أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الحاء 2















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: الحاء 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5337 - 2016 / 11 / 8 - 05:15
المحور: الادب والفن
    


الوصيف، المخصص لخدمة جناح القصر الريفيّ، أطلّ على الصالة مجدداً آنَ إنتهائي من الحمّام. هذا الرجل الأسمر، المناهز سنّ التقاعد، كان يبدو كالأبكم خلال فترة عنايته بي. فحينَ سألته أولاً عن سبب تعطل جهاز الهاتف، فإنه تجاهل ضرورة الجواب. ولما أستفهمتُ منه عن ملابسي، التي أتيتُ فيها إلى القصر ليلاً، فقد أكتفى بالتبسّم ثم مضى تاركاً إياي في حيرة. على أنّ الرجل ما عتمَ أن جلب سترتي وقميصي الحريريّ، وكانا إذاك يفوحان بعطر مسحوق الغسيل علاوة على مرورهما تحت المكواة. عند ذلك حَسْب، بادلتُ الخادم الإبتسام طالما أنني أضحيتُ متيقناً بإمكانية خروجي حياً من هذا المكان: " الشكر للرب، أنّ أميرتنا ليست مثل ملكة فرنسا، التي كانت تنام كل ليلة مع شاب ثم تأمر بقتله ورميه في النهر المار بالقرب من قصرها! "، فكّرتُ في نفسي مُستعيداً قراءة إحدى روايات المغامرة أيام فتوّتي.
في المقابل، عليّ كان أن أهجس بأفكار سيئة مذ إفاقتي صباحاً على سماع أخبار متواترة تتعلّق بأمن ساكني القصر. بطبيعة الحال، لم يكن مأمولاً الحصول على أيّ معلومة من الوصيف شبه الأبكم. ولكن الرجل أدهشني ولا غرو، لما بادر على أثر فراغي من الفطور ليشير إليّ أن أتبعه. إذ ما عتمَ أن فتحَ فمه لأول مرة، وكنا نهمّ بالخروج من باب الجناح، ليخاطبني بنبرة إحترام: " مدير أعمال للّا عفيفة، ينتظركم ثمة في الحديقة ". تابعتُ نظرته، المُسددة إلى جهة مخضوضرة من الساحة السماوية، لأرى شخصاً يقف هناك وبيده بندقية فيما بدت خلفه أبنية متعددة تستعمل على الأرجح كاسطبلات وإهراءات ومخازن. لوّح لي الرجلُ بيده العزلاء، وقد بدأت ملامحه تتوضّح تحت شمس الصباح. خطوتُ إلى تلك الناحية، لأصافح مساعد الأميرة بشيء من الإرتباك.
" هل سيرافقني هذا العجوز ببندقيته إلى خارج القصر، أم هوَ مكلّف بمهمة أخرى؟ "، تساءلت في نفسي. أنتابتني هكذا أفكار، لأن المساعد سار بي بدون أن يتكلم بنأمة. وجدتني أتبعه لعدة دقائق في ممشى ترابيّ ضيّق، يشقّ حقولاً من الخضار المحوَّطة بأعواد القصب وأشجار الحور. أجل، وجدتني لأول مرة في بيئة ريفية منذ حلولي في مراكش قبل حوالي ثلاثة أشهر. لم يكن ثمة ما يُذكّر بالمدينة، سوى أشجار النخيل المطأطأة الرؤوس بفعل تيارات الهواء. القصر ذاته، كان غريباً عن نمط العمارة المألوف في مراكش، بما في ذلك القصور الملكية. أبعد في الأفق، كانت تتناثر بيوت المزارعين وسط البساتين وقد غمرها الضياء، فتبدّت كحراشف تغطي جلد حرباء متلوّنة بدأبٍ مخاتل. لاحقاً، سأعرفُ من " الشريفة " أنّ منزل أهلها يقع في تلك الأنحاء. لم يكن منزلها من النوع الشائع، المعروف بالدوّار، بل شيئاً شبيهاً بالرياض أنفقت هيَ عليه بسخاء سواءً بالترميم أو التأثيث؛ وهوَ المنزل، الذي سيتعيّن عليّ الإقامة فيه لبضعة أشهر مع أسرتي الصغيرة وتحت نير المرأة الحيزبون ـ كما ذكرتُ في مكان آخر من سيرتي.
