بين مفهوم (النخبة) و مفهوم (الأئمة)!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)

الحوار المتمدن-العدد: 5324 - 2016 / 10 / 25 - 21:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

ليس هناك تعريف حديدي محدد جامع مانع لمصطلح (النخب) ولكن هناك اتفاق عام على أن (النخبة) في أي مجتمع هو مصطلح يشير الى (القيادات والشخصيات النشطة المميزة والبارزة) في مجال من مجالات التأثير على عقول وأخلاق وحياة الناس ، هناك نخب وقيادات سياسية ، وقيادات ونخب ثقافية وفكرية وأدبية واعلامية ، وقيادات ونخب روحية ودينية ، وقيادات ونخب علمية وأكاديمية ، وقيادات ونخب اقتصادية ومالية وتجارية ... الخ ، ففي كل ميدان تجد رؤوسا بارزة ومؤثرة في توجيه تفكير وسلوك وحياة الشعب ، هؤلاء هم من يطلق عليهم في الغالب صفة النخب أي القيادات والشخصيات (النشطة) و(المؤثرة) التي تؤثر في حياة الناس ايجابا وسلبا ! ، البعض يطلق عليهم صفة (الصفوة) ، والبعض يفرق بين مفهوم الصفوة والنخب فيقول ان الصفوة هم نخبة النخب !!! ، وهكذا تتعدد التعريفات ولكن يظل الامر الجوهري ، وبغض النظر عن الاسم هنا ، فإن المسمى حقيقة واقعية وظاهرة اجتماعية متوفرة في كل زمان ومكان عبر التاريخ ، اي وجود شخصيات ورؤوس متميزة ونشطة ومؤثرة في عقول وقلوب وسلوك وحياة الناس والمجتمعات ، وافضل تسمية للنخب الاجتماعية او الصفوة ونخبة الشعب او (نخبة النخب) في تقديري الخاص هو ما ذكره القرآن الكريم حيث اطلق عليهم اسم وصفة (الأئمة) !! ، أي من يأتم بهم الناس ، فالإِمامُ ، في اللغة العربية ، هو مَن يأْثَمُ به الناسُ من رئيس مذهب او دين او دولة أو طائفة أَو غيره ، ومنه إمام الصلاة ، بل حتى (الكتاب المتميز المؤثر) في فكر وتاريخ وحياة الناس يمكن اطلاق صفة (إمام) عليه سواء أكان تأثيره حسنا وايجابيا او سيئا وسلبيا فهو في الحالتين يظل كتابا إماما ودليلا مرجعيا ومصدرا من مصادر التلقي والمعرفة لدى الناس ! ، والقرآن الكريم ككتاب هو إمام المؤمنين في الدنيا والآخرة ! ، كما أن من معاني الامام ، لغة ، دليل المسافرين وحادي الإبل والمثال والمقياس الذي يتخذه الناس مرجعا ومثالا بغض النظر هنا عن كونه باطلا او حقا ! ، وبهذا فالأئمة هم الأشخاص المتميزون المؤثرون في الناس ،فالناس يتأثرون بهم ويقتدون بهم ويتبعونهم ويتخذونهم قدوة واماما ومثالا لهم في الحياة او ومقياسا وقدوة فيما يعتقدون انه حق وعدل وخير ونجاح، لا بالمعنى الديني او السياسي فقط بل حتى في مجال الفكر والفلسفة والثقافة والعلم والاقتصاد والتجارة والفن والاخلاق ..... الخ ، فكل المجتمعات فيها (أئمة) بمثابة (الأعلام) ، كعلم أي جبل فوقه نار ! ، او هم كالنجوم التي تهتدي وتقتدي بها الناس في شتى المجالات والميادين فهم شخصيات متميزة وبارزة ومؤثرة في عقول واخلاق وواقع الناس سواء بالخير والهدى والصلاح العام ، او بالشر والضلال والفساد العام ! ، فكلهم ينطبق عليهم صفة ومسمى واسم (الأئمة) بمصطلحات ولغة القرآن ، فماركس مثلا من اهم أئمة الفكر الشيوعي والاشتراكي والفلسفة المادية وكتابه (رأس المال) كتاب إمام فهو مؤسس مذهب سياسي وتاريخي واجتماعي واقتصادي كان له أثر كبير في تفكير وحياة الناس ، وآدم سميث من أهم أئمة الفكر الرأسمالي