أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الوباء - من الأدب الغرائبي















المزيد.....

الوباء - من الأدب الغرائبي


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5352 - 2016 / 11 / 25 - 22:35
المحور: الادب والفن
    


الوباء
لم يكن رضانا رضاءً مقبولا عن محافظ المدينة التي تولانا كحاكم إداري ، نشتمه في سرنا ومجالسنا الخاصة ، ونتقيه في العلن، ذلك أننا ككل المدن في بلادنا ليس لنا رأي في من يحكمنا، وبالتالي فإنه لا رأي لنا فيما أصاب أو اخطأ، فالمسئول عن خطئه وصوابه هو من عينه في هذا المنصب، لذلك فإنه لا يعطي الأذن الصاغية لمطالبنا وشكوانا ووجهات نظرنا، فكل الموظفين الذين عينهم مولانا سيد السادة يدينون له بالولاء التام، ويعترفون له بفضله وكرمه، لذلك فإنهم لا يعيرون انتباها لرضانا أو سخطنا، ما دام مولانا راض عنهم، فهم في حل من علاقتهم معنا، إن أولئك الخدم المخلصون، يعرفون أن غضبه لا عقلاني ، فيحرصون على إلا يتخذون قرارا يمكن أن بسلمهم للمساءلة، والأفضل أن لا يستجيبوا لنا ويتركوننا نكابد همومنا الخاصة، مبتعدين عن هذه السياسة التي يسوسوننا بها.
شكونا من عدم النظافة, وتراكم المهملات في الشوارع والبيوت التي أصبحت بيئة منتجة للهسهس والذباب والبعوض، وكثير من هذه الأنواع التي تزعج أكثر مما تنقل الأمراض، أو في الحقيقة، اعتدنا الأمراض الموسمية التي نزورنا في مواقيتها، لكنها أصبحت ظاهرة لا تخفى على أحد، و حاكمنا الإداري لم يفعل شيئا، لم يخبر مولانا خوفا من سؤال يواجهه به، ولا يدري له جوابا ، لكنه حين علم سيد السادة عن هذه المشكلة، استغرب مولانا أن يصبح الهسهس مشكلة تحتاج لقرار من السلطة العليا، فقال كأنه يستخف المشكلة : رشوا الهسهس بالفلِت.
إذن ها هو سيد الأسياد قد اصدر قرارا شفهيا واضحا بمكافحة الهسهس، فقرارات مولانا الشفهية، كقراراته المكتوبة، لكن مولانا أمر برش الهسهس ولم يذكر الذباب والبعوض والبرغش، إذن فالقرار لا يشملها ، فماذا لو سأله سيد الأسياد عن الذباب، وقال له هل أمرتك برش الذباب؟ فإنه لن يجد مبررا لخطئه الجسيم هذا، إنها تحسبات لا بد منها،
جمع الحاكم الأطباء والصيادلة والدفاع المدني وشرطة السير وزعماء العشائر وطلب منهم طريقة ما، لقتل الهسهس دون قتل ذبابة واحدة أو بعوضة.
لم يستغرب المدعوون لهذا الاجتماع الطارئ موضوعه السخيف، فهناك الكثير من الاجتماعات الأقل شأنا، لذلك لم يتساءلوا عن سبب قتل الهسهس دون الذباب، فلعل سيد الأسياد كان أدرى بما للذباب والبرغش والبعوض من فائدة، فأمر بحمايته، ولا يعلمها أحد غيره، فقد تكون هذه الحشرات إحدى الثروات الوطنية التي لا نعلم عنها، مما يتوجب الحفاظ عليها، وحمايتها من العبث والإهمال، وعلينا أن نستعد لمؤتمر آخر يطلب فيه مولانا إنشاء مزارع لتربية الذباب والبرغش والفاش والبعوض، لذلك بدأ تفكيرنا يتجه إلى مشاريع تربية الذباب ـ استباقا لأمر سوف يصدر عما قريب، فنحن نعرف شغف سيد الأسياد، بالمشاريع الرائدة العملاقة، لكن قليل منا حاول أن لا يبتعد كثيرا، ويحصر ذهنه بمكافحة الهسهس. وراحوا يبحثون عن المبيد الذي سيقتل الهسهس دون الذباب والبعوض ، إلا أن الصيادلة الذين يحيطون علما بكل المبيدات، أكدوا عدم وجود مبيد متخصص بالهسهس دون غيره.
بعد فترة الاستراحة التي تعطي للذهن فسحة لكي يستريح ويسترد نشاطه مع القهوة أو العصير المصاحب للسيجار الكوبي الفاخر، لم يرجع الصيادلة للاجتماع، وكأنهم قد تبخروا، نظرنا لبعضنا كي نخمن سبب هذا الغياب المفاجئ، رغم أننا نعرف أن الفرقة -إياها- قد أخذتهم بوشاية من محافظنا المخلص، لأنهم قالوا ما لا يحب مولانا أن يسمعه, لكننا تغابينا غباءً جماعيا وصدقنا من قال إن كائنات فضائية هبطت وتناوشتهم واحدا واحدا، هذه الكائنات، تستطيع بما وهبها الله أن تميز الطبيب من الصيدلي من غيره ، وسبّحنا الله الذي يخلق ما يشاء.
