أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أمزال - - قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب - : لماذا الآن ؟ ولماذا إقراره أصلا ؟















المزيد.....



- قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب - : لماذا الآن ؟ ولماذا إقراره أصلا ؟


خالد أمزال
كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية

(Khalid Amazzal)


الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 18:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملخص :
منذ هجمات 11 شتنبر/أيلول 2001 وأمريكا تنظر لحليفتها السعودية بكثير من عدم الرضى، وترى أنها لا تقوم بما يلزم لوقف الدعم الفكري والمالي للجماعات الإرهابية، لكنها لم تدخل في مواجهة مباشرة معها لاستمرار الحاجة لمواردها النفطية والمالية، لذا انتظر صانع القرار الأمريكي حتى تتوفر الظروف التي ستمكنه من التضييق عمليا على السعودية. فليس صدفة، وهذا هو الشق الأول من هذه الورقة البحثية، أن ما سمي اختصارا بقانون "جاستا"، لم يتم إقراره إلا في فترة وجدت السعودية نفسها غارقة في أزمات محيط إقليمي ملتهب، كما تواجه وضعا ماليا حرجا بفعل تراجع أسعار النفط، وتقلص عائداته.
لكن الغاية من المصادقة على قانون "جاستا"، وهذا هو الشق الثاني من هذه الورقة، تتجاوز مجرد معاقبة السعودية على دعمها للإرهاب، فأمريكا تريد صياغة نظام شرق أوسطي جديد، تتبوأ فيه قوى إقليمية جديدة على رأسها إيران مكانا متميزا، والسعودية بالمقابل ليست متحمسة لهذا المسعى، وترى فيه تهديدا لمصالحها، لذا يأتي هذا القانون كورقة ضغط أمريكية على المملكة حتى تدخل في هذا النسق الإقليمي .

كلمات مفتاحية : قانون جاستا – السعودية – أمريكا – النفط – هجمات 11 شتنبر/أيلول 2001 – الإرهاب – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

