أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة















المزيد.....

رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


أفتُتح في غاليري المرخيّة بالدوحة معرضٌ شخصيٌ جديد للفنان التشكيلي المغترب سعد علي. وقد ضمّ المعرض 22 لوحة فنية مختلفة الأحجام والموضوعات نفّذها كالعادة بالزيت والأكريليك والميكس ميديا على الورق والكانفاس والأبواب والشبابيك الخشبية المُستعملة التي كيّفها الفنان لهذا الغرض خالقًا منها تُحفًا فنية آسرة الجمال. جدير ذكره أن لوحات هذا المعرض كلها قد أُنجزت بين عامي 2008 و 2016 بمدينة فالنسيا، وكما هو معروف فقد تنقّل الفنان سعد علي منذ سبعينات القرن الماضي بين إيطاليا وهولندا وفرنسا إلى أن استقر به المقام في Chiva التابعة لمدينة فالنسيا الإسبانية.
يُعرف الفنان سعد علي بتبّنيه لمشاريع فنية محدودة يشتغل عليها لمدة زمنية طويلة مثل مشروعي "باب الفرج" و "صندوق الدنيا"، كما ينجز بين أوانٍ وآخر أعمالاً فنية مستوحاة من قصص "ألف ليلة وليلة" وأجوائها الغرائبية الساحرة التي تتمحور غالبًا على الحُب الروحي والجسدي حيث يرصد الحياة الأسرية الباذخة، ويصوِّر الاحتفالات العامة والخاصة دون أن ينسى الوشاة والمندسّين الذين يسترقون السمع ليل نهار.
لا يمكن حصر تجربة سعد علي في مدرسة فنية معينة أو تيار تشكيلي محدد وليس صحيحًا بأنه ينتمي إلى المدرسة الواقعية فقط، بل هو مزيج من عدة مدارس أبرزها التشخيصية والتعبيرية والرمزية والسوريالية. إن منْ يدقق جيدًا في لوحات هذا المعرض سيكتشف من دون عناء رشاقة الفيكَرات اللدنة، ورهافة خطوطها، ودقة منعرجاتها، وربما تُذكِّرنا لوحاته ببعض أعمال أميديّو مودلياني لكنها لا تحيل إليه بالكامل فثمة مساحة مشتركة بين الإثنين لكنها تظل غامضة وتنتمي كل واحدة منهما إلى مرجعياتها التقنية والجمالية.
يمكن تقسيم لوحات المعرض إلى قسمين أساسيين من حيث الأسلوب، فنصف هذه اللوحات أو أكثر بقليل منفّذة على الأبواب والشبابيك الخشبية القديمة مستثمرًا مفهومي الباب والشبّاك، وإذا كانت جنة سعد علي أو فردوسه المفقود كامنة خلف الباب مباشره فإن أحلامه برمتها مُستقرة خلف النوافذ الخشبية التي صقلها وبثّ فيها الحياة من جديد. ومع ذلك فقد ظلت فيكَراته كما هي بمواصفاتها القديمة حيث العيون السومرية الواسعة التي تحيل إلى أقدم حضارة عرفتها بلاد ما بين النهرين، ومعالم الوجوه الرقيقة المتناسقة التي حسّنتها استطالات الرقبة، وليونة الأطراف وتمعجها. وكدأبه دائمًا لا يتخلى الفنان سعد علي عن تأثيث اللوحة حيث يضع شخوصه دائمًا في أجواء حميمية دافئة كالبيت أو الحديقة أو غرفة النوم. ولا غرابة في أن يدعوهم إلى حفل راقص وبهيج. وفي خضم هذه الأجواء لا ينسى أن يحيطنا علمًا بوجود المُخبرين، والقشّابين، ومتسقطي الأخبار الذين يتربصون في زوايا اللوحة وأمكنتها النائية المهمَلة.
لا شك في أن الجنّة التي يتخيلها سعد علي منبثقة من مخيلته المتقدة لكنه قد يختزلها في فتاة هيمانة أو صبي حالم هبط من الأعالي ليجد نفسه مستقرًا في عالمٍ لا يخلو من الدهشة والإبهار. تلك هي جنّة الفنان التي تسترخي فيها شخصياته وتجد نفسها محاطة بأعلى درجات الغبطة والحبور.
يشكِّل الحيوان مفردة أساسية في لوحة سعد علي ويهيمن عليها في بعض الأحايين خصوصًا حينما تكون هذه الحيوانات داجنة ووديعة مثل الظباء بأنواعها المختلفة أو القطط التي تستدرج المتلقي إلى دفء المنزل وحميمية علاقاته الداخلية. وفي لوحة "Lovely" لا تدري أيهما المحبوبة، هل هي المرأة الفاتنة أم الظبية الوديعة التي تستقر بهدوء تام بين ذراعيها الحانيتين؟
يركِّز سعد علي في بعض لوحاته على جانب من الحضارة الإسلامية أو على بعض أطيافها التي تشرق في ذاكرته من دون سابق إنذار ولا غرابة في أن تحمل إحدى لوحاته اسم "الحلم 13" لأنها مُستمدة أساسًا من سلسلة أحلامه الطويلة التي لا يستفيق منها أبدًا لأنه يحملها بين جوانحه مثلما يحمل الفيكَر الوسطي (وهو ابن العائلة الوحيد) المدينة الإسلامية بقببها اللازوردية المُريحة لعين الناظر.
يضمّ عمل Necessary خمس لوحات مستطيلة قياس (80 x 200سم) وربما يكون الفيكَر النسوي الذي تكرر خمس مرات هو نفسه مع بعض التغييرات التي فرضها مزاج الفنان. فهذا العمل مثل بقية الأعمال الحُلمية التي ينفذها غالبًا بالأكريليك أو الميكس ميديا لتبدو رقيقة شفافة تجسّد قدر الإمكان شاعرية الفنان الذي يرسم على وجه السرعة قصائد قصيرة ذات نهايات تنويرية خاطفة تتيح للمتلقي أن يمسك وهج الدهشة الذي يظل، في الأعم الأغلب، متلألئًا في مخيلته البصرية لزمن طويل. ربما تذكِّرنا لوحة المُعطيات الضرورية الخمسة بالحياة الصامتة أو الجامدة لكنها تتكلم أحيانًا مثل حبتيّ الفلفل الخضراوين اللتين خرجتا من صمتهما المطبق بإيحاء قوي من المرأة المتأججة التي بثّت الروح في اللوحات الخمس المستطيلة التي شربت من إكسير الحياة. التنوع في هذه اللوحة ناجم عن انشغالات المرأة، فواحدة تحمل جنينًا في جوفها، والأخرى تحتضن كلبها، والثالثة تنوء بفاكهة غريبة لكنهن جميعًا يتطلعن إلى المدى المفتوح الذي يقترب من الحلم كثيرًا أو يتحرك عند مداراته الساحرة في أقل تقدير.
تتعدد محبوبات سعد علي مثلما تعددت "فيكَراته النسوية" وربما تكون معشوقته الأبدية هي التي تجسدّت في اللوحة التي تحمل عنوان Darling1 حيث رسمها على الخشب وكأنه يريد أن يخلِّدها عليه لأطول فترة زمنية ممكنة. لم تكن مادة الزيت المنفذة على الخشب القديم هي الآصرة الوحيدة التي تربط بين لوحتي Darling1 و Darling 2 وإنما الوشم أو الرسم على الجسد، وخاصة على العنق، والذراعين، وظاهر الكفّ هو الذي يحيلنا إلى تجارب جانبية خاضها الفنان في حياته، إذ قدّم ذات مرة عرضًا حيًا رسم فيه موضوعاته الفنية على جسد فتاة هولندية عارية، وكان بحق عرضًا مدهشًا نال استحسان النقاد والحضور على حد سواء.
لابد من الإقرار بأن الأسلوب أو الشكل الفني أهم بكثير من الثيمة لأن هذه الأخيرة يمكن أن يصادفها الإنسان على قارعة الطريق. وأسلوب سعد علي يتطور عبر السنوات، وتتعمق تقنياته كلما خاض تجربة جديدة. إن خطوطه وضربات فرشاته لم تعد عنيفة كما كانت قبل عشرين عامًا، وأن ألوانه الصارخة بتدرجاتها المعروفة لم تعد وحشية وصريحة وساخنة كما كانت في مستهل حياته الفنية سواء في إيطاليا أو في هولندا. لقد تشذّبت تقنيته وباتت أكثر رقة ونعومة لتقترب كثيرًا من حافات الكمال الذي لن يصل إليه أي فنان مهما كان موهوبًا أو عبقريًا أو خارقًا للمألوف في مهاراته وقدراته الفنية.
يلعب اللون دورًا مهمًا في أعمال سعد علي الفنية لكن لوحات هذا المعرض برمتها تؤشر على تطوره التقني الذي أوصله إلى تحقيق هذه التدرجات اللونية المثيرة التي تنقل مشاعر الفنان وأحاسيسه الداخلية التي تصل إلى المتلقي بغض النظر عن ثقافته ومستواه العلمي. ربما يكمن رهان الفنان سعد علي هذه المرة على الرهافة اللونية التي تتناغم مع ميوعة الأجساد الأنثوية المتمعجة التي تسعى بكل طاقتها لأن تكشف عن مخزونها العاطفي الذي يتأجج تحت أدَمَة الجلد ولا تجد حرجًا في البوح به أو الإعلان عنه سواء في جنّة الأرض أو في فردوس السماء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشكيلي الهندي بُوبِن كاكار : إرضاء الجميع غاية لا تُدرَك
- أوغادين: عار إثيوبيا المخفي
- قيثارة أور الذهبية وعبق الزمن السومري القديم
- زرادشت: النجمة الصفراء. . .مغامرة وثائقية بلا أدلّة
- الأحياء المتوهجة في ممالك العتمة وأعماق البحار
- الفنان الكوبي ويفريدو لام وشخصياته المهجّنة في التيْت غاليري
- رصانة القصة في فيلم -على حلّة عيني- لليلى بوزيد
- ترييف العاصمة المنغولية آلان باتور في فيلم وثائقي
- حيث تنمو الأعشاب عالياً
- إشكالية الموت في فيلم -شبابِك الجنّة- لفارس نعناع
- الدورة الحادية والعشرون لمهرجان بورتوبيللو السينمائي بلندن
- قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين
- أفلام تخترق التابوهات السياسية والاجتماعية في مهرجان سفر الس ...
- أفلام عربية جريئة في مهرجان سفر السينمائي بلندن
- تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي
- سلالة باتريك موديانو النقيّة
- لُغز أُذن فان كَوخ: الحادثة الأشهر في تاريخ الفن المعاصر
- جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي
- -وصية لأجل الملك- وتنميط الشخصية العربية المسلمة
- الفن الأرضي الزائل الذي توثِّقه العين الثالثة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة