أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: العين














المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: العين


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5364 - 2016 / 12 / 7 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


" فيودور "، ذكّرني بابنتي؛ ببراءته ووسامته وشعره الطويل، الناعم والعسليّ. بدَورها، فإنّ " سفيتا " أسبغت على الذاكرة صفحات من قراءاتي لأعمال دستويفسكي، حينَ أخبرتني بأنها وَسَمت ابنها بالاسم الأول للكاتب.
" إننا معشر الروس، وأقصد أولئك المشغولين بمصير بلادنا، نلتهم اليومَ رواياتِ دستويفسكي إلتهاماً، كونها ما تفتأ محتفظة بجدّة أفكارها ورؤاها "، قالتها ثم راحت توضّح بحماسة ما تعنيه: " في مرآة كل صفحة من صفحاتها، نجدُ أنفسنا عراة تماماً. ولكن دستويفسكي، في المقابل، لا يقترح ما يناسبنا من ملابس تاركاً لنا حرية التأمل وإشغال الفكر. هذا هوَ يتنبأ بدحر من عملوا على خنق الحرية خلال حكمهم المستبد، الممتد لسبعة عقود. سأقرأ لك ما كتبه في هذا الشأن، وذلك في روايته ‘ الأخوة كارامازوف ‘.. هل سبقَ وقرأت هذه الرواية..؟ لا..؟ حسناً، لديّ طبعة منها، تعتبر أنتيكية، وقد أنتقلت إلينا بالوراثة من جدّي لأبي.. ". وتناهضت إلى خزانة كتب عتيقة، مستندة وجهاز التلفاز إلى الجدار نفسه، المقابل لمجلسنا القائم على أريكةٍ لا تقلّ قِدَماً. تناولت أحد مجلدات الرواية، ثم فتحته على صفحة معينة لتبدأ بقراءة جملة مشدّدٍ تحتها بقلم رصاص: " تذكروا هذا؛ إن الشعب سيقوم أخيراً على الملحدين وسيغلبهم. ولسوف تسترد روسيا العظيمة وحدتها الروحية في الأرثوذكسية ".
أستولى عليّ شعورُ العجب تلقاء هذا الإلهام المباغت، الذي دهمَ الفتاة، فقلتُ لها: " قرأتُ عدة أعمال لدستويفسكي، ولكنني تأثّرتُ كثيراً بروايته ‘ الجريمة والعقاب ‘ لدرجة تمنيتُ فيها لو أنني من كتبها..! ". حدّقت فيّ بانتباه، دون أن تشاركني بالمرح، ثم سألتني وكأنها شاردة اللب: " أتمنيتَ ذلك، حقاً؟ أيّ شيء أثّر فيك بشكل خاص؛ الجريمة مثلاً؟ "
" أعتقدُ أنّ الجريمة، هيَ محور حبكة كلّ من روايات دستويفسكي.. "
" من يقول ذلك، يجب أن يكون ناقداً. فهل هوَ رأيك الشخصيّ أم نقلاً عن مصدرٍ أدبيّ؟ "
" لا أدري تماماً.. ربما كنتُ قد قرأتُ ذلك في مكانٍ ما "
" يتهيأ لي، أنه خلف ملامحك الواجفة والخجولة تربضُ مخيلة شخصٍ مبدع... "
" هه! أتظنين ذلك، حقاً؟ "، قلتها ضاحكاً دونما إنتباه إلى أنني أعيد صيغة سؤالها الأول. كانت ما فتئت شاردة النظر، كمن يُخاطب طيفاً وليسَ شخصاً يجلس بمقابلها. وحقّ لدهشتي التفاقمَ، حينَ أجابتني بلهجة جازمة،: " بلى، إنّ لديك عينين غائرتين لا قرار لهما، فضلاً عن هيئة حالمة. وقد أعلمتني قبلاً بأنك رسام، وها أنا ذي أكتشفُ فيك أديباً! ". أخبرتها عندئذٍ باختصار عن محاولاتي الشعرية، وأضفتُ بشيءٍ من التردد: " كنتُ آمل أن أتمكن من طباعة قصائدي هنا، في موسكو، إلا أنني علمتُ بوجود أزمة ورق في المطابع... "