مقدمة :
كما كان متوقعا، تم يوم 28 شتنبر/أيلول 2016 كسر فيتو الرئيس باراك أوباما لأول مرة من طرف ثلثي أعضاء الكونغرس، فصار قانون "جاستا" ساري المفعول، وأصبحت بالتالي السعودية مستباحة أمام ضحايا أحداث 11 شتنبر/أيلول 2001، إذ سيصبح بمقدورهم مقاضاتها أمام المحاكم الفيدرالية لطلب التعويضات المزجية، وذلك لمجرد الاشتباه بدعمها المباشر أو غير المباشر للإرهابيين المتسببين في هذه الأحداث.
هل يمكن اعتبار هذا الحدث بداية تحول دراماتيكي في علاقة السعودية بأمريكا ؟ أ وصل التحالف الاستراتيجي بين الدولتين لنهايته ؟ أم هي مجرد سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع ؟ هل أمريكا جادة في معاقبة السعودية وتحميلها وزر أحداث 11 شتنبر/أيلول ؟ أم أن قانون جاستا مجرد ورقة ضغط لابتزاز المملكة ؟
هذه عينة فقط من الأسئلة التي يتردد صداها بين المتابعين لتداعيات إقرار هذا القانون، وهي تعكس نوعا من الاستغراب الممزوج بعدم الفهم. فمنذ أن أرسى الملك عبد العزيز لشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1945، إثر لقائه مع الرئيس روزفلت على بارجة بقناة السويس، والقائمة على معادلة النفط مقابل الأمن، والعلاقات بين البلدين تواجه عاديات الزمن، وتتجاوز المطبات والأزمات بالكثير من اللباقة.
لكن ومنذ هجمات 11 شتنبر/أيلول وأمريكا تظهر الكثير من التبرم من السعودية، فالدفء الذي كان السمة البارزة في علاقة الدولتين تحول تدريجيا لفتور شديد، صار يتعمق يوما بعد يوم. فالولايات المتحدة ما انفكت ومنذ هذا التاريخ تعاكس المصالح السعودية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بدأ ذلك إعلاميا بالتشهير بالفكر الوهابي، واتهامه بتطعيم الفكر الجهادي المسؤول عن دفع الحركات الإسلامية الراديكالية لتبني العنف ونشر الإرهاب. ثم التساهل مع إيران في الملف النووي أولا، ثم مهادنتها والتقارب معها ثانيا. وتحريك زوابع الربيع العربي ومحاولة دفعها نحو منطقة الخليج، والانزعاج من تدخل السعودية في البحرين لدعم هذه الأخيرة في مواجهة الاحتجاجات التي عرفتها خلال 2011. هذا إضافة لدعم أمريكا لخصوم السعودية في العراق، والتقاعس عن دعم جهودها لحل الأزمة السورية. زد على ذلك تركها ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين تقوم بعمل عسكري بمفردها، ودون دعم مباشر، ضد تحالف صالح والحوثيين باليمن.
كل هذه الوقائع تدلل على أن تحولا عميقا يحدث في العلاقات السعودية الأمريكية، سيغير ليس فقط في التحالف الاستراتيجي القائم بينهما، بل في معادلة توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها، وذلك بالنظر للوزن الجيوسياسي للسعودية، وقوتها النفطية، وريادتها للعالمين العربي والإسلامي.
لهذا ستعمل هذه الورقة البحثية على إبراز منحنى تطور العلاقات السعودية الأمريكية منذ أحداث 11 شتنبر/أيلول إلى إقرار قانون جاستا، مع محاولة إبراز دوافع المصادقة على هذا الأخير في الوقت الحالي، والأسباب العميقة الموجبة لإقراره.
1- منحنى العلاقات السعودية الأمريكية منذ أحداث 11 شتنبر/أيلول إلى المصادقة على قانون جاستا :
من المفيد قبل تحليل هذا الحدث العودة قليلا للوراء، فبعد أحداث 11 شتنبر/أيلول 2001 أجرت السلطات الأمريكية تحقيقاتها المعمقة، والتي أفضت لإعداد تقرير صاغته لجنة الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ سنة 2002، هذا التقرير لا يتهم السعودية صراحة بالضلوع في هذه الأحداث، لكن يشير لشخصين سعوديين، كانا على صلة بمنفذي العملية الإرهابية، وقدما لهم الدعم والمساعدة، بل إن التقرير حدد هوية هذين الشخصين، إلى جانب هوية مسؤول آخر في القنصلية السعودية، وذلك بناء على معلومات استقاها التقرير من مكتب التحقيقات الفيدرالي. لكن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ضغطت من أجل إبقاء هذا الجزء في حيز السرية، حتى لا تتضرر علاقة البلدين. وفي 15 يوليوز/تموز 2016، تم رفع السرية عن 28 صفحة من هذا التقرير، والتي أظهرت المعلومات المشار إليها سلفا، وخلصت إلى وجود شبهات حول تلقي الإرهابيين لدعم من أشخاص سعوديين، من دون القدرة على تحديد درجة هذا الدعم، أو على إعطاء الأدلة القاطعة على وجود مساندة سعودية لهذا النشاط الإرهابي أو غيره ( ).
لقد خلصت دوائر القرار في الولايات المتحدة إلى أن السعودية متورطة بطريقة أو أخرى فيما جرى، حتى ولو لم يتم التصريح بهذه القناعة، وبالتالي لن تعود حليفا استراتيجيا بعد وقائع 11 شتنبر/أيلول، لكن لم يتم تصريف هذه الخلاصات وتحويلها لقرارت مباشرة واستعجالية، تستهدف السعودية وتضيق عليها، لأن مثل هذه القرارت الخطيرة ستغير ملامح منطقة الشرق الأوسط، وستؤثر على شبكة المصالح الأمريكية هناك. لذلك ارتأت هذه الدوائر وعلى رأسها مجلس الأمن القومي مراجعة مفهوم الأمن القومي الأمريكي، ليس من أجل محاسبة السعودية ومعاقبتها، فهذا أمر لا بد له من ترتيبات خاصة، ويحتاج تنزيله لصياغة وضع جيوستراتيجي جديد، بل لمراجعة شاملة للسياسية الخارجية الأمريكية اتجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وضمنها العلاقة مع المملكة العربية السعودية.
