أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - شكيب كاظم - مَنْ الذي سَمَّ أبا هاني وديع حداد؟ هل تم بيع مؤسس الفرع الخارجي والعمليات الخاصة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟















المزيد.....


مَنْ الذي سَمَّ أبا هاني وديع حداد؟ هل تم بيع مؤسس الفرع الخارجي والعمليات الخاصة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 5321 - 2016 / 10 / 22 - 12:40
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


مَنْ الذي سَمَّ أبا هاني وديع حداد؟
هل تم بيع مؤسس الفرع الخارجي والعمليات الخاصة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟
شكيب كاظم
وأنا أنجز قراءة الكتاب المهم، المعنون بـ (وديع حداد) للسياسي الفلسطيني، وأحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والناطق الرسمي لها في سنوات عديدة، ومن أهمها سنوات اختطاف الطائرات، بسام أبو شريف، الذي طالته عمليات الإغتيال و اطفأت إحدى عينيه التي كانت تقوم بها وحدة كيدون التابعة لجهاز الأمن الخارجي الاسرائيلي (الموساد) والتي كان يتولى قيادتها ضابط الموساد الشهير مايك (مايكل) هراري، الذي توفي يوم الاثنين 22/ من أيلول /2012، هذا الكتاب المهم الذي اصدرته دار الرعاة للدراسات والنشر، بمدينة رام الله الفلسطينية وكان خلواً من تاريخ النشر، والذي يدرس بدقة حياة وديع، منذ ولادته في مدينة صفد بفلسطين لإسرة مسيحية عريقة في القدم، ولعل من طرائف الأمور أن نذكر أن والدته كان حاملاً بتوائم ثلاثة ولم تكن تدري، إذ ما كانت أجهزة الكشف الدقيقة والسونار قد عُرفَت في ذلك الوقت 1927، فجاء للدنيا جورج، وتلاه بشير، وكان ثالث الثلاثة وديع في الثامن والعشرين من شهر آذار من ذلك العام، ويعلق بسام أبو شريف تعليقاً طريفاً على مولده قائلاً: لقد أرسل وديع، بشيراً وجورج قبله ليخرجا ويتأْكدا له من أن الطريق آمن، فعندما شب وكبر واصبح قائداً بقيت المعادلة ذاتُها، يرسل دائما من يستطلع الطريق، ليتأكد أنها آمنة قبل أن يعبرها.

درس الطب مع جورج حبش

درس بسام أبو شريف، وديعاً منذ الولادة فأيام الدراسة والشباب ومن ثم توجهه لدراسة الطب مع زميله ورفيقه الدكتور جورج حبش في الجامعة الامريكية ببيروت، ثم عملا معا وآخرين: هاني الهندي لتأسيس حركة القوميين العرب، حتى إذا حصلت كارثة الخامس من حزيران سنة 1967 عملا وآخرون على إنشاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الجناح العسكري الضارب للحركة، والتي عانت انشقاقات مؤسفة لاحقة أهمها إنشقاق نايف حواتمة، أحد القادة التاريخيين لحركة القوميين العرب، وأسس الجبهة الشعبية الديمقراطية، وإنشقاق ثالث لتنشأ الجبهة الشعبية / القيادة العامة كما عمل الدكتور وديع حداد، على تأسيس الفرع الخارجي للحركة وهو فرع العمليات الخاصة، المهتم بعمليات مد الجسور مع المنظمات الثورية في العالم التي كانت سائدة في العقد الستيني من القرن العشرين، وفي العقد اللاحق مثل: منظمة الجيش الاحمر الياباني، ومنظمة الألوية الحمر الإيطالية، ومنظمة بادر ماينهوف الألمانية الغربية التي أخذت اسمها من مؤسَسيْها، أندرياس بادر، واورليكة ماينهوف، والحركة الساندينستية في نيكاراغوا، ومن ثم استقطاب فلاديمير إيلتش راميرز سانشيز المعروف باسم (كارلوس ) والمسجون في فرنسا حالياً، الذي قام بعملية احتجاز وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يوم الأحد 21/12/1975، مع أربعة من رفاقه كانوا يتكلمون الفرنسية واقتادوا الرهائن وكانوا واحداً وسبعين فرداً نحو مطار فينا ومنه نحو مطار الجزائر وأخيراً نحو مطار العاصمة الليبية طرابلس، وقد تولى هذا الفرع عمليات خطف الطائرات: عملية مطار اللدّ ، عملية مطار عينتيبه باوغندا، وخطف الطائرات إلى الصحراء الأردنية صيف سنة 1970، وعلى إثرها تفجرت معارك أيلول بين الجيش الأردني، وعناصر المقاومة الفلسطينية، وانتهت بعقد مؤتمر قمة طارئ دعا إليه الرئيس جمال عبد الناصر، وفي نهايته، جاءت نهاية عبد الناصر في الثامن والعشرين من أيلول.

