أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - فصل من المجلد الرابع عن الكون: الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي نظرات في أطروحة الأكوان المتعددة Réalité visible , réalité cachée dans L’nivers observable كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم:















المزيد.....



فصل من المجلد الرابع عن الكون: الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي نظرات في أطروحة الأكوان المتعددة Réalité visible , réalité cachée dans L’nivers observable كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم:


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 5314 - 2016 / 10 / 15 - 15:43
المحور: الطب , والعلوم
    


هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ أم أن هناك أشكال أخرى من الحياة الفضائية اللاأرضية تختفي في مكان ما في تلافيف هذا الكون المرئي المعقدة، سواء في مجراته أو مجرتنا درب التبانة؟

وبأي مستوى ستكون الحياة الفضائية في الكون الخارجي خارج الأرض؟ هل هي ذكية وعاقلة ومتطورة مثلنا، أم مجرد حياة بدائية كما كان حال البشر قبل مئات الآلاف من السنين، أم ما تزال في مستوى الخلايا الأولية والبكتريا والفيروسات؟.لا أحد يعرف أو يمتلك إجابة قاطعة ووافية عن هذه التساؤلات.

هل من المعقول أن البشر موجودون وحدهم في هذا الكون الشاسع على كوكب صغير لا قيمة له وباقي أجزاء الكون ميتة لا حياة فيها؟

سؤال طرح مليارات المليارات المليارات المليارات من المرات منذ ظهور الوعي البشري على الأرض إلى يوم الناس هذا.

الأمر الجيد هو أن العلم تجرأ أخيراً على التعاطي مع هذا الموضوع بجدية وصرامة علمية وصار يدرس إمكانية وجود حياة وكائنات فضائية خارج الكرة الأرضية ربما في نظامنا الشمسي أو في مجرتنا درب التبانة في الوقت الحاضر، ولم يعد الموضوع من المحرمات أو مدعاة للسخرية والتحقير والاستهزاء. فقبل عشرون عاماً تمكن العلماء من اكتشاف كواكب صخرية مماثلة للأرض خارج مجموعتنا الشمسية، وتقع في المسافة القابلة للحياة بالنسبة لنجومها التي تدور حولها. فمن مستوى الإفتراض انتقل الموضوع إلى مستوى الاحتمال وربما اليقين قريباً. ولم يعد العلماء ووسائل الإعلام تسخر من العقول المؤمنة بالأطباق الطائرة والكائنات الفضائية الصغيرة الخضراء اللون أو الكائنات الرمادية، وسكان المريخ العدوانيون ذوي الرؤوس الكبيرة والعيون اللوزية الكبيرة والأجسام النحيلة. فلقد حان أوان الدراسات والأبحاث العلمية الجادة الرصينة وبدون أحكام مسبقة، وصارت دراسة إمكانية وجود الحياة خارج الأرض exobiologie تحظى باهتمام الجامعات الشهيرة وتخصص لها الأموال والميزانيات بغية إثبات وجود حياة من نوع ما ومستوى ما خارج الأرض في مكان ما من هذا الكون الهائل. وصار يتردد في أوساط وكالة الفضاء الأمريكية ناسا كلام، ليس ما إذا سنكتشف حياة أخرى بل متى سنكتشفها، فإذن القضية باتت قضية وقت ليس إلا للحصول على الدليل العلمي القاطع الذي لا يحتمل الدحض. فالدراسات العلمية الأخيرة أثبتت وجود مليارات الكواكب المؤهلة لاحتواء الحياة فوق سطحها وفي أعماقها، والمنتشرة في أنحاء مجرة درب التبانة وباقي مجرات الكون المرئي. ولقد اندهش العلماء بقدرة الحياة على التكيف والتأقلم والمقاومة، وعثروا عليها في أكثر المناطق عدوانية ووعورة وخطورة على الأرض وفي أعماق المحيطات تحت الضغط الهائل وفي درجات الحرارة المرتفعة جداً وفي الأماكن التي لا يصل إليها الضوء. وهكذا دخل علم دراسة الحياة والعوالم الأخرى في عهد جديد بالرغم من كوننا في بدايات جهدنا لاكتشاف الكواكب الأخرى الشبيهة بالأرض حيث بلغ عدد ما تم اكتشافه لحد الآن أكثر من 1500 كوكب في المناطق القريبة من الأرض فحسب، فلم يكن هناك سوى احتمالين على حد قول كاتب الخيال العلمي الموهوب آرثر كلارك، صاحب رواية أوديسة الفضاء 2001: فإما أن نكون وحيدين في هذا الكون أو لسنا وحيدين وكلاهما مرعبان. مرعبان ومخيفان لكنهما ساحران وجاذبان فمن الرائع التأكد أخيراً أن لنا أقران كثيرون حولنا يعرفون بوجودنا ويهتمون بنا ويساعدوننا على تطوير أنفسنا.



الجذور التاريخية لموضوع الكائنات الفضائية:

منذ فجر البشرية على الأرض كان هناك بحث دءوب عن عوالم أخرى غيرنا، وقد تكون حضارات متقدمة تسكن فيها قد زارتنا و اتصلت بنا في العصور القديمة، ولا ندري إن كانت تشبهنا نحن البشر أم تختلف عنا. فليس منطقياً أن نكون نحن وحيدون في هذا الكون اللامتناهي واللامحدود. فمنذ آلاف السنين كانت فكرة وجود أقوام على ظهر الكواكب والنجوم منتشرة، بل أن البعض كان يعتقد بأن الكواكب ذاتها هي كائنات حية عاقلة فالمريخ كان بمثابة إله المعارك والحروب، وفينوس هي آلهة الحب، والمشتري هو ملك الآلهة الخ.. وفي روما القديمة كان هناك بعض الكتاب مثل لوسيان دو ساموزات، يعتقدون بوجود بشر فوق القمر، ولقد أصدر هذا الكاتب كتاباً بعنوان " قصة حقيقية" وهي من نوع الخيال العلمي، بهذا الصدد. وفي عصر النهضة أعتبر بعض المثقفين، الكواكب السيارة وكأنها ساعات أنيقة كونية مبرمجة من قبل الكائنات الربانية أو بعض الآلهة، لتعليم البشر أسرار الحياة. وفي العام 1600 أحرق المفكر الحر وشهيد العلم جيوردانو برونو حياً لأنه تحدث علناً بأفكار هرطقية كما وصفتها الكنيسة الكاثوليكية وقال بوجود عوالم أخرى ذكية وعاقلة ومفكرة ومتطورة خارج الأرض. ثم تغيرت الذهنيات في القرون التالية وتخيلت بعض العقول النيرة مثل الفيلسوف وعالم الرياضيات كانت، ويوهان كبلر، أن هناك أقواماً يقطنون فوق الكواكب بل وإن إسم بعض الكواكب مقرون ببعض صفات وسمات سكانها، فسكان فينوس كانوا عشاقاً يتميزون بالعذوبة والرقة وسكان المريخ محاربين عدوانيين ومقاتلين أشداء، وسكان عطارد متقلبون، وسكان المشتري مبتهجين و مرحين، الخ. هناك بعض الكتاب يعتقدون بزيارات قام بها سكان الفضاء في العصور القديمة إلى الأرض، وقد ورد في كتب ديانة الصابئة المندائيين مثل كتاب ديوان أباثر، بأن هناك إشارات إلى وجود سفن ومراكب فضائية أو سماوية، وهناك صور متخيلة شبيهة بالصور التي تخيلها العلماء المعاصرون لبعض الكائنات الفضائية وكذلك صور أطلقوا عليها إسم " ناقلات الأرواح" وهي السفن القادمة من الكواكب البعيدة مما يعطي انطباع بأنهم كانوا على اتصال بمثل تلك الكائنات الكونية القادمة من خارج الأرض. وتحدث بعض مصادر الديانة المندائية، ككتاب كنز أربا، وهي أقدم ديانة توحيدية في منطقة وادي الرافدين، عن رحلة فضائية قام بان النبي دنانوخت، والمقصود به على ما أعتقد النبي إدريس الذي جاء ذكره في القرآن، ووصل إلى السماء السابعة بعد التنقل بين الكواكب بواسطة مركبة فضائية، وهي القصة التي استوحاها محمد في الإسلام عندما تحدث عن الإسراء والمعراج، وفي المصادر الإسلامية الشيعية هناك قول للإمام محمد الباقر يقول فيه:" إن من وراء شمسكم هذه أربعون عين شمس، وما بين عين شمس إلى عين شمس أخرى، أربعون عالماً فيها خلق لا يعلمون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه، وإن من وراء قمركم هذا أربعون قرصاً، مابين القرص إلى القرص الآخر، أربعون عالماً فيها خلق كثير لا يعلمون إذا كان الله قد خلق آدم أم لم يخلقه. وفي التوارة وردت رحلة آخنوخ إلى السماء وكذلك النبي إيليا الذي أحاطت به سحابة أو غيمة سماوية وحملته إلى السماء داخل عربة من النار، و تحدثت التواراة كذلك عن عربات الآلهة التي وصفها النبي حزقيل وصفاً دقيقاً عندما صعد في إحداها وحملته إلى السماء للقاء الرب وعاد ليصف ما شاهده في السماء ومن ثم رحل مرة أخرى عندما اعتلى إحدى تلك المركبات الفضائية ورحل إلى السماء ولم يعد.أي أن الأديان السماوية كلها تقريباً كانت تؤمن بوجود كائنات فضائية تعيش خارج الأرض في السماوات البعيدة. وفي الحضارة السومرية هناك ملحمة كلكامش ورحلته إلفضائية وبحثه عن الخلود، وفي رقم مسماري آخر عثر عليه في مكتبة آشوربانيبال يتحدث عن رحلة فضائية إلى الأرض قام بها الإله " أنليل " إله الحضارات السومرية والبابلية. وفي الديانة الزرادشتية هناك روايات عن حرب دارت بين ملك الشر وسكان النجوم والكواكب وهي حرب كونية أدت إلى دمار العام الأرضي. وهكذا ورد في الكتب الدينية كالتوراة والتلمود والرامايانا والفيدا الهنديتين عن هبوط مخلوقات من الفضاء الخارجي إلى الأرض واحتكاكهم بالبشر وصعود بعض البشر معهم إلى مركباتهم في السماء كما ذكرت التوراة بهبوط أبناء الله من العمالقة أو الجبابرة إلى الأرض ومعاشرتهم لبنات البشر وولادة جيل من هذا الاختلاط الجنسي لكائنات نصفها آله ونصفها بشر. ويعتقد المندائيون ومعهم أتباع ديانات أخرى بوجود العوالم غير الأرضية المسكونة بكائنات بعضها يشبه البشر وتتواجد في أعماق الكون وأن هناك تواصلاً كان قائماً بين سكان تلك الكواكب وسكان الأرض القدماء. وفي أحد الكتب اليهودية رواية عن هبوط 20 شيطان وإغوائهم لعشرين من نساء الأرض فأنجبوا منهن ذرية ممسوخة مخيفة ومرعبة لكنها تتمتع بقرات خارقة، علموا البشر صناعة أسلحة غريبة وفتاكة وكانوا مدمنين على شرب دماء البشر، ومن مثل تلك الزيجات بين الكائنات الفضائية والكائنات الأرضية ولد العمالقة الذين جاء ذكرهم في التوراة. وإن دل ذلك على شيء فهو أن هناك حضارات قديمة سكنت الأرض قبل آلاف السنين واندثرت بعد الطوفان كما تذكر الأساطير. ولقد ذكر الباحث جيبي برينان في كتابه رحلة عبر الزمن، اكتشافات أثرية مذهلة تحدثت عن مجتمعات بشرية تمتعت بتقدم تكنولوجي عالي في مصر والعراق والصين والبيرو وتايلند وبحر إيجه، والآنكا والماي والهند، وأكد ذلك العالم الأمريكي مايكل كريمو في كتابه "التاريخ الخفي للجنس البشري ودور الكنيسة التخريبي في طمس الحقائق والاكتشافات العلمية والأثرية". كما ذكر الكاتب زكريا ستكين المتخصص بالحضارات الرافيدينية أن السومريين هم من أقدم سكان الأرض المتقدمة حضارياً وإن معارفهم العلمية والفلكية والتكنولوجية وصلتهم من كائنات فضائية زارتهم ولقد أطلق السومريون على تلك الكائنات الفضائية أقوام الآنوناكي والتي سبق لها أن وطأت أرض المريخ قبل ذلك التاريخ بــ 450 ألف سنة، ومن بينهم الإله إنكي كما جاء في كتاب الباحث السويسري إريك فون داينكن في كتابه عربات الآلهة. لقد عبد البشر آلهه متعددة يعتقد أنها ذات أصل فضائي متطورة علمياً وتكنولوجياً لذلك اعتبرهم البشر البدائيون بمثابة آلهة في حين أن هؤلاء الفضائيون لم يسعوا إلى مثل هذا السلوك من قبل البشر بل حاولوا مساعدتهم للارتقاء بأنفسهم وتطوير حياتهم الصعبة والخطرة في تلك العصور المتأخرة. ومن بين الأمثلة عن ذلك الإله الهندوسي ساكيا في القرن السادس قبل الميلاد الذي هبط من كوكبه المتطور شفقة ببني البشر ليواسيهم ويعيش معاناتهم. وكذلك الإله إندرا منقذ بلاد التبت في القرن السابع قبل الميلاد الذي نزل من السماء ليساعد البشر. وكذلك قصة الإله المصري ثوليس 1700 سنة قبل الميلاد وكان يحب البشر ويعطف عليهم فنزل من السماء العليا ليقيم بين القوم الذين أحبهم. ولقد وصلتنا الكثير من هذه القصص في كتاب الموتى عن المصريين وروايات سكان استراليا الأصليين والهنود الحمر في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية. وفي الأساطير اليابانية قصص مشابهة لهذه عن نزول آلهة من السماء لمساعدة البشر ومنحهم المزيد من المعرفة والعلوم خاصة في مجال الفلك والطب والبناء والهندسة المعمارية.

الخطوات الأولى:

كان لاكتشاف كوكب خارج نظامنا الشمسي بشكل فعلي وحاسم ومثبت مائة بالمائة من الناحية العلمية، في السادس من شهر أكتوبر سنة 1995، اثر القنبلة التي هزت أركان الوسط العلمي آنذاك. فللمرة الأولى يقدم العلم الدليل القاطع على وجود كواكب أخرى، قد تكون مأهولة، تشبه كواكب مجموعتنا الشمسية، أي تأكيد، وليس احتمال، وجود أرض أخرى غير أرضنا، أي إمكانية وجود عوالم مسكونة أخرى غير عالمنا في الكون المرئي. ومن ثم توالت الاكتشافات بإيقاع مذهل بعد التمكن من التقنية اللازمة لذلك، حيث أثبتت الحسابات الفلكية وجود مليارات الكواكب في مجرتنا درب التبانة وحدها فما بالك في باقي مجرات الكون المرئي. وفي سنة 2005 تم اكتشاف كوكب الأرض الهائل المسمى جليس Gliese 876 d وهو أكبر من أرضنا بسبعة مرات ويقع في المنطقة القابلة للحياة. وفي عام 2014 تم العثور على كوكب بحجم كوكبنا الأرض وقابل للحياة أيضاً هو كبلر Kepler 186 f يدور حول نجم من نوع القزم الأحمر naine rouge في كوكبة البجعة أو الدجاجة Constellation Cygne التي تبعد عنا مسافة 500 سنة ضوئية.

كانت مجرد نقطة مضيئة في الفضاء لكنها بمثابة الفنار المضيء في ليل الإنسانية. ففي السادس من شهر أكتوبر سنة 1995 بدأت انعطافة هائلة في التفكير العلمي في مجال علم الفلك والفيزياء الفلكية والبيولوجيا الكونية عندما أعلن علماء الفيزياء الفلكية astrophysiciens ميشيل مايور Michel Mayor و ديديه كلوز Didier Queloz، الباحثين في جامعة جنيف، رصدهما المؤكد لأول كوكب يدور في فلك حول شمس أخرى غير شمسنا وكان كوكب بيجاسي b51 Pegasi الموجود في كوكبة بيجاسي التي تبعد 51 سنة ضوئية عنا. انتشر الخبر كالهشيم في النار في جميع أنحاء العالم وحظي بتغطية إعلامية ضخمة. المشكلة أن كوكب بيجاس 51 هو بحجم كوكب المشتري ومن نوعه أي ساخن جداً، وهو كوكب غازي هائل يختلف تماماً عن كوكبنا الصخري الصغير، ولكن هذا الاكتشاف قدم الدليل العلمي على وجود كواكب أخرى exoplanètes تدور حول نجومها على غرار مجموعتنا الشمسية، أي أن نظامنا الشمسي ليس فريداً من نوعه ووحيد في الكون المرئي. ما يعني في آخر المطاف إمكانية وجود حضارات فضائية كونية أخرى ولن نكون محكومين بالعزلة الكونية، وأننا ربما نكون الأحياء الأذكياء العاقلين الوحيدين في هذا الكون المرئي المذهل. وخلال الأربع وعشرين ساعة التي أعقبت إذاعة النبأ أصبح وجود عوالم أخرى بحكم الحقيقة الواقعة التي لا تحتاج لبرهان، في أذهان غالبية سكان الأرض. لذلك وفي تلك اللحظة، خرجت الفكرة من حيز الخيال العلمي إلى العلم المحض، وهو تاريخ مهم في مسيرة البشرية العلمية خاصة فيما يتعلق بوجود كائنات فضائية كونية غيرنا تعيش خارج الأرض.

وبعد مرور عشرين عام على ذلك الاكتشاف بتنا قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف عالم مسكون ومأهول بحيوات ذكية وعاقلة مفكرة مثلنا وربما تتفوق علينا بعلمها وتكنلوجيتها ولم تعد القضية سوى مسألة وقت ليس إلا. وغدت عملية اكتشاف الكواكب الأخرى أشبه بالتمارين الرياضية الروتينية لكنها رياضة فلكية. ففي العاشر من آيار مايو 2015 أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اكتشاف 1284 كوكباً بفضل التلسكوب المرقاب الفضائي كبلر وعلى نحو مؤكد وقاطع غير قابل للخطأ في التفسير وليس مجرد تشخيص تقريبي أو نتاج صنعي كما كان الحال في الماضي. وستستمر العملية وتتراكم الاكتشافات بانتظار اليوم الموعود عندما تعلن المؤسسات الفضائية المتخصصة الحقيقة التي ينتظرها البشر أجمعين وهي وجود حضارة كونية فضائية أخرى متطورة تتصل بنا باتصال من النوع الثالث وعلى نحو رسمي ومعلن. ويتعين علينا أن نضيف إلى عدد الكواكب المكتشفة من قبل التلسكوب كبلر تلك التي اكتشفها التلسكوب كوروت Corot منذ العام 2009 ويبلغ الرقم حالياً 3422 كوكباً ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5000 كوكب في الأشهر القادمة. وعندما نقول كوكب، خاصة إذا كان بمزايا ومواصفات وحجم وظروف وخصائص كوكبنا الأرض وفي المنطقة القابلة للحياة، فإن ذلك يعني حتمية وجود حياة أخرى في مجرتنا درب التبانة بل وفي الكون المرئي برمته. فالهدف والغاية القصوى من مثل هذه الاكتشافات هو العثور على الكائنات الكونية الفضائية les extraterrestres، ولقد تم التأكد بوجود 550 كوكب صخري أرضي على غرار كوكبنا وهي التي من المحتمل أن تحتوي على الحياة كما هو الحال على كوكب الأرض وهذا لا يعني استبعاد وجود حياة على بقية الكواكب غير الصخرية أو على أقمارها. وهناك تسعة كواكب ثبت أنها تشبه كوبنا تماماً من حيث الحجم ودرجة الحرارة على سطحها والجاذبية والضغط والغلاف الجوي والمسافة بينها وبين شموسها ووجود المياه السائلة على سطوحها، وهي كلها شروط أساسية لظهور الحياة التي نعرفها، وهناك اليوم 21 كوكب تجتمع فيها هذه الشروط والظروف اللازمة.

