أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح13















المزيد.....

حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح13


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5348 - 2016 / 11 / 20 - 06:24
المحور: الادب والفن
    


مع أول خيوط الصباح كان القدر واقفا وكأنه أم تنتظر صحوة وليدها لتطعمه لبنا دافئا وتكحل عين الفرح بضحكة، أم ستار أول من فتح الباب على كريم وهو مازال في غفوته يتصبب عرقا من كثر الأغطية، وزوجها قد تمدد على السرير المقابل هو الاخر لا يشعر بكثير من الدفء فقد التحف معطفه ونام، ستار الذي أعد كل أدوات الأفطار وجهز تماما لما تستوجبه رحلة والده وصديقه إلى حمدان، هتف من باب الغرفة مخاطبا الجميع (صبحونا ونصبحكم) مع نقر على نغمة موسيقية بأطراف أصابعه على باب الغرفة.
الطريق لحمدان كان بالنسبة لكريم هو مفتاح البحث عن عشبة الخلود التي ستجعل منه كائنا أخر، سيكتب لهذه الرحلة تأريخا بحروف من علامات التساؤل والتعجب والحيرة واللوم، إذا ما سيقول كيف يبدأ من أين له الأعذار عن سلسلة من التساؤلات التي ستحيط به كمتهم قد أدانته المحكمة قبل أن يتكلم أو يقول، سيتكلم بأي عنوان وما هي الصفة التي سيسأل بها عن سميرة بنت هذه القرية التي لا يعرف منها غير الاسم، وبعض المعلومات الهامشية التي قد لا يتذكرها الكثيرون وكأنها نتف ربما لا تكون كاملة، أسئلة كثيرة تحاصر الشجاعة التي يتحلى بها ولكنها الآن معتقلة في عقله، لا يريد أن يكون أمام الناس وأمام أبو ستار وأستير ذلك الفوضوي المتطفل على ما لا يعنيه.
أعاد قراءة لكل الأسماء والأحداث التي دونها قبل المجيء إلى هنا وكأنه يخوض أمتحان البكلوريا لأول مرة، ما زال جبينه يتصبب عرقا ويمسح وجهه البارد من أثر هواء الخريف المنبعث من بين غابات النخيل في هذا الطريق الضيف المعوج الملتوي، وسائق سيارة الشوفر الفخمة يلاحظ في كل مرة أنفعالاته الشديدة لكنه خجل أن يتكلم إلا عن بعض المعتاد من الحديث، بالقرب من مدخل القرية سأل أبو ستار السائق عما إذا كان من أهل القرية أم من الجوار فأجاب..
_حبوب أنا من أهل القرية قبل أن تسمى حمدان.... أنا حمداني الجذور وقد أكون أعرف أميز بين ترابها وبين كل أرض العراق، حتى أني أتذوق التمر فأعرف تمر حمدان عما سواه.
_هذا عز الطلب يا صديقي ولكن لدينا قضية مهمة نبحث عنها.
أوقف الشاب السائق سيارته بعد أن تنحى جانبا عن الطريق وأدار وجهه صوب أبو ستار الذي يجلس وولده في المقعد الخلفي وهو ينظر مره لهم ومره لكريم، لقد خمن شيئا ما..
_خطبة مره؟
_لا يا عم ولكن هناك أمر مهم جاء من أجله هذا الضيف الكريم قاطعا المسافات يبحث عن سؤال.
_نعم يا أخي أنا اليوم معكم لا تعودون حتى تجدون كل الأجوبة ولا فراق بيني وبينكم حتى نصل لما جئت من أجله (موجها كلامه لكريم).
_شكرا لك أخي والحقيقة أنني لا أستغرب فقط أتعجب من هذه الروح البصرية التي شكلها وروحها تأخذك بعيدا أبعد مما يمكن للإنسان أن يتوقعه.
_يا أخي لو تسمح لي أقاطعك الإنسان حينما يكون إنسان سيكون هو الأخر بكل ما فيه (قالها بلغة المثقفين لا بلغة سائقي السيارات).
_أنا أول ليس منها بل من كربلاء .....
_أعرف وقد أخبرني أستير ولكن أولا أعرف أسم البنت التي تبحث عنها قد أكون خمنت من هي.... سميرة الرسامة أليست هي؟
_(بإنبهار) نعم هي تماما .........
_يا حبوب وصلت ولدينا ما تريد ولكن ما أعرفه أنها أنتقلت وأمها منذ زمن إلى البصرة ومنها حسب ما أعرف أنتقلت لمدينة أخرى، ولكن لدينا المفتاح.
_عبد الحميد النجار تعرفه بالتأكيد؟
_نعم وكل البصرة تعرف حجي حميد النجار أولهم البلامة وأهل المراكب فهو شيخ النجارين على الشط وفي الخليج وحتى ذاك الصوب.
_هذا جيد سيكون الطريق إذا متاح بيسر.
_ولكن.... يا صديقي لا أظن أن لحجي حميد سلطة على سميرة وأمها بالرغم من صلة القرابة، حجي حميد كريم وشهم وصاحب نخوة لكن حسب ما أعرف أن أم سميرة كانت أكثر من متمردة لم تقبل لأحد أن يتفضل عليها وعاشت فقيرة جدا حتى تخرجت سميرة من الجامعة، أنها بألف رجل وحتى يقال عن سميرة أنها رجل أكثر من كونها بنت، حتى زوجها المرحوم كان مثلها ترك مهنة والده وعاش بقوة القدر حتى تخرج من الجامعة، وهو يعمل ويدرس ولا أحد يعرف كيف كان ذلك، المهم الأن وجهتنا للشط حيث معمل حجي حميد أم لداره.
قال أبو ستار نفضل الذهاب لمحل عمله ونتكلم موجزا عن الأمر قبل أن نشغله عن عمله، قد لا يكون قادرا على مساعدتنا أو أنه لا يملك ما يفيدنا، أنعطفت السيارة يسارا في شارع ترابي تاركة ورائها غيمة من الغبار المتطاير، ومع الكثير من المطبات بأتجاه الشط، حيث يبدو للناظر الجهة المقابلة للنهر تحكي قصة تاريخ مدينة وعالم وحياة مترعة بكل ما في الوجود من تناقضات حتة بدت لهم أكوام الخشب في فرجة عريضة على جانب النهر.
من التفاصيل التي لم تدونها سميرة قصة زوجها المتمرد على سلطان عبد الحميد ومع هذا الثراء النسبي الواضح، كيف ترك كل هذا النعيم وهاجر من حمدان ليتنقل من مهنة لمهنة ومن مكان لمكان حتى يعمل ويتخرج، كل هذه التفصيلات سمعها من السائق الذي يمتلك ذاكرة واسعة للأحداث والأسماء، توجس خيفة أن يكون هناك جفاء بين الحاج عبد الحميد أو ما ينادونه بحجي حميد ويعتذر عن المساعدة، ويبقى السؤال هو قائما برأسه لماذا ترك حجي حميد ولده ولم يقف بجانبه حتى لو كان هناك خلاف وأختلاف، الإنسان الحقيقي هو من يجب أن يمد يد المساعدة لمن يطلب الحرية حتى لو كان من عدوه.
الحضور المفاجئ للضيوف وللعمل اثار العجب والدهشة عند حجي حميد وحتى من كان معه في العمل، هذا لا يمنع أن يبادر بالترحيب المثير وبلهجة بصرية محببة خاصة وأن السائق يعرف تماما ما ير غب به حجي حميد وما لا يعرفه الضيوف، أنزوى مع المضيف الكريم ليخبره عن الزيارة وأسبابها في حين كانت عيون كريم تتفحص المكان عن أجابات مثيرة وأسئلة محاصرة بالخجل مع رغبه حقيقية لو أنه يستطيع أن يمكث مدة أطول في هذه الجنة التي تشبه كثيرا بعض بساتين كربلاء العامرة بالنخيل والحمضيات والميوه، حتى وكأنه ينقل صورة تلك على هذه وهذه على تلك في تمازج روحي منحه قدرة على أستحضار وجه سميرة، التي عشقت في لوحاتها سر النخيل ورسمته كأنه زهرة وليس شجرا معمرا، لتقول أن الحياة يجب أن تعاش بالطول لا بالعرض.
عاد السائق وحجي حميد وما زالت أقداح الشاي على مكانها بأنتظار أن يأذن صاحب المكان لهم بالشراب، إنها واحدة من العادات السومرية التي توارثها العراقيون عبر وجودهم على أرض الله، كان الترحيب الآن غير معتاد بكريم والبشر مرسوم على وجه السائق وهو يبدأ بشرب كاسة الشاي المقدمة له، فيما كان حجي حميد يطمئن الجميع أنهم سينالون كل المساعدة ولكن ليس الآن، فقط يحتاج لأن يوجه عماله وسيذهبون للبيت حيث الصبير والسمك ينتظرهم على مائدة عامرة بكل خير الله.
لم تبالغ سميرة حينما قالت إن الكرم ليس عادة في البصرة ولم تكن في يوم من الأيام أسلوب حياتي، إنها تكوينية فطرية في الذات البصرية البسيطة، كل شيء في البصرة مبني على الكرم حتى المحبة هنا تكون بالكرم وتلقائية بلا رتوش، قد يكون لجو المدينة وطبيعتها المفتوحة على كل شيء... على البحر والصحراء والماء والغابات المورفة من النخيل وشجر الحناء دور في هذا الحال السلوكي الرائع، عكس غيرها من المدن المتحفظة على نفسها أو المحاطة بالأسوار حيث يبدو كل غريب محل شك وتوجس وريبة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح12
- السلام والمصالحة هدف الشعوب وحقها الأساسي وليس لعبة الساسة و ...
- أحلام السلام والمطر
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح11
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح4
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح10
- حوارية القمر والسلالة المنسية
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح3
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح9
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح2
- مدينتي ..... النائمة في بحر العسل
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح8
- بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7
- الجنة ومفهوم الكهنوت الديني للفرصة المتاحة للفرد بنيلها
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح6
- محذور ...... من أن تحب
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح5
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (2)
- المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (1)


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح13