أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - خلف الناصر - الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (5) اللغة: حقائق التاريخ وعبقرية الأمم وهوية الشعوب!!















المزيد.....


الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (5) اللغة: حقائق التاريخ وعبقرية الأمم وهوية الشعوب!!


خلف الناصر
(Khalaf Anasser)


الحوار المتمدن-العدد: 5367 - 2016 / 12 / 10 - 17:25
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


من جملة التناقضات والمغالطات التي وقع فيها كاتب مقال " أسطورة القومية العربية، أنه نفى أن تكون اللـــغـــة واحدة من مقومات أو من أسس الأمة الواحدة و (القومية الواحدة) ـ وهذا ما لم يقله أحداً من قبله ـ مستشهداً لهذا باللغة الانكليزية التي يتكلمها الأمريكان والبريطانيون والاستراليون وغيرهم، ومع هذا فهم ـ كما يقول ـ لا يشكلون قومية واحدة..طبعاً لينفي بقوله هذا عن العرب أن يكونوا أمة واحدة وقومية عربية واحدة، كونهم هم أيضاً يتكلمون لغة واحدة .
وهو لم يفرق بقوله هذا أدنى تفريق، بين اللغة الانكليزية التي انتشرت نتيجة لانتشار نفوذ بريطانيا السياسي والعسكري والاستعماري، وبمساعدة صلات عنصرية تربط المنتمين (للعنصر الأنجلو سكسون) في البلدان المذكورة ببعضهم، وبين اللغة العربية التي تربط العرب ببعضهم على مدى آلاف مؤلفة من السنين، باعتبارها لغتهم القومية التي قام عليها وجودهم وتاريخهم ودينهم وحضاراتهم وأغلب المشتركات التي تجمعهم!!
وفي مغالطة ثانية اعتبر الكاتب (اللهجات العربية) لمختلف الأقطار العربية، دليل آخر على التعدد القومي عند العرب..لأنه اعتبر كل لهجة من لهجات لغتهم العربية، تشكل لغة خاصة قائمة بذاتها لشعب من (شعوب الشرق الأوسط!!).. وعلى هذا فهم ـ أي العرب ـ بالتالي لا يشكلون أمة واحدة ولا قومية واحدة!!
وبغض النظر عن مدى علمية وواقعية هذه الآراء، فالواجب يحتم على كل باحث عن الحقيقة ـ إذا كان كاتب المقال منهم ـ أن يكون كلامه في مثل المواضيع الدقيقة كلاماً علميا، وليس انطباعات شخصية أو رؤى ذاتية أو تشنجات إيديولوجية!!
فمن المعروف ـ وقد يكون كاتب المقال يجهل هذا ـ أن اللغات البشرية كائن حي، يتطور ويتغير عمودياً وأفقياً بمرور الأزمان والحقب والأجيال:
فاللغات تتغير عمودياً: من خلال تجديد وتغير مباني ومعاني ومفردات ودلالات اللغة ذاتها من جيل إلى جيل آخر..وما يشهد لهذه الحقيقة العلمية أن انكليزية شكسبير مثلاً: التي كتب بها أدبه العظيم تصعب على الأجيال الحالية من البريطانيين فهمها، ومثلهم كثير من الشعوب الأخرى التي تصعب عليها قراءة تراثها المكتوب بلغتها الأم، لأن الألفاظ والمباني والمعاني اللغوية للغات هذه الشعوب، قد تغير نطقها ودلالاتها ورموزها بمرور الحقب التاريخية والأجيال المتعاقبة!!
واللغات تتطور وتتغير أفقياً أيضاً: من خلال انتشارها على مساحات أرضية وبشرية واسعة..فهي في هذه الحالة تأخذ صيغ محلية بحتة، وتتحول بمرور الأجيال والأيام إلى (لهجات خاصة) في كل منطقة من مناطق انتشارها المختلفة، وتختلف بها كل منطقة عن الأخرى..لكن هذا لا يعني أن هذه اللهجات قد أصبحت لغات مستقلة قائمة بذاتها، كما زعم كاتب المقال!!