تكلل هذا المسعى بوضع البيت الأبيض لاستراتيجية 2002، وهي استراتيجية عسكرية في جوهرها، تقوم على الضربات الاستباقية والحروب الوقائية. فبتأثير واضح من الصدمة النفسية التي صاحبت هجمات الحادي عشر من شتنبر/أيلول، ظهر ما سمي "بمبدأ أو عقيدة بوش"، والذي يرى في القوة المسلحة أداة مثالية لمواجهة الإرهاب، لذلك تم تغليب العمل العسكري على الدبلوماسي، وتضخمت ميزانية البنتاجون، وصارت مصطلحات من قبيل "محور الشر" و"الدول المارقة" و"الضربات الإجهاضية" و"الحرب على الإرهاب" كثيرة التداول في الخطاب السياسي الأمريكي ( ). كما تغير الهدف الجيوستراتيجي للأمن القومي ليصبح هو بناء منظومة سياسية إقليمية مرتبطة بأمريكا، تسمح بتواجد عسكري وأمني دائمين، إلى جانب السيطرة على منابع النفط في العراق ودول الخليج. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من إعادة تشكيل النظام الإقليمي لكل المنطقة الممتدة من المغرب إلى باكستان، وربطه مباشرة بالمصالح الأمريكية، مع تغيير الأنظمة الحاكمة، واستنهاض النعرات الدينية والعرقية والمذهبية، ومحاربة الإرهاب بكل الوسائل، وتجفيف منابعه الفكرية واللوجيستية والمالية، وتغيير البيئة التي تحتضنه وتصدره.
ثم جاءت كل من الحرب على أفغانستان سنة 2001 والحرب على العراق سنة 2003 كترجمة عملية للاستراتيجية الجديدة، فتمت الإطاحة بالنظام الحاكم في البلدين عبر القوة العسكرية، وأغرقا في الفوضى والحرب الأهلية بدعوى محاربة الإرهاب، وتم جر العديد من الدول لدعم هذه الحرب الأمريكية، ولم يكن بمقدور السعودية أن تشذ عن القاعدة، وتعاكس رغبة الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، فدعمتها عبر السماح باستخدام قواعدها الجوية، وتسهيل تدفق النفط للأسواق عبر الزيادة في الإنتاج، خصوصا خلال غزو العراق.
لكن بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى بأفغانستان والعراق، وجدت السعودية نفسها أمام أوضاع إقليمية طارئة، وتغير فادح في موازين القوى، حيث تقوى تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق، بل ونقل عملياته التخريبية للداخل السعودي، وزاد التأثير الإيراني على مجريات الأحداث بشكل يعاكس المصالح السعودية، وتعالت الأصوات التي تتهم المملكة صراحة برعاية الإرهاب فكريا عبر نشر الوهابية، التي تعتبر في نظر الكثيرين المسؤولة عن تفريخ الحركات الجهادية، ثم دعم هذه الحركات ماليا بواسطة المنظمات الخيرية الإسلامية.
كل هذا والعلاقات السعودية الأمريكية تحافظ ظاهريا على دفئها، رغم المنغصات التي تسببت فيها الأوضاع الإقليمية السالفة الذكر. لكن هناك شيء ما بدأ يطفو على السطح، إنه رغبة أمريكا في تقليص الاعتماد في تلبية حاجياتها الطاقية على النفط العربي. ففي يونيو 2005 أقر الكونغرس مشروعا لإعادة هيكلة قطاع الطاقة الأمريكي، حظي بإجماع الجمهوريين حزب الأغلبية آنذاك، والديموقراطيين كذلك، وهو يهدف أساسا لزيادة الإنتاج المحلي للطاقة، سواء منها النفطية أو النووية أو البديلة، والاستغناء التدريجي عن النفط الأجنبي ( ). لكن محرك اتخاذ هذا القرار سياسي بامتياز، فأمريكا شعرت بعد أحداث 11 شتنبر/أيلول أنها في حرب مع العالم العربي، وأنها تعتمد على دول قليلة منه في تحقيق الاكتفاء من النفط وعلى رأسها السعودية، إذ تزودها دول الخليج بحوالي %60 من حاجياتها النفطية، فهي لا تقبل أن تظل تحت رحمة من يُعتقَد أنه حاضن وداعم لأعدائها الإرهابيين.
وفي هذا الإطار نفسه كتب الصحفي الأمريكي الشهير "توماس فريدمان" في جريدة "نيويورك تايمز" في يونيو 2006 : " إن جنودنا يخوضون حرباً على الإرهاب في كل من أفغانستان والعراق، مع العلم بأننا نواصل تمويلنا لذلك العدو بعائدات مشترياتنا من الوقود النفطي، وبذلك تبرز حقيقة أننا نمول كلا الجانبين في حربنا المعلنة على الإرهاب الدولي " ( ). كما دعا فريدمان إلى التوقف عن إدمان النفط السعودي، والبحث عن بدائل تمكن من إضعاف ما سماه بالقوى الأوتوقراطية والثيوقراطية بالمنطقة، والمسؤولة حسب رأيه عن قتل الجنود الأمريكيين في ساحات الحرب على الإرهاب. وبذلك يظهر أن هدف أمريكا من مراجعة نظام تزودها بالنفط ليس فقط تحقيق الاستقلال الطاقي عن نفط الخليج، بل التضييق على السعودية عبر تقليص عائداتها النفطية في المستقبل عندما تفقد زبونها الأول، وبالتالي زعزعة استقرارها الاقتصادي والمالي، وهي الدولة التي تشكل مداخيل النفط% 90 من ميزانيتها.
لكن مجريات الأحداث لم تتوقف عن الإتيان بالجديد. فقد ذهب جورج بوش وجاء باراك أوباما، وأصدرت إدارته عام 2010 استراتيجية جديدة للأمن القومي، تقوم على الاستمرار في الحرب على الإرهاب لكن هذه المرة ليس بالوسائل العسكرية فحسب، وليس بشكل انفرادي، بل عبر كل الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وداخل تحالف دولي. هذا إلى جانب توجيه الاهتمام لمنطقة جنوب شرق آسيا والقوى الصاعدة هناك، والانسحاب العسكري التدريجي من أفغانستان والعراق وتركهما يواجهان مصيرهما لوحدهما.
وما لبثت بعد ذلك أن هبت رياح الربيع العربي، التي ساهمت أمريكا في تقويتها، بخلخلة الأوضاع السياسية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث اقتلعت العديد من الأنظمة الحاكمة، وأضافت سوريا وليبيا واليمن للائحة الدول الفاشلة. هكذا وجدت السعودية نفسها أمام وضع إقليمي مضطرب، زاد في تعقيده ظهور لاعب جديد هو تنظيم داعش، والمحسوب عقائديا على الفكر الوهابي الذي ينسب لها عادة، كما أن الصراعات في المنطقة صارت ملونة باللون الطائفي والمذهبي، وظهر تقاطب السنة/الشيعة، وصارت السعودية ودون سابق تخطيط تقود الطرف السني، وتتلقى سهام القطب الشيعي القادمة من إيران والعراق وسوريا واليمن ولبنان، وتتحمل التبعات المالية لحروب المنطقة، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط وانكمش الاقتصاد العالمي.