حاكمنا الإداري كان قلقا بشكل واضح ومستفزا بلا ريب، ذلك أنه لم يجد من يجد له حلا لهذه المعضلة العلمية، فماذا لو سيد السادة قد سأله عما قرره المجتمعون، وقرَّعه بلوم شديد، وحمله مسئولية الفشل لهذا الاجتماع الديموقراطي، لأن هذا يطعن بديموقراطيتنا الثورية وحتمية قراراتها الصائبة دائما، لذلك كان التوتر سائدا، والصمت مخيم على الوجوه، كل منا يجلد ذهنه، حين راح حاكمنا يهدد المجتمعين وينذرهم، وينعي جدب عقولهم الفارغة، وكلام بذيء اكثر مما الفوه من قبل ، حتى قام أحدنا وقال: لم يبق إلا أن نطلق على عليه الرصاص، وكأن هذا الشخص لا يعرف عن حرمة التهريج في مثل هذا المكان الديموقراطي المقدس، فإذا به يستأذن للخروج إلى الحمام، فخرج ولم يرجع.
امتد صمت الجلسة في حذر وترقب، ولا أحد يملك الجرأة كي يقدم اقتراحا, خوفا من التباس الفهم عند حاكمنا الإداري، فالكلام عندنا يقتل صاحبه ولا يقتل الهسهس الممعن في هسهسته المتواصلة، لكننا تفاجأنا بطرد عظيم من النحل يقتحم علينا القاعة بدويّه الهائل، ثم تتبعه أفواج ضخمة من الدبابير الهائجة، جعلنا ننفر من محبسنا هذا، وسيما أن حاكمنا الإداري، فرَّ للخارج هاربا، فانطلقنا خلفه، فإذا بالدبابير غيمة تملأ السماء، وتحجب الشمس، وبعض أسراب الدبابير كبيرة كالعصافير، ولم ندر أكانت طيورا أم أنواعا أخرى من الزنابير القاتلة، دخلت علينا بيوتنا وأقبيتنا، قتلت أطفالا لم يحسنوا الاختباء, وزجاجا حطمته في اندفاعها الأعمى، واستباحت أماكن عامة ودوائر حكومية.
اسقط في يد مولانا سيد الأسياد، ولم يدر أيضا كيف يحمي قصره العظيم، فالمبيدات الحشرية لم تكن كافية أو فعالة لهذ الأنواع من الدبابير القادمة من التاريخ الديناصوري، أصبح همّه - مثلنا- حماية نفسه وأسرته واتقاء الخطر المحدق، لم يجد في مستودعاته المضادات الحشرية الكافية أو سموم القوارض الفعالة, طار سرا إلى الخارج يبحث عن علاج، أما نحن فقد انهكنا الجري كي نتذارى من الهسهس الذي اصبح بحجم الحمامة أو الصقر ،وأشكال من المخلوقات التي تطير فوق رؤوسنا، كأننا نعيش أفلاما كرتونية، ولا ندري كيف تفجرت الأرض أيضا عن العقارب والحيات والثعابين, وأنواع ضخمة من الصراصير بشوارب استشعار ضخمة ممتدة، وفئران متوحشة كالخنازير البرية ذات الأنياب، وسحالي كالتماسيح ، جعلتنا وأياها نطارد بعضنا ونهرب من بعضنا، وحين جاء مولاتا سيد الأسياد كان قد جلب معه أدوية، تلقى من الطائرات، ألقاها علينا فشردتنا وأماتتنا، قبل أن تميت الهسهس والعناكب والأفاعي والصراصير



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غواية الموت
- لماذا رفض الصحابة تدوين الحديث
- الاجتياز
- جيوش عربية من ورق
- لماذا ابتعدنا عن ثقافة المطالعة
- فقه العقاب وفقه المعالجة
- يا إلهي كم من الجرائم تقترف باسمك
- أضواء على المثلية الجنسية
- بين الدين والفكر الديني
- المرأة في الفقه البدوي
- العنوسة
- مذهب النقل والعقل في تراثنا
- إلى الكتبة الفلسطينيين الذين يزيفون الوعي
- الأفكار الميتة
- الأفكار الحية والأفكار الميتة
- هوس القتل في فقه الأقدمين
- عبد الملك الحوثي حيث ينتحر
- ماذا بعد هزيمة داعش
- هل يكفي دولة واحدة للخلافة؟
- إلى روح سميح القاسم


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - الوباء - من الأدب الغرائبي