أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3















المزيد.....

حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5337 - 2016 / 11 / 8 - 02:04
المحور: الادب والفن
    


حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3


رجع البرجوازي السعيد إلى مكانه في متصف الرازونة حيث ربط بإحكام حبل المشنقة التي ركبها محل تعليق قفص البلبل، وهو ينظر إلى ما حوله نظرة الوداع، القرار الذي أختاره وهو بكل ثقة يمارس لذة حرية القرار، أو يكون غير مجبر على ما لا يريد، تأكد من متانة الأربطة ومن متانة الخشبة التي قدر أنها تتحمل ثقل جسده وهو يتدلى من عليها بعد أن يخرج رجله الأخيرة من حافة الرازونة.
تماما وعلى شباك الغرفة المقابلة وقف البلبل بصورة عمودية على قضيب الحديد الذي يربط بين صفحتي الشباك، وكأنه يقول (يا صديقي) دعك من هذا الجنون، فكلنا بالأخر مجرد وجبة لذيذة لكائنات أخرى، كما كانت كائنات أخرى وجبة لذيذة لنا، أرجوك أنتظر يا محرر العبيد والأسارى.
_ ماذا دهاك أيها المجنون ألم ترى كم هي جميلة الحرية، ألم ترى هذا الأفق الممتد حيث تعجز بصرك وبصيرتك أن تخمن حدا لها... ماذا دهاك أيها العبد المعتوه وأنت تعود لقبرك في الحياة.
_ أغرب أيها العبد... أغرب عن وجهي.
ما زال الطير يتنقل بين أطراف البيت من السلم إلى الشباك، ويمر قريبا من وجه البرجوازي الصغير الذي لف الرباط تماما حول رقبته، لا يستطيع أن يهش بيديه على هذا الكائن الذي فيما يبدو يتوسل إليه أن يعود إلى جنونه الترفي وينسى حكاية القرار السعيد.
_ إن لم تعود إلى حريتك سيكون عالمي أسود أيها الصغير، أرجوك أذهب ودعني أتمتع بسعادتي، لا تفسد علي حريتي، فقد أكون أكثر سعادة لو ذهبت بعيدا تبحث عن أبناء جنسك هناك حول المدينة أو على أشجار حدائقها.
_ أرجوك أنك لا تقدر ثمن الحرية فهي أغلى من الحياة أحيان... لا تخف يا صغيري فلا أحد سيصيبك بحجر لتسقط صريعا... هذا أحتمال جدا صغير، ولكن أحتمال أن تعيش حرا هو الأكبر صدقني.
_ سأكون أكثر تعاسة لو عد أبي وأمي ووجودك فوق جثتي سيكون الأمر مرعبا لك، قد يعيدوك للقفص مرة أخرى أو يمسك بك أحدهم لتكون بعد قليل مجرد لحمة صغيرة تشوى في سيخ حديد على نار مجمرة حمزة أبو الكباب.
_ أرجوك أذهب وأنا سعيد بك حرا في عالم بلا جدران.... أرجوك أكمل سعادتي بسعادتك وإلا يبقى الميزان مختل بيننا.
لم يترك الطير الصغير الدار برغم كل توسلات البرجوازي الصغير ولم يعر لها أهتمام، أحيانا يكون العنف واحدا من أهم طرائق الوصول للحرية، وأحيانا لا بد منها لكي نقنع الناس أن الحرية تحتاج لثمن ما، خلع الحبل من رقبته وأعاد وضعه متأملا ما يجري، رجلاه متدليتان إلى أسفل وهو يجلس على دكة الرازونة يحاول أن يجد طريقة ما ليقنع الحر المتمرد أن لا عودة للعبودية.
هل يا ترى أن ما كتبته منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما ووصل إلى أماكن قد لا أتذكر أماكنها الآن، أو حدودها البعيدة عني قد ذهبت أدراج الرياح، كيف لي أن أقنع إنسانا يملك مزاجا وعقلا وشهوات ونفس أن يؤمن بفكرتي عن الحرية وقد عجزت عن إقناع هذا الصعلوك الكافر بحديث تافه عن معنى التحرر، قد لا أكون أدركت بالحقيقة معنى الحرية أصلا، أو قد أكون مجرد وهم ضرب مقدمة عقلي فقادني للجنون كما تزعم جارات أمي هنا في المحلة.
والدي الذي تمنى أن أكون مهندسا مدنيا بعد أن نلت أعلى الدرجات في الدراسة الثانوية ليفتخر بي بين زملائه البنائين، هل كان حرا في أمنيته أم أني لم أكن حرا حين أخترت الأدب، فقذفت بكل أمنياته في سلة اليأس والخيبة، أحيانا نكون عبيد جبناء لأنفسنا بفكرة أو لفكرة ما فنتوهم أننا أصبحنا بذلك أحرار، أكبر الكبائر أن تصنع لك أطارا خاصا من الحرية وتتقوقع فيه وتنسى أنك سجين له، سيكون ذلك عار حتى لو كان مصنوعا من الذهب الخالص.
