|
الرائد القصصي يوسف متي
عكاب سالم الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 5356 - 2016 / 11 / 29 - 22:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع اطلالة كل صباح ، تمسك (الخالة عواشة) بعدة التسوق ، وأبرزها (علاكة) متواضعة .. ومبلغ من النقود . تقصد خالتنا السوق للشراء . ولم تدر ان هناك شخصية غير منظورة ، تلاحقها في رحلتها الصباحية اليومية . ليس هذا فقط ، بل أن تلك (الشخصية) صحفية ، تسمع همسات (الخالة عواشة) ، بل .. وتسمع دقات قلبها عندما تتصاعد كلما لمست ان هناك الاتفاعاً في اسعار المواد وتنقل كل ذلك الى قراء (الجرايد) .. وهنا المصيبة !! . كانت تلك الشخصية فعلية .. من لحم .. ودم .. . العمود اليومي ففي عام 1970 ، لاحظ قراء جريدة (الثورة) ان هناك عموداً يومياً في صفحتها الاخيرة .. يحمل توقيع (ابو زيدون) ، يتحدث اليهم كل صباح .. وباهتمام واصرار يتابع الصحفي الحركة اليومية للاسعار ، وخاصة المواد الغذائية المعروضة في السوق ، وبالذات اسعار الخضروات .. ويضع الرواية على لسان ربة بيت هي (الخالة عواشة) .. وهي شخصية مفترضة . ولم يكن (أبو زيدون) ، سوى الصحفي العراقي الراحل والشخصية الوطنية البارزة .. المرحوم : يوسف متي . شخصيات بارزة لقد حل (ابو زيدون) ، في جريدة الثورة في مطلع السبعينات ، شأنه بذلك شأن كوكبة من الاقلام الملتزمة والشخصيات البارزة في عطائها . بعد ان فتحت الجريدة جناحيها لتمنح الدفء والامان والاستقرار لمن حاصره جليد الملاحقة والتشريد لقد وجدوا في (الثورة) الجريدة ، الخيمة الوارفة الظلال . وهكذا كان (يوسف متي) عنصراً بارزاً في العائلة الصحفية عامة ، وفي اسرة جريدة الثورة خاصة . وقد أنتزع (ابو زيدون) هذا الموقع الطليعي بأخلاقه وتواضعه الجم . وجديته في العمل .. مستنداً الى ماضي طليعي أيضاً في النضال الوطني . في الموصل ، كان ميلاده ولد المرحوم (يوسف متي) في مدينة الموصل عام 1914 . ومع والده واخيه الوحيد ، وحل في بغداد ، حيث دخل مدارسها ، من الابتدائية وحتى كلية الحقوق . وقد تزوج ورزق بأبنه الاكبر (زيدون) الذي توفي وعمره سنتان . وقد رزق ، لاحقاً ، بأبن أسماه (خلدون) وبأبنتين . ويبدو ان تعلق العائلة بالابن المتوفي ، جعلها ، وجعل محبيها ، يستمرون في تسمية يوسف متي ، بكنيته أبو زيدون . وعندما تخرج من كلية الحقوق ، مارس المحاماة والترجمة ، وعمل في الصحافة / المعارضة خاصة . وكان المرحوم (يوسف متي) منذ الثلاثينات ، من الرعيل الوطني البارز . لذلك ضمته السجون والمعتقلات في عهود مختلفة . وترى العائلة والقريبون منها ، أنه اعطى من الوقت والجهد والعناء لالتزاماته الوطنية والفكرية ، ، أكثر بكثير مما أعطى لعائلته . فقد افتقدت العائلة الحنان الابوي والرعاية الابوية المباشرة ، عندما يعتقل عميدها او يختفي بعيداً عن أعين الملاحقة . ولكنها تقبلت ذلك ولم تجعل منه عبئاً يؤثر على معنوياته . لقاؤنا الاول وقبل نهاية الستينات ، تعرفت على الصحفي والشخصية الوطنية البارزة (يوسف متي) . كان التعارف واللقاء المباشر ، تحت خيمة جريدة (الثورة) البغدادية . والتي فتحت جناحيها لتمنح الدفء لمن أوجع قدميه صقيع الملاحقة والتشريد والاضطهاد ، هناك تحت هذه الخيمة الوارفة الظلال ، وتحت غصن اخضر من العشق للصحافة الملتزمة ، كان لقائي الاول المباشر مع (ابو زيدون) . والذين عملوا معه ، وتماسوا معه عن قرب ، وجدوا لديه نفساً مرحة ، وشخصية محملة بالبساطة والتواضع ، وجدية في العمل والتزاما بالكلمة الصحفية الصادقة والامينة ، لذلك خصصت له (هيئة تحرير جريدة الثورة) عموداً يومياً في صفحتها الاخيرة . وكان يكتبه بتوقيع (ابو زيدون) . وقد ركز كتاباته على الامور اليومية للمواطنين ، وكما ذكرنا قبل قليل ، كانت (الخالة عَوّاشة) شخصيته الشعبية المفضلة والشائعة . رائد قصصي ومع ان الذين تماسوا مع المرحوم (يوسف متي) قد وجدوا لديه قلم سلس الكتابة .. عنيف المعالجات ، الا ان قليلين يعرفون عنه انه من رواد القصة العراقية . وفي حوارات معه ، عرفنا منه ان شيخ القصصين العراقيين الرواد ، اسمه محمود احمد السيد !! . حدثنا (ابو زيدون) ، وكنا نحضر سوية (المربد الثاني) في البصرة ، عن هذا الرائد القصصي ، ومنه ايضاً عرفنا لمحات من اسهاماته الصحفية . وبعد حياة مشتركة تحت خيمة (الثورة) ، اقتربت منه نفسياً ، افترقنا ، حيث انتقل الى جوار ربه في 17/2/1979 وشيعته الاسرة الصحفية ، وبالذات اسرة جريدة الثورة ، بما يليق بأحدأعمدتها البارزين . وبوفاته خسرته عائلته مجدداً ، بعد سنوات قليلة من الاستقرار ، لمست فيها الدفء والرعاية . مختارات ومقدمة وقام الاستاذ سليم السامرائي – مشكوراً – بجمع مختارات من قصصه ، حيث نشرت عام 1979 ، تحت عنوان : يوسف متي .. مختارات ومقدمة . وفي هذه المجموعة القصصية التي قرأتها ، سافرت فوق بساط سحري نحو تلك الايام التي جمعتني مع القاص (يوسف متي) . ومن بين سطور هذه المجموعة ، كان الدفق الانساني والتلقائية المصحوبة بنفس موضوعي .. مترع بالصدق . لقد عايشتُ أبطال هذه المجموعة القصصية ، وتعرفتُ عليهم عن قرب . فخلال (16) قصة قصيرة ، اتاح لنا القاص (يوسف) معايشة نماذج بشرية تعيش قرب قاعدة الهرم الاجتماعي ، محاولة الصعود في خطوط متعرجة !! . وقد وفق القاص في حياكة نسيج اجتماعي ، خيوطه الشفافية والانحياز للقيم الخيرة . ماذا قال الدكتور عبد الاله أحمد ؟ وفي كتابه الموسوم : نشأة القصة في العراق ، بين (1908 – 1938) يدرج الدكتور (عبد الاله احمد) قصتين للقاص يوسف متي . الاولى بعنوان (الحاصد) الصادرة في أيار عام 1932 . والثانية بعنوان : حطام .. وقد نشرت في مجلة (عطارد) الصادرة في آب عام 1934 . ان هذه المعلومات السريعة والمختصرة ، توضح ان الصحفي المعروف والمناضل الوطني الذي دخل السجن عام 1937 ، هو اديب ذو ارهاصات انسانية ، عبرت عن جانب منها ، قصصة القصيرة التي نشرت في اوقات متباعدة . رحم الله الكاتب والانسان .. يوسف متي .
#عكاب_سالم_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين دافع الاعافرة عن مدينتهم
-
عبد الحسين شعبان وطائرة اليسار.. هل تجنبت الخيبة لتهبط بمطار
...
المزيد.....
-
مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك
...
-
السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع
...
-
الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف
...
-
انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع
...
-
انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
-
محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
-
هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ
...
-
مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا
...
-
الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ
...
-
ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|