أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وديع العبيدي - التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)















المزيد.....


التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5348 - 2016 / 11 / 21 - 13:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


وديع العبيدي
التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)

"اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر."

الفيلسوف ايمانويل كانت

"قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد"

نجيب سرور



التنوير اشتقاق من (نور) وهو ضدّ (الظلمة). والظلمة رديف للجهل، كما أن (النور) رديف للمعرفة والعلم.

فالحديث عن النور والتنوير، تأكيد لحاجة ذاتية بنيوية في كيان الشرق، سواء من جانب الانقطاع عن المعرفة، أو الاستغراق في الظلمة حتى حسبوه أصل النور.

عندما فكرت في هذا الموضوع، عاد ذهني للتفكير في مسألة (الحضارة)، وأولويتها على التنوير الذي يأتي تاليا لها ونتيجة عنها. والحاجة للتنوير – في حالة المفعول- كناية عن غياب القاعدة الحضارية، أو الوعي الحضاري.

وقد أحسن أسلاف الشرق عندما وضعوا بين أيدينا مصطلح (البداوة)، وجعلوه دالة الشرق، وموضع فخرهم. والبداوة بكلمة واحد، ضد الحضارة. الحضارة تتطلع للأمام والتجديد، والبداوة تنظر للخلف وتقدّس الجمود والجدود.

وفي ثنايا – ما يدعى- تراث العرب، من كنوز الحكمة، القول: نحن أمة لا تزرع ولا تصنع، لا تحسب ولا تكتب!. فكيف يكون من هاته مواصفاته: (خير أمة اخرجت للناس)!. كل ما في الأمر، رياضيات لغوية، وتمشدقات (بلاغية) – والبلاغة من المبالغة التي هي رديف الكذب والزيغ عن الحق!-، وما أولعنا، وأروعنا نحن العرب، باللغة ومشتقاتها ومنتجاتها العقيمة، والتي منها الشعر وأغراضه والتدبيج والتصنيف القائم على السرقة والنسخ وتغيير العنوان واسم المصنف، حتى غاب الناس تحت ركام مصنفات كتب لا يجيدون قراءتها أو فهمها أو تأويلها بغير ترجمان.

وقد زعل مني بعضهم، حين ذكرت ان عدد شعراء العرب يفوق عدد القراء، وأن ما تنتجه المطابع من مؤلفات عربية، لا يحظى كل منها بقارئ واحد. وأن درس المطالعة/ المكتبة الذي كان مقررا مدرسيا في النصف الاول من القرن الماضي، ألغي تماما من مناهج الدراسة الابتدائية والاعدادية، وتم حذف قاعة المكتبة من أبنية المدارس. وعدو الناس (كتاب). مع الشكر لسياسات التسطيح الثقافي/ التفاهي التي اعتمدتها المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم، وفرضتها على البلدان الأعضاء منذ سبعينيات القرن الماضي، لإنتاج ثقافة التجحيش مقدمة لدخول الألفية الثالثة على وقع المارش الامريكي وقيادة نجوم الفضائيات الدينية.

كان سقوط بابل الكلدانيين على يد التحالف اليهودي الفارسي في عام (538 ق. م.) نهاية حضارة الشرق، وانتقالها العملي والجغرافي غربا. في القرن الخامس قبل الميلاد دخل الشرق مرحلة التحشيش الديني بظهور عمالقة من وزن جوتاما بوذا والراهب زردشت والمعلم كونفوشيوس والكاتب عزرا البابلي.

أما القرن الخامس قبل الميلاد الأوربي فكان مشرق اليونان القديمة ولمعان الحضارة والفلسفة الاغريقية، التي سوف تتفاعل وتتبلور وتزدهر وتنمو غربا نحو روما ومنها الغال وجيرمانيا، لتشهد ولادتها الثانية في القرون الوسطى مع توما الاكويني وغاليلو وكوبر نيكوس وديكارت وروسو ولوك، وجيش ملتحم من قادة الفكر والعقل ومنتجي الأفكار والنظريات ووسائل العلم والحياة الحديثة، التي ترفل البشرية على فضلاتها اليوم.

