أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - يوميات مدرس فى الأرياف-مقتطفات من السيرة الذاتية














المزيد.....

يوميات مدرس فى الأرياف-مقتطفات من السيرة الذاتية


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5339 - 2016 / 11 / 10 - 05:21
المحور: الادب والفن
    


يوميات مدرس فى الأرياف - مقطتفات من السيرة الذاتية
كانت تجربة العمل كمدرس سنة 1979 ، السنة التى وضعت فيها الثورة الإسلامية فى إيران، والغزو السوفيتى لأفغانستان ، النهاية الرسمية لسيطرة تيار الإشتراكية فى الشرق الأوسط ، تجربة قصيرة أخرى ، لكنها كانت شديدة المغزى. كثيراً مانقنع أنفسنا فى رحلة الحياة ، أننا أهل لدور ما ، ولكن وعندما تأتى ساعة التجربة الحقيقية ، نكتشف أننا أبعد الناس عنه. لقد راقت لى فكرة العمل كمدرس من واقع الروايات الرومانسية الكثيرة التى قرأتها ، وربما من وداعاً مستر شيبس بالتحديد ، ولكن عندما جاءت ساعة التنفيذ فى الواقع ، إكتشفت أن مجرد ترتيب كراسة التحضير كان يصيبنى بإنهيارعصبى ، لقد كان طبعى المتعجل ، نافذ الصبر، أبعد مايمكن عن طبيعة وعمل المدرس، كان ذلك هو الإكتشاف الأول، لكن الإكتشاف الثانى كان أصعب. الريف المصرى كان هو ذلك الإكتشاف الثانى الرهيب ، لقد كنت أعتقد أن مدينة رشيد التى قضيت جزءً كبيراً من طفولتى فيها هى الريف ، ولكن عندما عرفت الريف الحقيقى ، أدركت أن رشيد كانت باريس.
كانت فصول أبو مصطفى تقع فى قرية من قرى محافظة كفر الشيخ والتى سميت المدرسة بإسمها. كان الوصول إليها عملاً من أعمال المستحيل . كان القطار إحدى الوسائل المتاحة ، لكنه كان مبكراً مزدحما فى العادة ، وكذلك الأتوبيس ، وفى كل الأحوال كان لابد من أخذ مواصلة ريفية أخرى من المحافظة إلى مركز يسمى بمركز الحامول ، ومن هناك سيارة أخرى إلى القرية ، أما السفر بسيارت الأقاليم فقد كان متاحاً فى كل وقت ، وتلك كانت ميزته الوحيدة التى جعلتنى أفضله فى النهاية ، رغم أن نفس القصة كانت تتكرر حيث يلقى بك فى المحافظة ، ومن المحافظة تبحث عن سيارة أخرى تصل بك إلى مركز الحامول ، ومن مركز الحامول تبحث عن سيارة أخرى لتصل بك إلى قرية أبى مصطفى الواقعة فى عمق الريف الرهيب.
مساحات متناثرة من الحقول ، طرق ضيقة غير معبدة ، وترع وقنوات كثيرة ، وبيوت من الطين متناثرة بلا نظام أو ترتيب ، وذلك الظلام الكثيف الذى يلقى بجو من الحزن على كل شئ. من قال أننا غادرنا القرون الوسطى، لقد شعرت بها بكل قوة فى تلك الشهور القليلة التى قضيتها فى الريف. كانت المدرسة بناءً لابأس به أقامته الحكومة على طراز المدارس المعتاد ، لكن حوله لم يكن هناك شئ آخر ، مجرد فراغ شاسع وسكون ووحشة . كان المدرسون الأجانب مثلنا يستأجرون غرفة فى بيوت الفلاحين ، الذين كانوا يرحبون بذلك بدافع الحاجة ، أو بدافع الواجب ، ولكن كان عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم فى تدبير باقى أمورهم ، ولاأعرف كيف تمكنت من ذلك التحدى الخطير. كان بعض الفلاحين يقبلون بغسل وكى ملابسنا ، وحتى بطهى بعض الوجبات أحيانا ، مقابل أجر ، لكن ذلك لم يكن القاعدة ، فقد كان ذلك يعتمد على الحظ ، وعلى طبيعة البيت الذى يسكنه المدرس ، ولاأذكر الآن ، كيف كان حظى ولا فى أى بيت سكنت. لم يكن ذلك هو كل شئ ، فبالإضافة إلى عناء الرحلة ، ومشقة العيش ، كان ذلك الراتب التافه الذى كانت تمنحه الحكومة للمدرس المبتدئ فى ذلك الوقت، والذى كان يبلغ نحو 30 جنيه لاأكثر، قد جعل من كل رحلة العمل كمدرس فى الريف مجرد رحلة من العبث ، فما معنى أن تعمل وتتحمل كل تلك المشاق ثم تطلب من والدك إعانة فى كل شهر، لقد كان البقاء فى البيت أفضل. كنت أعود إلى الإسكندرية كل خميس وجمعة لأقابل أصدقاء الحى وأتنفس الصعداء ، ثم أعود يوم السبت صباحاً ، لمواصلة تلك الرحلة العبثية بلاهدف.
ومع ذلك فقد كان هناك لحظات جميلة فى تلك التجربة الشاقة ، كانت العلاقة بالتلاميذ أجمل مافيها ، كنت أستمد من علاقتى بهم التسلية المفتقدة ، كنت أخرج معهم إلى المزارع أحيانا ، وإلى الترع والمصارف الممتلئة بالأسماك أحيانا أخرى ، والتى كانوا يعرفون الطرق إليها جيدا ، حتى ولو كانت بعيدة عن القرية ، حيث كنت أمارس هوايتى القديمة فى صيد الأسماك ، كما كنت أدخل معهم حتى فى حوارات سياسية ، كان كثير منهم نبهاء يحتاجون فقط لفرصة كى يخرجوا إلى العالم ، كنت أتحدث معهم كثيراً عن الإشتراكية ، وعن العالم المتقدم والثورة ، وحتى عن الخرافات الدينية ، ولعل هذه كانت خطيئتى الكبرى ، التى لم أدرك خطورتها فى ذلك الوقت ، كنت مدفوعاً بالبحث عن أكثر من التسلية المفتقدة ، الواقع أننى كنت مدفوعاً بالرغبة فى البحث عن دور ، حتى بين هؤلاء التلاميذ الغلابة. لم تكن علاقتى بزملائى المدرسين من أبناء القرية تقل مودة عن علاقتى بالتلاميذ ، أذكر منهم الأستاذ عبدالله والأستاذ حسن وأبوه الطيب ، الذى توفى بعد وصولى هناك بأشهر قليلة ، ووضعتنى جنازته فى خضم تجربة الموت فى الأرياف الرهيبة ، حين يأتى المعزون بالمئات من القرى القريبة والبعيدة ، ويقيم لهم أهل قرية المتوفى الولائم ، فى فوضى لاتختلف كيراً عما يحدث فى المناسبات السعيدة. وكما كنت تلقائياً فى علاقتى بالتلاميذ كذلك كنت معهم ، نتحدث عن تلك الإشتراكية التى كنت أتصور أننى أحد أقطابها الكبار ، وعن الثورة والعالم المتقدم وعن تلك الخرافات الدينية التى كنت أجيد التحدث عنها ، وربما لنفس الأسباب تقريباً ، ليس لمجرد التسلية المفتقدة ، ولكن من أجل البحث عن دور محرر الريف القام من المدينة. لم تتضح تبعات ذلك سوى فى العام الدراسى التالى مباشرة، فعندما ذهبت إلى المدرسة فى بداية العام الدراسى التالى لإستئناف عملى فوجئت بزملائى المدرسين يخبروننى أنه قد تم نقلى إلى مدرسة أخرى فى نفس المحافظة تسمى مدرسة العباسية ، وأن على مراجعة المديرية ، لم يكن الخبر غريباً فى ذاته ، ولكن الإبتسامات الخبيثة التى صدرت من بعضهم وهو يخبرنى بهذا النبأ ، جعلتنى أدرك وأنا فى طريق العودة ، أننى قد نقلت بشكوى طيبة ، من هؤلا الطيبين؟



