أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - المنشق السوري الكبير















المزيد.....

المنشق السوري الكبير


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1417 - 2006 / 1 / 1 - 09:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بًقّ كنز الأسرار السوري السياسي البحصة التي علقت في حنجرته عقودا وهو يراقب، ويشارك بالسيرك السوري الرهيب، وفتح باب التكهنات على مصراعيه، مهددا بأن لديه المزيد، والكثير الخطير لو تجرأ أحد على الرد ومحاكمته، ولا شك بأنه يملك الكثير. بقّ خدام البحصة السياسية، بعد أن ضاع سابقا كنز الأسرار الأمني السوري في لبنان الجنرال كنعان، وبقيت البحصة الأمنية في جوف أحد أركان النظام المعروفين. لقد كانت تحليلات "الأستاذ"، الوصف الرسمي للإعلام السوري للسيد عبد الحليم خدام، الذي سمع السوريون مرارا وتكرارا تنظيراته ورؤيته الجافة والمتخشبة حتى نشفت دماؤهم، وتورمت قلوبهم في الزمن السالف الرديء، وتقديمه المليل لـ"العرض الشامل"(لازمة فريدة وعجيبة في الإعلام السوري تنسب الآن أيضا للسيد وزير الخارجية) عن مجمل التطورات السياسية في المنطقة وسط جموع السُجّد الخاشعين، نقول كانت تحاط بتلك الهالة من القداسة والشرعية الثورية التي كانت تفرض على الفقراء والجائعين السوريين، الذين يتغذون بالقمامات، الذين اكتشفهم وبالصدفة فقط هذا اللورد الثوري مساء أمس من قصره الأسطوري الباريسي الفخم. إنه إعلان حرب لنبش وفتح الملفات السرية المتبادلة بين مختلف الأطراف، ونشر الغسيل على كل الشرفات. إنها إغلاق لكل الأبواب، أو احتمالات لأية عودة للوراء، ورسالة لا تقبل التأويل بالقطيعة الشاملة، مع نظام عليل رباه، وسواه في زمن القلة والغلاء.

وبعيدا عن توصيف وتقييم المواقف السياسية، ومدى شرعيتها، في الميزان الأخلاقي، فإن تصريحات السيد عبد الحليم خدام لا تخرج برمتها عن نطاق الانتهازية، ومحاولة تبييض للمال والسلوك السياسي في زمن أسود مدلهم بغيض، وهي تطبيق حرفي للقاعدة السياسية الذهبية التي تقضي بتغيير الولاءات، والتحالفات، والاتجاهات مع تغير موازين القوى السياسية. وهو يرى بوضوح جلي، كما الجميع، كيف يتداعى ذاك البناء، وكيف تنهار "طوب" الجدار للستار الحديدي طوبة طوبة، وكيف تضيق الدوائر رويدا رويدا، ويوما بعد آخر، وكيف تتعرى وريقات الشجر الصفراء، وتتساقط الواحدة تلو الأخرى، في أرض النظام الفقير، التي أصبحت خاوية ومقفرة إلا من هذه الخبطات الفضائحية المتوالية.

والسؤال هل يملك السيد خدام، ومن خلال موقعه، وشبكة العلاقات العنكبوتية، الرفيعة والعريضة التي يملكها، أية معلومات حول اقتراب هذا الانهيار الوشيك، والكلي، لنظام يصارع، وعلى أكثر من جبهة من أجل البقاء، ويحاول عبثا، عبر ديبلوماسية قاصرة، عديمة النفع والفائدة، سد سيل الفجوات الكثيرة التي بدأت تتفتح في وجهه بشكل عشوائي وفوضوي، وبدون أجندة ومواعيد؟ هل هذا ما دفعه لهذا الإعلان الصاعق والمدوي الذي يعتبر بحق تسونامي سياسي سوري هو الأول من نوعه، والذي لم يألفه الشارع السوري خلال نصف قرن تقريبا من سياسات المواربة، والمداهنة، والمداراة، والتعتيم والحصار، والمحاولة الأبدية الفاشلة للخروج بتلك الصورة الزاهية والوردية من الطهر والنقاء الثوري لفقهاء الزماء القوميين والاشتراكيين، وبعد الفشل الذريع والمريع للقبضة الأمنية التي صوبت باتجاه الصغار، و"الثرثارين" والمساكين لكنها الانفجارات الصاعقة والكبرى تأتي تباعا من رجال النظام المدللين؟ وهل يريد السيد خدام، ومن خلال تركيزه على أحد الجنرالات الأمنيين الفاعليين، أن يوحي بأن لهذا الأخير دورا محوريا، ومركزياً في جريمة اغتيال الرئيس الحريري؟ ويغمز من قناة القيادة، في اتهام غير مباشر، بأنها تتمسك به بهذا الحرص والشغف الكبير، لذاك السبب الوحيد؟

ولن نكون من المجحفين، ونمضي هنا في نبش ماضي الرجل السياسي، أوالمالي التليد ، دون النظر لمجمل السلوك العام والكلي لبقية فريق العمل الملحقين، والجوقة الأخرى الكبيرة من الأثرياء الغارفين. لأنه، وفي الحقيقة، لا يختلف كثيرا عن تلك السلالة الفريدة التي فرختها أنظمة الإفقار والتعتير، وحيث أنه يعتبر، وبالمقاييس الدنيا للسلطة الشمولية، نمطا نموذجيا، ومثاليا لما هو عليه معظم رجالات النظام التاريخيين، الذين لم يتورعوا عن الغرف، وبنهم لا يشبع من خزائن الذهب التي فتحت على مصراعيها، ودون حسيب أو رقيب وخلفت وراءها تلك الطبقة الكهنوتية المافيوية من المليارديريين، ذوي الثروات الأسطورية والخرافية. ولن نتحدث أيضا، عن وقوف الرجل بقوة وشراسة، بوجه ربيع دمشق، وزج رموزه الخيّرة في غياهب الأقبية والزنازين، وهو نفسه الذي حذّر القيادة وقدّم، وبإلهام سياسي حرّيف يحسد عليه، مفهوم "جزأرة سورية" ، داعيا إلى عدم المضي قدما بذاك الشكل المتهور في طريق الإصلاح، الذي يتهم الآن عواقب فشله، وتعثره، وعرقلته على جهات عليا في النظام، مضيفا بأنها تدعم أيضا، وتحمي، الفساد والمفسدين. ووأد بيديه "البيضاء"، ذاك الحراك التاريخي، بعدما شعر لوهلة أنه سيخرج عن مساره العادي والبسيط، حين بدأ بنبش "ملفات كارثية نوّمت بالقوة، وبالإكراه كرمى لعيون الرفاق الثوريين". ولكن يبدو أن الرجل قد توصل لقناعة شبه كاملة، بدنو الأجل المحتوم للنظام، وانفضاض جميع الساهرين من حوله، وتملّص الأصدقاء المزمنين منه، ويبدوأيضا، ومن خلال ذلك، أن السيد خدام يعتقد بأنه ما يزال سياسيا بارعا بامتياز، وهو يعرف بالضبط متى يكر، ومتى يفر، ومتى يلتزم الصمت الحكيم.

وبمحض الصدفة التاريخية التي تجمع كل الأقدار، والأحداث الرمزية المتشابهة، لتصب في نفس قناة "التصريف"، تتزامن هذه التصريحات مع اعتقال السيد منذر الأسد في مطار بيروت، بموجب مذكرة جلب دولية. ومع الإدراك التام باختلاف وتباين القيم المعيارية، ومكانة، وسلوك الرجلين العام وموقعهما الاعتباري العام، فإن كل ذلك لا يخرج عن نطاق التصدع المتواصل الآخذ في الازدياد والذي بدأ يفتك فعليا بأركان، وجدران النظام على حد سواء، هذا إذا وضعناها جنبا إلى جنب مع الخروج أو الإخراج المدوي، ولا فرق، وبتلك الطريقة التراجيدية للجنرال كنعان، الذي كان حجر الزاوية الأثير في البنيان. كما تصب ملاحظة خدام لـ"صاحب" المليارات الأربعة المرحوم، وبشكل ما، في هذا الصوب والاتجاه، وكذلك مثول جنرالات النظام الأمنيين أمام لجنة التحقيق، وبكل ما في ذلك من تقليل، وتقويض، لهيبة النظام الاستبدادي، إضافة لظهور السلوك الديبلوماسي، برموزه المخلدين المؤبدين، بذاك الشكل المتواضع المتعثر، في أعلى منابر الشرعية الدولية. هل هذه كلها مؤشرات "الاحتضار الكبير"، برغم تسريبات الصفقة، والنجاة التي تروج بين الفينة والأخرى، والتي من أولى مهماتها أن تعطي جرعات التهدئة لأكثر من فريق؟