تعورف على منجزات الشرق القديم لسومر وبابل بالحضارة والمدنية [’Civilization & culture]، وهي المؤسسة لقواعد الفكر والتفكير والاشتغال العقلي المدني من لغة ورياضيات وأدوات تقنية فكرية ومادية.

وتعورف على المرحلة الاغريقية بعصر الفلسفة/ [Philosophia] والدمقراطية/[Democracy]، المؤسسة لقواعد الأخلاق/ [Ethic] (ومنها السياسة وادارة المجتمع على أسس الفضيلة)، قواعد العلوم ودراسات العوامل الفاعلة والمؤثرة في حياة الانسان وحاجاته وغرائزه ووظائفه العقلية والفنية.

المرحلة الثالثة على يد أوربيي القرون الوسطى وتعورف عليها بعصر النهضة/ [Renaissance] واصطلح عليها بالحركة الانسانية [Humanism]، ومنها نتجت فلسفة الأنوار/ التنوير/[Lightening]، موضوع حديثنا هذا.

لفهم فلسفة الانوار، علينا فهم واستيعاب تاريخ النهضة الأوربية، ولفهم النهضة، نحتاج لدراسة عواملها ومحركاتها والأطر الاجتماعية والسياسية التي تحركت خلالها ورافقتها. وكل ذلك لا يمكن بغير دراسة وتأمُّل تاريخ الإغريق والرومان بقضّه وقضيضه، بعقل حرّ وموضوعي منفتح ومن غير كره أو زراية أو أحكام مسبقة ورثناها من واقعنا الثقافي المتخلف والمريض.

*

الثقافة الرسمية العربية لا تتفق مع لغتي، وأنا لا اتفق معها أيضا. وإلا.. فما مبرر هذا الكلام. أنا أكتب لأني أختلف. وأختلف لأني أفكر، وأفكر لأني لا أتبع مسلّمات يقينية وغيبية على غرار حكايات جدتي وقال الشيخ وقال الملا.

وعندما نقول الثقافة الرسمية، والكتب الصفراء، بالاصطلاح السابق ايام الأنظمة الوطنية والعسكرية، فهي تعني اليوم: الثقافة العامة للمجتمع وأحزاب الدين السياسي وفضائيات التحشيش المجاني.

أقول للأسف، ان قادة التنوير العربي، ومن يُدعون بروّاد النهضة، لم يكونوا بعيدين ولا أحرار عن مفهوم التحشيش الذي هو دين الألفية الثالثة في شرق المتوسط.

العقلية العربية قائمة على التقليد وليس الإبداع، على التبعية، وليس الابتكار والتأسيس. ويحسب للشاعر والمفكر الفينيقي/ السوري أدونيس اعتماده شعار [الثابت والمتحول- دراسة الابداع والأتباع عند العرب]، والمقصود هنا (الاتباع والتقليد) اساس الحياة والتفكير الغيبي والنشاط الثقافي عند العرب. وبمراجعة كل ارثنا وموجودنا الاجتماعي والثقافي والديني، لن نجد شعرة واحدة غير مسروقة ومدجّنة في مختبر البداوة والتغشيش.

وفي ذلك قال الشاعر القديم: هل ترانا نقول ألا معارا... أو معادا من شعرنا تكرارا

ولما يزل لليوم ثلاثي الخيمة والجمل والعقيقة مقوّمات العقلية والتكاثر عند العرب، والتي لخّصها جهبذ المسلم بالسلفية.

في النص الديني، وهو شرقي متوسطي بامتياز، أوامر نواهٍ في نفس الوقت، ولكنها غير مدركة أو معطلة بالمفهوم الديني. ومنها القول: لهم عيونٌ ولا يبصرون، ولهم آذانٌ ولا يسمعون. وأنا أضيف إليها: لهم عقول ولا يفكرون!. هذا هو شرقنا المستنقع في وحل الغيب والجهل والظلمة.

وعلى نسق التقليد، ترجم الرواد مصطلح النهضة بحسب الأصل اللاتيني بمصطلح (البعث) = أي بعث التاريخ المجيد والمشرق. وعلى جدران مدارس العراق كان مكتوبا: البعث ثورة على الواقع الفاسد. وأحيانا يكتب: الاسلام ثورة على الظلام. وفي القرآن: (هو الذي أخرجكم من الظلمات الى النور).. فأين هو النور، وما يقصد بالظلمة؟.. وما معنى – واقع فاسد- غير ما نعيشه واقعيا، وليس (ذهنيا طوباويا) بحسب فلسفة الازدواجية الشخصية كما ألمحها الدكتور علي الوردي [1912- 1995م]، وهشام شرابي [1927- 2005م]. ولكن أيا منهما لم يقل أن "الازدواجية" (مرض عقلي نفسي اجتماعي) يقتضي المعالجة المستمرة وإعادة تقويم العقلية والشخصية.

وفي قول يسوع المسيح: إذا كان النور الذي فيكم ظلاما، فكم هو الظلام الذي هو في داخلكم؟؟؟؟؟!!!

ان المقطع اللغوي [re-] ينفع معنى (اعادة) على غرار [repeat, recall]. لكن فكرة الاعادة تقتضي البدء من الصفر، وليس اصطناع مظاهر من غير قواعد وأسس. المصطلح الغربي جاء لاحقا لوصف الوضع الجديد الذي بلغته أوربا، وليس سابقا لها، كما في الحال العربي.

العقلية الأوربية غير مغوية باللغة: (الشعر والدين) – ما أدعوه بالتحشيش العربي. ولكنها قائمة على العقل والفلسفة والإنجاز. ليس لدى الأوربيين سوق عكاظ ولا كعبة يتبارون فيها ويتاجرون، ولكن لديهم ثقافة المكان والعمران. انتماؤهم للعقل والحياة، وليس للغيب والقبيلة.

لماذا لم تترجم الكلمة الى (نهضة) بدل (بعث). فالنهضة من النهوض والحركة واستقامة الظهر، بدل الانحناء للسادة والآلهة وشيوخ الدين.

لذلك لم ينهض العرب، ولا نهض العراق، ولا مصر الناصرية. نهضت مصر محمد علي الألباني وأحفاده الخديوية. ويلحظ ان ما يقوم به عبد الفتاح السيسي ليس مشروع محمد علي ومحمد عبده، ولكن مشروع عبد الناصر القائم على التقليد وابتعاث المظاهر وانشاء المشاريع العمرانية والتجارية، -لابتغاء مجد شخصي/ فكرة الزعامة-، دون بناء الانسان والعناية بتأسيس ظروف الحياة والنمو الصالحة والصحية. وبذلك يسجل مفاخر شخصية تنسب لحسابه، وتمسي أثرا بعد عين.

المشكلة ان مصر لديها أشياء كثيرة من باب المفاخر، كالاهرام، ولكنها غير متصلة بحياتها وحاضرها اليومي. يفتخرون بالمومياءات ولا يفهمون أسرارها وما وراءها. وهذا هو جوهر فكرة/ نظام العبودية. والعبودية في العقل قبل الجسد.

ولكن كيف يفتخر المرء بما لا يفهمه، وينتسب لما لا يعرفه!.

بناء بلد يحتاج قاعدة مادية، تشمل الزراعة والتصنيع الزراعي والاصطناعي وصناعة العقل والفكر قبل الانتقال لبناء العمارات والمدن والصناعات الثقيلة. لقد قام عبد الناصر بمساعدة موسكو بانشاء مصانع للاسلحة والذخيرة والسيارات. وتبعه نظام البعث العراقي الحافر حذو الحافر. واليوم تقوم السعودية بانشاء معمل لانتاج طائرات من غير طيار، فهل السعودية دولة صناعية، وهل بدأت بصناعات الحرف اليدوية والمنشآت المحدودة والصناعات الخفيفة.

ان تنمية القفزات لا تتصل بالتنمية. لأن التنمية تبدأ بالانسان، والانسان العربي ليس شخصا عاملا أو منتجا. الشخصية الشرقية تميل للاسترخاء والسكونية ولا تميل للعمل اليدوي أو العقلي، ولكنها تتعلم من التقليد وتميل للتجارة والحياة السهلة والطرق السهلة في التعامل والحياة.

الواقع ان فتح مشروع قناة السويس الأولى (1869م) على يد الخديوي اسماعيل شكل مبتدأ الويلات والمشاكل وتكالب الاحتلالات على مصر والشرق الأوسط. وقد قامت بريطانيا بشراء القناة (1875م)* واحتلال البلاد اثر ذلك، تمهيدا لاحتلال الشرق الأوسط. ونعرف يقينا، ان لا مصر ولا غيرها قادرة على مواجهة اي هجوم عسكري أو سياسي. وما حصل في العراق تذكرة لأولي الألباب!.

سقطت الدولة الوطنية، وأفرغت تجربة الاستقلال والانتاج والاستثمار الوطني من فحواها، ودخلت منطقة الشرق الأوسط كهف الظلمة الحضارية بقيادة الاسلام السياسي وثقافته التحشيشية القائمة على الغيب والقدر. أما الحضارة الاسلامية – حسب اصطلاح البعض-، والماضي المجيد – حسب اصطلاح غيره-، فليس غير منجزات وجهود العلماء والمفكرين اليهود و(النصارى) والفرس والتركمان الذين نجحت سياسة الملل والنحل العباسية في استقطابهم وتشجيعهم لخدمة بني العباس، وقد انقرضت تلك – النفثة- مع نهاية حكم المعتصم [794- 842م]، لتعود المنطقة الى جنائن العتمة على أيدي الفقهاء و(وعاظ السلاطين) حتى يومنا هذا.

هرب الفارابي [872- 950م] الفيلسوف التركماني – المعلم الثاني- ليعمل بستانيا في حلب، وفي ذلك العام يتركها الشاعر الفيلسوف المتنبي [915- 965م] – أول لاجئ سياسي في الاسلام-، ليُقتَل قرب بلدته على أطراف الكوفة على يد الغوغاء. وفي الاندلس ظهر ابن رشد [1126- 1198م] وابن ميمون [1135- 1204م] مسجلين آخر نفثات الحكم العربي قبل استسلامه للتبعية الأجنبية.

وهل من شاعر أو مفكر ابان الحكم الاسلامي، عاش حياته بغير ألم أو نغزة. وفيما تتناثر الالقاب التشريفية العلمية والدينية على زعماء التحشيش، وتطلق اسماؤهم على شوارع ومدن ومراكز، تبخل الامة بأقل القليل على أديب أو عالم أو فيلسوف، خلاف بلاد الحضارة الغربية!.

الحكم الاسلامي في أوله أو متوسطه أو آخره، لم يقدم للحضارة البشرية ابتكارا صغيرا ولا انجازا ماديا يخدم الانسانية، ولم يخلف وراءه غير ركام من كلام مكرّر وهجين وعقيم. والثقافة العربية الاسلامية تعيد طبع ونشر كتب التراث الديني طباعة غربية فاخرة وبأغلفة مذهبة لتحتل بها الأسواق والعقول. وبعدما كانت بيروت عاصمة العقل والنشر العربي منذ القرن التاسع عشر* وكل صناعة الكتاب العربي وصناعة الاعلام العربي محتلة احتلالا مباشرا ماليا وسياسيا لصالح الدين الحاكم وتحشيش الأمخاخ وإرهاب العقل الحرّ والتفكير الجادّ بالنهوض والتقدم وصناعة الحياة.

العرب والاسلام بلا حضارة، ولكنها ينافسون العالم بالهيمنة والإرهاب الديني، ويسعون للسلطة بالحيلة والوسيلة ومناهج التوحش، للامساك بعنق السلطة وصولجان الحكم كما هو الحال في عراقستان، واعادة المجتمع والبلاد الى عصور الهمجية الأولى، في تجسيد رهيب وغريب لمفهوم البعث الاسلامي.