والفلسفة الليبرالية وكتابه (ثروة الأمم) كتاب إمام ! ، هتلر امام من اهم أئمة المذهب النازي العرقي ، و هرتزل أكبر إمام للفكر الصهيوني ! ، تشارلي شابلن من أوائل واكبر أئمة فن التمثيل السينمائي! ، مارتن لوثر من أهم أئمة وقادة الاصلاح الديني المسيحي في اوروبا ، الامام احمد وابن تيمية وابن عبد الوهاب من اهم أئمة ومرجعيات الفكر والتيار السلفي الاثري (مدرسة أهل الحديث) ، وعبد القادر الجيلاني من اهم أئمة التيار الصوفي ، وحسن البنا هو امام الفكر الاخواني وجماعة الاخوان المسلمين ، وجمال عبد الناصر امام الناصريين وكتابه (الميثاق) إمام ومرجع لهم ، وميشيل عفلق امام ايضا ، وعصمت سيف الدولة إمام كذلك ، وهما من كبار أئمة ومرجعيات الفكر العربي القومي الاشتراكي ، والقذافي امام حركة اللجان الثورية في ليبيا وكتابه الأخضر كان إماما ومرجعا مقدسا لهم !! ، والإمام الخميني هو امام الثورة الاسلامية الشيعية الايرانية وصاحب وناشر نظرية ولاية الفقيه في فترة غيبة الإمام المهدي المنتظر ، وعنترة والخنساء والمتنبي وأحمد شوقي ونزار القباني هم من كبار أئمة الشعر العربي ، والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ هم من كبار أئمة الادب العربي ! ، ونجيب الريحاني من كبار أئمة المسرح العربي .... الخ ، وهكذا تجد في كل مجتمع وكل زمان ومكان وكل مجال من مجالات الحياة هناك أئمة هم عبارة عن اساتذة فكر او قادة حركات او مذاهب او مدارس في الفكر او السياسة او الفقه او القانون او العلم او الفن وهم في هذا المجال مثال ومقياس و قدوة للناس ، ولكن عند التدقيق والتدبر العميق لا يمكننا أن نسمى (عموم النخب) أئمة هكذا بالمطلق ! ، فالأئمة (*) في كل ميدان وفن ومجال هم (نخبة النخب) وقادة الشعب او قادة المجتمع الانساني في مجال من مجالات الحياة العامة ، سياسية كانت او دينية او فكرية او أدبية او فنية او فلسفية او علمية وتقنية ، فالعالم المتخصص في علم محدد والمبدع والمجدد فيه هو نخبة المتعلمين والاكاديمين في مجال هذا التخصص المعرفي وهو استاذ وامام في هذا الميدان ، والمفكر المجدد والمبدع في الفلسفة السياسية او الاقتصادية هو استاذ إمام في هذا الميدان ، وهكذا دواليك ، فالإمامة قد تكون إمامة في الدين أو إمامة في الاخلاق أو إمامة في السياسة او إمامة في الفلسفة او إمامة في العلم والتقنية والاختراع أو إمامة في الأدب او في الفن او في الاقتصاد والتجارة او حتى في الرياضة حيث تتضمن الامامة معنى القيادة والاستاذية والقدوة في هذا الميدان ! ، هذا هو فهمي وتعريفي و تفسيري لمصطلح النخبة ، سواء نخبة الشعب وهم عموم النخب الاجتماعية أو نخبة النخب اي صفوة وقادة وأئمة المجتمعات في كل مجال وكل فن من فنون الحياة !.
************
سليم الرقعي
مدون ليبي من اقليم (برقة) يقيم في بريطانيا
(*) نبي الله ابراهيم ، عليه السلام ، حينما قال له الله (إني جاعلك للناس إماما) ليس المقصود هنا اماما بمعنى حاكم وسلطان وصاحب ملك أو بمعنى الخلافة السياسية او (الامامة الكبرى) كما يشار اليها في بحوث الفقه السياسي الاسلامي قديما بل المقصود هنا هو ان يكون (ابراهيم) قدوة في الدين واماما للموحدين في عقيدة التوحيد! .

#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات