنة ونيجيريا ومانيمار ووسط افريقيا وتركمانيا والعراق ما هو إلا نتيجة أفكارهم المعادية للكفار، وبسبب الشحن الزائد لكراهية الغير.
8- اذن ما الفائدة من حركة الدعوة التي أثبتت عدميتها إن لم نقل ضررها على الإسلام والمسلمين، إن تقمصهم لدور الرعيل الأول في عصر غير عصر الصحابة، إنما هي مسرحية هزلية سخيفة، فعصرنا اليوم كما يقولون قرية صغير، والتعليم الديني في المدارس يعطي ما يلزم ليرسخ العقيدة في نفوس الناشئة، هذا بالإضافة إلى الفضائيات الدينية المتخصصة والإذاعات والكتب والمجلات، فما الفائدة من حركة الدعوة التقليدية مع كل هذه الأساليب الحديثة والفعالة؟
9- ولكي لايفهم أنني ارمي إلى استئصالهم ومنع نشاطهم، وعدم إعادة شحن الإيمان في نفوس المسلمين ، فإني اقترح ما يلي :
أ - تأهيل رجال الدعوة تأهيلا يوافق حضارة الجماعة المرسلين إليها، بما يجعل خطابهم متسقا مع عقائدهم وثقافتهم ومستواهم التعليمي، وما هو مشترك بيننا وبينهم، وان لا يبتدرونهم بتسفيه معتقداتهم، وأن يكونوا قدوة صالحة بما يجعلهم محبوبين، ذلك أن التعلم ممن تحب يكون تعلما مرغوبا، وأن لا يظهروا في المجتمع كحالة شاذة منفرة، فهذا لا يصح.
ب - اعتقد أن حاجتنا إلى دعاة حاجة قليلة جدا، أو حاجة غير ملحة، إنما نحن بحاجة إلى واعظين ، فالواعظ مهمته أن يعمق فهم المسلمين في نواحي الإسلام المختلفة، فمتولي شعراوى وهو بخبرته في علوم الدين والعلوم الأخرى, جذب كثيرا من غير المسلمين إلى الاستماع إليه ،أنا لا اطلب واعظين على هذا المستوى ولكن يمكننا أن ننشئ معهدا للواعظين الذين يعمقون فهمنا في الإسلام ، ويوجه انحرافنا في بعض الأمور، وليس إغراقنا بالروايات الشاذة والملتبسة.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى الذين يستنكرون المولد النبوي
- في رثاء الشهيد زياد أبوعين
- مصداقية التوثيق الشفاهي
- فقه إدارة البؤس
- ليس كابوساً / ادب غرائبي
- تديين العادات
- حد الرجم في الإسلام
- مصدرا الخير والشر
- صورة الله
- هل فرض الله القراءة
- ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
- الوباء - من الأدب الغرائبي
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعادة أبو عراق - هل نحن بحاجة إلى دعاة؟