قد يبدو هذا الرقم صغيراً للغاية ومثيرا للسخرية، لكنه في واقع الأمر هائل لأنه نتيجة لمشاهد ورصد ومراقبة جزء صغير جداً من مجرتنا درب التبانة يضم حوالي 150000 نجمة من مجموع 300 مليار نجمة في المجرة التي نعيش فيها. مما يزيد من نسبة الأمل في العثور على الحياة في إحداها أو في العديد منها، حسب تقدير العالم دانيل روان Daniel Rouan مدير الأبحاث في مختبر الدراسات الفضائية والأجهزة الرصدية للفيزياء الفلكية وأحد المكتشفين للعديد من الكواكب النجمية خارج المنظومة الشمسية الأرضية. فإكتشاف العديد من الكواكب القابلة للحياة على غرار كوكب الأرض يتيح أن نحسب بدقة عدد الكواكب المحيطة بكل نجم من نجوم مجرتنا في المستقبل القريب. ويجري التركيز على الكواكب التي تشبه الأرض في الحجم والخصائص والمزايا، وخاصة الحجم، إذ ينبغي أن تكون بحجم الأرض أو اصغر منها بمرة أو بمرتين أو أكبر منها بمرة أو بمرتين لا أكثر، وتوجد لدينا الإمكانيات التقنية والتكنولوجية المطلوبة لرصد مؤشرات الحياة في تلك الكواكب في كل مستوياتها، وأول الخطوات هي تشخيص وجود الماء السائل والأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون والغلاف الجوي الحامي من الإشعاعات النجمية المميتة. يعتقد العلماء بوجود، على الأقل كوكب واحد كحد أدنى حول كل نجم من نجوم المجرة. بمعنى آخر يوجد حوالي 300 مليار كوكب كحد أدنى في مجرة درب التبانة لوحدها والمطلوب معرفة نسبة تواجد بعضها في المنطقة الوسطية القابلة للحياة وهي تتراوح بين 10% و 50% لتقدير عدد الكواكب التي يحتمل وجود الحياة فوقها في أسوء تقدير. وفي أسوء الأحوال المتشائمة، فيما لو اكتفينا بمنطقة صغيرة من مجرتنا في أحد ضواحيها أو أذرعها كالذي تتواجد فيها شمسنا، ولتفادي المبالغة، وقلنا أن كل نجم يحتوي على كوكب واحد وإن عشرة بالمائة فقط من تلك الكواكب تقع في المنطقة القابلة للحياة وتشبه الأرض بميزاتها كونها صخرية وذات درجة حرارة معتدلة وفيها ماء سائل وأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون وغلاف جوي حامي الخ.. واقتصرنا عل عدد محدود من النجوم يقدر بأربعمائة 400 نجمة تبعد عنا بمسافة تقل عن 30 سنة ضوئية فسوف نحصل على الأقل على 40 كوكب نجمي خارج الأرض وخارج نظامنا الشمسي ممن يمكن أن تحتوي على الحياة فوقها وهو الحد الأدنى.

أين ومتى يكون الكوكب مأهولاً؟:

لو اقتصرنا على ذراع أوريون bras d’orion وهو أحد اصغر الأذرع الفرعية الحلزونية في مجرتنا درب التبانة، والذي يضم 600 مليون كوكب نجمي قابل للحياة ولو طبقنا الحساب السابق أعلاه نسبة لــ 300 مليار نجمة، فسوف نحصل على عدد 30 مليار كوكب قابل للحياة. ولو توسعنا وشملنا بحساباتنا حشد أو عنقود المجرات المسمى العذراء الذي تتواجد فيه مجرتنا، ومن ثم الكون المرئي برمته، فسوف يصل عدد الكواكب القابلة للحياة إلى مليارات المليارات.

ليس بالضرورة أن كل كوكب قابل للحياة توجد عليه حياة بمستوىً ما. فهناك شروط إضافية يجب أن تتوفر لتؤدي إلى ظهور الحياة مثل معدل الحظ أو الفرص المتاحة، وتوفر قمر أو أكثر، وتصادم مذنب فضائي بالكوكب، ومع ذلك فإن إحتمال ظهور الحياة على الكواكب الأخرى كبير جداً. ولكن طالماً لم ننجح بعد في إنتاج الحياة في المختبر بطريقة المحاكاة للظروف التي أدت إلى ظهور الحياة فوق كوكبنا الأرض، فعلينا أن نكون حذرين في فرضياتنا، كما يقول فرانك سلسيس Franck Selsis، مدير الأبحاث في مختبر الفيزياء الفلكية في مدينة بوردو الفرنسية.:" من المؤكد أن التميز مفهوم يصعب تصوره أو استيعابه على مستوى الكون المرئي فنحن لم نجده بعد لكننا نفترض وجوده في مكان ما. " ولقد كان العلماء مترددون بل ومعارضون لمشاريع البحث عن حياة خارج الكرة الأرضية لكنهم باتوا اليوم أكثر فأكثر اقتناعاً بضرورة القيام بذلك وإن البشرية في طريقها لتحقيق هذا الإنجاز إن عاجلاً أم آجلاً.

ومما يشجع على ذلك هو التطور العلمي والتكنولوجي وتطور الأجهزة في هذا الميدان، والتي تعد باكتشافات مذهلة في القريب العاجل. فمعلوماتنا دقيقة جداً اليوم ومشاهداتنا تقول لنا بأن مجرتنا مزدحمة بعدد لا يصدق من الكواكب المتنوعة القابلة للرصد والدراسة فهناك كواكب عملاقة غازية أكبر من المشتري تدور بالقرب من نجومها وبدلاً من عطارد هناك شموس حمراء صغيرة تعرقل أو تسد الطريق أمام دوران الكواكب، تجبرها على عرض جانب واحد فقط منها باستمرار هو نفس الجانب، ومنها ما يدور بالاتجاه المعاكس، وبعضها يدور حول إثنين أو ثلاث نجوم، لذلك لا يمكن اعتبار نظامنا الشمسي نموذج مثالي أو يضرب به المثل وممثلاً لباقي الأنظمة النجمية أو الشمسية الأخرى، فهو مجرد مثال من بين أمثلة عديدة ومتنوعة ضمن مئات العوالم المكتشفة ومليارات العوالم الكامنة. بل وحتى الأرض لا تقدم المثال الأنصع والأفضل لاستقبال الحياة. فالكوكب المثالي بمثابة الجنة الفضائية، ينبغي أن يكون أكبر بمرتين على الأقل من الأرض.

يجهد العلماء الآن في معرفة كافة التفاصيل لجميع أنواع الكواكب ومستوياتها والقيام بعملية غربلة وترتيب وتنظيم لكافة النطاقات وبطريقة المحاكاة المجسمة بثلاثة أبعاد بواسطة كومبيوترات متطورة جداً بعد معرفة أحجامها وسرعاتها وسرعة دورانها ولفها الذاتي على نفسها وحول نجومها الخ.. ولكن من الصعب القيام بمحاكاة عن سيرورة تكون تلك الكواكب في الوقت الحاضر لذلك يتحدد العلماء بنموذج الأرض ويجرون عليه تعديلات في برنامج المحاكاة بزيادة كمية المياه، وحجم الكوكب، وتغيرات في درجات الحرارة، والحقل المغناطيسي، والقطبية، وزيادة الكتلة أو إنقاصها، وتغيير نوع الشمس التي يدور حولها الكوكب، حسب النوع والمسافة بين النجم والكوكب، وتغيير تركيبته وغلافه الجوي والكثافة والجاذبية ونوع القمر الذي يدور حولها الخ وذلك لمعرفة ما سيطرأ على الكوكب من تغيرات وظواهر طبيعية كالاحتباس الحراري أو نوع وحجم الغلاف الجوي، بعد كل هذه المعطيات، ستعطي نتائج المحاكاة الأجوبة عن الكواكب المأهولة أو التي ظهرت فيها الحياة. ولقد أظهرت النتائج الأولية أن كوكباً يحتوي على 1% من مياه الأرض يمكن أن يكون مؤهلاً لاحتضان الحياة.

فهناك الكثير من تجارب المحاكاة الحاسوبية التي تجرى بناءاً على معطيات كشفية فلكية دقيقة تعطينا العديد من النماذج حسب العالم الفرنسي جيريمي لوكونت Jérémy Leconte. فالحسابات تتركز على الكواكب الصخرية التي تدور حول شمسين والتي يمكن أن تكون مستقرة بما فيه الكفاية لكي تتزود بمناخ معتدل. وهناك كواكب تدور حول شمس واحدة مثل كوكبنا، وهناك محاولات للتمعن في نجوم أصغر وأكثر إحمراراً من شمسنا، أو أكبر بكثير من شمسنا وذات مناخ وغلاف جوي غريب. يمكننا تخيل العديد من الخيارات كما تقول إملين بولمونت Emeline Bolmont التي تقوم بنمذجة modélise الكواكب حول النجوم القزمة في جامعة نامور. فالأرض ليست في مركز النظام الشمسي ولا في مركز الكون المرئي وهي ليست مثال وحيد أو مثال يحتذى في مجال تنوع العوالم بل هي ليست حتى الأكثر قابلية لاستقبال الحياة، ولم يبق سوى أن نثبت أن الحياة الأرضية ليست المثال أو النموذج الوحيد بل هي واحدة من بين عدد من أنواع الحياة.

متى وكيف سنلتقي بهم؟

بات شبه المؤكد أننا سوف نعثر على آثار تدل على وجود حياة من نوع ما خارج الأرض في العقود القليلة القادمة. وسوف تتوفر لدينا الأدلة القاطعة خلال العشر سنوات أو العشرين سنة القادمة. فالسؤال لم يعد مجرد معرفة هل سنعثر عليها بل متى سيتم ذلك، وهذا يعني أن البشرية على أعتاب عصر علمي جديد وهو عصر اكتشاف الحياة في الفضاء الخارجي في مكان ما في محتويات الكون المرئي. أي سيكون تغيير جوهري في رؤية النموذج الكوني في سيرورة الجنس البشري، وربما سيترتب على ذلك حدوث ثورة اجتماعية وعلمية وفلسفية وأخلاقية ستحدد علاقتنا بالأديان والتاريخ بسبب تقبل مقولة " لسنا وحدنا في هذا الكون الفسيح". ولقد صدر مثل هذا الكلام في نيسان 2015 على لسان شخصيات تتبوأ مكانة علمية رفيعة مثل إلين ستوفان Ellen Stofan المسئولة العلمية في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وخبيرة في جيولوجية تشكل الكواكب، ومتخصصة بكوكب فينوس والمريخ والقمر تيتان. والعالم جيفري نيومارك Jeffrey Newmark وهو عالم متخصص في الفيزياء الشمسية في ناسا، وأمثال هؤلاء ذوي السمعة الناصعة علمياً ولا يمكن المساس بمصداقيتهم، يعتقدون أن من الممكن العثور على شكل من أشكال الحياة الأخرى غير الأرضية وإن هذا الأمر لم يعد حكراً على بعض الباحثين الهامشيين، فالفكرة تجذرت في الوسط العلمي اليوم بعد أن كانت مثل هذه الجهود توصف بالفنطازية والحمقاء أو المجنونة. فقبل سنوات، ولغاية أواسط التسعينات من القرن الماضي، كان مجرد الحديث عن احتمال وجود حياة فضائية خارج الأرض يبدو للمتلقي كما لو إنك تروي أساطير وخرافات، ومن يعملون في هذا الميدان يقومون بذلك في السر ولا يعلنون نوعية أبحاثهم خوفاً من السخرية واعتبارهم حمقى من قبل زملائه،م فالبحث عن أصل الحياة، حتى على الأرض، يثير الاستهجان فيما بالك لو كان في كواكب أخرى خارج الأرض وخارج المجموعة الشمسية؟ ونفس الشيء في مجال البحث عن كواكب أخرى في أنظمة شمسية أخرى قد تكون مؤهلة لظهور الحياة فيها. وفي العام 2000 قدم الباحث أندريه براك André Brack أطروحة لنيل الدكتوراه عن الحياة على كواكب خارجية في الفضاء exoplanètes وكان من أوائل من تجرأ على طرح هذا الموضوع علمياً في فرنسا وتخصص بتكنولوجيا العثور على الكواكب خارج نظامنا الشمسي وهو اليوم يشغل منصب مدير أبحاث في مركز الفيزياء الأحيائية الجزيئية أو الخلوية moléculaire biophysique في أورليون. لقد تغيرت العقليات كما يؤكد دانيل روان مدير أبحاث في مختبر الدراسات الفضائية والأجهزة والمعدات الفلكية في مجال الفيزياء الفلكية ونائب رئيس الجمعية الفلكية الفرنسية لأبحاث الفيزياء الفلكية. ففي الماضي كان من يريد التخصص في هذا المجال يسخرون منه قائلين: هل تريد أن تبحث عن الرجال الخضر، واليوم اختفت السخرية وحل محلها الاحترام والإعجاب، ومن المؤكد أن العثور على حياة أخرى خارج الأرض سيتحقق في غضون هذا القرن الواحد والعشرين، وهي قناعة يتشارك بها الكثير من العلماء اليوم. لم يكن متخيلاً أن يحدث ذلك قبل عشرين عاماً من الآن لكن العلم هو الذي هيأ الأرضية لمثل هذا التغيير في عقلية وذهنية العلماء والأوساط العلمية. ويعود الفضل في ذلك، لانتشار وتطور هذا المجال الجديد من البحث الفلكي ألا وهو exoplanètes، أي الكواكب الأخرى في الفضاء الخارجي، وخارج المنظومة الشمسية، فخلال عشرون عاماً انتقلنا من رقم صفر إلى رقم 5000 كوكب مؤكد بعد توفير الأجهزة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة والميزانيات اللازمة لتحقيق هذه المهمة بغية العثور على حياة أخرى غير الحياة التي نعرفها على الأرض. فالعلماء باتوا يعرفون كيف وأين يبحثون عن تلك الكواكب، وسبل دراستها، بل ويعتقدون أن الحياة موجودة في بعض أقمار مجموعتنا الشمسية التي تدور حول كواكب غازية عملاقة ضخمة كالقمر أوربا التابع لكوكب زحل الذي يحتوي على محيطات مائية سائلة تحت سطحه المتجمد أو ربما تحت سطح المريخ، حيث يمكن أن توجد حياة أو كانت قد وجدت في زمن سابق. ويمكن للحياة أن تظهر حتى في البيئات التي كانت تعتبر عقيمة، وهذا ما سيثبته البحث في مجال البيولوجيا الفضائية exobiologie التي صارت تجذب إليها الكثير من العلماء والباحثين ويعمل في هذا الحقل التخصصي علماء أحياء وعلماء كيمياء وعلماء آثار وعلماء كواكب وعلماء فيزياء فلكية وفيزياء نظرية وعلماء كونيات كوسمولوجيين ينتظمون في جمعيات متخصصة نشطة منتشرة في جميع أنحاء العالم المتقدم.

وكمثال على تغير المواقف لدى بعض العلماء، العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ المتخصص بالثقوب السوداء والنظرية النسبية وهو عالم كونيات ورياضيات ومحاضر في الفيزياء النظرية. كان قد صرح بأسلوب الدعابة الساخرة في نيسان سنة 2008في مؤتمر التكنولوجيا والإمتاع والتصميم TED – Technology، Entertainment, Design، بهدف نشر أفكار تستحق الانتشار قائلاً:" بالرغم من الأبحاث الموسعة في إطار مشروع سيتي Seti للالتقاط الإشارات القادمة من الفضاء الخارجي والصادرة عن حضارات كونية عاقلة وذكية ومتطورة، لكننا لم نستلم بعد برامج ألعاب تلفزيونية من كائنات فضائية، وهذا يشير ربما إلى عدم وجود أية حضارة فضائية أو كونية على مسافة بضعة مئات من السنين الضوئية عنا "، ولكن وفي تموز 2015، بعد سبعة أعوام على تصريحه السابق، يؤيد نفس ستيفن هوكينغ إطلاق مشروع Breakthrough Listen، وهو مشروع طموح للبحث عن الحياة الفضائية الكونية الذكية والمتطورة. وهو ليس الأول ولن يكون الأخير من بين العلماء الذين غيروا أو سيغرون مواقفهم تجاه هذا الموضوع حتى إن هدف البحث عن الحياة الكونية العاقلة والذكية والمتطورة بات محط اهتمام وأولية وكالة الفضاء الأوروبية ESA و وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA، ولكن يحاول البعض التخفيف من حدة التفاؤل والقول أن البحث عن الحياة نعم ولكن ليس بالضرورة الحياة العاقلة والمتطورة. ففكرة إمكانية العثور على شكل من أشكال الحياة البدائية أو طورها المجهري الميكروسكوبي أمر وارد ومتفق عليه بين العلماء واكتشاف بعض أنواع البكتريا في أجرام سماوية كالمذنبات أو الكواكب أمر متوقع جداً، المشكلة هي مع بديهية العثور على حضارة كونية فضائية متقدمة علمياً عاقلة وذكية ومتطورة علمياً وتكنولوجياً أكثر منا ترغب في منحنا معرفة ومعلومات رائعة ومتطورة جداً حيث تطفو هنا العديد من الشكوك والاعتراضات والترددات، خاصة فيما يتعلق بإشارات فضائية مرسلة إلينا من حضارات كونية بعيدة على نحو مقصود ومتعمد للتواصل معنا، فمن الصعب تحقيق إجماع أو توافق بهذا الشأن. وبهذا الصدد قال ستيفن هوكينغ:" في كون لا متناهي لا بد من وجود أنواع أخرى من الحياة أو آثار عن الحياة في مكان ما من هذا الكون المرئي الشاسع، وقد تكون حضارة كونية متقدمة جداً علمياً وتكنولوجياً تنظر إلينا وتراقبنا. لم تعد القضية مسألة تساؤلات بل البحث عن إجابات قاطعة وناجعة فلقد حان الأوان للبحث عن الحياة خارج الأرض فيجب علينا أن نعلم ذلك ". في القرن الرابع قبل الميلاد قال ميترودور دي شيو Métrodore de Chio:" إعتبار أن الأرض هي العالم الوحيد المأهول والمسكون أمر عبثي بقدر عبثية القول بحقل مزروع بحبوب الدخن لا ينتج سوى سنبلة واحدة ". و في سنة 1686 قال برنارد لو بواير دي فونتنيل Bernard Le Bouyer de Fontenelle من الأكاديمية الملكية للعلوم إن القمر هو أرض مسكونة. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان عدد من العلماء يعتقدون بوجود حياة على سطح المريخ. ولكن مع تقدم علم الفضاء والقيام برحلات فضائية وإرسال مسابير استكشافية، علمنا أن كواكب منظومتنا الشمسية عقيمة لا حياة فيها عدا الأرض، ولقد علق عالم الأحياء الفرنسي البيولوجي الشهير جاك مونود jacques Monod:"يعرف الإنسان أخيراً أنه وحيد في هذه الضخامة الهائلة اللامبالية للكون التي انبثق فيها صدفة". وانتشرت هذه المقاربة والاعتقاد سنين طويلة إلى أن نجح العلم في القرن الواحد والعشرين في عكس الاتجاه وإعادة الأمل في إمكانية العثور على حيوات أخرى في هذا الكون الشاسع، ولكن أين هم إذن؟.