ومعروف أيضاً، حتى لأولئك اللذين لا يفقهون شيئاً في موضوعة اللغات، أن ليس هناك لغة في العالم لا تتكون من لهجات عديدة في البلدان المختلفة، وحتى في البلد الواحد والمدينة الواحدة .
ففي العراق مثلاً: يجد أبن العمارة صعوبة شديدة في فهم لهجة أبن الموصل والعكس صحيح أيضاً، وكذلك الحال بين أغلب مدن ومحافظات العراق المختلفة..وفي بعض الأحيان تختلف اللهجات عن بعضها حتى في المدينة الواحدة، وبين محلة وأخرى في المدينة نفسها..وكذلك الحال في أي بلد آخر!!
فاللغة شجرة فروعها لهجاتها المختلفة..وألفاظها ومفرداتها ومعانيها ودلالاتها هي أوراقها الخضراء، والتي تتساقط دائماً وتتجدد باستمرار.. ومعروف أن لغتنا العربية الفصحى كانت عبارة عن لهجة من لهجات الجزيرة العربية المتعددة، وهي لهجة قريش.. لكنها، ولظروف موضوعية أصبحت هي اللهجة السائدة في عموم الجزيرة العربية، وهي اللغة العربية الفصحى لجميع سكانها، بينما تحولت اللغات أو اللهجات الأخرى إلى لهجات تابعة لها قبل الإسلام بفترة وجيزة!!
وفي موضوعة اللغات علينا أن نضع في الاعتبار المنطق العلمي الذي يقول بالحقائق التالية:
أ‌- إن اللغة العربية: وكذلك جميع لغات العالم، لم تأتي إلى الوجود دفعة واحدة، وتكلمتها الناس بصورة فورية..إنما هي قد نشأت بنشوء الإنسان ذاته، ونحتت حروفها حرفاً حرفاً وألفاظها لفظة لفظة وجملها جملة جملة، ووضعت قواعدها وبنيت معانيها ورموزها ومبانيها ودلالاتها بمرور أزمان وأجيال وحقب تاريخية موغلة في القدم، ومن الصعب تحديد بداياتها الفعلية.. واللغة ـ أية لغة وكقانون عام ـ تبقى في حالة تطور وتغير وتجدد دائم ومستمر، منذ بداياتها وإلى اليوم الذي يفنى فيه الشعب الذي يتكلمها..أو وصولها مرحلة الشيخوخة واندماجها (وشعبها أيضاً) بغيرها وتحولها إلى جزءٍ من كل أكبر، كما حدث للهجات أو لغات أقوام الجزيرة العربية المختلفة مثلاً، والتي اندمجت باللغة العربية وأصبحت جزءاً منها!!
ب‌- واللغة: ليست أداة للتفاهم والتخاطب فقط، إنما هي أداة للتفكير أيضاً ((فلا تفكير بدون لغة ولا لغة بدون تفكير))..ولهذا فأن اللغة وحدها تعتبر واحدة من أعظم ما اخترعته البشرية على مدى تاريخها الطويل، كما أن اللغة تعتبر دليلاً على عقلية ـ وطريقة تفكير ـ وعبقرية الإنسان والشعب الذي اخترعها!!
ت‌- واللغة العربية: بشهادة أغلب علماء اللغة، هي واحدة من أوسع لغات العالم وأكثرها إيغالاً في القدم (1) وكانت لها ـ كما هي الحال الآن ـ لهجات عديدة قبل الإسلام وبعده، حتى أن بعض تلك اللهجات القديمة ذات علاقة واضحة ببعض اللهجات المحلية لبعض الأقطار العربية، وبعضها تحدد الجهة الجغرافية التي انحدرت منها هذه اللهجة أو تلك في جزيرة العرب أصلاً، كلهجتي مصر واليمن مثلاً.. واشتراكهم في نطق حرف الــ ج .
ث‌- ولقد انحدرت لغتنا العربية من "اللغة العربية الأم" (كما يسميها بعض المستشرقين)..فالخبير الأنثروبولوجي (هنري فيلد) مثلاً يقول عنها: (ان (اللغة البدوية الحالية) هي (اللغة الأصلية الأم) لكل اللغات التي تسمى بــ [اللغات السامية] قبل أن تنفصل عن الجزيرة العربية وتستوطن مواطن غيرها، وتتفرع إلى فروع ولهجات كثيرة)
ويؤكد جازماً أن لهجة بدو الجزيرة العربية الحاليين، (هي اللغة العربية الأم) لكل اللغات السامية التي تفرعت في الأصل عنها، ثم استقلت بنفسها فيما بعد خارج الجزيرة العربية بعد هجرتها إليها!!
وما يقوله الخبير الأنثروبولوجي (هنري فيلد) يعني بوضوح: أن الأقوام التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى جوارها، هم نفس البدو الحاليين..لكنهم بعد إن انتقلوا من جزيرتهم الموحشة تلك إلى بيئة جديدة، غنية بالمياه والزروع والتضاريس الجغرافية والأجواء المختلفة، وفي بيئتهم الجديدة هذه تكلموا بلغتهم البدوية نفسها ومارسوا عباداتهم وعاداتهم وطقوسهم البدوية نفسها في البداية، لكنهم وبمرور الحقب والأجيال قد اكتسبوا من بيئتهم الجديدة هذه بعض الصفات الجديدة، فتطوروا تحضروا وتهذبوا وكذلك لغتهم البدوية التي جاؤوا بها من الجزيرة العربية، أخذت تتطور متأثرة بهذه البيئة الجديدة .
بينما بقيت (اللغة البدوية الأم) تتطور بنفس بيئتها الأصلية، فحدث نوع من الافتراق والاختلاف وانشقاق اللغة الواحدة إلى لغتين مختلفتين أو أكثر..لكن علاقة الأمومة والبنوة بين اللغة العربية الأم، واللهجة أو اللغة التي تفرعت عنها بقيت قائمة في الجذور والأصول والفروع.. وهذه الحقائق التاريخية اللغوية والاثنية التي كشفتها الحفريات الآثارية شوهت، وأعطيت كأنصاف حقائق لتبنى على معطياتها شرعية وعمقاً تاريخياً وحضارياً لكيانات سايكس/بيكو الإقليمية المصطنعة..والدليل:

ج‌- أن جميع "اللغات السامية" تشترك مع العربية في كثير من الأفعال والأسماء الثنائية والثلاثية والتصريف والاشتقاق والجمع والمباني، وكذلك في أسماء أساسيات الوجود كالأرض والسماء والنجوم والكواكب والبحار والحيوانات والزروع....إلخ ومفردات وألفاظ كثيرة لا تعد ولا تحصى..وكذلك ((تشترك العربية مع أخواتها السامية في الأسماء الثنائية أقدم أسمائها ، وفي العربية أمثلة كثيرة منها احتفظت بها ، وقد أخذت ـ كأخواتها ـ تشتق منه الثلاثي وغيره أو تولدهما ، ومن أقدم ما اتبعته في ذلك تضعيف الحرف الثاني أو زيادة واو أو ياء في أوله أو زيادة حرف لين في وسطه أو نهايته . وقد تكرر المادة الثنائية مثل حصحص وصرصر وسلسل . ولعلماء الساميات أبحاث في الكلمات التي تشترك العربية مع غيرها من اللغات السامية والتي يمكن أن تعد من أقدم عناصرها))(2)
والأسماء المشتركة بين اللغة العربية واللغات السامية: كالأكادية والآشورية والبابلية والكنعانية(الفينيقية) والكلدانية والآرامية، وحتى الأثيوبية: [[وهم ـ أي علماء الساميات ـ يردون بعضها إلى أسماء الإنسان وأحواله مثل: (ذكر وأنثى وأب وأم وأبن وبنت وأخ وبعل وبكر وأمة وضرة ، ومن الأفعال القديمة المتعلقة بهذه الأسماء: ولد وملك) ..
ومن هذه الأسماء المشتركة أسماء الحيوانات مثل: (نمر وذئب وكلب وخنزير وإبل وثور وحمار ونسر وعقرب وذباب ومنها فعل نبح) ..
ومن أسماء النبات: (عنب وثوم وقثاء وكمون وزرع وسنبلة) ..
ومن أعضاء البدن: (رأس وعين وأذن وأنف وفم ولسان وسن وشعر ويد وظفر وركبة وكتف وذنب وقرن وعظم وكرش وكبد وكلية ونفس ودم ، ومعها سمع وطعم .. وصفات مثل: شيب ويمين وموت وقبر) ..