وفي 16 شتنبر/أيلول 2015 طرح للتداول في الكونغرس قانون يرفع الحصانة عن الحكومات الأجنبية المتهمة بأعمال إرهابية يقتل فيها أمريكيون، ويسمح بمقاضاة المسؤولين عن هذه العمليات. في ذلك الحين كانت السعودية منغمسة ومشغولة في مشاكل لا حصر لها (تصاعد الأزمة السورية، التدخل العسكري في اليمن، انهيار أسعار النفط، توتر العلاقات الديبلوماسية مع إيران). ثم دخل القانون ومنذ ذلك التاريخ دواليب الكونغرس بغرفتيه، وأخذ مساره في اللجان التشريعية، وهو القانون الذي سيعرف لاحقا بـ "جاستا"، اختصارا للعبارة الإنجليزية Justice Against Sponsors of Terrorism Act أي " قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "، الهدف منه منح المواطنين الأمريكيين حق تقديم دعاوى ضد أي دولة أجنبية أمام المحاكم الفيدرالية، في حال تضرروا من الأعمال الإرهابية (جسديا أو ماديا أو فقدوا حياتهم هم أو ذويهم) التي قام بها أشخاص أو جهات أو مسؤولون ينتمون لهذه الدولة على الأراضي الأمريكية، أو ساهموا في دعمها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتمكين هؤلاء الضحايا من المطالبة بالتعويضات المالية المناسبة ( ).
لم تقف السعودية مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي الخطير لسيادتها، بل هددت في شخص وزير خارجيتها خلال شهر أبريل/نيسان 2016، وأثناء زيارته لواشنطن، ببيع أصول وسندات خزينة وودائع مالية مملوكة لها، والمودعة بالأبناك والمؤسسات المصرفية الأمريكية، والتي تقدر بـ 750 مليار دولار، في حال تم إقرار هذا القانون. لكن وفي 9 شتنبر/أيلول 2016 تمت المصادقة على قانون "جاستا" بالإجماع، ورغم محاولة الرئيس أوباما نقضه في الثالث والعشرين من الشهر نفسه، إلا أن الكونغرس كسر فيتو الرئيس لأول مرة على مدى ولايتيه الاثنتين، ليتم إبطال نقضه في 28 شتنبر/أيلول بتصويت غالبية تجاوزت الثلثين المطلوبة قانونيا، ليدخل القانون حيز التنفيذ.
2- دوافع إقرار قانون جاستا في هذا التوقيت والأسباب العميقة الموجبة لمعاقبة السعودية :
السؤال المزدوج الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد كل هذا هو : لماذا تم إقرار هذا القانون الآن ؟ ولما إقراره أصلا ؟
يذهب الكثير من المتابعين والمحللين إلى أن المزايدات الانتخابية هي السبب المباشر لإقرار الكونغرس لقانون جاستا في هذا التوقيت بالضبط، والذي يتزامن مع انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. فالجمهوريون الذين قدموا القرار، ومعهم حتى الديموقراطيون المحسوبون على المعارضة، يريدون كسب تعاطف قطاعات واسعة من الأمريكيين، وذلك بالظهور أمامهم بمظهر المشرع الحاسم، الذي لا يتورع عن اتخاذ قرارات قاسية ضد حلفائه الاستراتيجيين، إذا كان في ذلك إعلاء للمصلحة العليا للمواطنين، فحُمَّى الانتخابات القادمة دفعتهم للتوافق حول هذا القانون والتعجيل بإقراره، بل وكسر فيتو الرئيس من أجل ذلك.
صحيح أن التدافع الانتخابي الأمريكي هو العامل المباشر في التصديق على هذا القانون، وإخراجه من مكاتب وأروقة الكونغرس، لكن أسباب نزوله في هذه اللحظة الزمنية أبعد من أن تكون هي الرغبة في كسب أصوات الناخبين، بل الأمر يعود لتحضيرات ومعطيات كانت دوائر القرار الامريكي تعدها ولم تكتمل إلا في الفترة الحالية. فقد كان من الصعب قبل اليوم التلويح بسيف العقوبة في وجه المملكة العربية السعودية، لغياب الشروط الموضوعية التي تسمح بذلك، لذلك كان يجب انتظار إنهاء مجموعة من الترتيبات الضرورية، واستكمال بعض الشروط الذاتية، والتربص لحين مجيء الظروف المواتية. ويمكن اختزال هذه الترتيبات وتلك الظروف التي جعلت أمريكا تقرر الآن سن هذا القانون في النقاط التالية :
 الانتهاء من الترتيبات الأساسية لاستبدال الدور الإقليمي للسعودية بفاعل جديد يتمثل في إيران، عبر إبرام اتفاق تاريخي معها حول الملف النووي، ورفع الحظر الاقتصادي عنها، وإعادتها لحظيرة المنتظم الدولي، بعدما كانت تعتبر في عهد بوش دولة من دول محور الشر. ثم إطلاق يدها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال غض الطرف عن تدخلها المباشر في الأحداث الجارية بكل من العراق وسوريا واليمن، وتحيزها الطائفي لطرف بعينه ضدا على الطرف المسمى سنيا.
هذا إلى جانب ظهور نجاعة هذا الاستبدال، إذ تبلي إيران حسب التصور الأمريكي بلاء حسنا في دعم مصالحها، عبر تحييد إسرائيل من معادلة الصراع، والذي ظهر جليا في توجيه أسلحة حزب الله من جنوب لبنان إلى قلب سوريا. هذا إلى جانب أن عنصر التناقض الطائفي والمذهبي القائم بين إيران الفارسية الشيعية من جهة، والتنظيمات السلفية السنية سواء منها الفكرية أو الجهادية من جهة ثانية، يجعلها أكثر شراسة في مجابهة تنظيم داعش، وأكثر قدرة من السعودية على حشد الموالين لها في حربها ضد هذا التنظيم، وفي المحصلة تصبح إيران أفيد لأمريكا بكثير في حربها ضد الإرهاب من السعودية، حيث لم تتمكن من القيام بذلك رغم تزعمها ولو نظريا للقطب المسمى سنيا.
لذلك يمكن الآن ترسيم إيران كقوة شرق أوسطية، وبالتالي تنتفي الحاجة للسعودية في تحقيق التوازن بهذه المنطقة، ولن تستفيد المملكة بعد اليوم من سياسة الدعم الأمريكي اللامشروط، وغض الطرف عن الأخطاء والتجاوزات، تلك السياسة التي طبعت العلاقة بين الدولتين على مدى سبعين سنة الفارطة.
 تمكن الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة من حيازة أكبر احتياطي قابل للاستخراج من النفط في العالم، تتجاوز به ذلك الذي تملكه السعودية، فقد أفادت دراسة أجرتها "ريشارد إنرجي " النرويجية، ونشرت في بداية يوليوز/تموز 2016، أن أمريكا تحوز حاليا احتياطيات تقدر بـ 264 مليار برميل، متفوقة على السعودية التي تبلغ احتياطاتها 256 مليار برميل، وذلك بسبب اكتشاف حقول جديدة للنفط الصخري، والذي يشكل حسب الدراسة نفسها نصف الاحتياطي الأمريكي من النفط ( ).
إن النفط الصخري - وهو الحصان الأسود الذي صار يهدد النفط السعودي ومعه الخليجي-أدى اكتشاف احتياطات كبيرة منه في أمريكا، للإحساس بقرب تحقيق هذه الأخيرة للاستقلال الطاقي عن دول الشرق الأوسط عموما والسعودية خصوصا. وفي هذا الإطار يمكن فهم قرار الكونغرس الذي تم اتخاذه يوم 18 دجنبر/كانون الأول 2015 ضمن قانون الموازنة لسنة 2016، والقاضي برفع الحظر عن تصدير النفط المحلي للخارج، والذي كان معمولا به منذ سنة 1975، مما يعني أن النفط السعودي سيفقد أهمية بالنسبة لصانع القرار الأمريكي، مادامت الحاجيات أصبحت دون الموارد.
