أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - براء ...قصة قصيرة














المزيد.....

براء ...قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


إحساس غريب كموج البحر لطمني على رأسي ورماني مشظّاه عند ساحل أفكاري...
شيءٌ مختلفٌ أشعر به وابعاد الرغبة تأخذني لمعرفة حالي..
منذ نعومة أظفاري وأنا لم أنسَ ذلك اليوم الذي عرفت فيه أني أحمل إعاقة في جسدي، عندها رجعت الى الوراء وأنا انظر نحو نفسي في المرآة! حاكيتها من أكون ولمَ الاخرون ليسوا مثلي، حتى اسمي(براء) حمل كل البراءة فيه وكأن القدر هو من اختاره لي.
لم أرَ أحداً من الذين رايتهم يشبهني!
حاكيت نفسي هل أنا مثلهم أم هم ليسوا مثلي؟ أنا بشر وهم بشر...كثيرة هي الأيام التي خادعت فيها نفسي حتى اقتنعت بأنهم يرأفون بحالي، فلو خرجت من الدار أخاف من الناس.. مللت من حمل هذا المتاع الذي حمّلني إيّاه ربي، وحزن طويل لفّني، تعلمتُ منه منذ ذلك الحين أن أخفي همومي في صدري.

أمي من تحميني من افكاري، خفَّفَت عليّ همومي ولملمت لي آلامي، كانت تشعر بشقائي وعلّة دائي، تُصِرُّ أن اقوى على كل الأمور، تعطني امثلة كثيرة تبعث الأمل في نفسي ثم تعود تقول، وما زال الدرب طويلاً يا ابنتي، اخذتُ قوّتي منها.. أبي سر فرحتي هو من علَّمني النطق وادخل في نفسي الثقة والفرح بغناء أجمل الألحان حتى جاء أخي الصغير الى الدنيا، انظر اليه فيفرح قلبي وأجد فيه سلوتي وأملي المقبل.
رغبة تأخذني الى معرفة سري لكني لم أستطع ادراكها لصغر سني. احتفظت بها في أول احتكاك لي مع الأطفال الغرباء عني وكان في المدرسة. حين دخلت الصف كنت مختبئة خلف أمي، هي من يعطي الدرس للطلاب في مدرستي الابتدائية.
تأخذني رغبة الطواف حول الطالبات بأفكاري وأنا جالسة على مقعد الدراسة(الرحلة) أتبصّر فيهم، سعداء في الدرس، أفتش فيهم عن نفسي وعن شيء يشبهني، أقلب النظر حولي في الصف الى الجالسة قربي والى البعيدة عني وأخرى وآخر حتى الأولاد لم أجد فيهم من يشبهني!! ثم أعود أنظر الى يديّ كفيهما ملمومتين، بصعوبة أمسك القلم بأصابعي، عينيّ لا أستطيع فتحهما بالكامل إلا برفع وجهي، فمي مشدود يصعب عليّ النطق الواضح، قدميّ متصلبتين لو سِرتُ كالبطة العرجاء. هذه أنا لا أحد يشبهني في الصف، كل شيء متيبس فيّ حتى عظامي.. ألمٌ يكابدني، يتوغل فيّ، يكسر خاطري... كم وددت الاختفاء من هذا الوجود؛ لكن دعائي ودعاء أمي الى الله ألهمني الصبر ورضيت بحالي..

سأعزز ثقتي بنفسي واترك لغة الاقدار وأسكت، أصغي الى معلمتي وأمي من تحميني لو تعرّض أحد لي. حينما أعود الى البيت أجد أبي، هو من أحسن قصّ أجمل وأحلى القصص لي.. كم تمنيت ان اطير على جناح نسر وارى العالم من تحتي أو أكون ساندريلا، لا بجمالها بل عسى ان يجد الزمان منقذاً لحالي. أبي كان يطربني ويسمعني أجمل الألحان مع لعبة الشطرنج التي أصبحتُ اتفوق عليه بلعبها، كان يمتعني بأجمل الكلمات، أحاول الرقص عليها، انظر الى أخي الصغير جالساً في حضن أمي.. احمِد الله انه ليس مثلي.

التقيت الطلاب في المدرسة عرفت كيف يفكرون ويتعاملون.. كانت مقارنتي في المحيطين بي أحيانا تبعدني عنهم وأحيانا تقوِّيني فاقترب، قررت حينها أن تسير الأمور على حالها، ادنو من يتعامل بود معي وتطمئن له نفسي.. صديقتي سلمى هي من جعلني أفكر ان للإنسان خياران أما الحياة بالجسد أو يحيا بعقله، الجسد من صنع الخالق والعقل سأجعله من صنيعتي واتخذت هذا فلسفة بعد مقارنتي بعقل صاحبتي. كانت تفتقد ما يحمله عقلي. تريد أن تحمل مثله وأنا أريد أن أحمل جسدها.. يا للمقارنة وكأننا خلقنا لنقارن أنفسنا وقد تكون هذه العدالة التي نختارها لنرضي بها أنفسنا هذا ما جاء في وحي أفكاري.