" أزمة ورق، وبلادنا الشاسعة كلها غابات! "، قاطعتني بنبرة مرّة ساخرة. ثم أردفت قائلة: " إن أتباع النظام القديم كانوا قد أثاروا مخاوفَ الناس مذ بدأت سياسة الإصلاحات، بأن عمدوا إلى إفراغ المخازن من البضائع بما فيها الأغذية الضرورية. لقد فعلوا ذلك، وما زالوا، بغية العودة بالبلاد إلى حكم الحزب الواحد والإستبداد. قبلاً، لما كانوا بالسلطة، دأبت دعاياتهم الفجة والسمجة على تصوير الدول الغربية كمجتمعات جريمة وجوع وضياع.. ". فلما قالت ذلك، تذكرتُ مجادلاتي مع مخدومتي السابقة، " سوسن خانم "، ثمة في مقر إقامتها المُستخدم أيضاً كمكتب أعمال. فما تأخر فكري بأن سرحَ بعيداً، مستعيداً يوماً ربيعياً جميلاً قضيته معها في مصيف أوريكا على حدود جبال الأطلس، المشرفة على مراكش. إذاك، كانت " سوسن " مكتسية بملابس خفيفة وقد حجبت معظم ملامح وجهها بقبعة تقليدية من القش. كنا نسير حَذاء الوادي، المغمور بمياه الثلوج الذائبة، سعيدين بالشمس السخية والمناظر المونقة. قالت لي الخانم عند ذلك، مكملة حديثاً أدبياً كنا قد بدأناه للتو: " كم أنا بشوق لإعادة قراءة أعمال تورغينيف، المفعمة بعشق الطبيعة. أما صاحبك دستويفسكي، المظلم النفس، فإنه يسبب لي الكآبة! ". نطقت جملتها الأخيرة ضاحكة، فشاركتها مرحها قبل أن أعلّق بالقول: " بل إنك تجدين نفسك في روايات تورغينيف، كإحدى بطلاته المنتميات للطبقة الأرستقراطية. مثلما أنك تضيقين بدستويفسكي، كونه يعرّي ببراعة تفكيرَ ومسلك هذه الطبقة ".
قطعَ سبيلَ ذكرياتي قرعٌ عنيف على باب الشقة، مما جعلني أجفل. إذ أنّ داخلي امتلأ فوراً بفكرة خرقاء عن إحتمال كون الطارق أحد رجال المافيا؛ وهيَ فكرة، كانت مألوفة في الأجواء التي كنا نعيشها آنئذٍ في موسكو. ولكن، هذه هيَ " ناستيا " تفرخ روعي نوعاً بأن هتفت عابسةً: " لا بدّ أنه ميتيا.. إنها طريقته في الإعلان عن مجيئه إلينا! ". فلما أنتبهت شقيقتها إلى ما اعترى ملامحي من إضطراب، فإنها ما عتمت أن مضت إلى ناحية الردهة الخارجية بخطىً صامتة. ثمة، رأيتها تتطلّع في " العين السحرية "، قبل أن تبادر لفتح الباب.
" ميتيا، ألا يمكنك إستعمال الجرس مرة من المرات؟ "، خاطبت القادمَ بلهجة قاسية. لم يلبث المعنيّ أن ظهرَ عند مدخل الصالة، مترنحاً قليلاً. كان يبدو في منتصف الحلقة الثالثة من عمره، بقسمات يتخللها تجاعيد مبكرة ولحية نامية تسطع فيها شعيرات بيضاء كما حال شعره الأشعث، المائل إلى اللون البنيّ. إلا أنه أصغر من ذلك ببضعة أعوام، مثلما سأعلم لاحقاً. قدّمتني " سفيتا " لهذا الرجل السكّير، مُحرجة ولا غرو، ثم أردفت تعرفني به: " إنه ديمتري؛ أخي غير الشقيق، وهوَ يقيم أحياناً لدينا.. ". فعقّب على ذلك بالقول، مهتزاً بضحكة مكتومة: " بل يتعيّن أن أقيم هنا بشكل دائم، طالما أنها شقة أبي ". واستطرد ملتفتاً نحوي: " أما شقة عمتي، فإنّ نصاباً سورياً من مواطنيك، سبقَ أن جعلني أبيعها له بثمن بخس! "، قالها مخاطباً إياي وهوَ يقهقه بصوتٍ عال.

















#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: العين