فأمريكا بفضل ما يسمى الآن بالنفط غير التقليدي، تجاوزت مبدئيا مرحلة الإدمان على النفط الخليجي، فاحتياطها من النفط الصخري يقدر بـ 78 مليار برميل، أي ما يكفي للاستهلاك الداخلي لمدة عشر سنوات، واحتياطها من الغاز الطبيعي يقدر بـ 17 تريليون متر مكعب من الغاز، أي ما يكفيها لعشرين سنة ( ).
 وصول المملكة العربية السعودية في الفترة الحالية لما يمكن تسميته بمرحلة الإنهاك المالي، وذلك بفعل تزامن العديد من العوامل التي استنزفت الاحتياطي النقدي، فتراجع بنحو 200 مليار ريال ( ). وتتمثل أهم عوامل هذا الإنهاك المالي في انخفاض عائدات النفط بسبب انهيار أسعاره عالميا منذ يونيو/حزيران 2014، ثم التكلفة المالية الباهضة للتدخل العسكري في اليمن، وقبل هذا وذاك الدعم المالي الكبير الذي وجهته المملكة لبعض دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر.
فكل هذه العوامل أدت لحدوث أزمة مالية حادة وغير مسبوقة، تبدت في عجز واضح في الموازنة، والذي وصل في ميزانية 2014 لـ 17,5 مليار دولار، ليقفز في ميزانية 2015 ويصل لـ 98 مليار دولار، و يتوقع حسب مصادر رسمية أن يقف سنة 2016 عند حدود 87 مليار دولار ( ).
إن السعودية كما هو معلوم تستمد قوتها من الفائض المالي الذي تحققه بسبب عائدات النفط، فهي ليست قوة اقتصادية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن هي وبكل تأكيد قوة مالية عملاقة، وفقدانها لهذه القوة ( ) بفعل تقلص الموارد وزيادة الإنفاق يعرضها للانتكاس داخليا وخارجيا. فتجميد الأجور وعدم صرف العلاوات السنوية وتخفيض الدعم على المحروقات والكهرباء مثلا، إجراءات تقشفية اعتيادية تلجأ لها الدولة في لحظات الأزمة، لكنها في الحالة السعودية ستضعف الاستقرار الاجتماعي، وتقلل من الرفاه الذي اعتاده المواطنون. زد على ذلك أن القوة المالية للمملكة هي من دعائم قوتها السياسية والدبلوماسية، وتقلصها سينعكس سلبا على نفوذها الإقليمي والعالمي، وسيفرمل قدرتها على المبادرة، ويخصم من رصيدها الجيوستراتيجي.
نخلص إلى أن إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على إقرار قانون "جاستا" في هذا الظرف الزمني بالضبط، نابع من تضافر مجموعة من العوامل الذاتية (ترفيع إيران لدرجة فاعل شرق أوسطي رئيسي - تقليص مداخيل السعودية من النفط بفعل إغراق السوق الأمريكي بالنفط الصخري - التكلفة المالية العالية للتدخل السعودي في النزاعات الإقليمية)، وأخرى موضوعية (انهيار أسعار النفط بسبب انكماش الاقتصاد العالمي - تصاعد الأزمات والصراعات الإقليمية بعد موجة الربيع العربي – ضرورة استيفاء السعودية لمتطلبات تزعمها اللاختياري للقطب السني). فهذه العوامل أوصلت المملكة العربية السعودية لوضعية حرجة، وجعلتها تواجه وفي نفس الوقت سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية، مما يجعلها في نظر صانع القرار الأمريكي غير قادرة في ظل هذه الظروف لا على الفعل و لا على رد الفعل، ومن المناسب الآن تشريع قانون يستبيح سيادتها، لكونها في وضع لا يسمح لها بالدخول في مواجهة مع العملاق الأمريكي، وليس بمقدورها بالتالي غير الخضوع لقراراته.
أمريكا إذن انتظرت لحين ضعف المناعة الجيوستراتيجية والمالية السعودية حتى تلوح بالعقاب، كما لو أن المملكة ليست ذلك الحليف الاستراتيجي الذي تجمعها به وشائج لا تنفصم، مما يحتم علينا طرح الشق الثاني من السؤال الذي أوردناه سالفا : ولماذا معاقبة السعودية أصلا ؟
لعل المتتبعين لنازلة "جاستا" يبحثون عن الذنب الذي اقترفته السعودية حتى تلاقي كل هذا العسف والنكران الأمريكيين، ويستفسرون عن السبب الذي دفع الولايات المتحدة لقلب الطاولة على المملكة، أ هو تحول في المصالح أم مراجعة للتحالف الاستراتيجي بين الدولتين ؟ أ يرتبط الأمر باختلاف رؤاهما في الأزمات المشتعلة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ؟ أم افتقار الطرف السعودي للنجاعة فيما يتعلق بإطفائها ؟
الدوافع التي حفزت صانع القرار الأمريكي على الشروع في أول حلقات معاقبة السعودية عبر قانون "جاستا" ليست خفية، ولا عصية على الإدراك، لكنها بالمقابل معقدة بل وفي بعض الأحيان تبدو متعارضة، كحال العلاقة بين البلدين، ولا بد من الخوض فيها بقدر غير يسير من الحذر والاحتراز، لكونها (أي الأسباب) : أولا مازالت في طور التشكل ولم تكتمل معالمها بعد، وثانيا تحتاج لفهم التحول الطارئ على مستوى مفهوم الأمن القومي الأمريكي في السنوات الأخيرة، باعتباره المحرك الرئيسي لسياسات هذا البلد، وثالثا عدم وضوح حجم التغير الطارئ في بيت الحكم السعودي من وفاة الملك عبد الله، وفي توجهاته واستراتيجيته ورجالاته.
لكن يمكن أن نقول إن أمريكا دشنت هذا الانقلاب في علاقاتها مع السعودية، وقررت الشروع في معاقبتها للأسباب التالية :
• سبب نفسي خالص يتمثل في الانتقام من السعودية لإقدام مجموعة من مواطنيها على مهاجمة برجي التجارة العالمية بنيويورك، ومقر البانتاغون خلال ما عرف بهجمات 11 شتنبر/أيلول 2001، فلأول مرة في التاريخ يتم ضرب العمق الجغرافي لأمريكا، واستهداف أيقوناتها المالية (برجا مركز التجارة العالمية) والعسكرية (البانتاغون). فالعقلية السياسية الأمريكية لا تعرف قيمتي التسامح والغفران، لكونها عقلية مبنية على المصلحة المجردة من القيم. لذا بات من الضروري محاسبة المملكة على ما فعل بعض رعاياها ولو بعد حين، خصوصا وأن تاريخ أمريكا يبرز عدم تسامحها من يستهدفها بقوة السلاح، فقد تم مثلا قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، وعلى التوالي في 6 و 9 غشت/آب 1945 بالسلاح النووي، ليس فقط لإجبار اليابان على الاستسلام، بل انتقاما من هجومها على قاعدة بيرل هاربر، الواقعة كما هو معروف بعيدا عن جغرافيتها، بإحدى جزر هاواي بالمحيط الهادئ في دجنبر/كانون الأول 1941.
• سبب جيوستراتيجي راجع في التصور الأمريكي لفشل السعودية في تهدئة الأوضاع بالمنطقة، وعجزها عن استعمال نفوذها لحل الأزمات الإقليمية المتصاعدة، وإصرارها بالمقابل على الاشتباك مع إيران ومعاكستها على كل المستويات. فأمريكا ترى أنها أمسكت بالجمر حتى تستميل إيران، وجرتها بكل الوسائل للتخلي عن سياساتها العدائية، وذلك من أجل تخفيف التوتر في المنطقة، لكن السعوديين مصرون على معاكسة هذا المسعى الأمريكي، ويرفضون كما قال الرئيس باراك أوباما في مقابلته شهر أبريل/نيسان 2016 مع مجلة "ذي أتلانتيك"، تقاسم النفوذ مع أعدائهم الإيرانيين، وتحقيق ما أسماه بالسلام البارد ( ). لذلك من اللازم الضغط على السعودية بكل الوسائل، ولو حتى بالعقوبة، أملا في أن تمتثل للرغبة الأمريكية في مهادنة إيران، وتهدئة الصراعات الطائفية المستعرة. فعقيدة الأمن القومي الجديدة ترى أمريكا غير ملزمة بالتدخل عسكريا لحل النزاعات خارج أراضيها، إلا إذا كانت تشكل خطرا مباشرا عليها، وبالتالي تعتقد أن إصرار السعودية على إذكاء الصراع مع إيران، دون القدرة على حسمه لصالحها، سيجر أمريكا للتدخل المباشر في النزاعات الشرق أوسطية، وهذا ما لا تريده وفق استراتيجيتها الأمنية ( ).
• سبب مالي متعلق بالتضييق على أحد أكبر دائني أمريكا، والتخلص من محاولة ضغطه سياسيا بهذه المديونية. فقد قامت وزارة الخزانة الأمريكية في ماي/أيار 2016 بالكشف لأول مرة عن حجم دينها الخارجي ( )، فظهر أنها تحتل المرتبة الثالثة عشر بين دول العالم فيما يتعلق بحجم الاستثمارات في السندات الأمريكية، والتي بلغت كما أوردت وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية خلال مارس/ آذار الماضي حوالي 116.8 مليار دولار ( ). لذلك فقانون "جاستا" سيلعب هنا دورا مزدوجا : ففي حال إعماله سيستنزف هذه الأموال الطائلة في التعويضات التي ستقرها المحاكم الأمريكية لفائدة ضحايا الإرهاب، وفي حال عدم إعماله سيساهم هذا القانون في ثني المملكة عن تسييل جزء من سنداتها بأمريكا لمواجهة عجز موازنتها. وفي الحالتين معا ستكون أمريكا هي الرابح الأكبر، فبقاء كل هذه المليارات في الداخل سيحافظ على توازنها المالي، وسيبدد أي محاولة من السعودية لاستعمال سندات الخزينة كورقة ضغط سياسي ضدها.
• خاتمة :
إقرار قانون " العدالة ضد رعاة الإرهاب " يعكس التحول العميق الذي يعرفه مفهوم الأمن القومي الأمريكي، والذي يرى ضرورة الإحجام عن الدعم التلقائي لحلفائه الخليجيين، ونقل المجال الحيوي الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط، والعمل على تنويعه بالالتفات لجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا حيث يتقوى التنين الصيني. لكن قبل الانسحاب من التدبير المباشر للإقليم، يجب إيجاد بديل يخلق التوازن الجيوستراتيجي بالمنطقة، ويتكفل بإدارة شؤونها بالوكالة وليس بالإصالة. لذا تعمل أمريكا على إتمام استبدال المثلث الإقليمي السابق، والمتمثل في العراق وسوريا والسعودية - والذي كان منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين الفاعل الرئيسي الذي يشكل التوازن الإقليمي كبديل لمصر عبد الناصر - بمثلث جديد يتمثل في إسرائيل الحليف العبري الأبدي، وتركيا البديل الافتراضي للسنة العرب، وإيران الفارسية رأس الشيعة في المنطقة. فبعد تدمير العراق وزرع الفوضى في سوريا، يبقى الضلع الثالث والمتمثل في السعودية قائما ولو إلى حين، وبالتالي لن تغادر أمريكا المنطقة قبل تليين هذا الضلع حتى ينثني، وذلك عبر خنق مصالحه الإقليمية وتقليص نفوذه، وإن استعصى فلن تجد بدا من كسره كما فعلت مع الضلعيين الآخرين.
إن المسألة أكبر من مجرد إقرار قانون يهدد ويتوعد السعودية، وليس من الحكمة النظر للأمر كما لو أنه مزايدات انتخابية، أو سلاح بدون رصاص حسب قول بعض الكتاب والسياسيين السعوديين( )، أو أنه استجابة عابرة لضغوطات اللوبي الإيراني بأمريكا، والساعي لتخريب العلاقات بين واشنطن والرياض، فلا يجب أن تحجب عنا شجرة "جاستا" غابة الهدف الجيوستراتيجي الكامن من ورائها. فصانع القرار السعودي يجب أن ينصب اهتمامه ومن الآن على الاستعداد لمواجهة تقلبات السياسة الأمريكية اتجاه المملكة، وأن يوطن نفسه على تصاعد وتيرة معاكسة الولايات المتحدة لمصالحها الحيوية إقليميا ودوليا، وتزايد حدة تحرشاتها وقراراتها العدائية. فأمريكا لن تدير ضهرها للسعودية دفعة واحدة، بل سيتطلب الأمر سنوات عديدة قبل أن تقطع معها شعرة معاوية. فتاريخ أمريكا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يظهر بجلاء أنها لم تهدد مرة وإلا نفذت وعيدها، والتنفيذ لا يكون عادة عاجلا، بل دائما ما يكون آجلا ( ).
لذا يجب على الساسة السعوديين، والمعروفين بواقعيتهم، أن يلتقطوا الإشارات التي بعثتها أمريكا للمملكة عبر إقرار هذا القانون، وأن يأخذوا على محمل الجد وعيدها وتهديداتها، وأن يسرعوا لمراجعة تحالفهم الاستراتيجي معها، وأن يعيدوا رسم خريطة مصالحهم بعيدا عنها، اعتمادا على قدراتهم الذاتية وبتنسيق مع حلفائهم الموضوعيين (دول الخليج وباقي الدول العربية)، وذلك للحفاظ على مصالح المملكة ونفوذها الإقليمي، وتقوية قدراتها على مواجهة التهديدات المستقبلية.
قانون "جاستا" إذن ليس مجرد قرصة أذن، أو إشهار للورقة الصفراء في وجه حليف تقليدي، بل هو أكبر من ذلك بكثير. إنه حلقة أولى في مسلسل طويل غايته تحييد القوة السياسية والنفطية للمملكة، وتقليص نفوذها الجيوستراتيجي إقليميا. فالعلاقات بين الدولتين سيؤرخ لها من هنا فصاعدا بإقرار هذا القانون، فما بعد "جاستا" لن يكون كما قبله.