ومن أجزاء العالم: (سماء وشمس وكوكب وأرض وحقل وماء ومنبع وبئر، ومما يتبعها ظل ويوم وليلة وبرق ولهب) ثم بعض أسماء البيت وأقسامه وما يتبعه مثل: (بيت وعمود وعرش وقوس وحظ (أصل معناه السهم) وحبل وإناء ومما يتبعها من الأفعال رمى) .
ومن المأكولات والمشروبات: (قمح ودبس وسكر ويتبعها طحن وطبخ وقلي) ..
وإلى جانب ذلك عدد كبير من الأفعال والأسماء مثل:
(كان ونشأ وعلا وقدم وقرب وبكى وصرخ وأخذ وذكر وسأل وبشر ورحم وبلّ ونقل ونقب وصغر ورعى وسقى وركب ونظر وفقد وسلم وذبح وبارك ووقر ، ومثل أسم وكل) (وأسماء العدد إلى العشرة والمائة]]* كتاب (3)

وكذلك تشترك العربية مع أخواتها (الساميات) بالكثيرة من الخصائص المشتركة: كأسماء الضمائر والصلة والإشارة وبدل الاسم الموصول "ذو" وحروف العطف والجر وأدوات الاستفهام والعدد في الجنس وفي تأنيث الفعل مع جمع التكسير للمذكر.. وكذلك تشترك معها في كثير من الأسماء والألفاظ !!
وإذا أردنا أن نستمر في ذكر جميع الأسماء والألفاظ والصفات المشتركة بين اللغة العربية وما يسمى بـ (اللغات السامية أو العربية القديمة ) كما يسميها بعض المستشرقين، فلن تكفينا مجلدات ومجلدات!!

والسؤال الذي لابد أن يفرض نفسه علينا هنا فرضاَ هو: هل أن هذه (اللغات المختلفة) لسكان الوطن العربي قبل العربية، والتي تشترك مع اللغة العربية في أغلب صفاتها وأسمائها ومفرداتها ومبانيها ومعانيها (كالتي ذكرناها في أعلاه)..فهل هذه اللغات هي لغات غريبة عن العربية؟؟.. وهل أن أهلها الذين تكلمونها، والذين استوطنوا العراق وبلاد الشام وأجزاء من مصر وأجزاء من المغرب العربي قبل آلاف مؤلفة من السنين..هل هم أغراب عن العرب والعربية؟؟
فهئولاء هم سكان الوطن العربي قبل الإسلام بآلاف السنين ..وكما هو واضح فأنهم يشتركون مع العرب في اللغة والعبادة والأساطير والقيم والتقاليد الاجتماعية والرموز و (الوطن الأم البعيد/الجزيرة العربية) والأصل الإنساني ـ أي ـ الإثنية الواحدة أو الإثنية المشتركة!!
بالإضافة إلى كل هذا، فهناك حقيقة مهمة في هذا المجال جديرة بالملاحظة الدقيقة..وهي:
أن الإسلام حينما حل في ربوع الشرق الآسيوي والأفريقي وامتد من الصين إلى الأندلس، كانت جميع البلدان الشرقية والأقاليم التي خضعت لسلطة الإسلام بما فيها الأندلس قد تعربت، وأخذت تتكلم العربية في معاملاتها وحياتها اليومية، حتى أن العالم والمؤرخ والفيلسوف الفرنسي الشهير "غوستاف لوبون" قد قال في كتابه "حضارة العرب " ( "La Civilisation des Arabes"الطبعة الفرنسية) : ((إن اللغة العربية أصبحت اللغة العالمية في جميع الأقطار التي دخلها العرب حيث خلفت تماما اللهجات التي كانت مستعملة في تلك البلاد كالسريانية، واليونانية، والقبطية ، والبربرية وكذلك في فارس مدة طويلة. ورغم انبعاث الفارسية بقيت العربية لغة جميع المثقفين. وقد أكد (غوستاف) بأن الفرس يدرسون اليوم ( أي أواخر القرن التاسع عشر) العلوم والدينيات والتاريخ في مصنفات عربية))..فيما أكّد المؤرخ "دوزي" في كتابه "تاريخ مسلمي إسبانيا" (ج 1 ص317)، ((أن أهل الذوق من الأسبان بهرتهم نصاعة الأدب العربي واحتقروا البلاغة اللاتينية، وصاروا يكتبون بلغة العرب الفاتحين)) .