الرحلات الفضائية بين النجوم والكواكب بحثاً عن الحضارات الأخرى:

العقبة الكأداء أمام البشر في السفر بين الكواكب والنجوم هي الزمن ومحدودية السرعة، فحتى سرعة الضوء غير كافية لأن المسافات في الكون المرئي تصل إلى ملايين السنين الضوئية أي أن المركبة الفضائية التي تسير بسرعة تقرب من سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الثانية، تحتاج من 4 سنوات ضوئية للوصول إلى أقرب نجم إلينا، إلى بضعة ملايين لبلوغ النجوم التي تقع في تخوم الكون المرئي والحال أن بلوغ البشر سرعة تقرب من سرعة الضوء شيء شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً في الوقت الحاضر لذلك على البشر أولاً قهر الزمن وقهر المسافات لتحقيق الحلم في الوصول إلى الحضارات المتقدمة علينا والأقدم منا نحن البشر.

تصدى كتاب روايات الخيال العلمي لهذه المعضلة، ووجدوا أن أمامهم خيارين لا ثالث لهما، إما زيادة السرعة أو إبطاء الحياة. وكان الحل الثاني هو الأكثر جاذبية فلو كانت رحلة فضائية تستغرق قرن من الزمن، أي بمعدل يفوق متوسط عمر الإنسان، فلا بد من حل لإبقاء رائد الفضاء حياً كل هذه المدة، وهي عملية ممكنة بفضل تطور العلم حيث من الممكن إخضاع الأجسام إلى حالة من السبات hibernation، وهي عملية تلجأ إليها بعض الحيوانات في بعض المواسم. فالبرد يوقف الحياة ولا يقتلها من الناحية المبدئية، لذا لا شيء يعارض مبدأ تجميد الجسم، وإطالة العمر بضعة عقود إضافية. لم نستطع بعد القضاء على الكثير من العقبات والصعوبات التقنية لكنها ليست مستحيلة. لذلك خطط العلماء على الورق إرسال بعثات فضائية طويلة الأمد على مركبات آلية أوتوماتيكية تسيرها الكومبيوترات المتطورة جداً وعلى متنها فريق عمل بشري من بعض الرواد المتطوعين اللذين يتم تجميدهم أو إسباتهم، صناعياً لإبقائهم على قيد الحياة في الحد الأدنى.ومن ثم يتم إيقاظهم عند بلوغ الهدف المنشود من قبل الكومبيوترات أو الروبوتات المرافقة لهم. وقد يتطلب الأمر عدة أجيال من رواد الفضاء يوزعون على مراحل الرحلة إذا كانت بعيدة جداً وتحتاج لأكثر من قرن من الزمن البشري. الكاتب الموهوب آرثر كلارك كان السباق لتقديم مثل هذه الفكرة في روايته العظيم " أوديسة الفضاء 2001 في بداية ستينات القرن الماضي والتي حولها المخرج السينمائي العبقري الراحل ستانلي كوبريك إلى تحفة سينمائية خالدة، وكانت الرحلة هي لاستكشاف كوكب زحل وما يحيط به، وهي رحلة تستغرق خمسة عشر عاماً ذهاباً وإياباً. هناك عوامل تتعلق بالطبيعة البشرية سيكولوجية وأخلاقية تقف عائقاً أمام البعض بقبول مثل هذه المهمة لأنها تحتاج إلى نكران ذات تام abnégation من قبل المرء قبل القدوم على مثل هذه المغامرة. فالسفر بين النجوم والكواكب البعيدة يتطلب زيادة في السرعة قد تصل إلى مايقرب سرعة الضوء وهنا تبرز معضلة فيزيائية محضة وهي المعروفة بمفارقة لانجفان للسفر الكوني paradoxe du voyageur de Langevin، والإسم الشائع لها هو مفارقة التوأم paradoxe de Jumeau، وهي مرتبطة بمعادلات وقوانين النسبية العامة لاينشتين. فالزمن بالنسبة لرائد الفضاء على متن مركبة تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ليس هو نفس الزمن الذي يمر علينا ونحن على سطح الأرض. فلو غادر أحد التوأمين الأرض في رحلة تستغرق بضعة أشهر وعاد فسوف يجد شقيقه التوأم عجوزاً طاعناً في السن، بينما لم تمض عليه هو سوى الأشهر القليلة التي استغرقتها رحلته. وكمثال على ذلك لو غادر الشقيق التوأم الأول الأرض إلى كوكب يبعد عنا مسافة 800 سنة ضوئية بسرعة تقرب من سرعة الضوء، فسوف تستغرق رحلته 27 عاماً أي لن يكبر بالعمر سوى 27 عاما ولو كان عمره 20 عاماً فعند عودته سيكون عمره 47 عاماً ولكن عند عودته سيجد الأرض ومن عليها قد شاخوا خمسة عشر قرناً، 1500 سنة تكون قد مرت على الأرض ومن عليها. لا يوجد حل في الأفق أمام هذه المعضلة. فتقلص وتباطؤ الزمن مع السرعة قانون فيزيائي فرضته النسبية و لا مفر منه ثم أن النسبية تسمح بالاقتراب من سرعة الضوء نظرياً لكنها تمنعه تماماً إذ لا يمكن أن يسير جسم آخر بهذه السرعة سوى الضوء نفسه وكل شيء آخر معرض للاختفاء، وحتى لو سافر المرء بسرعة تقرب من سرعة الضوء لنجم يبعد عنا 500 سنة ضوئية وهي مسافة كونية قريبة مقارنة بغيرها، فسيحتاج لألف عام ذهاباً وإياباً وسيمر على الأرض حينها مئات الألاف من السنين الأرضية، فالبعثة الفضائية التي تغادر الأرض لبضعة عشرات من السنين وتعود لن تجد نفس الفريق التقني الذي أرسلها بل ربما أحفاد أحفادهم. هذا ونحن نتحدث عن السفر داخل مجرة واحدة أو كون واحد ككوننا المرئي فما بالك بتعدد الأكوان وتواجدها في مساحات ومسافات لايمكن تصورها أو إدراكها؟

وهناك طريقة علمية أخرى سوف تفرض نفسها في المستقبل القريب وهي إمكانية اللجوء إلى تقنية الاستنساخ البشري بعد السيطرة على تقنية نقل وتسجيل وحفظ الذاكرة البشرية وإمكانية نقلها من جسد إلى آخر ومن دماغ إلى آخر خام. حيث يمكن تجديد الجسد البشري من خلال تقنية الاستنساخ ليبقى على هيئة شباب دائمي، ونقل التراكمات الدماغية والذكريات والتجارب الفردية من دماغ في جسد مستهلك إلى دماغ خام في جسد شاب خارج لتوه من ماكنة الاستنساخ، وهو بعد يانع وذو ذاكرة خام خالية لتسجل فيها تجارب وذكريات وخبرات ومعارف الدماغ السابق وهنا تتراكم المعرفة عبر زرع الدماغ المخضرم في جسد شاب يافع دائماً.

تقليص الزمن والطرق المختصرة:

سواء أكانت الفكرة مقبولة وممكنة أم لا، إلا أن تعدد الأكوان يعني أن الطريق غير مفتوحة أمامنا من الناحية النظرية لزيارتها لأنها مستقلة عن كوننا المرئي وتسيرها قوانين فيزيائية مختلفة عن قوانين كوننا المرئي. ولكن ماذا عن العوالم الموجودة داخل كوننا المرئي؟ فهناك مليارات الكواكب المأهولة في مجرات كوننا المرئي، وملايين في مجرتنا درب التبانة وحدها؟ يقول العلماء أن هناك وسيلة ممكنة، من الناحية النظرية أيضاً، تتمثل بافتراض وجود ممرات كونية مختصرة بين مختلف الأبعاد الفضائية، سواء بين الأكوان، أو بين عوالم الكون الواحد مثل كوننا المرئي، وتسمى بالممرات أو الثقوب الدودية les trous de ver، وهي أجسام فضائية أو سماوية مفترضة ومحتملة الوجود لم يثبت وجودها علمياً بعد. وعلى عكس الثقوب السوداء التي لا يمكن لأي شيء أن يفلت أو يخرج منها، يمكن للثقوب الدودية أن تشكل أنفاقاً وممرات حقيقية بين الأكوان المتوازية وبين المجرات ونجومها وكواكبها وبين نجوم وكواكب مجرتنا درب التبانة، كما جاء في تفاصيل وتطبيقات وحيثيات وتكهنات نظرية الأوتار الفائقة. حيث من الممكن، نظرياً، الولوج إلى ثقب دودي يمتصنا أو يسحبنا من إحدى فتحاته " مداخله" ومن ثم نخرج منه إلى كون آخر أو مجرة أخرى أو كواكب ونجوم في مجرتنا ذاتها. شرط أن نجد حلاً للتغلب على الجاذبية الهائلة فيه والتي يمكن أن تفتت ذراتنا، ومع ذلك فإن هندسة الزمكان تعطي معادلات رياضية تصبح بموجبها مثل هذه الرحلات ممكنة ولكن من خلال بعض الثقوب الدودية وليس كلها ممن تتمتع بخصائص مهيئة لمثل ذلك وقد تكون صناعية أو من صنع حضارات كونية متقدمة ومتطورة علمياً وتكنولوجياً. يقدم عالم الفيزياء الفلكية تيبو دارمور Thibault d’Armour تعريفاً لتلك الممرات الكونية الغريبة الموجودة في كوننا المرئي ويقول:" إن الثقب الدودي هو عبارة عن تشوهdéformation أو انبعاج في نسيج الزمكان يربط بين منطقة وأخرى مختصراً المسافات والزمن. ولنتخيل كوننا ورقة ببعدين حيث نستطيع أن نتمثل أو نتصور الثقب الدولي كأنه حلق يربط ورقتين ــ كونين أو مجرتين ــ لكننا لا نعرف الزمن الذي تستغرقه الرحلة عبر الثقب الدودي. لأننا لم يسبق أن جربنا مثل هذا الطريق وبالتالي لم تحل هذه المسألة حتى من الناحية النظرية. فيمكن للثقب الدودي أن يمتصنا أو يعيد امتصاصنا ويعيدنا نحو مدخله الموجود في كوننا أو مجرتنا من حيث دخلنا. وبعض الثقوب الدودية يمكن أن تنطوي على نفسها في حلقة كالمتاهة و لا تنفتح على أي مخرج، أو كون آخر أو مجرة أخرى بل فقط نحو نفس المدخل. وفي بعض الثقوب يمكن أن تستغرق الرحلة عدة مليارات من السنين. إذ أن هذه الثقوب أو الأنفاق أو الممرات الكونية قد تحتوي على أبعاد مجهولة وهي في الوقت الحاضر مجرد تكهنات وافتراضات محتملة وغير مفهومة أو معروفة الماهية من جانب الكوسمولوجيا الرصدية. فعلينا أن نعرف و نفهم، قبل أن نغامر، ماذا يحدث داخل ثقب أسود، فما بالك داخل ثقب دودي، قبل التفكير في المضي قدماً في رحلة خطيرة داخل الأبعاد الكونية المتعددة. يمكن أن نضع بعض التصورات الافتراضية بهذا الشأن. فعندما نتخطى أفق الحدث للثقب الأسود، على سبيل المثال، يعتقد علماء الفيزياء الفلكية أن الزمان يصبح مكان والمكان يصبح زمان. فهذان المفهومان المتنوعان والمتباينان في العادة، يتبادلان الأدوار والمهام والماهية. فالفرادة المركزية، تلك المنطقة الموجودة في قلب الثقب الأسود، حيث تتكاثف وتتركز فيها كل المادة، ستكون موجودة في اللحظة وليس في الموقع، أي في الحيز الزمني وليس في الحيز المكاني، حيث سيتوقف الزمن الذي نعرفه عن الوجود وينقطع عن الجريان والسير، كما يعتقد عالم الفيزياء الفرنسي أورليون بارو Aurélien barrau، وهو باحث علمي وصاحب الكتاب الممتع " البغ بانغ وما يتعداه Big Bang et au-delà" وكذلك الكتاب المهم " الكون التعددي Univers Multiples " ولقد حاول هذا العالم الشاب أن يتخيل ماذا سيحدث لو أن رائد فضاء شجاع قرر أن يغامر ويخاطر بدخول هذا البئر السماوي بلا قاع ولا قرار. وحسب هذا الخبير، فإن ما سيراه ويشهده رائد الفضاء المغامر سيكون استعراض مدهش لكنه سيفنى بدون أدنى شك. فالموت يمكن أن يحدث حتى قبل الولوج إلى هذا الجرم إذا كان الثقب الأسود من نوع ضعيف الكتلة، فإن تأثيرات المد والجزر من الأهمية بمكان، ستقطع أوصال رائد الفضاء حتى قبل أن يصل إلى سطح الثقب الأسود، وعلى عكس ذلك، لو كان الثقب السود هائل الكتلة، فإن هذه الظاهرة ستكون مهملة وسيكون من الممكن استكشاف داخل الثقب الأسود وأعماقه"، فأية محاولة لإبطاء سرعة السقوط نحو الفرادة المركزية ــ على سبيل المثال تشغيل محرك صاروخي نحوها باتجاه خارج الثقب في محاولة للخروج ــ، سوف يسرع من التحولات غير مأمونة العواقب، وسيكون المشهد المعروض داخل الثقب فخماً ومدهشاً: سماء سوداء من ناحية الثقب وسماء ستصبح معتمة جداً من الناحية المعاكسة وحلقة رقيقة من الضوء تحيط برائد الفضاء تفصل بين المنطقتين التي لا يمكن التمييز بينهما لأن الثقوب السوداء هي الأجرام السماوية الكونية الأكثر غرابة وغموضاً وتعقيداً في الكون، كما ظهر لنا ذلك في تجارب المحاكاة الحاسوبية أو الكومبيوترية.

ما يزال البشر في مرحلة الطفولة، بل يمكن القول في مرحلة البكتريا البدائية مقارنة بما وصل إليه الإنسان اليوم من مستوى علمي، وذلك من ناحية التكنولوجيا فيما يتعلق بالسفر عبر الكواكب والنجوم والمجرات والأكوان الموازية. لكن العلماء وضعوا عدة نظريات لتحقيق هذا الهدف، ومنها إمكانية صنع أو خلق ثقوب سوداء اصطناعية تكنولوجياً وهو السيناريو الذي تم التعبير عنه في فيلم رحلة بين النجوم، أنترستيلر interstellar في نهاية سنة 2014. إن هذه الملحمة السينمائية ــ الكونية ــ العلمية ـ الخيالية في الوقت الحاضر، التي تخيلها المخرج كريستوفر نولان، تتحدث عن علماء رواد فضاء يقررون الرحيل عبر ثقب دودي تم خلقه بطريقة اصطناعية على يد حضارة كونية متطورة جداً لكنها مجهولة من قبل البشر، بغية العثور على كوكب في كون موازي يشبه كوكبنا الأرضي وقابل للحياة فوقه كبديل للأرض لأن كوكبنا تعوزه الحيوية وفي حالة احتضار لذلك بات من الضروري تحضير رحلة فضائية كآخر فرصة لإنقاذ سكان الأرض، حيث اجتمعت كل النظريات العلمية الكوسمولوجية والبيولوجية المجددة، وحيث يتعايش في جو الفيلم الثقوب السوداء والثقوب الدولية والتجسد الملموس للزمكان وتطبيقات الفيزياء الكمومية أو الكوانتية والثقالة والمفارقات الزمانية paradoxes temporels، والنسبية، وتباطوء الزمن مع السرعة أي مفارقة التوأم الخ.. ولكن هل من الممكن حقاً لمركبة فضائية أن تغوص في قلب أو عمق ثقب دودي وتخرج سالمة منه؟ يعتقد عالم الفيزياء والباحث في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسي CNRS آلان ريازيلو Alain Riazuelo، والأستاذ في معهد الفيزياء الفلكية في باريس، من الناحية النظرية على الأقل، أن الثقوب الدودة يمكنها بالفعل أن تشكل اختصارات زمكانية تتيح الوصول إلى نقطتين متباعدتين في الفضاء على نحو مختصر، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضمان ثبات واستقرار هذه الأنفاق الكونية المتعددة الأبعاد والتي يمكن أن تنغلق كلياً في أية لحظة وإلى الأبد ويضيع من في داخلها قبل خروجه. ولكي يبقى الثقب الدودي مفتوحاً، يحتاج الأمر إلى اللجوء إلى مادة غريبة وغير مألوفة exotique، تمارس ثقالة سلبية معاكسة ونابذة أو طاردة بطريقة تتيح لها دفع حواف وأطراف وجدران هذا النفق ـ الثقب الدودي المستحدث اصطناعياً داخل النسيج الزمكاني ولكن لا توجد لدينا أية فكرة عن هذه المادة المفترضة وكيفية السيطرة عليها في حال كونها موجودة فعلاً في الكون المرئي. ولم تظهر ملامح أو مؤشرات أولية لهذه المادة، لا في مسرعات الجسيمات المتطورة الموجودة في الأرض ولا في أركان الكون البعيدة الخاضعة للمراقبة والرصد والمشاهدة والحساب والقياس، لذلك فإن السفر عبر الثقب الدودي سوف يتطلب قرون وربما ملايين عديدة من السنين والتقدم العلمي والتكنولوجي اللازم. وعلى الرغم من عدم إثبات صحة وصلاحية نظرية الأكوان المتعددة إلا أن من فضائلها أنها اقترحت مفهوماً متسقاً وفريداً من نوعه للكون جعل العلماء يأخذون بعين الجد هذه النظرية خاصة مع تطور معارفنا ومعلوماتنا العلمية سيما في مجال الميكانيك الكمومي أو الكوانتي. حيث تتراكم مجموعة من الأكوان يتمتع كل واحد منها بهويته الخاصة ويتوافق مع إحدى ممكنات الفيزياء الكوانتية أو الكمومية وهي تشكل التفسير الوحيد الممكن لعالم الكوانتوم الغريب الخالي من التناقضات والمفارقات، كما يستنتج أورليون بارو ومع ذلك تبقى الثقوب الدودية والثقوب السوداء من أكثر الأجرام السماوية غرابة وتعقيداً، إنها بمثابة المسخ الكونية المخيفة والمميتة لكنها تحتفظ في دواخلها بالسر الأعظم لفيزياء الغد المستقبلية وقد يكون تطوير نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية، gravité quantique أحد المفاتيح التي يمكن أن تصف العالم على مستوى اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر.

لغز المركبات الفضائية المجهولة المعروفة بالـ OVNIS الأطباق الطائرة:

تعتبر ظاهرة الأطباق الطائرة من أكثر المواضيع غموضاً وإثارة للجدل، ففي كل يوم تقريباً تخرج علينا الكثير من الصحف والمجلات في مختلف أنحاء العالم بعناوين مثيرة عنها ولكن ما هي حقيقة الأطباق الطائرة وهل هي موجودة حقا؟ لا أحديمتلك إجابة علمية دقيقة وافية وشافية، فهناك من يعتقد بوجودها وهناك من ينفي وجودها على نحو قاطع ولكن تبقى هناك دائماً تساؤلات كثيرة حول هذا الموضوع وهناك كذلك آلاف من المشاهدات والشهادات التي لا تجد لها الأوساط العلمية تفسيرها علمياً أو منطقيا.

من طبيعة البشر الإعتقاد والتصديق حتى بما هو غير مرئي وغير واقعي أو عقلاني ويدخل في ذلك الإطار الاعتقاد بوجود الأطباق أو الصحون الطائرة أو الأجسام المحلقة مجهولة الهوية. ويبدو أنه لا يمكن رؤية الأطباق إلا إذا كنا نعتقد بوجودها أو على الأقل على الاستعداد بتصديق أطروحة وجودها، على الأقل على مستوى اللاشعور أو اللاوعي، لكي نتمكن من رؤيتها. ووراء كل شهادة عن ovni، هناك المشاهدة المباشرة لظاهرة سماوية غير معروفة وغير عادية وغير مألوفة. يعتقد الناس أنهم يعرفون السماء وما فيها من سدم وأبراج وكوكبات وكواكب ونجوم، ولكن في الحقيقة هناك القليل منا من هو معتاد على النظر إليها وبالتالي سنندهش بسهولة عند رؤيتنا لألوان ليست غريبة بالنسبة للعين المدربة. لذلك فإن أغلب الحالات والشهادات التي ترد إلى المؤسسات العلمية المتخصصة، كمجموعة الدراسات والمعلومات حول الظواهر الجوية الفضائية غير المشخصة Geipan، تجد لها تفسيراً علمياً بعد دراستها وتفحصها بدقة علمية مثل إطلاق القناديل التايلندية المضاءة بالشموع في ليل حالك، أو طائرة حديثة لم يعلن عنها، أو كوكب فينوس. فالناس تعرف بوجود هذا الكوكب أو المناطيد والبالونات البيئية لدراسة الأنواء الجوية، ولكن من خلال المناهج الدراسية أو الدليل الفلكي لكن الصور التي يشاهدوها، والتي تظهر في السماء لاتشبه ما يعرفونه نظرياً. وما أن يلمح المشاهد شيئاً لغزياً يبدو غامضاً ومجهولاً، فإنه سيكون بحاجة إلى التقليل من التضارب incohérence بين ما يراه وما يعرفه للعثور على حالة توازن، إما بربط الظاهرة المرئية بشيء مألوف ومعروف قريب منها أو بتعديل نظام القيم لدى الناظر والمشاهد للظاهرة مثل القول " كنت لا أعتقد بوجود ذلك لكنني الآن بت اصدق بوجوده" كما يحلل علماء النفس في الغرب وكما جاء في دراسة نشرت عام 1981 عن المركز القومي للدراسات الفضائية Cnes. هناك آليات عصابية neurologiques، يمكن أن تفسر ذلك كحالات الوهم البصري التي يمكن أن تجعل أي شعاع أو إنارة تبدو للعين وكأنها مركبة فضائية vaisseau extraterrestre. وكذلك بخصوص الأشياء المتحركة إرادياً auto – cinétique، والوهم البصري عند النظر إلى نقطة مضيئة ثابتة في الظلام الدامس يمكن أن تبدو وكأنها تتحرك أو تهتز وتتنقل، وهذا الوهم ناجم عن تفسير خاطيء للحركة اللاإرادية لكرة أو مقلة العين globe oculaire، عندها سيعتقد دماغنا أن الهدف المستهدف بالنظر هو الذي يتحرك وليس عيننا. وتحدث هذه غالباً عندما نفتقد لمفهوم المسافة الفاصلة بيننا وبين النقطة المضيئة، أو عندما نكون متعبين أو أن يكون سطوع النقطة المضيئة ضعيفاً، أو عندما تكون السماء داكنة كالحبر الأسود وفي وقت متأخر، ما يوفر الشروط المثالية لكي نرى النجوم وهي تتراقص. إن الحركة الإرادية الذاتية autocinétique استخدمت من قبل العالم النفسي والاجتماعي مظفر شريف سنة 1935، لكي يظهر بداهة ظاهرة أخرى مهمة في إدراك الأجسام المحلقة مجهولة الهوية أو الأطباق الطائرة، ألا وهي ظاهرة التوافق الاجتماعي أو الاتفاق الجمعي. فلقد وضع العالم مظفر شريف مجموعة من الأشخاص المتطوعين للمشاركة في التجربة، في غرفة مظلمة، وعرض نقطة مضيئة ثابتة وعلى المشاركين في التجربة أن يقدروا معدل ومدى تحركها وتنقلها. وسرعان ما لاحظ أن مشاهدات البعض تتوافق مع وصف البعض الآخر وهو نفس التوافق الذي نعثر عليه في أمثلة المشاهدات الجمعية للأطباق الطائرة كما كان الحال مع الموجة البلجيكية بين 1989 و 1992. المتشكك الأكثر شهرة حيال ظاهرة الأطباق الطائرة الصحافي الأمريكي فليب ج كلاس philip j. Class، الذي قال سنة 1986 بهذا الصدد أنه في حالة وجود تغطية إعلامية واسعة لمشاهدات لأطباق طائرة فسوف يدفع ذلك العقل الجمعي المجتمعي للاعتقاد حقاً بأن هناك أطباق طائرة في المنطقة وسيكون السكان مهيئين لترجمة أية رؤية غير عادية أو غير مألوفة على أنها رؤية لطبق طائر. وستظاف تلك الشهادات لما تم نقله عن طريق الصحافة مما يحث ويدفع الآخرين للبحث عن أطباق طائرة أخرى على نحو جماعي إلى أن تخف حماسة وسائل الإعلام. ومن المحتمل أيضاً أن مشاهدات أخرى لما يعتقد أنه أطباق طائرة يعود إلى عمليات أعصابية إدراكية أخرى processus neurologiques، كالهلوسات، أي حالة إدراك حسي حقيقي أو واقعي ولكن بدون محفز خارجي. وهي تجارب واختبارات خادعة و مضللة بمكان، بحيث تبدو للدماغ البشري وكأنها حقيقية لا يمكن التشكيك بواقعيتها. وبدون أن نكون مجانين، فإن 5 إلى 10 بالمائة منا يتعرض لتجربة هلوسة ولو مرة واحدة في حياته. ويمكن أن تتسبب الحرارة والحمى بالهلوسة أو ربما بتأثير تناول منشطات أو مخدرات أو عقاقير طبية وربما بفعل الإصابة بمرض الباركينسون وإنفصام الشخصية أو الشيزوفرينيا schizophrénie، أو الإصابة بالتسمم الخ.. وكلها يمكن أن تقف وراء الاعتقاد برؤية طبق طائر.

البحث عن معنى بأي ثمن:

إن صياغة التساؤل التالي: لماذا نرغب برؤية طبق طائر؟" حسب عالم النفس بيير لاغرانج pierre Lagrange، يطرح مشكلة منهجية. فالناس لا " ترغب" بأن ترى بالمعنى الحرفي للكلمة بل يتعرضون لشيء يثير فضولهم ويبحثون عن معنى ما، وعندما لا يجدون ذلك، يقدمون فكرة الأصل الفضائي للشيء المثير. فهناك حقاً أشخاص عجيبين غريبي الأطوار يريدون أن يروا طبقاً طائراً في أي شيء يثير الغرابة، لكنهم نادرون. وفي أغلب الحالات نجد الميل لطرح فرضية الأصل الفضائي مرتبط بمدى غرابة الظاهرة المرصودة أو المشاهدة. وأي كان أصل أو سبب هذه المشاهدات وهم، أو سوء فهم، أو هلوسة الخ يبقى السؤال قائماً: لماذ تعزى دائماًا إلى أصل فضائي؟ لأنه لا يوجد شخص لا يرى العالم كما هو عليه حاله الحقيقي فعيننا ليست آلة تصوير أو كاميرا، ودماغنا يفسر ما يراه وفقاً لما تعلمه من صغره كيف يرى الأشياء، أو وفقاً لما أدى إلى هذا الاعتقاد أو حسبما يقترح عليه أن يرى. فالإنسان المتدين أكثر ميلاً لاعتبار الحدث الغريب والخارق للمألوف " معجزة" ربانية" والأشخاص الذين يعجزون عن السيطرة على مايحيط بهم من ظروف يلجأون في أغلب الأحيان إلى التفسيرات السحرية لإضفاء معنى ما على وضع غير متوقع.

اهتم عالم النفس الشهير كارل يونغ Carl G. Jung بظاهرة الأطباق الطائرة أو الأجسام المحلقة مجهولة الهوية ovnis، وكرس لها كتاباً كاملاً تحت عنوان "أسطورة العصر إشارات السماء Un Mythe Moderne – Des Signes du Ciel" الصادر عام 1961. ولم يتخذ هذا العالم والمحلل النفسي موقفاً أو حكماً بخصوص الوجود الفعلي والمادي للأطباق الطائرة. إلا أنه درسها لتأثيرها السيكولوجي الهائل إذ يمكن لمثل هذا الجسم المتقدم أن يثير المخيلة الواعية أو التخيل الفنطازي اللاواعي في اللاشعور. فلقد خلقت حول ظاهرة الأطباق الطائرة أسطورة مثيرة للغاية إلى درجة أن 99 بالمائة منها اختلاقات نفسية متخيلة كتفسير ممكن وإن الشهادات التي يدلي بها الشهود عن الــ ovnis هي السند أو الأساس أو الأرضية لظاهرة نفسية تعكس عدم كفاية الإنسان المعاصر لنفسه وللعالم وما ينجم عنها من إحباطات ومحن نفسية. الباحث الفرنسي في علم النفس جون ميشيل آبراسارت Jean Michel Abrassart، كرس أطروحته للدكتوراه لهذا الموضوع وكانت بعنوان " النموذج السيكولوجي الاجتماعي لظاهرة الأجسام المحلقة مجهولة الهوية Modèle sociopsychologique du phénomène ovni، وقال إن ما نراه ما هو إلا ثمرة لهيمنة الثقافة الأمريكية المخصبة بالخيال العلمي في الرواية والسينما والتلفزيون وفي إطار أجواء الحرب الباردة والتي امتدت إلى كافة أنحاء العالم الغربي. فالتفسير الــ extraterrestre يطبع ما كان في وقت مضى ظاهرة من الظواهر الخارقة للطبيعة surnaturel، وحكايات الجنيات fées، والجان والفعاريت والملائكة والشياطين elfes , anges , démons.

النسخة المعاصرة لأسطورة الأشباح:

مئات الشهادات والمشاهدات للــ ovnis التي وثقتها مؤسسة غيبان Geipan ومحاضر البوليس والدرك أو الجندرمة procés verbaux تجمعها نقاط مشتركة وتتبع نموذج سردي في التفاصيل والزمان والمكان والوصف. وأغلب الشهود يبدأون بالدفاع عن أنفسهم وإبعاد أية شبهة تسهم في تسقيطهم ونزع المصداقية عن أقوالهم رغم ما فيها من غرابة ويصعب تصديقها. البعض الآخر يقرنها بالخرافات والأساطير القديمة، حتى أن البعض بات يصدق أن الحياة على الأرض ذات أصل فضائي extraterrestre، من خلال كتب وأطروحات وأبحاث أصحاب نظرية رواد الفضاء القدماء anciens astronautes الذين هبطوا من السماء وزاروا الأرض واتصلوا بسكانها. العالم الأنثروبولوجي فيكتور ستوزكوفسكي Wiktor Stoczkowski، الأستاذ في الكوليج دي فرانس خصص كتاباً بعنوان " البشر والإلهة والمخلوقات الفضائية، إثنولوجيا الإيمان المعاصر Des hommes,des Dieux,et des Extraterrestres, Ethnologie d’une croyence moderne" وهي فكرة مستوحاة من الأدب الفنطازي الخيالي والوريث لمعتقدات قديمة كالسحر والتنجيم occulltisme في القرن التاسع عشر، و مذهب الغنوسطية والعرفانية gnostisme، في بداية العصر المسيحي، وهي معتقدات تعزى أصل الإنسان أيضاً إلى كائنات لا هي بالربانية الإلهية و لا هي بالبشرية، ولا الملائكة ولا الشياطين. وهكذا فإن الاعتقاد بالمخلوقات الفضائية والأطباق الطائرة يحل محل تلك المعتقدات الخرافية والأسطورية القديمة. المليئة بالميثولوجيات والقصص الدينية الخارقة والأشباح، ويأخذ صفات الخارق للطبيعة والبارانورمال surnaturel et paranormal.

الله والعلم والعوالم الأخرى:

أعتقد البعض أن تحقق عملية الاتصال بحضارات ومخلوقات فضائية متقدمة ومتفوقة علينا قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الأخلاقية البشرية والمعتقدات الدينية. لكن هذه الفرضية قد لا تكون دقيقة إذ أن بعض الأديان كالهندوسية والبوذية تحدثت في كتبها ونصوصها المقدسة عن وجود عوالم أخرى ومخلوقات أخرى، بعضها يشبه البشر وبعضها الآخر يختلف عنه اختلافاً كلياً. ومثلما توجد على الأرض نفسها عدة مخلوقات وكائنات حية مختلفة يمكن أن توجد في الكون المرئي عدة مخلوقات وكائنات متنوعة منها ما يشبه البشر ومنها ما يختلف عنه تماماً. ففي الكتب المقدسة في الأديان السماوية التوحيدية الثلاثة الرئيسية هناك حديث عن مخلوقات وكائنات لها أسماء مثل الجن والعفاريت والشياطين والملائكة وأنصاف الإلهة والكائنات البشرية التي تتمتع بالخلود وهي لا تعيش بالضرورة على الأرض بل ربما على كواكب أخرى متوزعة في أنحاء الكون المرئي. كل المؤمنين بعتبرون أن كل ما هو موجود في الكون المرئي هو من خلق الله، فلماذا نفترض حدوث صدمة في نظام المعتقدات الدينية؟ أليس هبوط الملاك جبرائيل على إبراهيم و موسى وعيسى ومحمد، دليل على اعتقاد أتباع هذه الديانات بوجود كائنات فضائية على شاكلة جبرائيل الملاك، توجد خارج الأرض وتهبط من السماء على الأنبياء وهم جزء من البشر؟

المزرعة التي حاصرها زوار الفضاء؟

سبق أن أشرنا أن الأجسام الطائرة قد ذكرت منذ أقدم العصور، إلا أن عودة الاهتمام بها في أواسط القرن الماضي وتشبيهها بالأطباق يعود كما قلنا في فصل سابق، إلى رجل أعمال أمريكي يدعى كنيث ارنولد، ففي حزيران عام 1947 كان ارنولد يقود طائرته الخاصة فوق جبال كسكاد عندما رأى تسعة أقراص مشعة تشق الطريق أمامه بسرعة فائقة وبتشكيل هندسي، وعندما سأله الصحفيون عن شكل هذه الأجسام قال ارنولد أنها تشبه أطباق الطعام عندما تتزحلق فوق سطح مائي وهكذا قفز اسم الأطباق الطائرة (Flying Saucers) إلى الصحافة ومنها إلى الكتب والقواميس رغم أن التسمية العلمية لهذه الظاهرة هي الأجسام الطائرة غير المحددة (Unidentified Flying Objects)أو مجهولة الهوية أو باختصار ( بالإنجليزية UFO وبالفرنسية OVNI.

وقد ورد في مقال مثير وجيد جداً نشرته إلاف قبل فترة طويلة:" منذ ذلك الوقت شوهدت هذه الأجسام الطائرة آلاف المرات في مختلف أنحاء الأرض وأجوائها وقامت الدول الكبرى بدراستها وشكلت لجان حكومية وأخرى مدنية لتوثيق هذه المشاهدات. إن رؤية هذه الأجسام الغريبة تعود إلى أزمان قديمة كما أن الأدلة على هذه الأجسام المحلقة مجهولة الهوية موجودة في الكثير من الكتب والآثار القديمة. ففي تراث الشعوب القديمة نقرأ أن الآلهة كانت دائما تهبط من السماء في مركبات قوية وجبارة وتصدر أصواتا أو وميضا، وغالبا ما كانت الآلهة تتزاوج مع البشر وتنتج لهم أنصاف آلهة تقودهم إلى النصر في الحروب وتنظم أمور حياتهم أيام السلام ففي التراث الهندي مثلاً، تتكرر قصة استخدام الآلهة الهابطة من السماء بمركباتها القوية (الفيمانا) خلال الحروب المحلية بصورة مستمرة وفي الكتاب التراثي المشهور (مهابهارتا) وصف دقيق لهذه المركبات وكيف كانت نيرانها وأصواتها المرعبة تلعب دوراً حاسما في إنهاء المعارك لصالح الخير.

وقد سنح لأشخاص مشهورين مثل المكتشف كرستوفر كولمبوس أن يشاهد طبقا طائرا قبل اكتشافه أمريكا بيوم واحد. ففي العاشر من مساء 11 تشرين الأول عام 1492 كتب كولمبوس في سجل السفينة سانتا ماريا يقول “شاهدنا اليوم ضوءً يسبح في الفضاء ويختفي ليظهر بعد فترة وقد استمر ذلك فترات طويلة”.