ومن يستمع للخطاب الديني ويغمض عينيه ويعيش في جزر الواق واق، يصدّق ان الجنة فتحت لها فرعا حيويا في العراق، على غرار جنّة ايران. وهو ما دعا الولايات المتحدة لدعم مشاريع أسلمة الحكم في البلدان العربية وشرق متوسطية لتقريب الناس من جنات عدن.

تسعون في المائة من الفضائيات العربية هي فضائيات دينية تروج للتحشيش والتجحيش بغير نظير. ومثلها دور النشر المجانية. أما الكتاب الفكري والثقافي الحر فيخضع للرقابة والمتاجرة، ويسمح بنشره على طريقة النصب والاحتيال بعد استيفاء أجوره من المؤلف وعدم السماح بوصوله للمكتبات أو المشاركة بمعارض الكتب.

كل ما هنالك ثمة استمرار لصراعات الزعامة وتنفيس عقد الجاه وبحبوحة العيش. العشيرة في العراق تشظّت وتتشظّى إلى مالانهاية من رؤوس العشائر. وبعد سقوط الدين في المذاهب والطوائف، تتنافس المذاهب والطوائف والمشيخات في التشظي والتفرعن لمالانهاية له من زعامات وقيادات وعلّامات دينية، ومثل ذلك ينطبق على الأحزاب وانشقاقاتها وفروعها المناطقية وتكتلاتها البرلمانية وزعاماتها الدونكيشوتية، وصولا الى كرفانات الحكم والسلطة الذيلية متعددة الرؤوس. دولة الرئاسة تحولت بالعصا الاميركية الى دولة الرئاسات الثلاث، وهاته تسرطنت الى زعامات على صعيد الوزارة والجيش والامن والبرلمانات، حتى ضاقت ميزانية بلد نفطي عن اشباع مستحقاتهم النضالية والجهادية.

فالسلفية الدينية (سلف صالح) هو رديف للبعث الوطني، وماذا بعد السلفية الدينية؟..

*

التنمية تبدأ بالانسان. وتنمية الانسان تبدأ بالعقل. وتنمية العقل هي تنويره، أي اضاءة البقع المظلمة فيه. ونحن أردنا تنمية ظاهرية – سياسية اعلامية- مع المحافظة على العقل في ظلماته، واستبقاء الفرد في مستقعات عبوديته.

وهذا يعني اتهام المناهج المدرسية وبرامج التعليم الرجعي التي أنتجت على مدى الزمن، طبقات سميكة من سخام الفكر وأجيال من الأشنات. ويكفي ان نصف الوعاظ ومشايخ الدين اليوم هم من حملة الشهادات الاكادمية، ودرجات الدكتوراه، ممثلا باربكان وزغلول النجار ومحمد شحرور ومحمد مرسي وفقهاء السعودية ومراجع الشيعة وصولا الى القساوسة والوعاظ والمسيحيين العرب والأجانب وليس انتهاء بالبغدادي زعيم داعش.

عندما كنت في المدرسة الابتدائية، كنت أمشي أكثر من عشرة كيلومترات ذهابا للمدرسة، ومثلي كثيرون وأكثر مني، ولم تكن يومها حقائب ولا معاطف جلدية تقي من البرد والمطر. كيف يمكن التفريط بلحظة من لحظات تلك المعاناة اليومية، ناهيك عن الخوف والامتحانات وتوفير مستلزمات الدراسة، وإلقاؤها في عفن التحشيش ونشر التحشيش، مهما كانت الإغراءات والعوائد المادية والأجنبية.

الخيانة تبدأ من العقل. والابتذال يبدأ بالجسد.

واليوم تنتشر ابنية المدارس والجامعات المكيفة في مستوى كل مدينة تقريبا، وربما تصل لمستوى القرية لاحقا، ولكن ما قيمة دراساتها وشهاداتها، وما جدوى خريجيها وأين دورهم في المجتمع، ومنفعتهم للبلد والانسانية.