الهوامش :

- "وثائق 11 سبتمبر السرية تبرئ السعودية" - جريدة الشرق الأوسط 16 يوليو 2016 العدد 13745 )تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://aawsat.com/home/article/690621/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-11-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
- علي بشار بكر اغوان : الوقائية و الإستباقية في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد احداث 11/أيلول 2001 (التطور النظري والتطبيقي) - "الحوار المتمدن" - العدد: 3426 14-7-2011 )تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=267162
- "واشنطن تقر قانونا جديدا للطاقة يهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط الخارجي والصناعات النووية تستعد لمكاسب ضخمة" جريدة الشرق الأوسط 29 يونيو 2005 العدد 9710 )تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://archive.aawsat.com/details.asp?section=6&issueno=9710&article=308604&search=%DE%C7%E4%E6%E4%20%CC
%CF%ED%CF%20%E1%E1%D8%C7%DE%C9&state=true
- توماس فريدمان : وصفة سحرية لعلاج أميركا من إدمان النفط - جريدة الإتحاد الإماراتية - نشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" 1-6-2006
)تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.siironline.org/alabwab/edare-%20eqtesad(27)/150.htm
- انظر الموقع الإلكتروني للكونغرس الأمريكي )تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
https://www.congress.gov/bill/114th-congress/senate-bill/2040/actions

