أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد ايت خويا - مجتمع الفضيحة !!















المزيد.....

مجتمع الفضيحة !!


سعيد ايت خويا

الحوار المتمدن-العدد: 5357 - 2016 / 11 / 30 - 02:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ان المجتمعات شبيهة بأجساد البشر تمرض وتعتل هي الأخرى ، منها من يمر بمرحلة حمى خفيفة فيستطب له بأبسط الأدوية فيجد الشفاء إليه سبيلا ، ومنها من تنخره الأمراض نخرا ، والمعضلة هي تلك الأمراض العضال التي تصيب المجتمعات ، إذ لا ينفع معها غير الاستئصال علاجا ، ولعل ما يعرفه المجتمع المغربي اليوم في ما يخص تعاطيه مع ما يسميه الفضيحة ، لا يخرج على أن يكون مرضا عضال لا تصلح معه المهدئات أو أدوية الأكشاك ، إن ما يعينه أفراده من حالة غبن وإقصاء وغياب الوجهة وانسداد الأفق يجعل هؤلاء الأفراد شبقيين عنيفي السلوك، منحرفي الخلق، شددي الانفعال، إن حالهم مماثل لذاك الحيوان الذي تعرض لعمليات التهيج المستمر فأصبح على الدوام متوجسا غير متوقع سلوكه، وفي ثوران دائم ، ولعل من هذه الاعتلالات التي يشهدها المجتمع المغربي اليوم وأكثرها شيوعا هو استهواءه للفضيحة والبحث عنها ، والتلذذ بها وتفجير كل غضبه الجمعي على فاعلها، باعتباره خرق القواعد الأخلاقية، التي في كثير من الأحيان لا يعمل بها هذا الضمير الجمعي . إن ما يهمنا هنا هو الكشف عن ما يعكسه الانسياق وراء الفضائح والنبش في خصوصيات الآخرين عن حالة هذا المجتمع. لماذا تستهوي الفضيحة شريحة واسعة من المجتمع المغربي ؟ كيف ينظر للفضيحة من طرف الشعوب المضطهدة ؟ هل يستغل أفراد المجتمع المغربي المهووسون بالفضيحة الأخيرة لتفريغ المعاناة النفسية التي يعرفونها ؟
إن المجتمعات السوية والناضجة والمثقفة بحق شرائحها ، والتي تحصل لديها وعي بحقوق الإنسان وبالخصوصيات الفردية من منطلق أن لكل إنسان هامش من الحرية يعيش بها حياته الخاصة ويحرم بموجب القانون والأخلاق المدنية على أي كان الخوض في تلك الخصوصيات ، تجد تلك المجتمعات لا تهمها الحياة الشخصية لغيرها إذ تعيش في انسجام مع ذاتها تعلم أن لا احد له الحق في أن ينبش في خصوصيات الآخرين وان الأخيرة مقدسة قداسة الحياة ذاتها إذ يعلم هؤلاء أن الإنسانية مقدر لها أن تنزلق فقد تستبد بها حاجات ما في لحظات ضعف ما وهذا لا ينقص من الإنسان في شيء بل يؤكد على اختراق الجانب الغرائزي الوجداني والعاطفي للإنساني ، انه واقع المجتمعات التي كونت ذاكرة جماعية للجوانب الدفينة في الإنسان وفي مقابل هؤلاء نجد المجتمعات الممحوقة والمسحوقة والتي ليزال منطق القبيلة مستبدا بها ، تراقب ذاتها في العلن تمارس ثقافة اختلاس النظر والتعقب وتبحث لتتوارى عن الأنظار كي تستمع لجسدها لنداء الغريزي فيها متناقضة مع ذاتها . إن الأمر يزكيه هذا الهوس بالفضيحة إن نظرة الفرد في هذا المجتمع لذاته دونية نتيجة لكل ما يكابده في حياته بشكل يومي انه يبحث عن أخر ينتقص منه كي يشعر بنوع من التعالي عن أحد ما انه يقول عبر منلوغ داخلي هناك من هو أدنى مني هناك من هو اقل مني هناك من يعاني أكثر اني أفضل حالا من غيري انه عزاء الذات الهشة لذاتها . بينما الأصل أن الذات المتزنة والقوية تضفي على محيطها من الطاقة ما يضرب عرض الحائط كل محاولات الانتقاص من الأخر . إن التعنيف الرمزي والمادي الذي يتعرض له المجتمع المهووس أفراده بالفضيحة يجعل منها ذاتا انتقامية وهو الأمر الذي نجد مصطفى حجازي يقول به في كتابه التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور: إذ أمام القوة التي يفرضها السيد عليه ، او المتسلط او الحاكم المستبد، او رجل البوليس ،او المالك الذي يتحكم بقوته.. لا يجد المقهور من مكانة له في علاقة التسلط العنفي هذه سوى الرضوخ والتبعية ، سوى الوقوع في الدونية كقدر مفروض . ومن هنا شيوع تصرفات التزلف والاستلزام ...وبمقدار تتضخم ذات المتسلط تفقد ذات التابع المسود أهميتها واعتبارها حتى تكاد تتلاشى إنسانيتها كليا فتسعى لان تسقط الكل كي ترتفع كيف لا وقد تشبعت مجتمعيا منطق الإقصاء انه تنظر للأخر عملا بمبدأ أن الحاجة للجماعة أكبر مقدارا من الحاجة للفرد ، ووفقا لهكذا منطق فأنك ستجد الأطفال والشيوخ والأمهات والأسر وقد اجتمعت على مائدة الغداء تتعالى أصواتها ضحكا ونبشا في العيوب من موقف لشخصية عمومية ، أو لحادث أو واقعة تعرض لها شخص ما