أنجز في السنتين الأخيرتين كتابين مهمين في نقد المذهب السلطوي في بنية السياسة المعاصرة، كان الأول بعنوان البرجوازي السعيد تكلم فيه عن نظريته الخاصة بالجدل التاريخي حول مفهوم السلطة والحرية بين القانون والمعرفة، والأخر الذي أثار كثيرا من الجدل حول عقيدة الإنسان الطبيعية هل هي خيار أو أحتلال واقعي، كان الأخير محل جدل واسع فصادرته الحكومة بعد أن ظن الكثيرون أن البرجوازي الحر يمس أسس العقيدة الدينية ويدعو للتجرد من الدين.
أسهم هذا القرار في لفت الأنظار إلى كاتب جريء وجسور في العبور بالعقل من مرحلة التوجس إلى مرحلة الصدام المباشر، لكن الملفت للنظر أيضا أنه بقي مغمورا عن كثير من المثقفين داخل المدينة وخارجها، قد يعرفه بعض زملاء الدراسة ولكن الغالب ممن قرأ أو سمع عنه أو عن الكتابين لم يعرفه، أو حتى لا يظنون أن الكاتب من هذه البيئة التي تحرص على بنيان جدرانها الداخلية أعلى من قاماتها لكيلا ترى من قريب أو بعيد ولا تُرى.
وقع خطوات الأولاد وضجيهم قرب الباب وهم يلعبون (الدعبل) وحركة النساء في الدربونة يصله واضحا، لا سيما هذه فترة التسوق التي أعتادت النسوة أن يذهب بها إلى مكان قريب للتسوق أو شراء مستلزمات البيت، قبل أن يعلو الضحى فتبدأ الأمهات برحلة الطبخ والتهيؤ لقيظ الظهيرة، كل ذلك لم يشغله عن متابعة حالة الطير العنيد، وجد نفسه عاجزا من أن يتخذ قرارا ما أو يلجأ لحيلة تعيد للبلبل وعيه بالحرية.
أشياء كثيرة قد نرغب فيها أو نحاول ألا تكون في طريقنا ولا ننجح في ذلك، هل من الحرية أن ننجح دوما أم من الحرية أن نترك القدر يلعب معنا مباراته وفقا لشروطه، وعلينا أما الأستجابة العندية أو المسايرة الطوعية، في كلا الحالتين لسنا أحرار هناك من يرغمنا على أن نفعل ما يريد، لا عليك أيها العقل السعيد لا تنجر بعيدا عن هدفك فتضيع كل سنينيك الماضية وأنتصاراتك في لحظة هزيمة مرة..... أضحك أيها الفتى البرجوازي السعيد.... أضحك عاليا وعاليا جدا لتهزأ بالقدر... عاليا نعم بكل قوة لتسعد روحك وأنت حر.
لم يكن ضحكا عاديا... كان صراخا يحطم الجدران وينزع من السكون المخيم على البيت كل هيبته وهو يضرب بقبضته جدران الغرفة، صراخ مر بعنوان الضحك وبكاء هستيري تتناوبه لحظة صمت، رؤوس بعض المجاورين تتدلى من لتشهد أنتفاضة غريبة لبيت لم يعرف إلا الهدوء والسكينة، بعض النسوة والأطفال تجمهروا أمام الباب يتخوفون من الدخول عسى أن يكون كريم قد جن تماما، أقدامها لا تسعفها الركض وقد رأت المشهد المهول أما باب بيتها وهي قد تركت كل شيء قبل قليل كالمعتاد.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح2
- حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح1
- الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح 3 (راهنية التجربة في الواقع ...
- الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح2
- الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح1
- إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة
- غناء للموت والحياة والمطر
- الفكر الإسلامي وعقلية الأحتواء
- اليسار العربي والمدنية الديمقراطية ... أختلاف وأتفاق
- فضاءات العقل الإنساني بين المتخيل والواقعي
- المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح2
- المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح1
- التجربة البشرية ومهمة الدين.
- الطريق إلى الوعي الطريق إلى الديمقراطية والمدنية.
- وأنا المجنون زماني
- صراع الماضي على أطلال الحاضر(تركيا الحاضر والعصملية المتجذرة ...
- تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي
- ليس بالخمر وحده يموت الإنسان.
- وهم الظل المتعافي
- المشرع العراقي بين وهم ثوابت الإسلام ومبدأ الحرية الشخصية وح ...


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3