- موقع وكالة رويترز العربي : احتياطيات النفط الأمريكية تتجاوز السعودية وروسيا 4 يوليوز/تموز 2016 )تاريخ الدخول: 13 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://ara.reuters.com/article/businessNews/idARAKCN0ZK1VS

- "النفط الصخري"... هل يمكن للعالم الاستغناء عن بترول دول الخليج؟ جريدة الوسط البحرينية 03 يناير 2016 العدد 4866 )تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.alwasatnews.com/news/1064181.html#
- انظر في موقع "أرقام" تراجع الاحتياطي النقدي للسعودية في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني 2015 إلى مارس/آذار 2016 )تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/424410

- "الأزمة المالية تدفع السعودية لصرف الرواتب بالتقويم الميلادي" الجزيرة مباشر 02 - 10- 2016 )تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://mubasher.aljazeera.net/news/economy/2016/10/2016102102246537152.htm

- خفضت وكالة ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني للسعودية إلى A+ في أكتوبر/تشرين الأول 2015، لتعود لتخفضه مع بداية 2016 إلى A-
- انظر موقع "بي بي سي عربي" 31 - 10- 2015 )تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.bbc.com/arabic/business/2015/10/151030_saudi_credit_rating
انظر موقع "الجزيرة.نت" 18 – 02 – 2016 )تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2016/2/18/%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%B1%D8%AF-%D8%A2%D9%86%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%B2-%D8%AA%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D9%86%D9%81%D8%B7%D9%8A%D8%A9
- قال أوباما في مقابلته هته : " إن السعوديين يجب أن “يتشاركوا” الشرق الأوسط مع أعدائهم الإيرانيين، فالتنافس بين السعوديين والإيرانيين، الذي ساعد على تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في العراق وسوريا واليمن، يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين أنهم يجب أن يجدوا طريقة لمشاركة الجيرة ومأسسة بعض السلام البارد "
انظر موقع "إدراك للدراسات والاستشارات" : النص الكامل لترجمة نص "عقيدة أوباما" وهي سلسلة مقابلات الصحفي "جيفري غوادبرغ" مع الرئيس أوباما، والذي نشرته مجلة "ذي أتلانتيك" )تاريخ الدخول: 21 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
http://idraksy.net/the-obama-doctrine/

- يقول أوباما في المقابلة نفسها : " فقد قلنا لأصدقائنا في أحد المساعي : أنتم على حق، إيران هي سبب كل المشاكل، وسندعمكم بالتعامل مع إيران، يعني جوهريا أنه بينما تستمر هذه الصراعات الطائفية بالاستعار، ولا يملك شركاؤنا في الخليج، أصدقاؤنا التقليديون، القدرة على إطفائها بأنفسهم، أو الانتصار بشكل حازم بأنفسهم، ويعني أننا سنبدأ باستخدام قوتنا العسكرية للتهدئة، وهذا لن يكون بصالح الولايات المتحدة ولا الشرق الأوسط "
- "الخزانة الأمريكية تكشف أكبر حاملي سنداتها" موقع روسيا اليوم العربي 17-05-2016 )تاريخ الدخول: 21 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
https://arabic.rt.com/news/823579-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7/

- يرى البعض أن هذا الرقم يقل بكثير من حجم السندات التي بحوزة المملكة، والتي تقدر حسب البنك المركزي السعودي بـ 600 مليار دولار.
- محللون سعوديون: قانون "جاستا" الأميركي "سلاح بلا رصاص" - جريدة العربي الجديد 30-09-2016 )تاريخ الدخول: 23 أكتوبر/تشرين الأول2016 )
https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/9/30/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%84%D9%88%D9%86-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B1%D8%B5%D8%A7%D8%B5--1

- لقد عملت أمريكا مثلا على خنق طموحات العراق في التحول لقوة إقليمية، وذلك منذ خروجه منتصرا من حربه مع إيران سنة 1988، ولم تكسره إلا سنة 2003 (أي بعد 15 سنة تقريبا). كما أنها أقرت "قانون محاسبة سوريا" منذ سنة 2003، لكن هذه الأخيرة لم تدخل جحيم الفوضى والتفكك إلا أواسط 2011 (أي بعد حوالي 8 سنوات).



#خالد_أمزال (هاشتاغ)       Khalid_Amazzal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فورست غامب أو باروديا لتاريخ أمريكا المعاصر
- الخطاب الإشهاري الغربي واستراتيجية الاستعلاء
- مبادئ القراءة والتأويل عند الجابري وأركون


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد أمزال - - قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب - : لماذا الآن ؟ ولماذا إقراره أصلا ؟