أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: زاء















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: زاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 01:36
المحور: الادب والفن
    



في الليلة عينها، أتفقَ عَرَضَاً أن كان ثمة مسرحيتان؛ إحداهما تمثّل على أرض الواقع، والأخرى تُعرض على خشبة المسرح الملكيّ. فأما الأولى، فإنكم حضرتم بعضَ فصولها، وهيَ ما زلت مستمرة على أيّ حال. لقد كنتُ أنحو حتئذٍ إلى إعتبار القدَر ككاتب لهذه المسرحية، إن كان على لوح محفوظ أو لوحٍ مسماريّ. على أنني أجدني في منحىً آخر، موجّهاً سبابتي نحوَ شخصٍ يجلسُ بجواري في المكتب بإعتباره الكاتب الحقيقيّ لا المجازيّ. وكانت " شيرين "، في الليلة السابقة، قد أسْمَت " سوسن خانم " كبطلة للمسرحية. كان ذلك، بعدما ثابت شقيقتي إلى رشدها على أثر مواجهة أحتدمت بيننا على خلفية قضية الخطبة. فما لبثت أن فاجأتني بقولها: " ولكنّ مسيو غوستاف لم يطلب يدي، بل لمّحَ إلى الأمر. فكيفَ جازَ للخانم الزعمَ، بأنه عرضَ عليّ الزواج؟ "
" أظنكِ تعنين، أنها أطلقت بالونَ إختبار لكي تتأكّد من وساوسها؟ "، قلتُ محتاراً وقد أمتلأ داخلي بالهمّ هذه المرة. فلو أنّ الأمرَ كذلك، فإنّ " سوسن خانم " تقتاتُ على الدسائس كأيّ امرأة من العوام، وأيضاً، لا تكنّ لي أيّ إعتبار خارج خططها. عليّ كان عندئذٍ أن أتذكّر كلمات " رفيق "، حينَ قابلته آخر مرة، وكيفَ سَخَرَ من إدعاءات هذه المرأة الأرستقراطية كما وحذرني من غدرها. مثار حيرتي في الأمر كله، أنّ الخانم لديها إمكانيات مادية كبيرة وهيَ لا تحتاج لشخص مثل " مسيو غوستاف "، ناهيك عن سحر شخصيتها وفتنتها. فضلاً عن أنّ هذا الرجل، المعروف بسيرته كلواطيّ، لن يستطيع تحقيق رغبات امرأة متأججة الجسد والعواطف، بله إخصابها. كان على الأيام أن تمرّ، كي تُبسط لي " الشريفة " حقيقة الأمر؛ هيَ من كانت بمثابة نجيّة الخانم وكاتمة أسرارها.
يتعيّن عليّ القول، قبل الإنتقال للحديث عن العرض المسرحيّ الحقيقي، أنني نادراً ما كنتُ أخرج مع الخانم إلى مكان عام. مرة واحدة حَسْب، رافقتها في الذهاب إلى صالة سينما " كوليزي " في غيليز لحضور فيلمٍ فرنسيّ. هذه الصالة، وكانت غير بعيدة عن العمارة التي كنتُ أقيم فيها، تعتبر متفرّدة في مراكش لناحية أفلامها الجيدة. فيما غالب الصالات الأخرى، وخصوصاً رخيصة الثمن، كانت أفلامها رديئة علاوة على كونها أمكنة موبوءة بمتعاطي الكيف واللواطيين. لم يكن الحال ليختلف كثيراً، هناك في مدينتي الأولى. فباستثناء صالة سينما " الكندي "، لا يمكن للمرء أنّ يحضر فيلماً جيداً في شقيقاتها إلا كل فترة بعيدة. مثلما أنّ دمشق تخلو من مسرح حقيقي، ناهيك عن دار أوبرا، ولا يزدهر فيها سوى أمكنة تغلي بالمخبرين ـ كما في المراكز الثقافية، المختلفة الإنتماءات؛ من العربي مروراً بالروسي وإلى الفرنسي.
دار الأوبرا الملكية، لمحتها لأول مرة آنَ خروجي من محطة القطارات ليلاً في باكورة أيامي بهذه المدينة. آنذاك بدت لي قبة الدار الضخمة عن بعد، وما يكمن خلفها من سطحٍ هرميّ، كأنها إحدى الهولات اللواتي أعترضن " أوديب " على مدخل مدينة طيبة. هأنذا أرودُ المكانَ في ليلةٍ أخرى، وقد أضحيتُ شخصاً آخر مُختلفاً تماماً عما كنته لدى قدومي إلى مراكش قبل قرابة الثلاثة أشهر.