أما (ماريو بِل) مؤلف كتاب ( قصة اللغات:The Story of Language) فقال ((بأن العربية هي اللغة العالمية في حضارات العصور الوسطى ، وكانت رافداً عظيماً للإنكليزية في نهضتها وكثيرٍ من الأوربيّات ، وقد أورد قاموس Littre قوائمَ بما اقتبسته هذه اللغات من مفرداتٍ عربيةٍ ، وكانت أولها الإسبانية ثم الفرنسية والإيطالية واليونانية والمجرية وكذلك الأرمنية والروسية وغيرها ، ومجموعها 27 لغة ، وتقدر المفردات بالآلاف.))(4)
والجدير بالملاحظة الدقيقة هو: أن اللغة العربية بعد عدة قرون، قد هُجِرت في جميع تلك البلدان التي تعربت واتخذتها كلغة وطنية تدير بها جميع شؤون حياتها اليومية..لكن على العكس منها، فإن اللغة العربية ترسخت وتأبدت في البلدان الناطقة: (بالآرامية والسريانية والقبطية والبربرية ......إلخ) وأصبحت لغة الشعب اليومية..لماذا؟؟
لأن العرب والعربية لغتهم، هي النسخة الأخيرة أو الوجه الآخر لهذه [اللغات السامية أو الجزيرية/ ولأصحابها الجزريين] وأن العرب (هم أنفسهم) وليسوا شعبا آخر غريباً عنهم أو غازياً لهم..فهم أبناؤهم القادمين إليهم من أرض الأجداد المشتركين (الجزيرة العربية)..وهم أسلاف التقوا بأحفادهم وشكلوا معاً أمة واحدة، هي الأمة العربية..وأنهم مع بعضهم كونوا (البنية التحتية) التي قام على أساسها المتين صرح القومية العربية!!
وهذا ما يجهله السيد (حسن خليل) فصاغ على أساس من جهله بالتاريخ وبهذه الحقائق الموضوعية (أساطيره جميعها.. وليس " أسطورة القومية العربية " وحدها!!)!!
*****
ح‌- إذا نظرنا إلى اللغة العربية خلال العصور الجاهلية، نرى أنها قد تكاملت تماماً بكل ألفاظها ومفرداتها ومعانيها ومبانيها ومترادفاتها واشتقاقاتها وصرفها ونحوها.....إلخ وخلال فترة قصيرة لا تُعدُ في عمر الزمن!!
وهذا ما دعا المستشرق الفرنسي الشهير (أرنست رينان) المتعصب ليس ضد العرب وحدهم، إنما ضد جميع أبناء (الجنس السامي) برمته في حديثه عن اللغة العربية في (الموسوعة المسيحية) حيث قال: ((فهذه اللغة المجهولة التاريخ تبدو لنا فجأة بكل كمالها ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها بدرجة من الكمال تدفعنا للقول بإيجاز: إنها منذ ذلك الوقت حتى العصر الحاضر لم تتعرض لأي تعديل ذي بال، فاللغة العربية لا طفولة لها، وليس لها شيخوخة أيضا، منذ ظهرت على الملأ، ومنذ انتصاراتها المعجزة، ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية، ولا فترات انتقالية، ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق)) (5)
وما دعا هذا المتعصب (أرنست رينان) ليس فقط جمال اللغة العربية وكمالها المعجز ورشاقتها ومرونتها المتناهية، إنما تضاف إليها أعداد لا تنتهي من الصفات الكثيرة الأخرى:
فاللغة العربية مثلاً: تعد واحدة من أوسع وأغنى لغات العالم الحية..ففي حين تبلغ جميع لغات العالم الحية كالأنكليزية والفرنسية والروسية والأسبانية وغيرها وحسب (قواميسها ومعاجمها المرجعية المعتمدة رسمياً لكل لغة) بضعة مئات الآلاف من الكلمات والألفاظ اللغوية، نجد أن اللغة العربية تبلغ:
12,305,412 (أثني عشر مليوناً وأكثر من ثلاثمائة ألف من الأبنية) وعدد الألفاظ العربية 6,699,400 (ستة ملاين وما يقارب السبعمائة ألف لفظة) بين مستعمل ومهمل(6).. ويصل (فاروق شوشة) بها إلى (40 مليون كلمة) إذا أضيفت لها اشتقاقتها الكثيرة!!
في حين نجد أن اللغة الانكليزية تبلغ (600000 كلمة= ستمائة ألف كلمة) والفرنسية (150000 كلمة= مائة وخمسون ألف كلمة) بينما تبلغ اللغة الروسية (130000 كلمة= مائة وثلاثون ألف كلمة فقط) .
وهذا يعني أن اللغة العربية تساوي 25 ضعف اللغة الانكليزية و84 ضعف اللغة الفرنسية و 97 ضعف اللغة الروسية!!

ومعروف بأن المجتمعات ـ خصوصاً في مراحلها البدائية الأولى ـ لا تخلق مفردات زائدة عن حاجتها الأساسية او غير موجودة في بيئتها الطبيعية..فأسم حيوان (الكغنر) مثلاً: غير موجود في لغتنا العربية، لأنه غير موجود في بيئتنا الطبيعية، ولهذا استعرنا أسمه من لغة أخرى موجود هذا الحيوان في بيئتها الطبيعية!!
وعلى هذا المقياس يمكن قياس جميع الكلمات والألفاظ الأجنبية الموجودة في لغتنا العربية ـ إن وجدت ـ وفي أية لغة إنسانية أخرى..وعلى نفس هذا المقياس يمكن قياس باقي الألفاظ الحديثة التي دخلت لغتنا العربية كالتلفزيون والسينما واللاب توب والراديو.......إلخ
وبنفس هذا المقياس أيضاً يمكن النظر إلى ألفاظ وكلمات اللغة العربية الموجودة بنسبة تزيد على %60 بالمائة في جميع اللغات الشرقية: كالفارسية والتركية والأوردية والأفغانية والطاجيكية والكازاخستانية والكردية....إلخ وموجودة أيضاً بأكثر من هذه النسبة في جميع اللغات واللهجات الأفريقية، كالهاوسا والسواحيلية وغيرها.. وموجودة كذلك بنسبة أقل في اللغة اللاتينية وجميع اللغات الأوربية الأخرى تقريباً . وفي هذا الشأن يقول الأستاذ (ميليه) بعد حديث طويل عن اللغة العربية ((ولم تبق لغة أوربية واحدة لم يصلها شيء من اللسان العربي المبين ، حتى اللغة اللاتينية الأم الكبرى ، فقد صارت وعاءً لنقل المفردات العربية إلى بناتها))(7)

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو: ما هي حاجة ذلك المجتمع البدوي الجاهلي ـ النصف متوحش كما يصفونه لنا ـ إلى هذا الملاين من الأبنية والألفاظ والكلمات؟؟.. وما هي الضرورة التي أجبرته على أن يجهد نفسه بخلق هذا الكم الخيالي من الكلمات والألفاظ والمباني اللغوية، التي تفوق بمسافات ضوئية حاجاته الفعلية ومتطلبات محيطه وبيئته الطبيعية ؟؟ .. في حين أن حياته البسيطة وبيئته الفقيرة لا تجعله يحتاج، إلا إلى بضع مئات من الألفاظ البسيطة وليس الآلاف ولا الملاين منها؟؟.. ثم ما حاجته أصلاً إلى أن يجهد نفسه ويصنع أبجدية للكتابة العربية ؟؟
ومعروف أن اللغة وألفاظها ومعانيها وأبنيتها ودلالاتها، تخلقها حاجات موضوعية للمجتمع، وبيئة غنية بأشكال متنوعة من التضاريس الأرضية والزروع النباتية والمخلوقات الطبيعية، ودرجة عالية من الرقي والتقدم والتطور الحضاري، الذي يحرك الخيال على أبتداع تعابير ومعاني وألفاظ تجريدية، تعبر عن أشياء غير موجودة في الطبيعة أصلاً!!