ومن المشاهدات القديمة تلك التي حصلت في مدينة بازل في سويسرا في شهر آب عام 1566 حيث شاهد أهالي المدينة في السماء كرات سوداء وبيضاء ملونة تتراقص فيما بينها لمدة طويلة اختفت بعدها بسرعة. ومع ظهور الصحافة وغيرها من وسائل النشر، أصبح بالإمكان معرفة الكثير عن مشاهدات هذه الظواهر خلال العصور الحالية ولعل أول تقرير صحفي ورد فيه ذكر “طبق طائر” هو ما شاهده فلاح من مدينة تكساس وصف فيه رؤيته لجسم طائر يشبه الطبق ويسير بسرعة شديدة وذلك في عام 1878. وفي الفترة بين عامي 1896-1897 حدثت موجة من المشاهدات في أنحاء الولايات المتحدة ذكرتها الصحافة آنذاك، كان أغربها ما شاهده ثلاثة من الفلاحين في ولاية كنساس يوم 19 نيسان 1897، فعلى ارتفاع عشرة أمتار شاهد الثلاثة جسما كبيرا بطول مائة متر يشبه السيكار ويهبط ببطء على قطيع أغنام يعود إلى أحد الفلاحين الثلاثة وخلال الإدلاء بشهادتهم في المحكمة فيما بعد أفاد الرجال الثلاثة، تحت القسم، بأنهم شاهدوا ستة أشخاص على متن هذا الجسم الغريب، وبأشكال مختلفة لم يكن أحدهم قد شاهد مثلها من قبل، وأن الجسم الغريب اختفى بعد ذلك بسرعة بعد أن اختطف رواده بقرة صغيرة وجد جسمها المقطع في اليوم التالي على بعد أميال من المزرعة" وهذه معلومات موثقة ومتوفرة في الكثير من الأدبيات المخصصة لهذا الموضع وفي الكثير من الكتب والمجلات ومواقع الانترنيت.

بعد هذه الجولة لابد من الإتصال:

ولكن ماذا لو كانت رغبة الاتصال بالكائنات أو المخلوقات الفضائية فكرة سيئة وخطيرة؟ فنحن في الواقع لا نعرف ما إذا كانت الحضارات الكونية أو الفضائية الأخرى مسالمة أم عدوانية، صديقة أم عدوة، من هنا دعت مجموعة من العلماء إلى الحيطة والحذر وألا نكشف عن أنفسنا وعن وجودنا للغرباء الكونيين.

ما ذا سيحصل لو اندفعنا بلا تروي للإعلان عن أنفسنا وإعطاء عنواننا الكوني وإحداثيات كوكبنا مجاناً وبدون مقابل أو تفاوض للحضارات المجرية civihisations galactiques؟

هذا الموضوع يحظى باهتمام علماء كبار لهم وزنهم في الوسط العلمي اليوم ويؤرق نومهم منذ إرسال أولى الإشارات الأرضية عبر الفضاء الخارجي. واليوم توجد مشاريع جادة لإقامة اتصالات مع الحضارات الكونية المفترضة أو المحتملة ويرافقها نقاشات وسجالات حادة ومتوقدة وتتصارع فيها نفس الذرائع والحجج والمبررات.

في العام 1974، بعد إرسال رسالة آرسيبو Arecibo، أعرب العالم الحائزة على جائزة نوبل في الفيزياء وعالم الفلك الراديوي البريطاني مارتن رايلي Martin Ryle عن قلقه من هذه المبادرة واحتج رسمياً لدى الإتحاد الدولي للفلكيين مطالباً بوقف أية مبادرة للاتصال في الحضارات الكونية أو الفضائية المحتملة طالما لم يتوصل البشر بعد إلى إتفاقية دولية واضحة تكون موقعة باسم الجميع ومن قبلهم، يجري بموجبها الاتصال كبشر يمثلون الأرض وليس حكومات وأجناس وقوميات متفرقة ومختلفة في اعتقاداتها واجتهاداتها، وذلك بسبب الطابع الخطير الكامن في مثل هذه المبادرة الخطيرة التي تمس مصير الإنسانية برمتها. فلو اطلعت الحضارات المجرية الغريبة civihisations galactiques extraterrestres، على وجودنا فلربما سيضعون في رأس أولوياتهم وأهدافهم غزونا واستعمارنا وإخضاعنا لهم واستغلال ثرواتنا الطبيعية في كوكبنا وربما إبادتنا من الوجود فلا أحد يعلم ما ستكون عليه نواياهم تجاهنا. فلم يتم التوقيع على أي نص أو وثيقة، ولكن البشر توقفوا عن إرسال الرسائل إلى الفضاء الخارجي بعد تلك الرسالة واكتفوا بالتنصت للإشارات القادمة من أعماق الفضاء الخارجي التي قد تكون مرسلة عن قصد أو عن غير قصد من قبل مثل تلك الحضارات الفضائية المتطورة.

وفي سنة 1999، انهار اتفاق مبدئي ضمني كان يجري التحضير له يحمل عنوان الدعوة الكونية Cosmic Call، بشأن أول إشارة بشرية مقصودة ومتعمدة أعدت على مستوى دولي منذ تجربة آريسيبو، وأرسلت إلى أربع نجوم تبعد عن الأرض بضعة عشرات من السنين الضوئية فقط. وهي مبادر فردية شخصية، أهلية وليست رسمية، قادها العالم الفلكي الروسي ألكسندر زاييتسيف Alexandre Zaitsev، تفلت من اية سيطرة أو مراقبة رسمية تبعتها محاولات فردية أهلية أخرى، مثيرة الكثير من ردود الفعل والاحتجاجات لأنها تعرض البشرية كلها للخطر. بل إن الإنقسام قد حدث حتى داخل منظمة سيتي Seti- Search for Extraterrestrial intelligence، حيث اختلفت الآراء بين العلماء العاملين داخل هذه المؤسسة العلمية المرموقة. والمعروف أنها تأسست عام 1960 في الولايات المتحدة الأمريكية وتضم عدد من المشاريع والبرامج عبر العالم هدفها رصد والتنصت على الإشارات الفضائية بواسطة أجهزة الرصد الراديوية Radiotéléscopes الأكثر تطوراً وكفاءة وقوة، والتي قد تبثها الحضارات الكونية، عن قصد أو بدون قصد، من كواكبها المأهولة باتجاه الفضاء الخارجي كما كنا نريد أن نفعل نحن سكان الأرض. الغاية الأساسية لهذه المنطمة العلمية، هي الاستماع وليس الاتصال، ولكن، ومنذ بضع سنوات دعا بعض العلماء العاملين فيها إلى مقاربة أكثر نشاطاً وحيوية وجرأة تمثلت بإرسال إشارات بشرية أرضية على نحو منتظم ومبرمج ومستمر systématique لإطلاع الكون المرئي بوجودنا، وبذلك تحولت سيتي إلى ميتي Meti – Messanging to Extraterrestrial intelligence، وكان رئيس هذه المجموعة شبه المنشقة في داخل سيتي هو دوغلاس فاكوش Dooglas Vakoch، عضو معهد سيتي لغاية شهر يناير كانون الثاني يناير 2016، ومعه سيث شوستاك Seth Shostak، المدير الحالي لمركز الأبحاث في معهد سيتي. وقد أكد الإثنان موقفهما إبان اللقاء السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS- American Association for the Advancment of Science، التي تنشر مجلة العلوم الأمريكية الشهيرة Magazine Science، في شباط 2015. وقد ذكر دوغلاس فاكوش في مداخلته قائلاً: خلال خمسون عاماً وجهنا أجهزة الراديوتلسكوب التلسكوبات الراديوية باتجاه النجوم بحثاً عن إشارات من حضارات فضائية أخرى ولكن دون أن نحقق اية نتائد ودون أن ننجح في مهمتنا لذا آن الأوان لتغيير منهجنا ومقاربتنا". وأضاف:" مع برنامجنا هذا ستي النشطة Active Seti، نقوم بعكس العملية ونتخذ دوراً أكثر نشاطاً وتحركاً أكثر إيجابية وذلك بإرسالنا للعوالم الأخرى إشارات قوية وغنية بالمعلومات على أمل الحصول على ردود". والهدف المنشود من هذا التغيير هو كسر طوق " الصمت الكبير" بين النجوم والمجرات intersidéral وتحطيمه، من المصدر الذي هو مفارقة فيرمي paradox de Fermi، التي تقول بما أن نظامنا الشمسي هو أحدث من الأنظمة الشمسية الأخرى في مجرتنا درب التبانة، فكان من المفترض أن نكتشف بأنفسنا أو نكتشف من قبل غيرنا، ونعثر على حضارات كونية أكثر تطوراً وتقدماً علمياً منا. وقد اقترح فاكوش استغلال الفائض من الوقت للرادارت الأرضية الضخمة المخصصة لرصد وكشف المذنبات لإرسال رسائل باتجاه نجوم محددة بعينها. في حين أطلق سيث شوستاك من جانبه، فكرة إرسال المحتوى الكامل للأنترنيت الأرضي إلى الفضاء الخارجي، حتى لو بدى ذلك كما لو إننا نرسل المعلومات الهيروغليفية إلى القرن التاسع عشر، وسيكون بوسع الحضارات الكونية أو المجرية civihisations galactiques extraterrestres فك شيفرتها بالاعتماد على الوفرة المعلوماتية التي تحتويها الشبكة". الهجمة المضادة التي كانت تعتمل في السر منذ وقت طويل، كانت سريعة وقوية. وفي خضم النقاشات قام حوالي ثلاثون عالماً وباحثاً من أعضاء معهد سيتي بالاعتراض على إرسال إشارات أرضية وكتبوا رسالة مفتوحة بهذا الصدد. وطالبوا بتنظيم نقاش دولي مفتوح حول المسألة قبل الإقدام على أي إرسال من هذا النوع حتى لا يبقى القرار محصوراً بين أيدي بضعة أنفار، افراد يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الأجهزة القوية والفعالة المتطورة للاتصالات " وذكر النص هذه البديهية التي تقول أننا لا نعرف شيئاً عن طبيعة ردة فعل حضارة كونية فضائية متطورة وذكية ومتقدمة علمياً ومتفوقة علينا تكنولوجياً حيال رسالة تردها من الأرض، ولا نعرف شيئاً عن نواياها ولا عن قدراتها التدميرية ومقدرتها التكنولوجية والعلمية التي قد تتسبب في أستئصالنا وإبادتنا ومن المستحيل معرفة ما إذا ستكون مسالمة وأنيسة أم معادية وعدوانية". وعلى الرغم من كونه من غير الموقعين على الرسالة المفتوحة المعارضة لمشروع إرسال رسائل بشرية إلى الحضارات المتقدمة، عبر العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ عدة مرات عن رأيه لصالح أخذ الحيطة والحذر والتأني.وقد عبر عن ذلك أيضاً مؤخراً في الصحيفة الإسبانية ألبايس El Pais بمناسبة إطلاق مشروع التقصي أو الإستكشاف الفضائي Breakthrough initiatives الذي يدعمه قائلاً:" لا نعرف الشيء الكثير عن الحضارات الكونية المجرية المتطورة civihisations galactiques extraterrestres، لكننا نعرف البشر وتجاربهم. فلو نظرت إلى التاريخ، فإن الاتصالات بين البشر والكائنات الأقل ذكاءاً وتطوراً غالباً ما انتهت نهاية مأساوية ومفجعة بالنسبة لهذه الأخيرة فاللقاءات بين الحضارات المتفاوتة التطور العلمي أنتهت على نحو سيء بالنسبة لتلك الأقل تقدماً تكنولوجياً. فالحضارة الكونية المتطورة التي تقرأ رسائلنا يمكن أن تكون متقدمة ومتفوقة علينا بمليارات السنين وقد تكون متقدمة علينا كثيراً إلى درجة أنها لن تعبأ بوجودنا ولن توليه أية أهمية كما نتصرف نحن تجاه البكتريا".

ففي الحقيقة نحن لم نتمكن من تقنية الإرسال والاتصال الفضائي إلا منذ قرن وهي فترة لا تتجاوز فرقعة اصبع مقارنة بعمر الكون المرئي 13.8 مليار سنة. فلو كانت هناك حضارة فضائية كونية قادرة على استلام رسالتنا وفك شفرتها فإن احتمال أن تكون أقدم منا وأكثر تطوراً منا بكثير احتمال كبير وبالتالي ضمنياً وعلى نحو كامن أن تكون خطرة علينا".

السيناريوهات المحتملة الناجمة عن الاتصال بالحضارات الكونية:

يجير أنصار التواصل مع الحضارات الفضائية هذه الذرائع لصالحهم ويقولون " لو أن حضارة متطورة وأقدم منا فإنها ستكون والحالة هذه، قد اكتسبت الحكمة وتجاوزت مشاكل الفتوة والمراهقة والحماقات الكونية التي نمر بها نحن البشر الآن على الأرض، كالحروب ومخاطر البيئة والتلوث البيئي وأسلحة التدمير الشامل والسباق على استهلاك وهدر الطاقة. وعلى ضوء هذا التشخيص، لماذا لا نفترض أنهم سيقومون بمساعدتنا لإيجاد حلول لمشكلة الاحتباس الحراري réchauffement climatique، على سبيل المثال. ويضيف العلماء المتحمسين للاتصال بالحضارات الكونية الأخرى قائلين ": إن المسافات بين النجوم من الكبر بمكان تتطلب أن يتم التحضير والتخطيط لمشاريع استكشاف الفضاء على مدى قرون وربما آلاف السنين. وإن حضارة تخوض غمار مثل هذا المغامرة وتفكر بأنها ستظل حية بعد ألف عام لإدارة المشروع واستكماله ستبدو حكيمة ورصينة وهادئة حيال صورتها كما يعتقد لوك آرنولد Luc Arnold، وهو عالم فلك في مرصد أعالي البروفانس الفرنسي. فالرهان على بقائها على قيد الحياة يبدو أقل حراجة وهو رهان علينا أن نقوم به.

على أية حال لقد فات الأوان بخصوص النقاش حول ملائمة إرسال رسائل بشرية إلى الفضاء أم لا. فلقد تم ذلك بالفعل وأرسلت البشرية عدة رسائل، وإن كانت بدائية ساذجة، إلى الفضاء الخارجي القريب من الأرض. والواقع هو إن كل حضارة متمكنة من السفر بين النجوم يمكنها أن تلتقط التسلل غير المقصود وغير الممنهج للإشارات الأرضية باتجاه الفضاء كموجات الراديو والتلفزيون وغيرها كما يقول دوغلاس فاكوش. فأية حضارة أكثر قدماً منا بــ 200 أو 300 سنة فقط يمكنها التقاط إشارات على بعد بضعة مئات من السنوات الضوئية، فإرسال رسائل راديوية لا يغير من الأمر شيئاً. ففي حالة وجود الحضارات الكونية فإنها تكون قد عثرت علينا واكتشفت وجودنا دون الحاجة لرسائل من قبلنا. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى فيلم ّ اتصال contact " الذي كتبه عالم الفلك الراحل كارل ساغان، والذي يلقي الضوء بدقة على مثل هذه القضية وبصورة صاعقة وصادمة. ففي هذا الفيلم، وهو من نوع الخيال العلمي الذي أنتج سنة 1997، يتواصل الغرباء الفضائيون مع بني البشر من خلال إعادة إرسال أول رسالة البشرية إلى مرسليها بعد تلقيها، وهي عبارة عن صور لأدولف هتلر وهو يفتتح دورة الألعاب الأولمبية في برلين سنة 1936 وهي أول حدث عالمي يعرض بالبث المباشر. يدحض المعارضين لهذه الأطروحة، وبالأرقام مثل هذا التبريرويقولون، إنه من أجل التقاط ورصد هذه البرامج والإشارات البدائية غير المقصودة والضعيفة جداً،:" يتطلب الأمر وجود هوائي استقبال ضخم ذو كلفة هائلة" كما يقول كاتب الخيال العلمي والعالم الفلكي، والعضو السابق في معهد سيتي، والمناهض العنيد لهذه النظرية أي لمشروع إرسال الرسائل البشرية إلى الفضاء الخارجي وهو دافيد بران David Brin، ويضيف:" لو أنه سبق أن تم اكتشاف وجودنا من قبلهم فما الحاجة إلى الصراخ في الكون الفسيح لجلب انتباههم؟. ولتقدم النقاش وتطويره قدم باحثون عدة سيناريوهات ممكنة في هذا إلإطار للقاء محتمل مع حضارة كونية لا أرضية وهي على ثلاث أنواع أهمها وأخطرها لقاء النوع الثالث: آخذين بالاعتبار نفسيتهم ودوافعهم وهل هم غزاة أم مستكشفين، غير أنانيين أم لا مبالين، وفي النتيجة تبين أن السيناريوهات الكارثية هي الأرجح والأكثر عدداً. فهم إما أن يهاجمونا لتوسيع رقعة نفوذهم ومواقعهم أو ياكلوننا، أو يخضعوننا لهم كعبيد، أو يبيدونا أو يستأصلونا لأننا نشكل لهم خطراً كامناً عليهم وعلى باقي المجرة،، أو بدون قصد ينقلون لنا أمراضاً فضائية فتاكة لا نعرفها وليس بمقدورنا وقفها أو معالجتها أو ينقلون لنا عينات أو أنواع من الكائنات الغازية التي تهدد الحياة على الأرض كنوع من الحشرات التي تأكل الأخضر واليابس، وباختصار لا شيء جديد يتعدى ما تم ذكره في الكتب والروايات والأفلام الخيالية العلمية، وكتاب هذه الدراسة يعترفون بذلك بأنفسهم ويفتقدون التقويم الكمومي للأخطار المحدقة والحقيقية وليس المتخيلة والافتراضية. أما المناهضين لمشروع ميتي فهم يطالبون بهدنة ووقفة تتيح لهم دراسة المسألة من كافة جوانبها، والتعمق في كافة الاحتمالات الممكنة، في حين يعترض على ذلك البعض الآخر ويقولون نحن نحث الجميع على التصرف كعلماء حقيقيين ناضجين فعندما يعترض زميل عالم على النقاش وعلى سبيل التحوط، فليس من الخطأ منحه بعض الرضا وتلبية مطلبه، لكن المتعصبين لمشروع ميتي يتفادون الخوض في افتراضاتهم المحرجة. نقاشات مثل هذه موجودة في مجالات واختصاصات أخرى. فهناك قواعد وضعت في مجال البحث الجيني أو الوراثي والهندسة الوراثية بغية تفادي الانحرافات والتجاوزات في مجال الاستنساخ البشري الممنوع رسمياً في جميع أنحاء العالم. كما إن مكتب حماية الكوكب في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا يعمل على تطهير وتعقيم الأجهزة والمعدات المرسلة إلى كوكب المريخ بغية تفادي حدوث عدوى هناك يمكن أن تصيب الكائنات العضوية البدائية أو الجرثومية فيما لو كانت موجودة أو التي يمكن أو يفترض أن تتواجد هناك. والحال أنه لا توجد أية قواعد لتنظيم وتقنين مسألة الاتصالات مع الكائنات الفضائية داخل المؤسسات الدولية. لذلك قام دوغلاس فاكوش في تموز سنة 2015 بتأسيس منظمة ميتي العالمية، بديلاً لــ سيتي، جامعاً من حوله عدد من العلماء من جميع أنحاء العالم، ومن مختلف الاختصاصات، والهدف واضح وهو تشجيع كل محاولة للاتصال وكل مشروع لإرسال الإشارات إلى المخلوقات الفضائية المفترضة أو المحتملة الوجود في الفضاء الخارجي ولكن قبل التحدث باسم الإنسانية جمعاء ينبغي القيام بقليل من التأمل والتأني وهو ليس بالأمر العسير أو الزائد عن الحاجة.