آثرتُ اهتمامي على الدروس... مضت الأيام والأعوام تزيد في عمري ويكبر عقلي لكن حجمي لا يكبر بسرعة كما بقية الأطفال. شعرتُ وأنا في المتوسطة بسري الذي يخرج مني وذهبت أهمس في أذن أمي فقالت لي، هذه ابعاد الرغبة يا ابنتي انتِ كبرتِ. أخذني السرور المبهم وذهبت الى المرآة أفتش عن حالي.. هذه أنا لم يتغير بي سوى انتفاخ صغير في صدري! سأبقى في حلمي هو اهتمامي بدروسي، هذا من سينقذني ويجلب السعادة لي.

ومضيت في غايتي أتسلق أحضان رغبتي، تفوقت في الدراسة على زميلاتي وزملائي كان بعضهم يهزأ مني وبعضهم أحبني رأفة بي أو مندهشاً بما حمله عقلي وهذا حال البشر في التمييز...
متفوقة عليهم أنا متفوقة، سوف أقهر هذا الحال اللعين ولن أكون طريدة خلقي واذهب الى كلية الطب، قد أعثر هناك على بلسمٍ يشفي مولوداً يشبهني.
وهذه الأيام تمرّ وتمضي وأنا في بلوغ الثامنة عشر من عمري.. اقتربَ موعد الامتحان الوزاري(البكلوريا) والحماس أخذني مندفعة نحو دراستي أريد النجاح والذهاب الى الجامعة.

ليل مظلم والبرد شديد وزخّات المطر تصنع نشيداً في الأرض يفزّه صوت الرعد في السماء ...
احسست بضيق في صدري. أكاد لا اتنفس.. أمي.. أمي.. أبي.. اخي.
هبّوا اليها من فراشهم.. ما بالُكِ يا ابنتي؟
أمي أشعر بضيق في صدري أكاد لا أسحب أنفاسي.. أبي أنقذني يا أبي.

عادت الى مخيلتها تلك الاحداث الماضية، استقت منها آلامها وآمالها بينما كانت طريحة فراش المستشفى.

كان الصبح في أوله رفعَت يدها الى أمها وكانت جالسة على الكرسي والنعاس غالب عليها من طول السهر. اقتربت أمها اليها.. بصوت واهن قالت ارجعي الى البيت يا أمي ولا تنسي ان تشتري الشموع، وعودي اليّ بها مع أبي وأخي، أشعر ان ساعتي قد حانت ولسوف اودعكم! سأرحل بعيداً سأريحك يا أمي من هذا الشقاء وأريح نفسي.. أعرف هذا سيؤلمك يا أمي ويؤلم ابي، وأخي حينما يكبر سيفتقدني؛ لكن ارجوكِ لا تحزنوا على فراقي.. سأكون قريبة عنكم، سترونني بغير حالٍ جالسة عند أول نجمة في السماء كل يوم.. أمي لا تنسي ان تذهبي الى مدْرستي أوقدي شمعة في صفي، واعتذري من معلمتي ومن زملائي بدلاً عني. قولي لهم، لقد أكملت الامتحان قبلكم، وأنها لتدعو لكم الاستمرار بطلب العلم لكي تزيد ثقتكم بأنفسكم وتتحقق أحلامكم.
وداعاً يا أمي وداعاً يا أبي وداعاً يا أخي وداعاً لكل من أحبني



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فِراق...قصة قصيرة
- شهامة عراقي أصيل..قصة قصيرة
- أمي وأوجاع وطن
- وظيفة في دار العجزة..قصة قصيرة
- حرب وأشياء أخرى..ح3..قصة قصيرة
- -ما بين بغداد ورواندا طريق واحد-..قصة قصيرة
- سارت معي..قصة قصيرة
- وفاء امرأة هولندية
- مرفأ بلادي
- عزاء صامت..قصة قصيرة
- ساحة التحرير...
- صانعة الإبتسامة...قصة قصيرة
- حرب وأشياء اخرى..ح2...قصة قصيرة
- رحلة مع الموسيقى...قصة قصيرة
- ذاكرة مرْميّة....قصة قصيرة
- طائرُ اللّقلق..قصة قصيرة
- أنا وأُمي ووطني
- من هذه السيدة...قصة قصيرة
- عيد الحب...قصة قصيرة جداً
- حبٌ..وألم....قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - براء ...قصة قصيرة