مدفعون لا شعورياً لمواجهة قدرهم

شخص هذا شأنه، لابد أن يكون هدفاً لمخابرات دول عدة، غربية وعربية تقف إسرائيل في مقدمتها، لكن الذي يؤسف له أن الكثير من الشخصيات العامة والمؤثرة والمطلوبة، كانت تتصرف بتلقائية، مما جعلها هدفاً سهلاً لعمليات الاغتيال، ما كانت تحتاط، وكأنها ما كانت تدري أنها مطلوبة، ولقد سبق لي أن تحدثت عن الحرب الخفية، حرب التصفيات الجسدية بين القادة الفلسطينيين والمخابرات الاسرائيلية، ولا سيما وحدة كيدون ومؤسسها و قائدها (مايك هراري) في مقالي المنشور بجريدة (الزمان) – الأثنين 13/10/2014 – حتى وديع حداد، الذي كان اكثر المطلوبين للوحدات الاسرائيلية الخاصة، بسبب تأسيسه لفرع العمليات الخاصة، والقائد له، و الناشط في عقد صلات واسعة مع كل المنظمات الثورية، حتى هو كان يتصرف ببساطة وتلقائية، وإلا كيف جَوَّزَ لنفسه أن يحضر مأدبة العشاء التي أقامها البعثي السابق أكرم الحوراني في بيته ببغداد، وحضرها شخوص كثيرون، مما سهل على أجهزة استخبارات محلية باعت نفسها لمخابرات أجنبية ومعادية، بالوصول إليه واقتناصه وسمه؟ وحتى هو يشعر بأنه قد سقي السم، وشغل عقله المخابراتي، ما كان رد فعله موازيا او مساوياً لعملية سمه ، كأنه كان مدفوعاً نفسياً وعقلياً لملاقاة قدره وموته، ومن خلال استقرائي لحيوات بعض القادة، وردود فعلهم البسيطة التي لا ترتقي إلى مستوى الحدث، كنت ألمس أنهم مدفوعون لا شعورياً إلى النهاية. من هذه الاستقراءات ما حدث ليلة الرابع عشر من تموز/1958 إذ قرأت ما كتبه – الملازم الاول فالح زكي حنظل، الضابط الخفر للحرس الملكي بقصر الرحاب تلك الليلة، يقول فالح: كان الامير عبد الاله جالساً في حديقة قصر الرحاب، ووصلت إلينا برقية مستعجلة من معاون مدير الاستخبارات العسكرية، وفيها اشعار بان بعض وحدات الجيش تروم الانقلاب على السلطة القائمة، وفي التقرير؛ البرقية اسماء عديد الضباط المتآمرين، وبدل أن يتخذ الامير عبد الاله ولي العهد العراقي الاجراءات اللازمة فأنه وضع التقرير على الطاولة دون اكتراث قائلا: ما شأن العراقيين معنا هم الذين جاءوا إلينا يطلبون منا أن نتولى الحكم في بلادهم، والأن يحاولون أقصاءنا؟ ان كانوا لا يريدوننا حقا، فإننا على استعداد لمغادرة العراق. أيصح هذا، لو لم يكن عبد الاله والاسرة المالكة مدفوعة من قوى روحية خفية ومؤثرة نحو حتفها، أكان مقبولا أو معقولاً أن يتصرف مثل هذا التصرف؟