ظاهرة الحياة: هل هي أرضية أم كونية؟

منذ فجر الإنسانية والبشر يتساءلون هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ من البديهي القول أن الحياة ظهرت على كوكب الأرض منذ مليارات السنين، من شكلها البدائي أحادي الخلية إلى شكلها المعقد العاقل والذكي الذي بات يغزو الفضاء ويحقق المعجزات التكنولوجية في كل يوم. ولكن كيف ظهرت الحياة؟ ولماذا على الأرض حصراً؟ لماذا لم تظهر في كواكب أخرى في المنظومة الشمسية؟ ومن يعلم حقاً أنها لم تظهر في النظام الشمسي قبل الأرض؟ وماذا تعني الأرض بالنسبة لمكونات الكون المرئي المنظور والمرصود المليء بمليارات المليارات من السدم والحشود المجرية وعناقيد المجرات والنجوم والكواكب وغيره من المكونات المادية والطاقات المعروفة والخفية؟ وهل من المعقول القول أن الحياة وجدت في كوكب واحد في هذا الكون الهائل الاتساع والباقي مجرد ديكورات أو إكسسوارات لا أكثر؟ من العبث التفكير بهذه الطريقة وإنكار ما لانعرفه أو نجهله.

والأمر يتطلب حقاً نظرية في فيزياء الحياة biophysique تثبت أن نظرية التطور الداروينية في النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي ما هي إلا جزء صغير من صيرورة أكبر وأوسع وأشمل، حدثت وتحدث في كل وقت في الكون المرئي برمته.



الغبار النجمي يحمل بذور بدء الحياة:

إن نظامنا الشمسي ملئ بالغبار الناتج عن العديد من التفاعلات بما فيها تكسّر المذنبات. لذا فإن رحلة صغيرة إلى مكونات الغبار النجمي ستنقلنا إلى عالم من الأجوبة حول كيفية بدء الحياة على كوكب الأرض. قام جون برادلي من مختبر "لورانس ليفرمور" الوطني في كاليفورنيا وزملاؤه بدراسة على الغلاف الخارجي للغبار المستخرج من الغلاف الجوي الطبقي للكرة الأرضية (الستراتوسفير). باستخدام مجهر متناهي الدقة واستطاعوا ملاحظة وجود تجاويف مائية صغيرة تحت سطح ذرات الغبار.

يقول العلماء أن التجاويف المائية تكوّنت بفعل تعرض ذرات الغبار هذه إلى الرياح الشمسية المشحونة، حيث يتكون الغبار النجمي بمعظمه من السيليكات التي تحتوي على أوكسجين، وبينما يسافر هذا الغبار عبر الفضاء يصطدم بالرياح الشمسية التي تحوي على تدفقات من ذرات هيدروجين متأينة ذات طاقة عالية، عندها يندمج الأوكسجين والهيدروجين مشكلين بذلك الماء.

يعتقد العلماء أن الأرض تلقت أمطاراً من الغبار الكوني في فترة ما من مراحل نشوء الحياة الأولى رغم أن هذا لا يفسر حساب ملايين الكيلومترات المكعبة من الماء التي تغطي سطح الأرض. ولكن، ومن ناحية أخرى، تعتبر الكويكبات المحملة بالماء والمذنبات التي اصطدمت بالأرض في مراحل سابقة، مصدرًا هامًا لوجود الماء على الأرض.

يأتي هذا الاكتشاف مرتبطًا بدراسات سابقة حول وجود مركبات عضوية في الغبار الكوني، حيث يتبين من النتائج وجود المكونات الأساسية للحياة كالكربون العضوي والماء في الغبار النجمي والكوني. وبما أن ذرات الغبار هذه منتشرة بين جميع مجرات الكون فإن هذا يبشر بوجود حياة في مكان ما في هذا الكون حسب استنتاج العديد من العلماء.

جيريمي بريتون، وهو فيزيائي يبلغ من العمر 31 عاما ويعمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، يعتقد انه وجدت الفيزياء الأساسية العتلة الدافعة لتشكيل أصل و تطور الحياة.

الحياة ظاهرة كيمائية:

من يصدق كيفية تطور العقل البشري ومستوى إدراكه خلال بضعة قرون قليلة؟ لقد كان هناك علماء فطاحل في زمنهم، لكنهم كانوا يؤمنون بمعتقدات ساذجة بعيدة عن العلم وأقرب إلى الخرافة والخيال.

وليام هيرشل William Herschel مكتشف كوكب أورانوس ومستكشف السماء الموهوب كان يعتقد أن الشمس مسكونة، بل وحتى إسحق نيوتن كان يعتقد أن الشمس مأهولة بالسكان، ولقد استغل الكاتب ميلييه سنة 1904 هذه الثيمة في كتابه " رحلة عبر المستحيل متخيلاً عربات مجمدة ينقل فيها مسافريه إلى هناك , ولقد تبين للعلماء أن الشمس ساخنة جداً لدرجة لا يمكنها أن تحتضن الحياة داخلها أو فوق سطحها. فدرجة الحرارة على سطحها تصل إلى 6000 درجة وأكثر من ذلك بكثير في أعماقها وهي درجات حرارة لا يمكن أن يقاومها أي كائن عضوي فالماء على سبيل المثال، ليس فقط سوف يتبخر على الفور فحسب، بل سيتحلل إلى هيدروجين وأوكسجين فلا يمكن لأي كائن عضوي جزيئي مركب أن يبقى على قيد الحياة. وهناك نجوم أخرى أكثر سخونة بكثير من حرارة شمسنا وتبلغ درجة حرارة السطح في بعضها 1000000 درجة، فما بالك بدرجة حرارة الأعماق والنواة، في حين توجد نجوم لا تتجاوز درجة الحرارة فيها 2000 درجة وهي من المستوى الأرضي لأن القوس الكهربائي يسمح بالوصول إلى 3000 درجة، ومن أجل الدراسة الدقيقة للتأثيرات الحرارية، نحن نعرف أن الجزئيات البسيطة لأوكسيد التيتان والزركونيوم، يمكنها تحمل ومقاومة مثل هذه الدرجة الحرارية ولكن لا يمكن على الإطلاق للجزيئات العضوية المركبة أن تقاوم ذلك.

ولكل درجة حرارة جسم، يوجد طيف ضوئي كما نلاحظ لدى الحدادين، وهو حال درجة حرارة النجوم التي تتجلى من خلال الطيف الضوئي القادم منها والحساس لأية تغيرات تمسه. إن دراسة درجة حرارة النجوم تدفع للتفكير أن الحياة لا توجد في النجوم، كما لا توجد في الفضاء مابين النجمي أو الفراغ النجمي بين النجوم، ومع ذلك تخيل عالم الفلك الإنجليزي فريد هويل وجود حياة على الشمس في كتابه " الغيمة السوداء Nuage noir " ولا يوجد هناك من يعرف كيف يمكن للحياة أن تتواجد وتخلق في مثل هذا الوسط الضعيف الكثافة حيث يطغى فراغ أفضل من أية فراغات مطلقة يمكن الحصول عليها على الأرض. فالغيوم النجمية التي يراقبها علماء الفلك مكونة من مواد منحلة ومخففة على نحو لايمكن تصوره. وبلغة كل يوم البسيطة يعني ذلك أن كل مكعب من 10 كيلومترات لأطوال أضلاعه في الفضاء يحتوي على نفس القدر من الذرات الموجودة في سنتمتر مكعب في الهواء، وبالتالي لا يمكن للتفاعلات الكيمائية أن تحدث لعدم تلاقي الذرات. ومن البديهي القول أن الحياة بحاجة إلى مصدر طاقة مثلما لا يمكن لأي محرك أن يعمل بدون وقود، فلا يمكن لأي كائن عضوي حي أن يتحرك وينمو ويتطور ويتكاثر بدون طاقة. والحال لا توجد طاقة كافية مرئية في الكون، هناك بالطابع الطاقة السوداء أو الداكنة أو المعتمة التي لا نعرف عنها شيئاً ونجهل ماهيتها تماماً، لكننا نتحدث هنا عن الطاقة المرئية المألوفة والمعروفة لدينا. هناك طاقة تتواجد بالقرب من النجوم وفي داخلها لكنها شبه غائبة في المسافات الكائنة بين النجوم والتي تحسب بعشرات و مئات وآلاف بل و بملايين السنين الضوئية أحياناً داخل مجرتنا. من هنا، لو أردنا أن نوفر الشروط الضرورية اللازمة، مثل: كثافة المحيط، درجة الحرارة، والطاقة الضرورية، فمن الضرورية أن نركز جهودنا وأبحاثنا عن الحياة، على الأجرام ذات الكثافة العالية ودرجات الحرارة المتوسطة، التي تستمد طاقتها من المصدر النجمي، والتي ستكون بمثابة الأجرام أو الكواكب الشقيقة للأرض، في الأنظمة الشمسية الأخرى داخل مجرتنا درب التبانة.

الاستثناء الأرضي:

كما قلنا، يجب أن تتوفر ظروف خاصة لكي تظهر الحياة التي نعرفها، المبنية على كيمياء الكاربون، ولكي تنمو وتتطور وتدوم على الأرض. ولكن هل هذه الشروط المسبقة تعني أو تفسر ندرة الحياة الذكية والعاقلة في الكون المرئي؟ السجال مستمر والمناقشات والأبحاث متواصلة منذ قرون عديدة بهذا الخصوص، وعلى نحو خاص منذ ظهور نظرية التطور والانتخاب الطبيعي لتشارلس دارون.

تمكن الإنسان، بفضل المسابر الآلية والروبوتات والمركبات بدون رواد فضاء بشر، من استكشاف جزء كبير من نظامنا الشمسي بالرغم من عدم تمكنه لحد الآن من الوصول إلى المناطق البعيدة جداً داخل نظامنا الشمسي. ونجح العلماء في اكتشاف آلاف الكواكب التي تدور حول شموسها في أنظمة شمسية أخرى خارج نظامنا الشمسي ولكن داخل المجرة، ويتصاعد إيقاع ووتيرة الاكتشافات مع التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يحققه البشر، وفي كل يوم يتم صنع جيل جديد من الأجهزة والمعدات. ولم ينجح البشر إلى لحظة كتابة هذه السطور في أواسط أيلول سبتمبر 2016، في اكتشاف آثر ملموس لحياة ما، في أي مستوىً كان، مجهرية أولية أو عاقلة ذكية، خارج الحياة على الأرض. إن مغامرة الاستكشاف في بدايتها على مستوى الزمن الجيولوجي للبشر وللفلك، نسبة لعمر الكون المرئي التقديري وهو 13.8 مليار سنة. فالعلماء منقسمون بين متفائلين ومتشائمين، بخصوص ظاهرة الحياة في الكون المرئي. القسم الأول يعتقد أنها عادية ومبتذلة ومنتشرة في كل مكان تقريباً في الكون المرئي وقد توجد في كل نظام شمسي يشبه مجموعتنا الشمسية. والقسم الثاني يعتقد أن ظاهرة الحياة نادرة جداً وقد تكون وحيدة في الكون المرئي وعلى أرضنا فقط. فأرضنا تمتعت بظروف استثنائية وإن ظهور الحياة العاقلة الذكية على سطحها يعزى إلى معجزة لم ولن تتكرر. القسم الأول يمتلك سلاح الأرقام والإحصائيات، ففي مجرة واحدة هي مجرتنا درب التبانة، توجد أكثر من 300 مليار نجمة وأغلبها يحتوي على مجموعة من الكواكب والأقمار التي تدور حولها. ولو قلنا أن هناك أكثر من 200 مليار مجرة مرصودة حالياً في الكون المرئي، فإن الإحتمالات والإمكانيات الممكنة لوجود الحياة، الأولية البدائية، أو العاقلة الذكية، كبيرة جداً، بل وهائلة. وهذا ما يجعلهم يعتقدون بأنها لا يمكن أن تكون حكراً على الأرض وحدها. وهذا النمط من التفكير والاعتقاد يعرف بـ " مبدأ العادية principe de médiocrité " وهو امتداد لتفكير الرائد الأول كوبرنيك الذي كان أول من جرد الأرض من مركزيتها الكونية وقدسيتها واعتبرها جرماً سماوياً عادياً ومبتذلاً لا يحتل موقعاً متميزاً في الكون المرئي، وإن الحياة تكونت بفعل تفاعلات وتقاربات ذرية موجودة ومنتشرة في جميع أنحاء الكون المرئي، لذلك فإن ما نتج عن ذلك هنا على سطح الأرض يمكن أن يكون قد حدث وتكرر مليارات المرات على كواكب مماثلة أو شبيهة بالأرض.

الكوكب النادر أو الجوهرة الوحيدة في الكون المرئي:

على النقيض من فرضية تعدد الكواكب الأرضية الشبيهة بكوكبنا، هناك أنصار أطروحة الكوكب النادر أو الفريد من نوعه وهو الأرض، الذي توفرت له بمحض الصدفة، جملة من الظروف التي ساعدته على أن يحتضن الحياة بين جوانبه، بل وأكثر من ذلك وفر لها سبل النمو والتكاثر والبقاء لتتطور وتغدو حياة عاقلة وذكية. فالأنظمة الشمسية في مجرة درب التبانة لا تتساوى في سبل الحماية وشروط ظهور الحياة في أحضانها. فلكل مجموعة شمسية موقعها المميز داخل المجرة، فهي قد تكون في الأطراف والضواحي البعيدة، أو قريبة من المركز. وكلما كانت قريبة من مركز المجرة كلما زادت نسبة تلقيها من إشعاعات إكس rayons X، وإشعاعات غاما rayons gamma، وهي إشعاعات مميتة للمكونات العضوية les organismes الحية، لذا من الأفضل تفادي التواجد في المناطق النجمية الكثيفة، وذلك لعدة أسباب، منها، أن النجوم الضخمة والهائلة لا تعيش طويلاً وتنهي حياتها في إنفجارات مهولة، وكذلك الاضطرابات الجاذبية أوالتقلبات الثقالية perturbations gravitationnelles، التي تولدها كتل النجوم الضخمة المتقاربة وتسلطها على الأجرام الصغيرة كالمذنبات والنيازك والكواكب القزمة التي يمكن أن تقذف خارج مداراتها وتتحول إلى أجرام سيارة مميتة أو قاتلة عند اصطدامها بغيرها. وفي نفس الوقت لا ينبغي التواجد بعيداً جداً عن مركز المجرة حتى لا تعاني الأجرام السيارة من ندرة أو فقدان العناصر الثقيلة اللازمة لتكوين الكواكب الصخرية. هذه هي النغمة التي تتردد على ألسنة علماء الفلك والفيزياء الفلكية وعلماء الكونيات الذي يصفون الأرض بأنها الكوكب المعتدل النادر، planète Boucles d Or، فمن حسن الأرض أنها ولدت من رحم شمس، فلا هي بالكبيرة ولا هي بالصغيرة القزمة، ففي الحالة الأولى تكون الشمس العملاقة قد استهلكت كامل وقودها قبل أن تتيح الفرصة للأرض لكي تولد وتظهر للوجود، وفي الحالة الثانية كان سيتعين على الأرض الوليدة أن تكون أقرب بكثير مما هي عليه الآن من الشمس لكي تبقي الماء فوق سطحها في حالة سائلة، وفي هذه الحالة تتعرض دوماً لمخاطر التوهجات والمقذوفات الشمسية éruptions solaires. والحال هذه، غدت شمسنا نجماً مثالياً، وفوق ذلك كله، تواجد الأرض في المنطقة المناسبة، منطقة السكن la zone d habitabilité القابلة للحياة وعلى المسافة المثالية أيضاً بينها وبين الشمس، مما أتاح لها إمكانية الاحتفاظ بمائها على هيئة سائلة، وهو شرط اعتبر أساساً ولا بد منه لظهور الحياة، وبخلاف ذلك يتبخر الماء، وهو المصير الذي واجهه كوكب فينوس، المعروف خطأ بنجمة الراعي أو نجمة المساء étoile du berger، إلى جانب ضرورة وجود قمر يعمل على استقرار وتوازن محور دوران الأرض.

لماذا لا توجد حياة في كل مكان في الكون المرئي وفي جميع نجومه وكواكبه؟

الفرضيات السائدة تقول أن الحياة انبثقت من الحساء البدائي، بعد تعرضها لصواعق كهربائية كانت بمثابة الطاقة المحفزة لبدء التفاعلات الحيوية والكيميائية ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان ذلك قد حدث بمحض الصدفة أم بتخطيط مسبق ومتعمد، المهم هو أن ذلك تم وفق جملة من القوانين الأساسية للطبيعة.

فمن وجهة نظر الفيزياء، هناك فرق جوهري واحد بين الكائنات الحية و غير الحية ألا وهو تعاطي كتل من ذرات الكربون، بعضها يميل على نحو أفضل بكثير من غيرها في التقاط الطاقة من بيئتها و تشتيت تلك الطاقة على شكل حرارة. وقد قام العالم البريطاني جيريمي بريتون الأستاذ المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، باشتقاق صيغة رياضية يعتقد أنه بموجبها يمكن تفسير هذه القدرة. وتتلخص هذه الصيغة الرياضية، حسب أسس الفيزياء المعمول بها، بحصول تفاعلات كثيرة، ينفرز منها ويدل، مجموعة من الذرات، تقاد بواسطة مصدر خارجي للطاقة ( مثل الشمس أو الوقود الكيميائية ) و تحاط بحمام الحرارة (مثل المحيط أو الغلاف الجوي)، وبالتالي، و في كثير من الأحيان، تقوم تلك التركيبات الناجمة من التفاعلات بإعادة هيكلة تدريجية لنفسها من أجل تبديد متصاعد للمزيد من الطاقة. وقد يعني هذا أنه في ظل ظروف معينة، يكتسب الأمر حتما السمة الأساسية المادية المرتبطة بالحياة.

كريستيان بيترز:

ففي تجربة مختبرية على الخلايا من أفينات الطحلب Plagiomnium مع البلاستيدات الخضراء المرئية، تتشكل العضيات التي تجري عملية التمثيل الضوئي من خلال التقاط أشعة الشمس. تبدأ العملية مع أجمة عشوائية من الذرات، ومع توفر تألق الضوء المسلط عليها لفترة طويلة بما فيه الكفاية، فإنه لا ينبغي أن يكون من المستغرب جدا أن تحصل على نوع من النباتات البدائية. وهذه الفرضية ليست بديلة لنظرية داروين حول النشوء والارتقاء والتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، لكنها توفر وصفاً قوياً للحياة على مستوى الجينات الحية، ما يعني أن الفرضيات الداروينية ليست خاطئة، بل على العكس، ولكن من وجهة نظر الفيزياء يمكن اعتبار نظرية التطور الداروينية حالة خاصة من ظاهر أعم وأشمل.