إلا إذا كان هذا المجتمع مجتمعاً متطوراً ومتحضراً، وله حضارة متطورة موغلة في القدم، وحاجاتها الموضوعية هي التي فرضت عليه صنع كل هذه الملاين من الألفاظ والمباني والثروة اللغوية العربية والأبجدية العربية..وليس هو بهذه الصورة البدوية البسيطة السيئة التي يصفونه بها دائماً!!
فأما أن يكون ذلك المجتمع متحضراً ومتطوراً بذاته، حتى ينتج كل هذه الثروة اللغوية..وأما أن يكون هو الوريث الوحيد لحضارات متطورة قامت على أرضه، فورث هو منها كل هذه الثروة اللغوية المليونية..وفي هذه الحالة لابد أن تكون هذه الحضارات ليست غريبة عنه جنساً ولا لغة ولا قيماً ولا جغرافيا..ومهما كان اسمها وأسماء أصحابها: سواء أسميناهم عرباً أو ساميين أو جزريين.. فجميع هذه الأسماء تعني الشيء نفسه!!
وقد أشار المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون) إشارة بسيطة لهذا المعنى الأخير الذي قصدناه..بقوله: ((استطاعت العربية أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر سواءً كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها .))(8)
وهذا ما جهله كاتب مقال " أسطورة القومية العربية " .. والجهل بحقائق الأشياء هو الذي يولد دائماً خرافات كثيرة حولها!!
[ يــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــع ]
[email protected]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النص كاملاً بين المزدوجين النصف مربعين..وقد قمت بتقطيع النص ووضعت ـ زيادة في التوضيح ـ كل نوع من الأسماء داخل قوسين منفصلين.. فأرجو ملاحظة ذلك .
(1) الدكتور شوقي ضيف: كتابه: العصر الجاهلي "
(2) د. شوقي ضيف: العصر الجاهلي " عن برجشتراسر .
(3) د. شوقي ضيف: " العصر الجاهلي " عن برجشتراسر .
(4) إبراهيم بدوي الجيلاني: "فن الترجمة وعلوم العربية" .. ففي الأسبانية تشكل العربية 25% بالمائة من مفردات اللغة الأسبانية و (3000 كلمة) في البرتغالية، وفي الأنكليزية (1000 مصطلح) ألف مصطلح في الطب والكيمياء والفلك فقط (تيلور).. وفي الفرنسية (700 كلمة) [المستشرقان: انجلمان ودوزي] .
(5)الموسوعة المسيحية .
(6) المزهر: نقلاً عن "مختصر كتاب العين" للفراهيدي .
(7) أنور الجندي: "الفصحى لغة القرآن" ..
(8) أنور الجندي: "الفصحى لغة القرآن" .



#خلف_الناصر (هاشتاغ)       Khalaf_Anasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (4) - ...
- الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (3) ا ...
- الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (2) م ...
- الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (1) م ...
- ((معركة هرمجدون)).. معركة وقعت في الماضي أم ستقع في المستقبل ...
- المرأة مقياس لتقدم وتخلف المجتمعات الإنسانية!!
- دونالد ترامب .. و - الحلم الأمريكي - (2-2)
- دونالد ترامب .. و - الحلم الأمريكي - (1-2)
- ثورات شعبية مؤجلة..وانقلابات عسكرية مستعجلة ؟؟
- مقاربة وطنية .. لإشكالات طائفية(عراقية) (6) والأخير
- مقاربة وطنية .. لإشكالات طائفية(عراقية) (5)
- مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (4)
- مقاربة وطنية.. لإشكالات طائفية(عراقية) (3)
- مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (2)
- مدافن لوزان.. وأوهام أردوغان!!
- مقاربة وطنية..لإشكالات طائفية (عراقية) (1)
- أنور السادات وصدام حسين.. والفتح الأمريكي المبين!! (2-2)
- أنور السادات وصدام حسين.. والفتح الأمريكي المبين!! (1-2)
- ((لجمع الحجارة وقت..ولرمي الحجارة وقت))(1) (أميركا تغزو العا ...
- ((لجمع الحجارة وقت..ولرمي الحجارة وقت))(1) (أميركا تغزو العا ...


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - خلف الناصر - الذين يجهلون التاريخ.. يسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! (5) اللغة: حقائق التاريخ وعبقرية الأمم وهوية الشعوب!!