مثلما سَلَفَ القول، فإننا كنتُ مع الخانم ليلتئذٍ، آتيين بعربة كوتشي يقودها حوذيّ عجوز وبجانبه تجلسُ امرأة جميلة الملامح، منكسرة الخاطر. على أنّ هذه المرافقة، نفضت عنها آثار الكآبة ككل حينٍ مُتطلّبٍ كفاءتها في تسيير أعمال من تخدمهم بهمّة وإخلاص. فتحتْ إذاً بابَ العربة لمخدومتها، ثم ساعدتها في التملّص من ربقة بابها الخشبيّ المُزخرف بعروق ملوّنة. عند ذلك رمقت الخانم مرافقتها، وهيَ تفرك يديها بحيوية، قائلة وكأنها تُبرر ما كان من مسلكها معها: " أوف، لكأنني كنتُ مقيّدة الأطراف في هذه الحجرة الضيقة! "
" الله يكون ف العوان.. "، أجابتها الأخرى بتعبيرٍ محليّ وقد رسمت بسمة متسامحة على شفتيها الشهوانيتين. الساحة الفسيحة، أين تربضُ الأوبرا بعمارتها ذات المستويات الثلاث، كانت مُضاءة بمصابيح أنتيكية قوية لدرجة إقلاق رقاد أشجار النخيل وتعريشات المجنونة. ما فاقمَ من الأمر، بالنسبة لتلك الكائنات الخضراء على الأقل، هوَ وجود فرقة كَناوة بإيقاعات صاخبة لطبولها ومزاميرها وصرخات موسيقييها المكتسين أردية تقليدية. همست الخانم في سمعي: " كم هم أغبياء أولئك المسؤولين، الذين يوعزون بهكذا عرض فلكلوري وكأنهم يعتذرون للعوام عن إستدعاء فرقة مسرحية فرنسية ". لم أعلّق على كلامها فوراً، مع أنني أعجبتُ به على ما فيه من فكرة جدالية. غير أنني أنسقتُ مع جوّ المرح، فما عتمت أن قلتُ لمخدومتي بنبرة حاولت أن تكون ودية: " ربما أنّ هذا مجرّد إستقبال تقليدي للضيوف الأجانب، مع أنه من الممكن أن يكون أيضاً حركة إعتذار! ". لعلّ الخانم فهمت ما في تعليقي من لمز، كما بدا من إشاحتها لوجهها إلى جانب. ثمّ إذا بسحنتها تُضاء بلآليء فمها المتبسّم، لما لمحت من تدعوه " أستاذي الشاعر " وهوَ يتقدّم من موقفنا. كان الرجلُ برفقة امرأته، يتبعهما شقيق هذه الأخيرة وزوجته.
ثمة، عند مدخل المسرح، أستقبلنا أحدُ أدلاء النظارة وقادنا عبرَ درج عريضٍ إلى اللوج المخصص لجماعة الشاعر. على عكس عمارة الدار الخارجية، المهجّنة بمثيلتها المصرية ( الأعمدة ذات التيجان المصوّرة زهرة اللوتس والسطح الشبيه بالأهرام والقبة الأيوبية الطراز )، لاحظتُ أنّ العمارة الداخلية كانت من صميم الفنّ المغربيّ العريق؛ وبخاصّة التلبيس والنقوش والزخارف. نفحات العطور الفرنسية، تصاعدت مع بدء معزوفات تمهيدية من فرقة موسيقية تنتمي لبلاد الفرنجة نفسها ـ كما الكثير من الحضور سواءً بسواء.
" لم يبدأ العرض بعدُ، وها هوَ أحدهم يغط بالنوم على أنغامٍ لم يألفها "، عادت الخانم تهمس في أذني. ذهبَ بصري مع إشارتها، ليحطّ على مواطن حسن الملبس، منتفخ الكرش، يُصدر غطيطاً مسموعاً. فلما توقفت الموسيقى بغتة، ليرافقها تصفيق النظارة، أفاق صاحبُ الكرش مفزوعاً وراحَ يتلفت حواليه وكأنما للملمة أجزاء حلمه. على أثر الإستراحة، جاء دورُ العرض المسرحيّ، وكان أحد أعمال " موليير " الكوميدية. إذاك، أنتقلت عدوى النعاس إلى مواطنين آخرين من ذوي الهيئة المُعْتَبَرة. فيما بعد، في موسكو، كنتُ شاهداً على مناظر مماثلة من جمهور النظارة. ولكنهم كانوا بمعظمهم نساء من سورية، جئن بإجازة كي ينضممن لأزواجهن، من رجال أعمال وتجار شنطة، عسى أن يعود هؤلاء قليلاً إلى جادّة الصواب بعدما كادوا يفقدونه مع الفتيات الروسيات. كان ذلك في المسرح الكبير، الشهير، وكان العرضُ يومذاك أوبرا " بحيرة البجع ". فما أن بدأت إحدى بطلات العرض بالغناء بصوتها الرفيع، إلا وتصاعد اللغط بين مواطناتنا: " ما هذا؟.. أهو غناء أم نواح؟.. لتنوح على عٌمرها إن شاء الله..! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: زاء