وقد شكلت هذه الفرضية الجديدة خطوة شجاعة جدا ومهمة جدا "، كما قال الكسندر غروسبيرغ Grosberg Alexandre، أستاذ الفيزياء في جامعة نيويورك الذي تابع العمل في انجلترا منذ مراحله الأولى. وقال Grosberg أن لديه " أمل كبير " في أن هذه الفرضية التجديدية قد تحدد مبدأ المادية الكامنة الدافعة كأصل و تطور للحياة. وتعتبر النتائج النظرية لفرضية جيريمي بريتون في الفيزياء الحيوية في مختبر الفيزياء الكيميائية عموماً صالحة وأصيلة وأفكاره مثيرة للاهتمام وواعدة كما قال يوجين شاكنوفيتش Shakhnovich، أستاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية والفيزياء الحيوية في جامعة هارفارد، فهذه الصيغة ربما تمثل القوة الدافعة وراء فئة من الظواهر في الطبيعة التي تشمل الحياة بيد أنها لا تزال غير مؤكدة. ولكن بالفعل، هناك أفكار حول كيفية اختبار هذا التفسير في المختبر.

وقد قام فريق العالم جيريمي بريتون وزملائه، عبر محاكاة جهاز الكمبيوتر، بتبيان نظام من الجسيمات المحصورة داخل السائل اللزج الذي يؤمن مصفوفة الجسيمات الفيروزية المدفوعة من قبل قوة تتأرجح، مع مرور الوقت ( من أعلى إلى أسفل )، وبوجود قوة تتسبب في تشكيل المزيد من السندات بين الجسيمات. القانون الثاني للديناميكا الحرارية موجود في قلب فرضية جيريمي بريتون، والمعروف أيضا باسم قانون زيادة الانتروبي حيث تباشر الأشياء الساخنة بالبرودة، وينتشر الغاز عن طريق الهواء، وتحصل حالة من التدافع حيث تميل الطاقة إلى تفريق الجسيمات التي انتشرت مع مرور الوقت. والكون هو مقياس هذا الاتجاه،أي قياس كيف فرقت الطاقة بين الجسيمات في هذا النظام، وكيف تنتشر تلك الجزيئات في جميع أنحاء الفضاء. كما أنه يزيد من احتمالية هذه المسألة البسيطة: هناك المزيد من الطرق للحصول على الطاقة إلتى انتشرت من أجل أن تكون مركزة. وهكذا، كما هو حال الجزيئات في نظام التحرك و التفاعل، فإنها، من خلال الصدفة، تميل إلى اعتماد التكوينات التي تنتشر الطاقة فيها. وفي نهاية المطاف، وصول النظام في حالة من أقصى الكون تسمى حالة " التوازن الحرارية "، حيث يتم توزيع موحد ومتسق ومتماثل للطاقة. وهذا ليس بالجديد فقد جادل عالم الفيزياء الكمومية أو الكوانتية إروين شرودينغر بدراسة مؤثرة نشرت في كتاب " ماهي الحياة" سنة 1944 بشأن فرضية التوسع الكوني، قائلاً: أن هذا هو ما يجب أن تفعله الأشياء الحية. كالنباتات، على سبيل المثال،التي تمتص أشعة الشمس بعملية حيوية للغاية، تستخدم لبناء السكريات، وإخراج ضوء الأشعة تحت الحمراء، وهو شكل مركز للطاقة أقل بكثير من المعتاد. المحيط الكلي للكون يزداد خلال عملية التمثيل الضوئي كما تبدد أشعة الشمس طاقتها، وحتى النبات يمنع نفسه من التحلل من خلال الحفاظ على بنية داخلية منظمة".

الحياة لا تنتهك القانون الثاني للديناميكا الحرارية، ولكن حتى وقت قريب، كان شرودينغر غير قادر على استخدام الديناميكا الحرارية لشرح السبب في أنه ينبغي أن تنشأ في المقام الأول سيرورة فيزيائية يمكن أن تحل معادلات الديناميكا الحرارية فقط لأنظمة مغلقة موجودة في حالة توازن. ولكن سلوك الأنظمة التي لا تزال بعيدة عن التوازن، مرتبط بالبيئة الخارجية و بقوة مدفوعة بمصادر خارجية للطاقة، لا يمكن التنبؤ بها، كما أشارإلى ذلك عالم الفيزيائي البلجيكي إيليا بريغوجين ( الذي فاز بجائزة نوبل في الفيزياء 1977) سنة 1960 بتحقيق التقدم على توقع سلوك النظم المفتوحة الضعيفة المدفوعة من مصادر الطاقة الخارجية مثل الموجات الكهرومغناطيسية.

تغير هذا الوضع في أواخر 1990، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عمل كريس جارزينسكي Jarzynski، الأستاذ في جامعة ميريلاند،، والذي يعمل الآن في مختبر لورنس بيركلي الوطني. أظهر كريس جارزينسكي أن الكون نجم عن سيرورة تنتجها العملية الحرارية، مثل عملية تبريد كوب من القهوة، وذلك وفق معادلة بسيطة: احتمال أن الذرات ستخضع لتلك العملية مقسوما على احتمال حدوثها من خضوعها لعملية عكسية (أي، التفاعل بشكل عفوي في مثل هذه الطريقة ). كما يزيد من إنتاج المادة في الكون، لذلك ووفقاً لهذه النسبة: يصبح سلوكاً منظماً أكثر وأكثر و" لا رجعة فيه ". وهذه الصيغة، ومع كونها صارمة بسيطة إلا أنها يمكن من حيث المبدأ أن تطبق على أي عملية حرارية، بغض النظر عن مدى السرعة أو البعد عن التوازن. فمفاهيمنا عن توازن الميكانيكا الإحصائية تحسنت كثيرا "، حسب غروسبيرغ Grosberg الذي تخصص وخاض غمار كل من الكيمياء الحيوية و الفيزياء، في مختبره الخاص في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا و قرر تطبيق المعارف الجديدة في الفيزياء الإحصائية على علم الأحياء.

استخدام جارزينسكي Jarzynski صياغة رياضية، قال انها مشتقة من تعميم القانون الثاني للديناميكا الحرارية لكي يحمل لنظم الجسيمات بعض الخصائص: إذ أنها هي التي تحرك أنظمة بشدة بفعل مصدر خارجي الطاقة مثل الموجات الكهرومغناطيسية، ويمكن تفريغ الحرارة إلى المحيط الساخن. هذه الفئة من النظم تشمل جميع الكائنات الحية. وقد تم تحديد كيف تميل هذه الأنظمة لتتطور مع مرور الوقت لأنها تزيد إمكانية التكرار. " ومن هذه الصيغة الرياضية يظهر أن النتائج التطورية الأرجح ستكون تلك التي استوعبت و بددت المزيد من الطاقة كما هو الحال مع محركات الأقراص الصلبة الخارجية، و البيئة في طريقها إلى الوصول إلى ذلك. ولقد بات من المنطقي التفكير ببديهية أن الجزيئات تميل إلى تبديد المزيد من الطاقة عندما يتردد صداها مع القوة الدافعة، أو التحرك في الاتجاه الذي يدفع لها، و أنها أكثر عرضة للتحرك في هذا الاتجاه في أي لحظة.

" وهذا يعني أن كتل من الذرات تكون محاطة بما يشبه الحمام بدرجات حرارة متباينة، مثل الجو أو المحيط، يتعين أن تميل مع مرور الوقت لترتيب نفسها ليتردد صداها أفضل فأفضل مع مصادر الأعمال الميكانيكية، الكيميائية أو الكهرومغناطيسية في مختلف البيئات.



البداية المجهولة:

مايزال إلى اليوم ظهور العنصر الحي في الوجود لغزاً بالنسبة للعلم الحديث.هناك بعض المؤشرات والمداخل الافتراضية تساعدنا على تكوين فكرة تقريبية عن الطريق الذي سلكته المادة لتصنع الجزئيات macromolécules الأولية للحياة وهي البروتينات protéines، و الحمض النووي ADN، بغية تنظيم نفسها في خلايا قابلة للإنقسام الذاتي والتكاثر البدائي من خلال ذلك.

كانت مسألة الخلق المادي للكون démiurge، وكيفية الإنتقال من الجماد اللاحي inanimé، إلى الحي المفعم بالحياة animé، هي التي تطرح نفسها بإلحاح على عقول العلماء وتقلق مضاجعهم. كيف يمكن تحويل العناصر البسيطة جداً التي تشكلت مباشرة بعد الانفجار العظيم، أو التي تشكلت في قلب النجوم الأولية، على هيئة كينونات مجهرية عضوية قادرة على بناء وإعادة بناء نفسها وفق برنامج تبادلات بين المادة والطاقة والمحيط البيئي المغلف لهما، ومن ثم القدرة على التكاثر والاستنساخ reproduire، وهنا يتجلى ثراء علم الأحياء أو البيولوجيا La biologie، ويمكننا أن نتخيل أن جسم الكائن البشري يحتوي على عدد من الخلايا يعادل أو يزيد على عدد النجوم في مجرة واحدة كدرب التبانة.

تكرار الذات المجهرية autoréplication:

في القرن التاسع عشر، أعلن العالم الفرنسي باستور بأن الحياة لا يمكن أن تظهر على نحو عفوي من المادة. لذلك تم الفصل بين نوعين من المادة، من جهة، هناك المادة الجامدة أو الجماد inerte، التي تخضع لقوانين ميكانيكية محضة، وهناك المادة الحية vivante، التي تتمتع بخصائص ومزايا شبه إعجازية، كالاستقلالية الذاتية والانتخابية والتكاثر أو إعادة الإنتاج الذاتي والقدرة على الحركة. فهناك الأحجار والصخور والجبال والنجوم، وهناك النباتات والحيوانات والبشر. وكلها تعيش متجاورة على الأرض ولكل منها قوانينها وسلوكياتها وتفصل بينهما هاوية abime، وكان أول جسر يربط بين عالم الجزئيات الخاملة أو الجامدة molécules inertes، وكيمياء الأحياء، قد اقيم في نهاية القرن التاسع عشر. فقد قام علماء كيمياء بجمع وترتيب وتركيب مجموعة من الذرات المختلفة، داخل المختبر وصنعوا جزيء سبق اكتشافه في بول الحيوانات. ومن ثم اكتشف العلماء تدريجياً أن المادة تتجلى في مختلف المستويات التنظيمية، من البنية الأكثر بساطة إلى البنية الأكثر رقياً وإتقاناً sophistiquées، وإن هناك استمرارية بين مختلف المستويات. وتنتقل المادة عفوياً من مستوى إلى آخر، من المستوى المجهري المكيروسكوبي إلى المستوي المجري الكوني، من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر. ففي المستوى المجهري تتجمع الذرات مكونة بنية تمتص وتبث الضوء، وفيما بعد فإن الجزيئات الناجمة عن عملية التفاعل هذه، والمكونة من الذرات، تتذبذب وتدور حول نفسها، وتنطوي على نفسها وتتلوى se contorsionnent، وفي المستوى الماكروسكوبي الكبير تتشكل المجرات من النجوم وتولد بدورها نجوم جديدة من الغازات ما بين النجمية المتحركة بسرعة جنونية، وترافق النجوم كواكب وأنظمة شمسية على غرار مجموعتنا الشمسية التي استمرت علمية التطور وتنظيم المادة على سطح أحد كواكبها وهو الأرض إلى ابعد الحدود الممكنة وأرقى المستويات التطورية ألا وهي الحياة الذكية العاقلة المتمثلة بأعقد شكل لها ألا وهو الدماغ البشري الذي يتساءل ويطرح السؤال على نفسه ماهي الحياة وماهو الكون؟ أي إن الحياة هي أحد اشكال التنظيم الراقي للمادة في إطار عملية تركيب معقدة وفائقة للغاية متنامية ومستمرة، وإن هذه الاستمرارية هي التي تطرح إشكالية عندما نحاول تقديم تعريف علمي شافي ووافي للحياة. وفي سنة 1871 تخيل الأب الحقيقي لنظرية التطور والانتخاب الطبيعي شارلس دارون الجواب في رسالة أرسلها لصديقه العالم والخبير الزراعي دالتون كوكر قال فيها:" في بعض المستنقعات الدافئة أو الساخنة، وبوجود عدة أملاح وآمونياك وحمض الفوسفوريك والضوء والحرارة والكهرباء الخ.. يمكن أن نركب كيميائياً البروتين protéine، والذي سيتعرض لجملة من المتغيرات المعقدة والمركبة أكثر فأكثر". وهي الكيمياء السابقة لانبثاق الحياة والضرورية لها في آن واحد لأنها تنشيء نوعاً من الحساء البدائي الأولي soupe primordiale، حيث قام عالم أحياء أمريكي شاب يبلغ من العمر 23 سنة عام 1953، وهو ستانلي ميللر Stanley Miller، بتهيئة الظروف الأولية التي كانت متوفرة على الأرض لحظة انبثاق الحياة على الأرض قبل بضعة مليارات من السنين، ولكن في المختبر هذه المرة، ووفر خليط من الميثان والآمونياك والهيدروجين وبخار الماء وعرض الخليط لإشعاع برقي كهربائي محاكياً العواصف القوية العنيفة بغية تقديم الطاقة اللازمة للتفاعل البيولوجي المنشود. وبعد مرور بضعة أسابيع حصل ميللر في المختبر على خميرة brouet، صفراء اللون تحتوي على الأحماض الأمينية acides aminés، وهي الجزيئات الأساسية للحياة، واللبنات الأولى للأحماض النووية acides nucléiques، والأنزيمات les Enzymes، وهي مادة البناء الأولية للـ ADN، الحمض النووي، والـ ARN في العناصر العضوية الحية.