" هل ترى هذه البندقية، أيها السيّد؟ إنها ليست للصيد، بل للحرب.. "، قال لي مساعد الأميرة بلهجة مهيبة. ثم أردفَ، وكان أكثر إعتداداً بالنفس: " إننا في حرب، أيها السيّد! بلى، إننا في حرب مع الفوضويين والمخربين وعملاء الأجنبي.. ". ربما سهوتُ عن وصف الرجل، بما أنني سأتكلم عن قامته القصيرة؛ التي بالكاد ترتفع قليلاً عن هامة بندقيته ذات الفوهتين. ولكنّ بنيته متينة، ولعل عضلاته تعادل في نموّها ما لدى شاب بعُمري. شعره أجعد، كمعظم بني قومه، وإن أضحى خفيفاً. عيناه، لا يمكن تحديد لونهما لما حبيتا به من حجم صغير. رأسه ملتصق تقريباً بكتفيه، ولولا أنّ الرجل يتنفس ويتكلم لحسبتُ أنه في غنى عن العنق. فمه الرطب صغير، وكذلك أنفه الأجعد؛ وهما بالمناسبة أكثر ما يثير النفور في سحنته. ربما كان ينقصه شاربٌ قصير؛ ولا أدري، حقاً، لِمَ خطرتَ لي هكذا فكرة خرقاء؟ أيمكن لأنني سأشير إليه بصفة " الرجل الصغير "؟ أم كونه أثار شفقتي حينَ كان يستعرض بندقيته ويهدد فيها عدواً غير مرئيّ، مثل حال كلّ شخصٍ مأمور على الدوام من لَدُن سلطة لا تُرام في استبدادها وقسوتها وعنجهيتها؟
" أمن الممكن الإعتماد على مساعدتك، كي أتصل هاتفياً بمقر عملي؟ "، سألتُ الرجل الصغير. ألتفتَ إليّ، متسائلاً ببعض العجب: " تتصل بالهاتف! في مثل هذا اليوم؟ ". وقبل أن أكرر الطلب، فإنه نفخَ شدقيه مستطرداً: " شبكة الهاتف متوقفة يا سيّد، ولن تبدأ بالعمل ثانيةً قبل وأد هذه الحركة العمومية ". سألته وأنا أكثر حيرة: " ولكن، أيّ حركة تعني؟ "
" آه، إنك تجهل ما جرى! إنها النقابات، يا سيّد.. لقد تحوّل الإضراب العام إلى حركة مسلحة تبغي القضاء على كيان المملكة بمؤامرة متحركة، محبوكة من قبل الجزائر والسفارة الفرنسية والبوليساريو والسوفييت.. "
" إذا كنت تقصد الشيوعيين المغاربة، فإنهم على علمي مشتركون في الحكومة وممثلون بالبرلمان. أما لو كان الأمر يتعلق بدولة السوفييت، فإنها في طريق الإنهيار التام كنظام شيوعيّ وذلك بهمّة قادتها أنفسهم "
" ربما كان الأمرُ كما قلتَ، بخصوص السوفييت والشيوعيين المغاربة. ولكنك من المشرق، ولا أعتقد أن لديك مثل هذه المعلومات الجيدة عن جنرالات الجزائر وعملائهم البوليساريو والذين يلقون التشجيع من الفرنسيين "
" قد يكون الأمرُ كما قلتَ! "، قلتها مكرراً بتفكّه مستهل جملته آنفة الذكر. ثم أضفتُ بحماسٍ متكلّف: " ولكنني أريد أن ألفت نظرك، إلى حقيقة أنّ الجزائر ما تفتأ تغوص في مشاكلها المزمنة، وأنّ الفرنسيين هم أصدقاء جلالة الملك الأقربون... ". فقاطعني حالاً بالقول، وهوَ يهزّ رأسه كخبير بأسرار الدولة: " كان ذلك في الزمن المنصرم، أما اليوم فإنّ الوضع مختلفٌ كلياً. لقد أطلق ميتران، الرئيس الإشتراكيّ، كل الأفاعي والعقارب خلال فترة حكمه لكي تزحف إلى التراب المغربيّ عبرَ ثغرة الصحراء والبوليساريو. إنّ شبحَ المهدي بن بركة، شبحَ الهلاك، يحوم اليوم فوق المغرب! " فلما قال ذلك، فإن صورة صديقنا " المهدي " مثلت أمامي مثلما كانت عليه بالأمس، حينَ أنبأنا محذراً من إمكانية حصول إضراب عام في البلد. ولكن صورة أخرى، عليها كان أن تفاقم من قلقي. على أنني طمأنت نفسي نوعاً، بفكرة بدت أكثر واقعية: " بما أنّ الإتصالات مقطوعة، علاوة على شلل المدينة كلياً، فمن المؤكد أنّ الخانم ستلغي الإحتفال بعيد ميلادها الليلة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الحاء 2