ولو أن هذه التصريحات أتت في بلد فيه شفافية، وديمقراطية، وحرية تعبير وإعلام، فهي لن تستأهل كل هذا النفير والتهويل، وربما لن تنشر إلا في الصفحة الأخيرة وعلى عمود مهمل، أو في ذيل نشرة أخبار كنبأ فيه شيء من الطرافة والتسلية، نظرا لما يكتنف العمل السياسي وسلوك السياسيين من فضائح ورذائل يندى لها الجبين في عموم البلدان. إلا أن الصاعق في هذه الحالة هنا أن تأتي من أحد أركان نظام شمولي استبدادي متسلط كرس مجمل حياته ونشاطه وجهده للحيلولة دون ظهور هذه الأدران وبهذا الشكل الفضائحي الوضيع. وينظر إليها في سياق سلوك الانشقاق Dissidence الذي ميز الأنظمة الشمولية عموما، والذي يعتبر كفرا سلطويا، وخيانة كبرى، وخروجا عن الجوقة التي تردد جميعا لحن الولاء، والوفاء الوحيد، وإنذارا أكيدا بتحول قريب.

أعراض الإحتضار، وملامح الموت الوشيك، التي بدأت تتبدى على نظام فقد كل مبررات وجوده المحلية، والإقليمية، والدولية، وصار عبئا على نفسه، وعلى الجميع، وجزءا من الماضي والتاريخ ، والتي لم يعد ينفع معه، بعد الآن،عمليات التجميل، أو أي تصريح تخديري مألوف هنا، وهناك، خبره السوريين منذ سنين، لرئيس مجلس الوزراء مثلا، أولنائبه العجيز، أو بيان تطبيب، أوتطييب لخواطر مكسورة، لعموم الجماهير بزف البشرى الوطنية، عن قرب عقد اجتماع للقيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، لتبحث "إمكانية" التكرم، وحدودها القصوى، بمنح بعض الحقوق الدنيا الأسيرة في جيب آيات الله الثوريين للمواطنين، ورفع النير عن كواهلهم الذي أثقلهم لعقود من السنين. ربما أدرك المنشق السوري بحسه السياسي، أو من خلال إمساكه ببعض من خيوط ذلك "الأمر الخفي"، بحكم قربه من مراكز القرار العالمي. هل هيوحدها التي تقف وراء هذه المباشرة، والتحدي، والسفور السياسي الإباحي، أم صحوة متأخرة للضمير؟ وهل كان من الحكمة، أصلا، الإقدام على هذه المجازفة الانتحارية الكبرى، وقلب الطاولة على الجميع، بهذا الشكل المثير، لولا وجود مؤشرات يحتفظ بها ، والتي، لو ظهرت للعلن، لربما كان فيها من الإثارة، والغموض، والتحفيز، أكثر بكثير مما جاء في التصريحات القنبلة، والتي ربما لن يمكن أن تسمع أصواتها، أو تكون ذات أي أثر، لو قرر أن يرمي، في لحظة ما بـ"المفرقعات" تلك؟

من الواضح أن سلسلة المفاجآت هذه لن تتوقف، عند مرحلة، أو شخصية من نفس الوزن الثقيل، والمعروف دائما حين تفتح أية فجوة في هكذا جدران، فهو الإيذان الأكيد، بالانهيار، والفتح الكبير.

واحد آخر من أعمدة النظام الكبرى يهوي، ويسقط ربما أسير طموحات، أوحسابات ناجزة ومحسومة قادمة في الأفق القريب، وفي محاولة لحجز دور مأمول في مرحلة تالية ووافدة بلا ريب. ولكن، من بمقدوره الآن، وفي هذا الوقت المتبقي الضئيل، وربما بعد فوات الأوان، أن يوقف مسلسل الانهيار، أو أن يفكر بجد في إعادة البناء، والترميم؟

والسؤال الأكثر إلحاحا، من هو "اللورد" التالي، على لائحة نشر الغسيل ؟



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيبا على تعقيب
- مرايا السوريين
- البرلمان العربي: سراب السراب
- شجرة الحرية
- الحجاج نويل
- الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
- صلوات لاستسقاء الديمقراطية
- نقطة نظام
- عندما تطفئ الشموع
- لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
- نبوءة علي الديك
- مدرسة الحوار المتمدن
- نهاية رجل شجاع
- مُصحف سيادة الرئيس
- عودة الوعي للسوريين
- قناة الشام الفضائية
- الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
- فرصة الأخوان التاريخية
- الاستبداد هو الاستبداد
- نجوم خلف القضبان


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - المنشق السوري الكبير