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصانع الإرهاب-مقتطفات من السيرة الذاتية
- نحو تأسيس حزب مصر المتوسط
- منع الكحوليات أم منع الطائفيات؟
- مواسم الهجرة فى السبعينات-مقتطفات من السيرة الذاتية
- مصر والغاز والمستقبل
- حرب أكتوبر-مقطتفات من السيرة الذاتية
- رحيل بابا جمال-مقتطفات من السيرة الذاتية
- العدوان الإيرانى الروسى ، وميراث الكراهية الأمريكى السعودى
- شعائر الحج ، وعبث التاريخ
- آسيا رمضان عنتر ، أنجلينا جولى الأكراد
- مصر الحديثة ، بين الخطر المسلم ، والخطر المسيحى
- إزدراء الأديان ، أم إزدراء الجهل والإستبداد؟
- نابوليون ، وليس محمد على
- تركيا كمان وكمان
- شواطئ الستينات-مقتطفات من السيرة الذاتية
- دفاعاً عن الجيش التركى
- الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد
- تاريخ البابوية القبطية المبكر-ستيفن ديفيز-ترجمة عبدالجواد سي ...
- تركيا وروسيا وإسرائيل ، ثورة دبلوماسية، أم مؤامرة جديدة؟
- وداعاً 30يونيو


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - يوميات مدرس فى الأرياف-مقتطفات من السيرة الذاتية