كم يساوي ألف دكتور عربي؟ وما قيمة خمسين ألف اكاديمي، هم عالة على شهاداتهم وبلدانهم.

من الخلاصات التي تعلمتها في الغرب، ان قراءة كتاب لمؤلف غربي تعادل قراءة مائة كتاب عربي. أقولها بصراحة، وانا جزء من هذه الثقافة.

استطيع قراءة كتاب عربي خلال نصف ساعة، ولا يبيت معي كتاب لليوم الثاني مهما بلغ سمكه. بينما يستغرق مني قراءة كتاب باللغة الانجليزية او الالمانية شهرا. لكني استمتع وأفيد من الكتاب الأجنبي والاكاديمي خصوصا. فيما لا يترك الكتاب العربي أثرا عندي. ويؤسفني ان النتاج الثقافي والأدبي لما بعد عام ألفين، غير جدير بالقراءة. والكتاب يعانون من عقدة جاه وشهرة، وسيما مع تهافت النساء على النشر.

هل هناك كتاب أو كاتب أحدث ثورة أو حركة اجتماعية أو اسقط نظام حكم، أو جعل حكومة تتراجع عن قرارها؟.. لماذا يكتب العرب، بغير قارئ. بينما أي شاب جهادي ينجح في انشاء خلية من بضعة شباب ويقومون بعمليات انتحارية. هل توقف المثقف العربي والكاتب العربي عند هاته الظاهرة، ليقول لنا كم عدد قرائه، وكم من قرائه أفاد منه أو تبعه تبعية العبودية، أو أو..

ماذا فعلت الثقافة العراقية لتنوير عقول العراقيين وتحريرهم من فتاوى اللطم والمناحات الحسينية والمسيرات ومراسيم عبادة الأضرحة. إذن كيف يمكن الفرز بين شخص مثقف وشخص لطّام، حتى لو كان رئيس جامعة أو خريج دواجن؟.. سمعت البعض يتحدث عن أكسفورد وكامبردج على أنها جامعات دينية، لكن هؤلاء لا يعرفون أن اساتذتها أكاديميون علمانيون ولبراليون، واصحاب أفضل المؤلفات التاريخية والتفسيرية والنقدية في مجالات الأديان. إذن نحن لا نفهم الجامعة الدينية، ومغزى الدراسة الدينية. لقد درسنا في الاقتصاد ان رأس المال العربي جبان، وهذا معروف اكادميا. ولكن أحدا لم يجرؤ على القول ان العقل الديني العربي جبان، وليس في مناهجه وصوره غير تدبيج المديح والتلميع والافتخار الاعمى. قبل ايام كان أحد دكاترة الاسلام يتحدث عن عبارة (ذلك الكتاب لا ريب فيه..) وقد جهد نفسه ليعتبرها تعريفا وتقديما للكتاب. ولكن كيف يمكن تقديم كتاب بتزكيته من قبل كاتبه، ومن الصفحة الاولى. الريب والريبة هو الشك، وعندما لا يجوز لك الشك في كتاب يضم كل واردة وشاردة، فما قيمة عقلك، غير تغليفه بالسيلوفان وحفظه في الثلاجة.

لذلك كان الصمت عند العرب حكمة. فالسكوت من ذهب، عندما يكون الكلام نحاسا وطنطنة، على طريقة الأغاني الرخيصة.

يحتل الدين أكثر من سبعين بالمائة من حياة العرب، ولكن لا يوجد في تاريخ العرب شيء اسمه نقد الدين. ومن فعل اعتبر كافرا، واستحق القتل، دون أن تجرؤ دولة ولا محامو الدفاع وممثلو القانون العرب الاعتراض أو وضع حدٍّ لفوضى القضاء.

أين هو السياب والبياتي ومحمود درويش وأدونيس وووو، بجانب ابي اسحق الحويني ومحمد حسان أو فلان الفلاني. أليست المقارنة مخجلة ومحرجة لأدبائنا ورموزنا الأدبية؟..