الامر الثاني الذي وقفت عنده ملياً، موقف رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، والدارس في أرقى معهد عسكري في العالم، كلية سانت هيرست البريطانية ، موقف الفريق الركن عبد الكريم قاسم صبيحة الجمعة الثامن من شباط/ 1963، وقيام اكثر من طائرة حربية بقصف مقره؛ وزارة الدفاع، فانه بدل ان يتوجه إلى مكان آمن لقيادة المواجهة ضد الانقلابيين مثل: معسكر الرشيد او معسكر الوشاش، قيادة القوة الجوية، فانه .ذهب إلى منطقة القتل، منطقة القصف، وزارة الدفاع، وعلى الرغم من اعتراض من كان بمعيته وهم في طريقهم إلى وزارة الدفاع ضحى ذلك اليوم، ولعله الزعيم الركن طه الشيخ أحمد، فان قاسماً ذهب إلى وزارة الدفاع وحصل الذي حصل. كذلك الدكتور وديع حداد، المطلوب الاول، و الذي شعر بأثار السم ظل رد فعله بسيطا وكان الذي كان.

والان أتساءل مَنْ الذي إغتال الدكتور وديع حداد، من الذي وضع سم الثاليوم في فنجان قهوته، هل بيع وديع حداد؟ هو الذي كان يؤكد لبسام شريف سوف يبيعونني لمن يدفع اكثر، إنها دول تبيع المناضلين عند اول (كوع) لمصالح، لماذا لا يقبضون ثمننا، وهم ليسوا معنيين بنضالنا من اجل حريتنا؟ انهم يرون فينا سهماً ضد عدو لهم، فاذا كان ثمن هذا السهم يوفر لهم اكثر مما يوفره السهم لماذا لا يبيعونه و في جعبتهم سهام كثيرة؟!

يتساءل بسام أبو شريف، وأنا أتساءل معه: هل كان للعراق دور؟ هل كان لأجهزة المخابرات العراقية دور؟ تاريخ المخابرات العراقية ليس زاهياً فمن الكزار (يقصد ناظم كزار لازم) إلى حمدون (بسام أبو شريف يقصد سعدون شاكر) إلى .. إل.

هل سار القاتل في جنازة وديع حداد؟ كان العراق بأمس الحاجة لعلاقات جيدة مع الغرب ومع السعودية، و للإثنتين الاخريين علاقات جيدة مع بعضهما، وللغرب علاقات وثيقة مع إسرائيل. إذا كان الكزار قد حاول قتل أحمد حسن البكر(وبالاتفاق مع صدام) و ولى هارباً إلى الحدود الايرانية، فمن الذي يمنع جهاز المخابرات( أو الامن العام ) لمصلحة العراق، ان تسعى للتخلص من وديع حداد أو التعاون على ذلك؟

يورد بسام أبو شريف في كتابه المهم هذا عن وديع حداد، روايتين، رواهما له وديع حداد، تختلفان في الصيغة، لكن تتفقان على سير الحدث.

جاء على الصفحة 129 من الكتاب ما نصه ((حسبما أبلغني الدكتور وديع، عندما جاء النادل يحمل صينية القهوة، لم يضعها على الطاولة، بل راح يناول كل ضيف فنجانه. كان وديع يشرب القهوة دون سكر، فتناول فنجانه. ووصف لي الدكتور وديع ما جرى بعد ذلك بالحرف: بعد أن رشفت من الفنجان، رشفة واحدة، أحسست برغبة قوية في التقيؤ . وضعت الفنجان على الطاولة أمامي وتوجهت مهرولاً نحو المنزل لأتقيأ في الحمام. إلا أنني لم أتمكن من الوصول فقد تقيأت في الحديقة. وأحسست بألم في الحلق واللسان منذ ذلك اليوم، وأنا أتقلب من تعب شديد إلى هدوء من هبوط إلى استرخاء وفقدت شهيتي للأكل كلياً (…..) الثاليوم وضع في القهوة ورشفة واحدة، أدخلت الثاليوم إلى جسده (…..) وإذا لم يعالج بما يلزم بتلك الأيام الأربعة الأولى لن يتمكن أحد من إيقاف مفعوله . إذ يستمر في قضم أجزاء الجسم الداخلية ويدمر الكريات الحمر، ويقضي على الكلى والكبد والرئتين والدماغ))

أما الرواية الثانية، التي دونها بسام أبو شريف، والتي جاءت على لسان الدكتور وديع حداد، فقد نشرت على الصفحة 273 من الكتاب وتحت عنوان : من قتل وديع حداد؟ من دَس له السم؟

: لقد قال لي الدكتور وديع حداد بالحرف: بعد العشاء (في منزل الزعيم السياسي السوري اكرم الحوراني، الذي لجأ إلى بغداد، وكرمه فيها حزب البعث الحاكم في العراق) جاء الخادم يحمل فناجين القهوة، وقام بتوزيع الفناجين على الضيوف، فوضع أمامي فنجان القهوة. وما أن رشفت منه رشفة واحدة حتى شعرت بلعيان وغثيان ورغبة شديدة في التقيؤ. كان الشعور عنيفاً لدرجة أنني وقفت مسرعاً محاولاً الوصول إلى حمام المنزل لأتقيأ هناك، إلا أن اللعيان كان أقوى واسرع فتقيأت في الحديقة قبل وصولي باب البيت.

من هذه الكلمات التي قالها لي الدكتور وديع حداد مباشرة أثناء زيارتي الاولى له في منزله السري في الجزائر، تبين أن السم قد دس له فعلاً في تلك الليلة، وانه دس من خلال فنجان القهوة.

اكدت الأعراض التي راحت تظهر وتتطور يوماً بعد يوم، إن السم ينتشر، ويتحرك دون حدود في جسد وديع حداد.

في البداية كانت تتوالى عليه حالات الهبوط، وفقدان الشهية للأكل والتقيؤ وعدم القدرة على الحركة، إلى حالات عودة النشاط لجسده وعودة الشهية والقدرة على الحركة حتى اللعب مع كلبه في حديقة منزله السري في الجزائر (….) لقد دس السم له في فنجان القهوة تماماً كما قال وروى بنفسه لي وللجنرال الاكحل العياطي في منزله بالجزائر.

والأن نعود، بعد أن نقلنا روايتي الدكتور وديع حداد عن حادثة سمه عن طريق فنجان القهوة نعود لنتساءل عن من الذي كانت له مصلحة في اغتيال وديع حداد والتخلص منه؟

من سم وديع حداد؟

واتساءل من الذي باع وديع حداد؟ هل كان لأكرم الحوراني يد في سمه، هل استغل ثقة وديع حداد به ليمهد لسمه؟ هل كان اكرم الحوراني ساذجاً ولم يكتنه محاولات قتل وديع حداد؟ واعود للسؤال الأهم لماذا كان الحس الامني بسيطاً لدى وديع حداد، وهو المطلوب عالمياً؛ كيف يجالس كل هذه الجمهرة من الدبلوماسيين والسياسيين من جنسيات مختلفة؟ بسام أبو شريف يؤكد: لا بد أن جهات عربية كانت تعلم بذلك العشاء، طالما أن الحضور كان قومياً، أي حضره أشخاص ينتمون لأكثر من بلد عربي، وكان هنالك سوريون وعراقيون وسعوديون ولبنانيون فضلاً عن وديع حداد.

من خلال استقرائي للحادث، وما رافقه من احداث وملابسات وتطورات، فاني أرى أن لأجهزة الأمن والمخابرات العراقية، الدور المهم، لا بل الأكثر أهمية في عملية اغتيال وديع حداد. لقد حاول صدام حسين في ذلك الوقت عام 1978 تلميع صورته لدى الغرب، هو الذي كان قاب قوسين أو أدنى للوثوب على المركز الأول في الدولة العراقية، فالرئيس أحمد حسن البكر، يحيا أيامه الأخيرة في الرئاسة، ونذر انتفاضة صاعقة تطيح بشاه إيران تلوح في الأفق، وإن سقوط الشاه -الذي ارتبط مع صدام بعلاقات ودية منذ اتفاقية الجزائر في شهر أذار 1975، وكان الرئيس الجزائري الاسبق هواري بومدين لولبها- يعني ارتفاع المد الديني في إيران، لأن نذر الانتفاضة الايرانية يقودها رجال دين متشددون، وما يعني ذلك من تأثيرات على الواقع العراقي دينياً ومذهبياً لذا كان بيع وديع حداد، محاولة لتلميع صورة النظام العراقي، ولا سيما صدام، وتوثيق الروابط مع امريكا والغرب، فلا مبادئ في السياسة، والمصالح هي الأساس، ومما زاد في وثوقي من أن أجهزة الأمن كانت ظالعة في اغتيال وديع حداد، ما قرأته من تقرير نشرته صفحة (ذاكرة عراقية) من جريدة (المشرق) العراقية يوم الاحد الموافق للثاني عشر من شهر تشرين الأول / 2014، وتحت عنوان: فصول من مذكراتي، من بدأ الحرب.. إيران أم العراق؟ مفاده أن صدام يوم كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، استدعى أبا نجوى؛ علي رضا باوة، الذي كان بعد 17/ تموز/1968، عضواً في مكتب العلاقات العامة، الذي كان صدام حسين يرأسه، وكان علي رضا مسؤول مكتب حركات التحرر، وبضمنها فصائل المعارضة الايرانية، التي كان الإمام الخميني قائداً لها، ومن الجدير بالذكر أن علياً هذا قد برز اسمه، يوم كان عضواً في المحكمة التي شكلت. لمحاكمة المشتركين في ما عرفت بالمؤامرة الايرانية الشاهنشاهية، بداية سنة 1970، وارسلت العديد من الناس إلى ساحات الاعدام الراديكالية، لكن خبا نوره بعد فشل محاولة ناظم كزار مدير الامن العام للسيطرة على مقاليد السلطة في العراق في بداية تموز/ 1973 ومن ثم اعدامه، واعدام عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد فاضل، بوصفه مساهماً ومخططاً للمحاولة مع ناظم، ولإن علي رضا باوة كان عديلاً لمحمد فاضل، فقد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، فضلاً عن كونهما زميلي دراسة في كلية التربية بجامعة بغداد، إذ درس علي رضا باوة الكيمياء، في حين تخرج محمد فاضل في قسم اللغة العربية.

علي رضا باوة يروي في المقال الذي نوهت عنه أنفاً، أن النائب صدام استدعاه وعلي رضا كانت تربطه بالإمام الخميني علاقة وثيقة، أيام كان مسؤولاً عن مكتب حركات التحرر، الذي كان يقدم المساعدات لقوى المعارضة بقيادة الامام الخميني العاملة على تقويض حكم الشاه. فيطلب صدام منه التوجه إلى باريس لمعرفة رأي الخميني بالحكم القائم في العراق، ذلك أن صدام كما يروي علي رضا باوة، كان واثقاً من أن الخميني سيكون قريباً في طهران على رأس السلطة الجديدة، ولأنه لم يكن يريد إلفات نظر أحد إليه في مهمته السرية هذه، فقد أنجز معاملة سفره كأي فرد اعتيادي وسافر نحو باريس والتقى في مقر إقامة الخميني بإحدى الضواحي الباريسية نوفل لو شاتو، بصديقه القديم (صادق قطب زادة) الذي عين وزيراً للخارجية في أول وزارة بعد انتصار الثورة الايرانية ، الذي طلب منه ترتيب لقاء له مع الخميني، ولما كان وقته مزدحماً بكثرة الزوار، ومراسلي وكالات الانباء في العالم الذين يرومون إجراء مقابلات إذاعية أو تلفازية معه، فقدم بطاقته التعريفية لصادق قطب زادة ورجاه عرضها أمام الامام الخميني، ولشد دهشة علي رضا باوة، إذ لما يمض سوى يومين، حتى اتصلوا به يطلبون حضوره لمقابلته، كان الخميني سعيداً جداً برؤيته وعلائم الفرح والانتصار بادية على محياه، تقدمت منه وقبلت يده (….) لكنه فاجأني وهو يقول لي أهلا بك أيها الصديق العدو.. فسألته وأنا أضحك، بعد أن أجلسني الى جواره: مولاي صديق عرفنا… ولكن كيف أكون عدواً وصديقاً في وقت واحد؟ … ضحك وقال لي : اسمع علي، أنت إنسان طيب ولن ننسى مواقفك، وكان ابني (اغاي مصطفى) (الذي اغتاله الشاه) يحدثني عن مواقفك لدعم معارضتنا.. لهذا أنت صديق … لكن لكونك (بعثياً) فانت عدو .. المهم تجاوزنا الموضوع، لكن الخميني انفجر، وهو يتحدث بحنق عن النائب صدام حسين، وقال بالحرف : علي … اسمع لن أنسى موقف صدام وتآمره مع الشاه وبوساطة بومدين على المعارضة الايرانية في اتفاقية الجزائر عام 1975، ولمجرد أن استقر في طهران، لن اتركه يحكم العراق.. وأنا أعرف بانه هو الحاكم الفعلي لبلادكم وليس سواه.. وانت يا علي تعرف مواقفه، وقد سمعت أنه زج بك في السجن.. لم أعلق، وحولت الحديث إلى مسائل عامة، وبعدها ودعته وخرجت لأعود سريعاً إلى بغداد، وطلبت مقابلة النائب صدام حسين لأخبره بما يهيء له الخميني (…) وكتبت تقريراً له قلت فيه: إن هدف الخميني الثاني بعد طهران سيكون بغداد..

إذن كان لتقرير علي رضا باوة، وقع الصاعقة على صدام، لذا فأن المستقرئ لحوادث بداية سنة 1978، يرى زيارات صدام المتواصلة لمدن الجنوب العراقي، وحتى مناطق الهور، ومكوثه هناك اياماً، لدراسة نبض المجتمع هناك واستقراء خوالجه وتوجهاته، كان يهيء نفسه لاستلام الرئاسة وما زلت استذكر ملاحظة صديقي وزميلي في الوظيفة ( لبيب محمد عطية السامرائي) الذي غادرنا مهاجراً بعيد اندلاع الحرب في أيلول /1980، ملاحظة لبيب الذكية عن هلع النائب وخوفه من تطورات الوضع الايراني، وتأثيراته المستقبلية على الاوضاع في العراق، رابطاً بين ذلك وهذه الزيارات المتكررة لمدن الجنوب ومحاولة استنهاض همم الناس، وتقديم نفسه إليهم، ومحاولة التقرب ودغدغة مشاعرهم ومسايرتها مادياً ومعنوياً، إذ كان يغدق على الناس عطاياه بغية استمالة قلوبهم.

إذن الوضع خطر فلا بد من ثمن، وكان بعض هذا الثمن، تقديم رأس المطلوب مخابراتياً دولياً: الدكتور وديع حداد، وذلك الاغتيال السمي المتقن، الذي لم يفطن إليه وديع حداد، الذي ما فهم الاشارة.

إذ كان من عادة النادل في بيت اكرم الحوراني، أن يضع صينية فناجين القهوة على الطاولة، ويأخذ كل منهم فنجاناً، لكنه غَيَّرَ عادته، في زيارة وديع هذه إذ خص كل فرد منهم بفنجانه، لأن وراء الاكمة ما وراءها، ولأن الفنجان المسموم يجب أن يذهب نحو الضحية المطلوب رأسه.

