أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2















المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5343 - 2016 / 11 / 14 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


إستعادتي ما قرأته في مخطوطة شقيقتي الراحلة، ليشبه حجّة إلى الأرض المقدسة قام بها غيرك. " شيرين "، عادت من رحلتها وحيدةً ليسَ لها غيري.. تماماً، كما كان الأمرُ لدى حلولنا معاً في المدينة الحمراء، آنَ وصولنا إليها في ليلةٍ خريفية دافئة، مُضاءة بمنارةٍ تشرئبُ برأسها نحوَ القمر شأن عاشقة لا ترى جمالها سوى في مرآة حبيبها. لقد رافقتني كلماتها أنّى كنتُ، سواءً في مراكش أو موسكو أو ستوكهولم. ولا أعني المخطوطة نفسها، والتي سبقَ أن سلّمني إياها محاميها. فإنني شئتُ إعادة الأمانة إليه، كما عرفتم أيضاً، هرباً من تحمّل مسؤولية الإحتفاظ بها. ربما كنتُ آنذاك أخشى إضاعة المخطوطة، كوني بسبيلي إلى الترحال مجدداً. أو أنه خوفٌ خفيّ آخر؛ كأن أتحمّس لنشر المخطوطة لو سنحت لي ظروفٌ سعيدة.
كلّ ما كتبته " شيرين " في مخطوطتها كان واقعياً، والأكثر من ذلك، أنها دَعَت أبطال قصتها بأسمائهم الحقيقية. فما هيَ المشكلة، طالما إنني أجزتُ لنفسي المسلك نفسه عند الكتابة؟ ألأنها شقيقتي، ومن المحرج لي شخصياً نشر كتابة مكشوفة تحمل إسمها؟ ربما كان الأمر كذلك، بالدرجة الأولى. لقد كان بوسعي، بطبيعة الحال، تبنّي المخطوطة على شكلٍ آخر؛ كأن أدمجها بسيرة مماثلة من تأليفي ثم أنشرهما معاً بإسمي. إلا أنّ هذا لا يُعتبر إنتحالاً حَسْب، بل أيضاً إغتيالاً لذكرى إنسانة رائعة، عاثرة الحظ، وهيَ فوق كلّ شيء، شقيقتي الوحيدة. من ناحية ثانية، ألم أكن مسؤولاً عما حلّ بشقيقتي من ضياعٍ وإنحراف ومآسٍ، أدت إلى نهايتها المعروفة؟ بلى، لقد كان الأمر هكذا. ولن أبرر أنانيتي، بكوني لم أقلّ ضياعاً وعثرة. لعل هذا هوَ دافعي من اللجوء للكتابة، مسترجعاً أيامي في تلك المدينة ذات الأحجار الحمراء كشهوات نسائها، المصوَّبة منائرُها إلى السماء مثل أعضاء رجالها الذكورية المنتصبة دوماً.
عليّ كان أن أتحرّز لوضع شقيقتي، مذ ليلة الإحتفال بعيد ميلاد " سوسن خانم ". إذاك، كانت هذه الأخيرة قد فاجأتني بذكرها لإسم " شيرين " كمدعوّة للحفل. فإنني ثبتُ إلى نفسي للحظات، كوني لم أفكّر بشقيقتي خلال نهار ذلك اليوم، الشاهد على أحداثٍ دموية هزّت البلد كله. على أنني سرعان ما سلوتُ أمرها مجدداً، بما كان من إنهماكي ليلتئذٍ بمراقبة نساءٍ غيرها، شغلنني بمكائدهن أكثر من وجودهن الجميل. أربعُ نساءٍ، أجتمعن ثمة، رأيتني على صلّة بهن في تلك الأمسية الهادئة، المُعقّبة نهاراً من الفوضى والقلاقل. لكأنما حضورهن كان صدىً لذلك الجوّ المشحون، هنّ الموزعات بالتساوي على إنتمائين؛ مغربيّ ومشرقيّ ـ كما عبّرَ عنه " رفيق "، عندما وجدَ فيّ أنيساً وحيداً في وسطٍ تنكّرَ له بعلامة فضيحة فضّ عقد قرانه.
خطيب " خدّوج " السابق، كانت رفقته قد أحرجتني خلال الأمسية، وذلك لكون مخدومتي لا تطيق مجرّد سماع اسمه. كانت تشزره بنظرات ساخطة حال إلتقائها بعينيه، وأعتقد أنها عبّرت لشقيقتي عن إمتعاضها لحضوره الحفلَ بمعيّة " إريك ". شريكه الفرنسيّ، كان هوَ على الأرجح ( أو ربما زوجته ) من نقل وصف الخانم له ب " الشيعيّ العراقيّ، العميل لمخابرات النظام السوريّ! ". هدفُ تلك النميمة، كما لا يخفى، كان توثيق العلاقة بين الشريكين. ولكنهما ما لبثا أن أختلفا، مباشرةً على أثر صفقة شراء رياض باب دكالة، ثمّ كادت فضيحة عقد القران أن تودي بصداقتهما أبداً.
