أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - ذكريات من إندونيسيا-مقتطفات من السيرة الذاتية















المزيد.....

ذكريات من إندونيسيا-مقتطفات من السيرة الذاتية


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5351 - 2016 / 11 / 24 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


ذكريات من إندونيسيا- مقتطفات من السيرة الذاتية

كان سفرى إلى إندونيسيا مجرد مصادفة ، لم يكن لها أى تخطيط ولاحسابات ، ولاحتى فى الخيال ، لقد إعتدنا أهل الشرق الأوسط أن نهاجر غرباً ، دون أن نعرف عن الشرق شيئاً ، على الأقل فى هذا الزمن الذى أحكى عنه الآن ، منتصف الثمانينات. كانت السنتان اللتان قضيتهما فى العمل بمكتب الإستقدام فى الرياض هى الأكثر إرهاقاً فى حياتى ، فما بين مآسى العمال وتعسف الكفلاء وإنغلاق الحياة فى الرياض ، كانت معنوياتى قد إنهارت تماماً ، وكنت أحصى الأيام حتى ينتهى عقد السنتين وأعود إلى مصر ، وأبدأ من الصفر من جديد ، بفرض أن الكفيل كان سيسمح بالعودة ، ولكن وقبل نهاية عقدى بأشهر قليلة حدث تطور لم يكن فى الحسبان ، لقد قرر سعيد ونظير إيفادى إلى أندونيسيا كمندوب دائم للمكتب هناك. كانت الثمانينات فترة سيطرة المال السعودى على العالم ، كانت فترة إستقدام جميع جنسيات العالم للعمل هناك ، ومن هذه الجنسيات كانت الجنسية الإندونيسية، وخدم المنازل بشكل خاص ، والتى أصبحت كبيضة الذهب بالنسبة لمكاتب الإستقدام ، فلم يكن أى بيت سعودى يخلو من خادمة إندونيسية وأثنين وثلاث ، وهكذا وفى زحمة منافسة مكاتب الإستقدام على هذه البيضة الذهبية ، قررر سعيد ونظير إيفادى إلى إندونيسيا ، لإختيار وتسهيل إرسال العمالة من هناك، وهكذا شاءت الأقدار، أن يكون لى فى هذه البلاد الطيبة البعيدة ، أسرة ووطناً.
فى إندونيسيا كان هناك كثير من الذكريات ، منهم ذكرى تجربة سريعة مع منظمة العمل الدولية ، تجربة قصيرة لكنها ذات مغزى، فقد حملت معها لعنة الخوف من كفيل عصر النفط ، التى علقت بمصائرنا وأرواحنا ، حنى لو تركنا له العالم وهربنا . ففى أحد الأيام دعانى عبدالملك ، صاحب شركة ألماس ، وكيلنا فى إندونيسيا ، إلى مكتبه لحضور لقاء مع ممثل منظمة العمل الدولية فى جاكرتا، كان رجلاً أمريكياً يدعى تيرنس كيلى ، وكان يرأس برنامج لتنمية الثروة البشرية كانت منظمة العمل الدولية تقوم بتنفيذه فى إندونيسيا. كان كيلى فى بداية مهمته وكان يزور شركات العمالة للتعرف على وجهات نظرها فى كيفية رفع مستوى العمالة وتدريبها وتوفير الحماية لها تبعاً لمعايير منظمة العمل الدولية ، حتى يصل إلى إستخلاص النتائج والتوصيات المطلوب رفعها للحكومة الإندونيسية، وقد أبدى إهتماماً بحضورى اللقاء بعدما عرف إننى كنت أعمل فى السعودية قبل أن أستقر فى إندونيسيا ، ودعانى لزيارته فى مكتب الأمم المتحدة الواقع فى شارع تمرين لمزيد من الحوار، وقد رحب عبدالملك بالدعوة وشجعنى على قبولها حيث رأى فيها مكسباً للشركة ، وهكذا بدأت علاقتى القصيرة بمستر كيلى والعاملين معه فى مكتب منظمة العمل الدولية فى جاكرتا.
ذهبت فى الموعد المحدد وإستقبلنى كيلى ومعه زميلين آخرين أذكر أن أحدهما كان فلبينياً ، والآخر نسيت جنسيته، وسألنى كيلى عن ظروف العمال المهاجرين فى السعودية، وماهى الطريقة المثلى لحمايتهم فى رأيى ، فشرحت له وجهة نظرى التى كنت قد كونتها فعلاً ، وهى أنهم يواجهون مشكلة على المستوى الإجتماعى والمستوى القانونى، وفسرت له ذلك بطبيعة العادات والتقاليد السعودية العنصرية المغلقة من جهة، وغياب الآليات القانونية لحمايتهم من جهة أخرى، خاصة فى ظل قانون الكفالة المجحف، وأن الوسيلة المثلى لحمايتهم هى منع التوظيف المباشر وقصره على مكاتب التوظيف مقابل أن تتعهد هذه المكاتب بالمسئولية عن متابعة حقوقهم ، وضرورة أن يكون هناك عقد عمل إندونيسى مصدقاً من السفارة الإندونيسية فى السعودية، كشرط لإتمام عملية التوظيف، بحيث تكون السفارة شريكاً فى عملية والتوظيف والمتابعة من البداية، وقد راق له هذا الشرح وطلب منى أن أضعه فى نقاط على ورق لعله يتمكن من نشره بإسمى مع التقرير السنوى المعتاد للمنظمة عن أحوال العمالة المهاجرة. طرت فرحاً وتصورت أننى قد أصبحت فجأة عضواً من أعضاء منظمة العمل الدولية فى جاكرتا، رغم أنه كان من الواضح أن كيلى كان يحاول الإستفادة منى ليس أكثر، ولكن وكما يقول المثل ، الغريق يتعلق بقشة. شاركتنى زوجتى راتنا السعادة دون أن تفهم كثيراً ماذا يحدث. لاأعرف ماذا دار بخلدى بالتحديد ، أكنت سعيداً لإننى سوف أمسك بالقلم مرة أخرى وأكتب ، أم لمجرد إختلاطى بهذا الوسط الراقى بعيداً عن ذلك المستنقع الذى لم أعد أعرف كيف أخرج منه ، أم إننى قد تصورت فعلاً أنهم سوف يمنحونى وظيفة معهم ، ربما كانت كل هذه الأفكار مجتمعة قد دارت بخلدى دون أن أستطيع التمييز بينها ، لكن المهم، أننى قد أصبحت فجأة فى غاية السعادة ، بعد أن كانت آلام الغربة البعيدة قد بدأت تتسلل إلى نفسى ، وبدأت المهمة وبدأت أطرح تصوراتى على الورق فى نقاط بعد أن كتبت لها مقدمة طويلة عن طبيعة المجتمع السعودى العنصرى المغلق ، شديد الإرتياب من الأجانب ، كما رأيته فى ذلك الزمن ، كنت فى حالة شديدة من الإنسجام وأنا أراجع ماكتبت كل مساء فى أوراق كنت أحملها معى عند عودتى إلى المنزل ، وزوجتى تراقبنى وتشاركنى سعادتى دون أن تفهم تماماً ماذا يحدث فلم يكن هناك شئ قد تغير حولنا فى الواقع . إنتهيت من كتابة كل أفكارى وطبعتها على الآلة الكاتبة وإتصلت بكيلى وحددت معه موعد للقاء وذهبت إليه فى مكتبه وسلمته الأوراق، تأمل كيلى الأوراق وقرأها قراءة سريعة وأبدى إستحسانه لما بها من أفكار، لكنه طلب منى مهلة بعض الوقت لدراستها حتى يمكنه إتخاذ قرار بنشرها من عدمه. وعشت على نار فى إنتظار مكالمته التى أتت أخيراً ومعها مفاجأة أخرى، إذ طلب منى الحضور للتعرف على باحث أمريكى شاب من أصل مصرى يعمل معهم إسمه يحيى الجمال ، للمساعدة فى صياغة الأوراق صياغة علمية حتى ترتقى إلى المستوى المطلوب لأوراق منظمة العمل الدولية ، وكان هذا يعنى ضمناً أنه قد قبلها ، ومرة أخرى طرت فرحاً وسط ذهول زوجتى راتنا التى لم تعد تفهم ماذا يحدث فعلاً.
ذهبت للقاء يحيى الجمال ، الذى بدا متحفظاً تجاه إندفاعى وكأننى قد إخترعت الذرة، لكنه إستقبلنى بشكل حسن ودعانى لزيارته فى فيلاه بمجمع الدبلوماسيين الأجانب فى العطلة الأسبوعية ، لمناقشة هذه الأفكار وإعادة صياغتها نظراً لضيق الوقت فى المكتب. ومرة أخرى طرت فرحاً، فمن مكتب الأمم المتحدة إلى مساكن الدبلوماسيين الأجانب ، شئ لايصدق. عرفنى يحيى بزوجته الأمريكية ، وأخبرنى أنها هى التى ستعمل على إعادة صياغة الأوراق نظراً لضيق وقته ، وإهتمامها الشديد بموضوع حماية العمال المهاجرين أيضاً ، وأنها ستعرض على ماكتبت لإبداء الرأى ، فإذا إتفقنا على الصياغة النهائية فإن هذه الأوراق سوف تنشر فى تقرير منظمة العمل الدولية لهذا العام بإسمى وإسمها معاً. ومرة أخرى طرت فرحاً ، لم أكن أعرف أنهم يدبرون لى مؤامرة.
إنتظرت على نار مرة أخرى، وبعد حوالى أسبوع أو عشرة أيام إتصل بى يحيى وأخبرنى بأن الأوراق جاهزة للمراجعة ، وإعتذر بعدم إمكانية مقابلتى نظراً لإنشغاله فى إجتماع وأن الأوراق سوف تكون جاهزة بمكتبه يمكننى أن أحضر لإستلامها فى أى ساعة من ساعات اليوم ، وعلى الفور طرت إلى هناك ،وإستلمت الأوراق من سكرتيرته ، كانت حوالى خمسة عشر ورقة بالإنجليزية ، مازلت أحتفظ بها فى مكتبى بإندونيسيا حتى اليوم ، ومعها رسالة مختصرة من يحيى كتبها بالعربية على أوراق مكتبه الرسمية يرجونى فيها سرعة التعليق على الصياغة حتى تأخذ فرصتها فى النشر نظراً لضيق الوقت. كان ذلك حوالى شهر أكتوبر سنة 1987 وكانت المنظمة تنشر تقاريرها السنوية فى نهاية كل عام تقريباً. أخذت الأوراق معى إلى المنزل وأخذت فى قرائتها وسط دهشتى الشديدة، فلم تكن تشبه تلك التى كتبت إلا فى الإقتراحات الأخيرة فقط ، أما المقدمة ، فقد تحولت صياغتى المتحفظة عن المجتمع السعودى إلى سباب صريح فى السعودية والسعوديين ، وهنا فقط فارقتنى نشوة الأمم المتحدة ، وأدركت خطورة ماأفعل ، إن نشر أوراق كهذه ، كفيل بطردى من إندونيسيا ، وكما تذل الحاجة أعناق الرجال ، أذلت الحاجة عنقى ، وإتصلت فوراُ بيحيى وأخبرته برفضى للصياغة ، وعدم رغبتى فى المشاركة مرة أخرى.



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة فى الحرم المكى-مقتطفات من السيرة الذاتية
- ترامب ، وشرق أوسط ، مضطرب الوعى والمبدأ
- يوميات مدرس فى الأرياف-مقتطفات من السيرة الذاتية
- مصانع الإرهاب-مقتطفات من السيرة الذاتية
- نحو تأسيس حزب مصر المتوسط
- منع الكحوليات أم منع الطائفيات؟
- مواسم الهجرة فى السبعينات-مقتطفات من السيرة الذاتية
- مصر والغاز والمستقبل
- حرب أكتوبر-مقطتفات من السيرة الذاتية
- رحيل بابا جمال-مقتطفات من السيرة الذاتية
- العدوان الإيرانى الروسى ، وميراث الكراهية الأمريكى السعودى
- شعائر الحج ، وعبث التاريخ
- آسيا رمضان عنتر ، أنجلينا جولى الأكراد
- مصر الحديثة ، بين الخطر المسلم ، والخطر المسيحى
- إزدراء الأديان ، أم إزدراء الجهل والإستبداد؟
- نابوليون ، وليس محمد على
- تركيا كمان وكمان
- شواطئ الستينات-مقتطفات من السيرة الذاتية
- دفاعاً عن الجيش التركى
- الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - ذكريات من إندونيسيا-مقتطفات من السيرة الذاتية