في رواية لأمين معلوف ترد عبارة: ان شعبنا لا يريد أن يتعلم أشياء جديدة، بل يحب أن يسمع من يمتدح معارفه ويكررها عليه. وهاته وظيفة الدين، التكرار والتكرار حتى التحشيش أو التخدير الكامل لخلايا المخ.

التعليم في الصغر كالنحت في الحجر. هذا السر أدركه شيوخ الاسلام فأمروا بتحفيظ القرآن للأطفال قبل سن المدرسة. وبين صفوف السنّة من يستخدم كلمة (طاهر) لوصف المجتمع الديني، بينما يشيع لدى الشيعة لفظ (معصوم) رغم ان النص القرآني نفسه يفند ذلك.

الدكتور صبري توفيق المراياتي استاذ المالية العامة ومؤلف كتاب منهجي في الجامعات العراقية، كان يتحدث بانفعال وحرقة أعصاب عن جداول الإنفاق العسكري للعراق في الثمانينيات: ويكرر: الدبّابة رجاء أداة استهلاكية غير منتجة. انها لا تدرّ دخلا في الميزانية العامة، ولا تخرج منها دبّابة ثانية بعد مدّة. تلميع الدبّابة وتزييتها يوميا لا ينتج منها دبّابة ثانية.

الدبّابة تحتاج الى صيانة وطاقم يقوم بالصيانة ووقت يهدر لذلك، وبعد كل اطلاقة، تحتاج مكررا لبرنامج وطاقم صيانة كامل، وكل هذا استهلاك وانفاق غير ضروري ولا ينفع في شيء. الانسان في خدمة الآلة، ولكن الآلة/ الدبّابة لا تخدم الانسان. انها تقتل الانسان وتستهلكه قبل قتله.

الغريب والطريف، عدم خروج نشرة احصائية عربية على صعيد جامعة أو بلد أو جمعية عربية أو اقليمية تبين جداول الانفاق العسكري العربية منذ ربع القرن الأخير لليوم، وسباق الحكومات على مشتريات الأسلحة بغير طائل.

ما منفعة صفقات الاسلحة للفرد العربي، وماذا أفادت ترسانات الاسلحة صدام حسين، أو القذافي، وماذا؟..

هل نحن نفكر، أم نقلد أو نخاف، ونحول خوفنا الى برامج سياسية ودينية. ماذا يفعل العراق بالسلاح وهو خاضع لقوات القدس الايراني وأوامر الفقيه؟.. وما نفع تلك الصفقات لأي بلد أو حكومة؟..

المسأـلة تتعلق بالعقل، وليس بالحاجات اللوجستية. بالعقل السياسي والعسكري وليس شيء آخر. وفي غياب العقل، وظلماته، تبقى المنطقة، وأهل المنطقة، مجرد أرقام، وأدوات تتلاعب بها المصالح الدولية، ويتقاسمها الأقوياء، رغما عنا، تقاسم العبيد.



· كان شراء الحكومة البريطانية لـ(أسهم) قناة السويس على يد رئيس وزرائها بنيامين دزرائيللي [1804- 1881م] الذي استلم رئاسة الحكومة البريطانية مرتين [1868م، 1874م]، وهو أول بريطاني من أصل يهودي يتسنم أعلى مركز سياسي في البلاد. وكان شراء قناة السويس ابرز منجزاته وأعظم هدية لترسيخ هيمنة بريطانيا في الشرق. كما عزز من مكانة وحكمة الملكة فيكتوريا [1819/ 1837- 1901م] التي واجهت انتقادات لدى تسميتها شخص يهودي – لأول مرة في تاريخ بريطانيا- لتشكيل الوزارة، أمام منافسه العتيد وليم غلادستون [1809- 1898م].

· ظهرت أول حروف طباعة عربية على يد مارتن روث عام 1468م الذي طبع ترجمة لكتاب (برنارد برايدنباخ) عن رحلته إلى الأماكن المقدسة، تبعها صدور كتاب [فن تعلم اللغة العربية بسهولة] في إسبانيا عام 1505م. وفي عام 1516م نشر كتاب (المزامير) بخمس لغات من بينها العربية في المطبعة اليسوعية بروما، وطبع (الإنجيل) عام 1591م. أي أن الطباعة العربية ظهرت في اوروبا أولا، وليس في العالم العربي أو الإسلامي. وكانت روما أول المهتمين بالطباعة، ممثلة بمطبعة اليسوعيين. وفي البلاد العربية ظهرت اول مطبعة عربية أسستها روما عام 1610م في بلاد الشام، وهي مطبعة دير قزحيا في قرية قزحيا قرب طرابلس، ونشرت سفر المزامير بالسريانية. وفي عام 1706 أحضر بطريرك الروم أثناسيوس الثالث (1685 ـ 1724) من مدينة (بوخارست) مطبعة في حلب. وفي الشوير أنشئت مطبعة عام 1734م أسسها وحفر أحرفها الشماس عبد الله زاخر [1680 ـ 1734م]. وفي بيروت أنشأ الشيخ يونس نقولا جبيلي المشهور آنذاك بأبي عسكر مطبعة القديس جاور جيوس للروم الأرثوذكس في عام 1787م. وبعد المطبعة التي حملتها معها حملة نابليون (1798م)، ظهرت مطبعة الشرق في الإسكندرية عام 1800م طبعت فيها جريدة (التنبيه) يوم 6/12/1800م، وهي الجريدة العربية الأولى. وفي عام 1819م، أنشأ الوالي محمد علي باشا المطبعة الاميرية في بولاق والعاملة حتى اليوم ويعمل فيها أكثر من أربعة آلاف عامل، وهي الأكبر في العالم العربي. وفي عام 1816م جلب المطران بطرس جروة بطريرك السريان الكاثوليك الى دير الشرفة في لبنان مطبعة من لندن من بين مطبوعاتها العربية: كتاب (مجمع الشرفة المعقود) سنة 1888م وكتاب (المباحث الجلية في الليترجيات الشرقية والغربية) للبطريرك أغناطيوس أفرام رحماني. دخلت المطبعة العراق عام 1830م وازدهرت في عهد مدحت باشا [1869- 1871م] حيث صدرت جريدة الزوراء – أول جريدة عراقية- في عهده. وفي عام 1877م أنشأ السلطان عبد الحميد الثاني أول مطبعة في اليمن، صدرت عنها جريدة (صنعاء) بلغتين: العربية والتركية. وفي عام 1919م أنشأ الملك عبد العزيز مطبعة ام القرى في الحجاز أصدرت الجريدة الرسمية الاولى هناك. وفي عام 1928م اسس خليل نصر مطبعة الاردن التي صدرت فيها جريدة بنفس الاسم. وفي منطقة الخليج ظهرت أول مطبعة في الكويت عام 1956م تابعة لوزارة الثقافة والاعلام. ومع أواخر الستينيات ظهرت طباعة الأوفسيت بالألوان، السريعة والدقيقة. وفي السبعينيات ظهر الحاسوب/ الكمبيوتر الذي وضع نهاية للصف اليدوي والالي.








#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصداء نظرية الفراغ في رواية منى دايخ (غزل العلوج)
- المنظور الاجتماعي في رواية ليلى جراغي: (الصدأ)..
- الياس فركوح: الصعود الى حلب!.. الهوية والانتماء في رواية -قا ...
- (موسيقى في الظلام)
- (البستاني ذهب مع الريح)
- لوسيف..
- أوليات أولية..
- المنظور الاجتماعي والنفسي في مجموعة (ترانيم ابن ادم) لباسم ا ...
- (الخروج من عدن)..
- أرملة البستاني..
- البستاني الأخير..
- محمود الريماوي: عن الفرد والمكان الوجودي
- بستاني.. لا اكثر
- (أرض يهوه!)
- البستاني في حجرته..
- عولمة عنف.. دمقراطية انحطاط (1)
- المدارس الدينية وما وراءها..
- أزمة الوطنية.. لدى النخب الشيعية (2)
- أزمة الوطنية.. لدى النخب الشيعية.
- النخبة.. غياب أم تغييب..!


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وديع العبيدي - التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)