" زوجة ذلك الشاعر، فاتنة الملامح ومغرية القوام؛ ألم تنتبه لإيثارها الحديث معك؟ "، قال لي الرجل المتوحّد بصوتٍ منخفض. كنا عندئذٍ ملتزمَيْن سدّة البار، ثمة في الركن القصيّ من صالون الجناح، وكان يُشاركنا المكان أحد المدعوين مع إمرأة برفقته. ثمّ عاد " رفيق " ليضيف، قبل أن يتسنى لي الردّ: " إسمها لبنى، أليسَ كذلك؟ كانت تلتصق بك، غير آبهةً بحضور رجلها، أو شقيقها. وهذا برأيي، إنما يدلّ على كونها قد تشبّعت بعقلية المجتمع هنا.. ".
أجبته بشيءٍ من الجفاء: " لو كانت تعجبك، فلِمَ لا تجرّب حظك معها، خصوصاً أنها كذلك من ناحية العقلية المحلية؟ ". أدرك، ولا شك، ما في كلماتي من تهكّم. فإذا به ينتقل إلى الحديث عن تجاربه مع نساء المدينة، لينتهي إلى القول: " أنا لا أتباهى بوسامتي وأناقتي، حينَ أتكلم عن سهولة مصادقتي لهن. فإنني أعلم أنّ غنى الرجل، هوَ المعيار الأساس للنساء هنا إن كنّ عازبات أو متزوجات... "
" أو مومسات..! "، قلتُ له مقاطعاً. سكتَ قليلاً وهوَ يؤرجح كأسَ الويسكي بيده، فبدا منزعجاً هذه المرة. فما عتمَ أن أجابني، مُستعيداً إعتداده بنفسه: " لا أجد فرقاً كبيراً بين من تبيع نفسها بالمال، أو من تعاشرك أملاً بمركزك ووجاهتك "، قالها ثم أستأنف الكلامَ محدقاً في عينيّ وقد أرتسمت بسمة على طرف فمه: " وأسمح لنفسي أن أذكر مثالاً يتعلق بك؛ وهوَ أنك لم تحظ بإهتمام إحداهن إلا حينَ أضحيتَ صاحب وظيفة محترمة. وهذا أمر طبيعي، يتسق مع العقلية السائدة. إنني لا أقصد المومس، التي عرضتَ أنت عليها الذهاب إلى شقتك.. أتذكرها تلك الفتاة، وكنا ألتقينا معها خلال سيرنا مؤخراً في شارع محمد الخامس؟ "
" بلى، كيفَ لي ألا أذكرها ما دمتَ أنت نفسك كنتَ تعرفها! "
" آه، والله؟ يسعدني أنك تبتسم الآن لذكراها، وإنها بنفسها أبدت لي شوقها لمعاشرتك مرة أخرى. هيَ فتاة مسكينة، وربما لم تعلمك آنذاك بأن جلّ ما تحصل عليه من الزبائن تدفعه ثمناً للحصول على مخدّر إن كان سيجارة حشيش أو غرام هيرويين. فهيَ مضطرة، والحالة تلك، أن تقبل بأيّ ممارسة مهما كانت شاذة. وإن هكذا فتاة تلزمُ المرءَ، خصوصاً إذا كان من هواة دراسة النفس البشرية. وإنني وإياك من أولئك الطراز من الرجال، كوننا أمتلكنا تجربة سياسية وما زلنا ننوء بذكراها "، قال ذلك وما عتمَ أن أسترسل على ذات السجية بما أنه لحظ زهدي بالحديث: " أظن أنه لن يسوءك، أن أمدّك.. كيفَ يمكنني التعبير؟ أعني، أن أعرض عليك المزيد من الفتيات، بما أننا نقيم في ذات العمارة. لن يكلفك الأمرُ مالاً، مع كونك اليوم بحالة مادية مريحة! فإنهن صديقات أكثر منهن مومسات، ولعل أغلبهن يقنعن بمبلغ من المال في باديء الأمر، ثم لا يلبثن أن يتقبلن أيّ هدية ما لو عرفن مركزك في المجتمع الراقي... ". تركته يواصل تبجّحه، ولم أعد أنتبه للمزيد منه. ففي أثناء ذلك، كان بصري مسدداً على شقيقتي وهيَ تبدو على أهبة مغادرة المكان. وقد لاحظت " شيرين " نظراتي إليها، فما كان منها سوى الإقتراب من البار: " لو أردتَ الذهاب، فهلمّ معي. سنركب مع المسيو غوستاف في سيارته ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الطاء
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2