السينما وسؤال التجريب

سيد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 5358 - 2016 / 12 / 1 - 22:00
المحور: الادب والفن
    

(1)
ربما كان رواد السينما التجريبية الأوائل أقرب إلى المستكشفين أو العلماء فقد كانت السينما ماتزال ماده خام بين أيديهم وجاءت تجاربهم كتأمل وبحث صرف فى السينما بالسينما
كانت دافعيه استكشاف طاقه هذا الوسيط الجديد وامكانياته هى التى قادتهم إلى تلك التجارب والتى حاولت أن تتجاوز وظيفه السينما كأداة استنساخ وتسجيل إلى أداه تعبير وابداع
وكانت هذه التجارب مثار جدل ونقاش واسع بين المهتمين بالسينما بل شارك فى هذا الجدل الواسع العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس من أمثال هوغو منستربرج ورودلف ارنهيم وبيلا بلاش وسيجفريد كراكور وجان ميترى وغيرهم قبل أن يدخل الساحه مفكرين أكثر معاصرة من أمثال جيل دولوز وكريستيان ميتز ويورى لوتمان ورولان بارت وغيرهم

ومن الملاحظ أن النقاد هم من أطلق تعبير السينما التجريبية على بعض الافلام التى سعت إلى إسقاط الألفة عن الماده المصوره باخراجها من الانساق السائدة ووضعها فى سياقات جمالية مختلفه ووضعت السينما وعالمها موضع التساؤل
واذا كانت السينما التجريبية فى النصف الأول من القرن الماضى قد قدمت نجومها المرموقين من أمثال سيرجى اينزشتين وفريتز لانج ومرناو وبيير توكورا وهانز ريختر وفايكنج ايججلينج ولوبتش وابيل جانس وبول فيجينير ولوى ديللوك وجيرمين دولاك ومارسيل ليربييه وجان ابشتين ومارسيل دوشامب ولويس بونويل وجان كوكتو وروبرت التمان وغيرهم ،،فإن السينما التجريبية فى النصف الثانى من القرن قدمت عددا من المخرجين العباقرة من أمثال اندى وارهول وفيرنير نيكيز وناتيل دورفسكى وجان باسكال وبدرو الموفار وبيتر جريناواى وفيليب جابرييل ومارى آلن وجوناس ميكاس وتاكا ايمورا ومايكل سنو وكوريتس هارنجتون وغيرهم ممن تملأ أسماؤهم عشرات الصفحات
ورغم أن السينما التجريبية أصبحت لها مهرجاناتها الخاصه ورغم هذا الزخم من الأفلام والتجارب السينينائيه فلا زالت تتقاطع معه جمله من القضايا الشائكة وحيث لايزال العديد من الأسئلة مشرعة فى وجه الفيلم التجريبى وخاصه بعد جنوحه الغير مسبوق وتورطه فى أكثر المناطق الانسانيه حساسية واختراق للمناطق المجهولة وحيث لايزال يشكل مصدرا للتصادم وخلخله البديهى وتدمير الثوابت
ولايزال مفهوم الفيلم التجريبى فضفاضا وملتبسا مع مصطلحات أخرى مثل الفيلم الطليعى والسينما المغايرة والسينما الضديه وغيرها من المصطلحات
والسؤال الذى يواجهنا دائما هو كيف يمكن توصيف أو تصنيف الفيلم التجريبى. ? وماهى المعايير التى يمكن أن تنسب إلى فيلم ما لنطلق عليه فيلما تجريبيا وماهى الخصائص المشتركه بين كل هذا الطيف الواسع والمتنوع من تيارات وتوجهات مايسمى بالسينما التجريبية لكى يجمعها هذا العنوان

( 2)
السؤال الذى يواجهنا دائما ماهى المعايير التى يمكن أن تنسب إلى فيلم ما لكى نعتبره فيلما تجريبيا. ? ماهو الفيلم التجريبى . كلنا نعرف ماهو ولكن لايوجد تعريف محدد له
بالطبع هناك اسئله أخرى مرتبطه بالسؤال الاساسى والذى يطرح نفسه على عده اصعده وعلى سبيل المثال هل كل ماهو شاذ وخارج عن المألوف وينتهك القوانين يعد تجريبيا .? وكيف يمكن التمييز بين تجريب حقيقى وادعاء التجريب الناتج من فقر الموهبة. ? هل يقفد الإبداع التجريبى صفته كتجريب بعد أن يتم تجاوزه بصيغة تجريبية أخرى مضادة. ? أم أنه شيء مستقل متفرد مغلق على ذاته وبوصفه كذلك لايقبل أى مقارنه مع إنتاج تجريبى آخر. ? وهل الفيلم التجريبى يعد نموذجا مفتوحا على الإبداع العام بمعنى أنه يمثل طليعة أو مقترحا لعملية تجديد فى السينما أم هو نموذج فريد وتجربة فردية ويظل كذلك .? وهل يؤسس التجريب على مفهوم نظرى يسبق الإبداع. ?
الواقع أننا فى حاجه إلى تأمل حارطه الفيلم التجريبى وتفكيكها وتحديد مفهومه وامتحان هذا المفهوم بمعطيات الافلام ذاتها
ربما يحتاج ذلك إلى جرأة تتجاوز جرأة الفيلم التجريبى نفسه بمعنى أننا نحتاج إلى نصوص نقدية موازية تبتعد عن أى قانون أو مناهج مسبقة
ليس الأمر هنا من قبيل الترف النظرى فواقع الفيلم التجريبى أصبح يواجهنا كرهان لخطاب سينيمائى مغاير
واذا كان إنتاج الأعمال السينمائية لايزال مفتوحا على اسئله متقاطعة فإن اسئله أكثر تعقيدا تنطلق من حيرة النقاد الذين رغم بعض اجتهاداتهم عاجزين عن تجسير الفجوة بين الفيلم التجريبى والمتلقى ولازالت السينما التجريبية تصدمنا بمفاجآتها التى تتجاوز قدرتنا على المتابعه والاستيعاب خاصه بعد التطور المذهل فى تقنيات صناعه الصوت والصوره وعلى الأخص فيما يتعلق بتكنولوجيا الفيديو-كومبيوتر وفنون الهولوجراف والوسائط المتداخلة والامكانيات الفائقة لعمليات إنتاج مؤثرات خاصه بصرية وسمعيه والتى ادخلت لأول مره فى التاريخ الانسانى مايسمى بالواقع الافتراضى أو المفبرك ،،هذه التقنيات التى فتحت أمام السينيمائى خيارات لاحدود لها يمكن أن تحقق أكثر خيالات الفنان جموحا
د. سيد سعيد
مخرج ومؤلف سينمائي

#سيد_سعيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات