أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - موعد مع الغدر في ليلة المجزرة














المزيد.....

موعد مع الغدر في ليلة المجزرة


تميم منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5324 - 2016 / 10 / 25 - 14:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


موعد مع الغدر في ليلة المجزرة
تميم منصور
التقيت به، فدلني إحساسي أن هذا الأستاذ الشاب وراءه قصة حزينة. وجهه الغاضب وجبهته العريضة يشيران إلى أن البركان في داخله ما زال ثائراً. تتسلل ألسنة اللهب الحار من مسامات بشرته ومن كلماته النارية. علاقتي به توطدت بحكم الزمالة في العمل والمواقف المتقاربة في الفكر والإيمان بالمصير المشترك. حاولت التطفل ومساعدته في كشف أو نزع قشرة الحزن عن وجهه، وإذ بنزيف الكلمات يتسلل من جرح عميق، حاملاً صورة والده..!
قال: لكل شهيد من شهداء المجزرة قصة تحتل مساحة الأرض التي ارتوت من دمه. قلت له بعد صمت ضغط على حزني: يجب إيداع هذه القصص الفردية منها والجماعية، أمانات وأرصدة في خزائن وذمة التاريخ، لأن التاريخ وحده باق يسير مع الزمن إلى ما لا نهاية، وحده القادر على تعقيمها وصيانتها ومنعها من الضياع والنسيان.
أضفت: لقد فقد شعبنا وطناً كاملاً، إلا أن هذا الوطن, بسهوله وجباله وهضابه وسمائه, لا يزال قائماً من الناحية المادية. لا نعرف، ربما تستردها الأجيال القادمة. إذن علينا أن لا نخسر الوطن والذاكرة التي هي بمثابة سجل الأرض (الطابو) الذي يؤكد حقنا به.
فتحت هذه الكلمات صمام الصمت والاحتقان فتدفقت الكلمات. قال الأستاذ: بعد الساعة الخامسة من يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول، دخل منع التجول الذي أعلنه قائد المنطقة حيّز التنفيذ قبل أن يحضر والدي من عمله في أرضه. بدأ القلق يساورني مع أمي وأخوتي وأقاربي، وقد ازداد الموقف رهبة ووحشة بعد أن ودعت الشمس ذلك اليوم الدامي من أيام الخريف. قاطعته وقلت كي أخفف من حدة الغضب الذي رأيته يقفز كالشرر من عينيه: أنا لست من محبي فصل الخريف، أشجاره العارية وأيامه القصيرة تستفزني وتضيّق عليّ الخناق.
أستمر في حديثه دون أن يهتم بمقاطعتي قائلاً: شعرت أن الليل يحمل معه الخوف. الترقب تحول إلى ذعر. منع التجول يرافقه أسراب من غربان الخريف تحلق فوق البيوت والأشجار. أمي صرخت: أعوذ بالله من شوف هالغربان ومن شوف هؤلاء الجنود، لا فرق بينهم وبين الغربان. إطلاق نار على أطراف البلدة، صراخ قريب من بيتنا، عويل يتصاعد، شتائم من الجنود الذين كانوا يركضون في الطرقات وفي أزقة البلدة كالكلاب المسعورة.
فجأة ساد صمت مريب كسره صوت جارنا أبو حسن قال وهو يطل من النافذة:
- أنا والله خايف يا أستاذ، إطلاق النار اللي باسمعه جاي من مدخل القرية الغربي.. مش لدب الرعب في قلوب المواطنين... هذا مش رصاص ريب، انه رصاص صيب!! على ما اعتقد انه يغرز في أجسام حية..! سامع..؟ انتبه، هذه صلية ، هذه ثانية. لا يوجد له دوي في الهواء.. الله يستر.. أنه رصاص موت..!
قال الأستاذ بألم: صاحت والدتي بعد سماعها ما قاله جارنا أبو حسن: حرام عليك يا جارنا.. اتقي ربك يا زلمي هديت حيلنا..!
لكنّ أبا حسن لم يغير موقفه مع أنني اعرفه عنيدا. اهتممت بأقواله، خاصة بعد أن استمر يفسر لي كيف يمكن أن نميز الرصاص الطائش في الهواء والفراغ والضرب بالمليان- كما يقول المصريون، مما زاد من يقيني بصدق أقواله عندما استعان بخبرته وتجربته العسكرية، أثناء تجنيده في الجيش العراقي سنة 1948، وكيف تدرب في معسكر نور شمس على إصابة الهدف. لاحظ جارنا أبو حسن اقتراب دورية راجلة من بيتنا, صاح: أستاذ اجو العسكر، ثم اختفى وابتلعته الغرفة بعد أن أغلق النافذة.
أكمل الأستاذ حديثه: شعرت بضعفي وعجزي أمام والدتي وأشقائي. رأيت سورا عاليا يفصل بيني وبين أبي لا استطيع تجاوزه والوصول إليه لأعرف ماذا حل به. رأيته يغرق أمامي في بحر من الدماء دون أن استطيع أن أمد له حبل النجاة، فلم يوقظني سوى صوت شقيقتي وهي تقول: روح فتّش عنه..! وأخذت تبكي. تبعتها والدتي وأشقائي الصغار, وقررت أن اعمل شيئا لمعرفة ماذا حل بوالدي.
اقتربت دورية راجلة من بيتنا. سارعت إليهم رغم تحذيرهم لي بإطلاق النار في الهواء. إلا أن هذا لم يردعني ولم يوقف خطوتي تجاههم. تقدمت إليهم بدافع غريزي, بعد أن تبخر كل الخوف من داخل حواسي. وقفت أمامهم وتحدثت مع الضابط باللغة الانجليزية, لأن لغتي العبرية كانت لا تزال ضعيفة.
سألت عن والدي وأبلغتهم انه لم يحضر بعد. أجابني الضابط: لا تقلق, سيعود والدك بعد قليل!!
طلب احد الجنود مني كأس ماء، وقال الآخر بلهجة عراقية: "اكو عندكم شاي؟", يعني هل عندهم شاي؟ كان توجههم عاديا. كانوا يتحدثون إليّ بوجوههم البلاستيكية وابتساماتهم الثعلبية المبهمة. زادت حيرتي وتساؤلاتي: هل هناك مجزرة؟! أجبت على سؤالي: لا أظن ذلك!! أكمل الأستاذ: كنت مستعدا للتضحية بكل شيء على أن يعيدوا إلىّ والدي. ابلغني الضابط أن العشرات من أبناء القرية تأخروا في عملهم، وعادوا أثناء منع التجول فتحفظ عليهم لدى شرطة "بيتح تكفا". قلت في نفسي: والله هذا كلام يركب على العقل..! بعد أن تناولوا الشاي ابتعدوا عن ساحة البيت شاكرين, وأقنعونا بأنه لا حاجة للقلق. لكن في الصباح انكشفت الحقيقة، وظهرت معالم الجريمة، المجزرة. كانت مصيبتي بأبي كبيرة. حفرت جرحا في صدري لا يندمل, تلاحقه تساؤلات تؤلمني كالسكاكين دائماً: كيف صدقت أولئك القتلة..؟!!



#تميم_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عروبة الحرم القدسي الشريف ليس رهينة لقرارات اليونسكو وغيرها ...
- حقائق التاريخ تدين الوزير - بينيت -
- حمامة بيرس للسلام في قفص التساؤلات
- عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة أسقط البندقية وكسر غصن الزي ...
- نتنياهو من فزعة يوم الانتخابات الى اللعب بورقة التطهير العرق ...
- من اسحاق رابين الى الكابتن نضال
- لسنا جسراً للسلام الذي يحلم به الاحتلال والسلطة في رام الله
- هل نحن أمام مشروع مارشال جديد في غزة ؟؟؟ ..
- الطائفة المسيحية ستفشل مشروع ساعر بيكو
- عندما ينزلق الأزهر ويقع في شباك النفاق
- الجبناء وحدهم لا يغضبون
- العدوان على غزة كان بمثابة الغربال الذي اسقط زوان العنصرية
- ديمقراطية الانياب الدموية في وسائل الاعلام الصهيونية
- ثورات مصنوعة من خيوط واهية سريعة التمزق
- كذبة اسمها العروبة
- بين تموز لبنان وتموز غزة السفاح واحد
- صراع المصالح فوق الجسد الفلسطيني
- ماركات احتلالية خاصة بالصهيونية
- النقد البناء كسكين الجراح الذي يجرح ليشفي
- لكل زمن وموقف دايتون جديد


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - موعد مع الغدر في ليلة المجزرة