لقد كنت من المتابعين لنشاطات أبي هاني الدكتور وديع حداد وقيادته لما عرف بفرع العمليات الخاصة، أو الفرع الخارجي، الذي كان ينفذ عمليات خطف الطائرات بدقة ، كانت الاخبار التي نقرؤها صاعقه في الصحف والمجلات، أو نسمعها في الاذاعات شحيحة جداً فالرجل مطلوب دولياً، ولم أشاهد صورة له، لكن يوم قرأت نعيه في صحيفة عراقية مع صورة غائمة له، وإن جثمانه سينقل إلى بغداد من برلين، خمنت أن الميته غير طبيعية، فما شأنه ببرلين إن لم يكن مريضاً، ولقد رجعت إلى مدوناتي لأقرا عن يوم الاثنين 3/4/1978 ما يأتي: شاهدت اليوم في عرض الانباء من التلفزيون مراسيم تشييع أحد قادة ومؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واحد قادة ومؤسسي حركة القوميين العرب الدكتور وديع حداد، العقل المخطط والمنفذ في حركة المقاومة الفلسطينية، والذي كان وراء عمليات خطف الطائرات، وكان المرحوم الدكتور وديع حداد وهو من مواليد صفد عام 1927، قد توفي في برلين يوم الثلاثاء الماضي (28/ من أذار) ووصل جثمانه يوم السبت 1/4 شارك في التشييع كبار القادة والدكتور جورج حبش واسرته واسرة الفقيد.

اعود إلى الصفحة 286 من كتاب (وديع حداد) لمؤلفه بسام أبو شريف لاقرأ ما دونه عن يوم الثلاثاء28/ من اذار/1978: غادر أبو ماهر اليماني على عجل ليرافق جثمان الشهيد وديع حداد إلى بغداد ، بعد أن تقـــــرر أن يدفن الدكتور وديع حداد فيها.

كان الاخوة المسؤولون في بغداد قد قاموا بالاستعدادات كلها لجنازة رسمية للدكتور وديع بعد وصول جثمانه إلى بغداد، (…) حملت الطائرة العراقية المتجهة من برلين إلى بغداد جثمان الشهيد وديع يرافقه الاخوان أبو ماهر اليماني وحامد (سليم أبو سالم)

نقل جثمان أبو هاني للمستشفى حيث وضع في البرادات إلى حين إتمام ترتيبات الجنازة الكبيرة

في هذه الاثناء كان قد وصل إلى بغداد الدكتور جورج حبش ترافقه زوجته هيلدا، وعدد من قيادات حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية ووصلت أنا معهم.

سارت الجنازة الكبيرة تتقدمها المراسم العسكرية وعربة المدفع التي حملت جثمان القائد الراحل، وسار خلفهم كبار المشيعين على رأسهم الدكتور جورج حبش ورفاق وديع والمسؤولون العراقيون، وعائلته أم هاني وهاني وجموع حاشدة من الجماهير.

أقامت الجبهة الشعبية سرادقاً قرب مقرها ببغداد لتلقي العزاء من الاف المواطنين و المسؤولين.

على مدى ثلاثة أيام كانت تتردد الاناشيد الوطنية والاقوال الثورية، ومقتطفات مما قاله وديع حداد أثناء حياته، حول ملاحقة العدو في كل مكان (…) غاب المعلم.

ترى هل سار القاتل في جنازة القتيل، وإلا لماذا قامت المخابرات العراقية – كما يقول بسام أبو شريف- لحظة وفاة وديع حداد، والتأكد من الخبر بمداهمة مقراته السرية كافة، وصادرت مطابعه الحساسة التي كانت تنتج جوازات السفر الدقيقة والمحدودة للعمليات الخاصة؟ فلقد غاب المعلم.

وبعد أهي مصادفة أن يولد وديع حداد في مدينة صفد الفلسطينية في الثامن والعشرين من شهر أذار/ عام 1927، ويموت في برلين في اليوم ذاته 28/ أذار من عام 1978؟!



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تجاهل محكمة العدل في تدابيرها الاحترازية الاضافية وقف اطلاق ...
- قلق أمريكي من تصاعد الحراك الشعبي الأردني وشعاراته
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - شكيب كاظم - مَنْ الذي سَمَّ أبا هاني وديع حداد؟ هل تم بيع مؤسس الفرع الخارجي والعمليات الخاصة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