إن الأمر لا يعدو أن يكون تعبيرا عن سعي للارتقاء بالانتقاص من الأخر
إن المجتمع المغربي بما يشهده من غبن تحولت الكثير من شرائحه إلى أفراد يتلذذون بمعاناة بعضهم البعض ، إن الفرد هنا اقرب إلى أن يكون ساديا أكثر منه سويا في سلوكات عدة
إن حالة الغبن و حالة الفوضى هذه التي يعيشها الإنسان المغربي راجعة زيادة على عوامل الهيمنة والتسلط والتهميش ، إلى غياب مشروع مجتمعي فكل المؤسسات التي وكل لها إعداد الأجيال الناشئة بدءا من الأسرة وانتهاء بالمؤسسات التعليمية فشلت في أداء المهمة المنوطة بها ، إن الفرد المغربي متروك تتقاذفه كل التيارات كل العوالم دون أن يجد قواعد أخلاقية أو تشريعات يستند إليها غير تلك التي يبتدعها تحث الضغوطات التي يعرفها وتحث التهميش والإقصاء إلى جانب التسلط والقمع الممارس عليه ، وقد لا نبالغ هنا إذا ما اعتبرنا واقعه لا يختلف عن باقي وقائع المجتمعات العربية والتي تشهد ما يمكن أن نسميه انسدادا تاريخيا
بلغة هاشم صالح أي فقدان الوجهة ورؤية واضحة للمستقبل أن المغربي يعيش حاضره لا باعتباره يوم عمل للغد بل باعتباره حاجزا أمام مستقبل أفضل ، وهو الأخير لن يأتي بل إن الاستعداد له لا تتم أصلا وكيف تكون وهذا المستقبل لا يتم استحضاره إلا بكونه عودة تراجعية إلى زمن الماضي
إن هذا الأمر قد لا يحصل مع الطبقات الهشة فقط بل قط يشيع عند الطبقات المثقفة كذلك ، إن المغربي منهار أمام ذاته للانتكاسات التي يعرفها وهو منهار أمام النموذج الغربي وهو التحليل الذي دهب إليه جورج طرابيشي في كتابه المرض بالغرب تحليل لعصاب جماعي حينما اعتبر أن المثقف العربي قبل الإنسان العادي ظل عاجزا عن الخروج من شرنقة ماضي الأسلاف باعتباره النموذج الوحيد الممكن ، انه يعيش في كنف الحضارة الغربية مستفيدا من مختلف ما أنتجت على المستوى التقني والتكنولوجي، في حين يضع حاجزا أمام المعارف والنظريات التي يتم التوصل إليها هكذا يجد الإنسان المغربي ، أو المغاربي ، أو العربي بشكل عام ، دائم التأرجح بين واقع يعيشه وبين واقع يريده أن يكون ، ليستمر عيشه في حلقة استشراف الماضي القادم لا المستقبل الممكن ، وكل هذا يحصل في ظل توالي العواصف عليه بدءا بالاستعمار مرورا بالحداثة ، والتي تجثثه من جذوره ، لي يجد نفسه غير قادر على موقعة نفسه في التاريخ انه يعرف شيء واحدا ، وهو أن هناك خلاصا وحيدا لهذه المعاناة اليومية و المستمرة منذ مئات السنين تتلخص في النكوص والعودة إلى زمن الأمجاد الغابرة
خلاصة القول إن مجتمع الفضيحة هو مجتمع يعبر عن معاناته الذاتية عن كل ما يكابده في معيشه اليومي ، فهو مضطهد من سياسات الدولة من تسلطها باعتبارها تمارس عليه مختلف أشكال العنف مما افقده إنسانيته إن الفرد يحاول التناسي عبر احتفائه بمعاناة غير ه وفضائحه، انه يعي ذاته وبشكل جماعي مشترك باعتبارها ذاتا أخفقت أمام مشاريع الإصلاح ومخفقة أمام ناجحات الشعوب الأخرى وعندما يريد أن يتمسك بثوابت تنجيه مما يعيشه كفرد وجامعات من معاناة داخلية وخارجية لا يجد أمامه غير نموذج الماضي المعد سلفا والذي وإن افترضنا جدلا حضوره كضرورة ، فأن تطبيقه أو حتى محاكاته مستحيلة القيام فلكل عصر شروطه ووقائعه الخاصة ولكل جماعة ما معيشها المتفرد لا يمكن لتاريخ بالبث والمطلق أن يكرره حرفيا .



#سعيد_ايت_خويا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعيد ايت خويا - مجتمع الفضيحة !!