من المادة الخاملة أو الجماد inerte إلى الحياة:
تختلف الأرض عن باقي الكواكب التي نعرفها اليوم، بأنها تحتضن الحياة بمختلف أشكالها وتنوعاتها. بيد أن الشروط والظروف التي أتاحت ظهور الحياة ما تزال لغزاً وعرضة لمجادلات وسجالات عديدة بين العلماء. فالكون كان قبل الانفجار العظيم أي قبل 13.8 مليار سنة، مجرد خليط من المادة البدائية التي تغلي على نحو غير منظم ، فلم يكن هناك بعد لا مجرات ولا نجوم و لا مادة منظمة و لا ضوء une bouille de matière informe، ثم ارتفعت درجات الحرارة مليارات المليارات المرات وتم تحرر كمية مهولة من الطاقة خالقة خليطاً من الجسيمات الأولية للمادة وكان ذلك يؤشر دخول الكون البدئي في مرحلة التنظيم المركب والمعقد.
ومن بين الجسيمات الأولية التي ظهرت كانت الفوتونات وهي دعامات الطاقة الضوئية. وهناك جسيمات أخرى كالإلكترونات والكواركات تجمعت فيما بينها لتولد بروتونات ونيوترونات ، والتي بدورها تشكلت على هيئة عناصر كيميائية بسيطة غازية و ذرات هيدروجين وهيليوم. ثم تركزت غيوم غازية حول نفسها من عنصر الهيدروجين تحت ثقل الجاذبية مكونة بعض المجرات والنجوم الأولية ، وفي مرحلة لاحقة تكونت الكواكب الغازية والصخرية، وعلى سطح الأرض تكونت عناصر الكربون والسليسيوم والأوكسجين والحديد والزئبق والألمنيوم الخ.. وبعد مرور بضعة مليارات من السنين عندما استهلكت نجوم الكون البدئي البدائية ، طاقتها، انفجرت ناشرةً مادتها في جميع أنحاء الفضاء وتبخرت بعض العناصر الثقيلة كالحديد والسليكون والألمنيوم والنيكل داخل المجرة. ثم دخلت الأرض في مرحلة تبريد طويلة وتكثف بخار الماء تدريجياً والموجود في الغلاف الجوي وسقط على شكل أمطار ملأت الأراضي المنخفضة والوديان مكونة البحار والمحيطات والأنهار الأولى.
كيف تواجدت الجزئيات التي تسبق التكوين الجنيني molécules prébiotiques وهي الجزئيات العضوية التي تشكلت بدون تدخل كائنات حية ، داخل المواد المكونة للأرض، وهل هي التي أولدت العناصر أو الكائنات الحية organismes vivantes؟ . هناك عدة سيناريوهات قدمها العلماء بهذا الصدد لكن مناطق العتمة ما تزال قائمة بخصوص أصل الحياة على الأرض، وأهمها فرضيتين لم يثبتهما العلم على نحو قاطع ولم يتحولا إلى قانون علمي صارم لا اجتهاد فيه ، وهما: الأصل الأرضي الذاتي للحياة، والأصل السماوي أو الفضائي للحياة.
السيناريو الأول يعتمد على الفرضيات والاحتمالات الكيميائية التي بدأها عالما الكيمياء الأحيائية biochimiste ألكسندر أوبارين Alexandre Oparine، و جون هالدان John Haldane، والتي تقول أن المادة التي تسبق التكوين الجنيني prébiotique، قد أنجبتها تطورات كيميائية محضة في محيط سمي بالحساء البدائي soupe primordiale، أو المرق الأساسي أو البدائي bouillon primordiale، الغني بالمواد العضوية والخالي من الأوكسجين الحر. تشكلت فيه خلايا أو جزيئات عضوية molécules organiques، من نوع حامض الهيدروسيانيك HCN - acide cyanhydrique، و الفورمالديهايد formaldéhyde HCHO، داخل البيئة البدائية للأرض وتحللت داخل المحيطات . وقد تم اختبار صحة هذه الفرضية في المختبرات العلمية الجامعية منذ عام 1952, والسيناريو الثاني عن الأصل الفضائي أو غير الأرضي origine extraterrestre للحياة، الذي لم يثبت بعد علمياً في المختبرات الأرضية لكنه يشكل فرضية تستحق الدراسة والتمعن، ويعرف باسم التبرز الشامل panspermie. ويفترض وصول أحاديات عضوية حية من أصل فضائي إلى الأرض ، حيث يعتقد أن الفضاء ما بين النجمي يحتوي على تنوع كبير من العناصر الضرورية لظهور الحياة، والتي تتفاعل فيما بينها لتتجمع في سلاسل من الجزئيات أكثر فأكثر تعقيداً التي تملأ السدم والأغبرة الكونية . فالكيمياء العضوية نشطة على نحو خاص في السحب الغازية والغبار النجمي بالرغم من انخفاض درجات الحرارة التي تصل إلى – 260 درجة بالسالب ، ومن بين هذه الجزيئات رصد علماء الفلك وجود الماء والأمونياك وعشرات التركيبات الكاربونية مثل ثاني أوكسيد الكاربون والميثان وبعض أنواع الكحوليات ، يضاف إليها الحوامض الأمينية وترسبات النتروجين والآزوت وحوامض دهنية من الكاربوهيدرونات وذلك بعد تحليل الكثير من النيازك. بعضها يتجمع ليكون مركبات كيميائية شديدة التعقيد كالأدينين adénine، وهو من المركبات الأساسية للحوامض النووية التي هي بدورها من المكونات الأساسية للحمض النووي البشري ADN ،وبالتالي فإن هذا الموكب من الجزيئات مابين النجمية يشير إلى توفر المكونات الأولية الأساسية للمادة العضوية التي منها يتم بناء الكائنات الحية التي تملأ الأرض اليوم. وبذلك يبدو الفضاء الكوني وكأنه مختبر طبيعي هائل الضخامة تتفاعل داخله الجسيمات والجزيئات التي تتشارك في صنع وتكوين العضويات الحية وهناك من العلماء من قال أن بعض الفيروسات والبكتريات قد ولد أصلاً في الأوساط مابين النجمية قبل أن تبدأ رحلتها الطويلة على متن النيازك لتهبط هنا وهناك تزرع الحياة كما حصل على الأرض ولكن لا يوجد لدينا دليل مادي وعلمي قاطع مثبت مختبرياً على هذه الفرضية. والحال إن ظهور جزيئات ذات منحى بيولوجي أتاح للخلايا أن تتطور، بيد أن آليات ظهور أول خلية حية ما يزال موضوع نقاش واجتهادات مختلفة و لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف حدث الانتقال من الجماد إلى الحياة أي كيف حدثت الطفرة التطورية الحاسمة والجواب النظري هو أنها لم تحدث بل هي موجودة في ماهية المادية المرئية والسوداء أو المظلمة الموجودة في الكون المرئي فكل شيء حي في الكون الحي، إذ أن الكون المرئي هو بدوره مجرد جسيم صغير عضوي حي في جسد الكون الكلي المطلق والحي اللامتناهي الأبعاد، فكل شيء هو جزء لا يتجزأ في الوجود ينتمي للكل الحي.
مجال مجموعات التكرار الذاتي على طلاء السطوح المجهرية يمكن أن يسهم في ظهور تجمع عفوي في هيكيلية معينة كما في البوليتيتراهيدرون الحمراء polytetrahedron، أو البوليتيتراهيدون البولي رباعي السطح ، ومنه تنطلق المجالات القريبة التي تؤدي إلى تشكيل بنية متطابقة. فهناك على الأرض في مرحلة متقدمة من عمرها، حدثت عملية النسخ المتماثل الذاتي أو المعروفة بيولوجياً في أيامنا هذه بعملية الاستنساخ والتي قامت بدفع عملية التطور البيولوجي على الأرض ، والتي تعتبر أحد تلك الآليات المجهولة التي تعمل كذلك على تبديد كميات متزايدة من الطاقة مع مرور الوقت. وهذه العملية ، أي التكرار الذاتي، يمكن أن تحصل حتى في المادة غير الحية كذلك كما في رقاقات الثلج ، والكثبان الرملية و الدوامات المضطربة وفي أنظمة صغيرة مثل الدوائر الكيميائية التي تنطوي على عدد قليل من الجزيئات الحيوية. جاء ذلك وفقا لبحث جديد قام به فيليب ماركوس من جامعة كاليفورنيا ، بيركلي، و ذكر في الرسائل الفيزيائية عن الدوامات في السوائل المضطربة التي تقوم بتكرار نفسها عفوياً من خلال الرسم الطاقة من القص في السوائل المحيطة بها.
ندفة الثلج:
قد تعتبر هذه المقاربة في المستقبل القريب بمثابة نظرية جديدة تشرح العوامل المسؤولة عن أصل الكائنات الحية وتشرح تشكيل العديد من الهياكل المنقوشة الأخرى في الطبيعة كندف الثلج والكثبان الرملية والدوامات الذاتية التكرار في قرص الكواكب غير المأهولة بالحياة وكلها أمثلة لافتة عن التكيف يحركها عامل التبديد كما يقول ويلسون بنتلي.
وقد تعرضت هذه المقاربة الجديدة للتدقيق وواجهت تمحيصا دقيقا في السنوات القليلة الماضية . وإن جيرمي يشغل حاليا المحاكاة الحاسوبية لاختبار نظريته في أن نظم الجسيمات تكيف هياكلها لتصبح أكثر قدرة على تشتيت الطاقة. وسوف تكون هذه هي الخطوة التالية لتشغيل التجارب على المنظومات الحية .
العالم برنتيس ، الذي يدير مختبر الفيزياء الحيوية التجريبية في جامعة هارفارد ، يقول يمكن اختبار نظرية جيريمي بمقارنة الخلايا مع الطفرات المختلفة و يبحث عن وجود علاقة بين كمية الطاقة في الخلايا التبديد ومعدلات تكرارها . " على المرء أن يكون حذرا لأن أي تحور قد يفعل أشياء كثيرة " ، وأضاف. " ولكن إذا كان أحد يحتفظ بالعديد من هذه التجارب على أنظمة مختلفة ، وإذا [ تكرر نجاح طريقة التبديد ] التي ترتبط في الواقع ، فإن من شأنها أن تشير إلى هذا المبدأ التنظيمي الصحيح. "
وهو يعتقد أن وجود المبدأ الأسمى للحياة والتطور غايته إعطاء الباحثين منظوراً أوسع على ظهور بنية ووظيفة الكائنات الحية في العديد من المجالات. " الانتخاب أو الانتقاء الطبيعي لا يفسر بعض خصائص الفيزياء الحيوية وتشمل هذه الخصائص الموروثة تغيير في التعبير الجيني يسمى الحامض ، ويزيد في التعقيد غياب الانتقاء الطبيعي ، وبعض التغيرات الجزيئية .إن منهجية وطريقة جيريمي يمكن أن تزيد من تحرير علماء الأحياء الذين يسعون للحصول على تفسير دارويني لكل عمليات التكيف، والسماح لهم للتفكير بشكل عام من حيث التنظيم عبر حركة التبديد . لأنها قد تجد ، على سبيل المثال ، أن " السبب في أن يظهر كائن حي X سمة بدلا من Y قد لا يكون بسبب أن X هو أكثر ملائمة من Y ، ولكن بسبب القيود المادية قد تجعل من السهل على X التطور أكثر من الـ Y والانتقال إلى مرحلة أرقى.

رحلة الحياة من البكتريا إل البشر:
منذ ظهور الخلية الحية الأولى إلى أعلى أشكال الحياة رقياً ، أنجب التطور تنوعاً لا يصدق في كم ونوع الكائنات الحية. فقراءة وتحليل الحفريات الحية أتاح للعلماء إمكانية إعادة رسم وتشكيل أجزاء كثيرة من السيرورة التطورية التي تبلورت بالرغم من المعوقات والاضطرابات المناخية الأرضية. فقبل 4 مليار سنة بدأت كيمياء الحياة انطلاقتها في المحيطات . ويعود تاريخ وتنوع أشكال الحياة إثر التطور الكيميائي إلى ما يقارب 3.6 مليار سنة. إن تلك العناصر العضوية بدائية النوى procaryotes، كانت تعيش ربما في بيئات ساخنة حارة قرب مصادر هيدروحرارية أو قرب الفتحات الحرارية المائية sources hydrothermales، وتستمد طاقتها من جزيئات الوسط المحيط ومن خلال تفاعلات التخمير réactions de fermentation. وبعد ذلك قامت بعض البكتريا في تطوير وسائل استرداد أو استعادة طاقة الإشعاع من الضوء الشمسي وحدوث عملية التركيب الضوئي photosynthèse، من خلال تدخل البكتريا الزرقاء cyanobactéries، إذ تمتلك هذه الأخيرة على أصباغ الكلوروفيل pigments chlorophylliens ، التي صممت أنظمة التركيب الضوئي photosystèmes. ومن خلال عمليات تفاعلية يغدو بمقدورها توليف الغلوكوز synthétiser du glucose ، عندها تصبح تلك الجزيئات العضوية مستقلة تماماً عن أي مصدر غذائي في البيئة، إذ إنها تصبح عناصر عضوية ذاتية التغذية organismes autotrophes، و التي تنتج المادة العضوية التي ستحتل كل المحيطات . والتي هي بدورها مصدر توريد الطاقة لكافة العضويات التي لا تقوم بعملية التركيب الضوئي وتعتمد على غيرها في غذائها، أي عضوية التغذية hétérotrophes. فالبكتريا الزرقاء هي الأساس لأولى الحفريات بسبب نشاطها الأيضي métabolique، والستروماتيلات stromatolites هي الهيكليات الأولى للبنيات الحيوية bioconstruits، وهذه البناءات تظهر على هيئة أكوام monticules مؤلفة عموماً من عناصر على شكل فطريات أو سلاسل يعود تاريخها إلى 3.4 أو 3.5 مليار سنة . ثم غزت بكتريا التركيب الضوئي كافة المياه الضحلة غير العميقة حيث يمكنها التقاط ضوء الشمس بسهولة. ومن المعروف أن عملية التركيب الضوئي تؤدي إلى تكوين غاز الأوكسجين الذي تراكم وتزايد في الطبيعة مما أدى إلى هلاك العديد من الكائنات اللاهوائية anaérobies، أو التي لا تتنفس الهواء . فيما تكيفت كائنات أخرى وطورت لنفسها أنظمة للتنفس التي تحيد الأوكسجين ، وتصبح شيئاً وشيئاً معتمدة على الكائنات ذاتية التغذية للتغذى بها. وفي نفس الوقت يغتني الجو بالأوكسجين ويفتقر أكثر فأكثر لثاني أوكسيد الكاربون المستخدم في عملية التركيب الضوئي . وفي الجو يتعرض الأوكسجين إلى تأثيرات الإشعاعات فوق البنفسجية ليتحول جزء منه إلى آزون أو نتروجين وبفضل ذلك تشكلت بالتدريج مع مرور الوقت طبقة من الآزون مهمتها حجب جزء كبير من الإشعاعات الشمسية المضرة أو المميتة. في تلك الفترة كانت أغلب الكائنات من نوع أحادية الخلية unicellulaires. ثم تطورت بعض من تلك الخلايا فاقدة حوافها ومطورة شبكة من الأطراف البدائية أو شبكات الأغشية réseaux membranaires، المتخصصة بعدة وظائف، تجمعت وارتبطت بعدة خلايا أحادية في حالة من التعايش الجواني endosymbiose، مكونة أولى الخلايا حقيقية النوى eucaryotes، قبل حوالي 2.6 مليار سنة . كانت تلك الكائنات الحية البدائية الأولية وحيدة الخلية لكنها أكبر من سلفها ولها نواة تعزل المادة الوراثية matériel héréditaire.
اجتمعت الكائنات من حقيقيات النوى eucaryotes مع نخبة الطائعيات والأولانيات les protistes، على شكل مستعمرات مجتمعية بدائية وشكلت فيما بعد بالتدريج أولى الميتازوريات métazoaires، أي الكينونات المتعددة الخلايا. ويعود تاريخ أولى تلك التشكيلات إلى 700 مليون سنة، ولقد تم العثور على بقايا حفريات عن تلك الكائنات المجهرية الحية مؤخراً. واستطاع العلماء أن يتأكدوا عام 2010 من أن تاريخها يعود إلى أبعد من ذلك بكثير. عالم الآثار عبد الرزاق الألباني يقدر أنها تعود إلى 2.1 مليار سنة لكن الانعطافة الحقيقية في مسيرة الكائنات الحية المتعددة الخلايا حدثت قبل 600 مليون سنة وانتشرت في جميع أنحاء الأرض. ومع مرور الوقت ظهرت كائنات متخصصة وخلايا عصبية وخلايا هاضمة أو تساعد على عملية الهضم digestives، واختفت قبل 542 مليون سنة ثم أعقبها الإشعاعات التطورية للكمبريات cambriens، وفي تلك الحقبة ظهرت الرخويات mollusques ثم من الرخويات القديمة gastéropodesظهرت المفصليات، وأقدم المفصليات من فصيلة ثلاثية الفصوص تعود إلى ما قبل 530 مليون سنة . وحدث تطور جديد حينما استخدمت العناصر الكيمياوية الخارجية في الطبيعة لتشييد الهياكل العظمية المعدنية squelletes minéralisés، أي ذات البنيات الصلدة المقاومة والحامية ومنها ولدت الهياكل الخارجية exosquelettes، والهياكل العظمية الخارجية squelettes externes والهياكل العظمية الداخلية squelettes internes، حوالي 500 مليون سنة حيث انتشرت كافة أشكال أسلاف الحيوانات الحالية وقد انتشرت بكثرة حيوانات الكمبري في الأوساط المائية aquatiques.
الخروج من الماء:
كانت أولى الكائنات الحية التي استعمرت القارات اليابسة هي النباتات وتمكنت بعض الطحالب algues والأشنات lichens من البقاء على قيد الحياة على اليابسة خارج المياه بالقرب من ضفاف وشواطيء المحيطات قبل 460 مليون سنة. أول نبات ذو أوعاء سمي الكوكسونيا Cooksonia ، لكنه بدون أوراق و لا زهور بل مكون فقط من حزمة من قضبان مستقيمة منقسمة في قمتها وبعد بضعة ملايين من السنين تطورن النباتات وازدادت تركيبا وتعقيداً وطولاً وارتفاعاً وامتلأت الصحاري بسجادات من العشب النباتي ازدهرت فيها المفصليات anthropodes . وبين 410 و 435 مليون سنة غامرت أنواع من الحشرات والعث والعناكب للانتشار في القارات في اليابسة وتطورت حيوانات فقرية vertébres، الملتهمة للمفصليات وهكذا بقية القصة التطورية التي فصلها كتاب أصل الأنواع لدارون وصولاً إلى الثدييات البدائية التي انحدر منها الإنسان مروراً بالزواحف بأنواعها وهيمنة عصر الديناصورات، التي اندثرت بفعل الكوارث الطبيعية وتعرض الأرض لهجمات النيازك والمذنبات الضخمة إلى أن ظهر الإنسان العاقل Homo sapiens قبل 200000 عام ومن ثم الإنسان الذكي المعاصر المبدع للشعر والنحت والفن والصناعة والزراعة والتكنولوجيا.
الشبكة الكونية للبرانات أو الأغشية:
يمكن للكوازارات المكثفة، مثل مصباح يدوي، أن تضيء جزءا من الشبكة الكونية المحيطة. وفي هذا العمق الكوني المذهل تسبح بنيات أو هيكليات بالغة التعقيد والتطور قادرة على فعل كل شيء ، عاقلة ذكية مفكرة ،سميت بعقول أو أدمغة بولتزمان cerveaux de Boltzmann، أو برانات بولتزمان بالانجليزية Boltzmann brains، على إسم العالم الإنجليزي لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann. أحد آباء قانون الثرموديناميكا، أو الديناميك الحراري، حيث كانت المقاربة الإحصائية له قد أستخدمت كأساس للفيزياء الكمومية أو الكوانتية. إن " أدمغة بولتزمان" هي بمثابة كينونات عاقلة وذكية ومفكرة ولكن ليس لها وجود مادي بل نظري بحت لدى من افترضوا وجودها وليس لها ماهية مادية ملموسة بل طاقة وقدرة لانهائية لا بد منها لأنصار نظرية الأكوان المتعددة من فطاحل العلماء ومن بينهم أندريه ليند Andrei Linde و آلان غوث Alan Guth، واللذين يعتقدان أنه إذا كانت ظاهرة غير مرجحة الحدوث قد حدثت بالفعل مثل الحياة على كوكب ليست له قيمة كونية ولا يتصف بأية مزايا استثنائية تجعله فريداً من نوعه في الكون المرئي، فمن المنطقي اعتبار وجود مثل هذه الكائنات أو الكينونات العاقلة أمراً منتشراً . تم تخيل وجود عقول بولتزمان كجواب على المفارقة التي فرضها القانون الثاني للديناميك الحراري حيث ينص هذا الأخير على أن الأنثروبي entropie أو انعدام النظام ونسبة الفوضى أو الاضطراب في نظام معزول تزداد بالضرورة مع مرور الوقت، فالأنثروبي ليس إلا مقياس للاضطراب mesure du désordre، الذي يفسر حالات مثل استحالة إعادة ترميم كاس مهشمة مائة بالمائة بطريقة عفوية أو على نحو ذاتي، وكل حياتنا اليومية ما هي إلا تعبير عملي ملموس لهذا المبدأ. فالتنظيم يتنازل ويخلي المكان للفوضى والاضطراب، ما خلا البنية أو الهيكلية الكونية، وللكينونة الحية . ففي كوننا المرئي، نظمت الغازات والسحب والأغبرة الكونية، نفسها على شكل مجرات، التي تكونت بدورها من جراء تنظيم النجوم المكونة لكل مجرة لنفسها على هذه الهيئة المجرية، وحول النجوم تشكلت الكواكب في أنظمة شمسية على غرار نظامنا الشمسي، وتمكن أحد هذه الكواكب، في أحد هذه الأنظمة الشمسية العديدة، من احتضان الحياة خلال حقب زمنية جيولوجية، وحمل على متنه كائنات حية راقية التنظيم، من هنا يمكننا القول أن تاريخ الكون المرئي وغيره من الأكوان الأخرى المتعددة، ما هو إلا عبارة عن نظام متنامي ، ولا يشذ كوننا المرئي عن هذا المبدأ الثاني للديناميكا الحرارية. إذ يلاحظ أننا نعيش داخل كيان عالي التنظيم ونعيش في تركيبة فائقة التنظيم سيكون المقابل لها كون آخر يتصف بالحد الأقصى من الفوضى والاضطراب.
فذكاء أدمغة بولتزمان هو الأرجح والأكثر احتمالاً. فالثرموديناميك مؤسس على وسائل حسابية وإحصائية محسوبة انطلاقاً من التقلبات والتأرجحات، وإن هذه التقلبات الطاقوية أوالتأرجحات في الطاقة بمكن أن تفسر وتشرح البنية المنظمة كالتي يتحلى بها كوننا المرئي أي الذي يجد التعويض في خارجه. وفي نفس الوقت، كلما كانت البنية منظمة ومتسقة ، كلما كان انبثاقها غير مرجحاً أو غير محتملاً لأن الطاقة التي تحشدها ستكون هائلة . والنتيجة هي إن عقلية فضائية ذكية وعاقلة من نوع أدمغة بولتزمان تكون أكثر احتمالاً في وجودها من وجود كوننا ذاته أو الحياة التي فيه والتي تمكنت من التطور رغم تعقيدها ، ولم يبق سوى اكتشاف الآثار والمؤشرات التي تدلنا على هذه الكينونات الذكية التي لاتستبعدها الفيزياء النظرية .

شطحات علمية في الكون والفيزياء
الحضارات الذكية على الجانب الآخر من الواقع المادي تفرض علينا أن نعترف بأننا لسنا الكائنات الذكية الوحيدة في الكون المرئي، ويجب علينا أيضا أن ندرك أن ليس كل حياة ذكية تأتي من كواكب أخرى و أنظمة نجمية أو شمسية في فضاء الكون الفسيح. هناك من البشر أو الكائنات الفضائية من يتمكن من السفر عبر الزمن، وربما البعض منهم يعود إلينا من مستقبلنا، ثم هناك أولئك الذين هم كائنات من ذوي الأبعاد اللامرئية، أو يأتون إلى زيارتنا من أبعاد كونية أخرى خفية أو مجهولة لا نعرفها. لذا لا ينبغي الخلط، ولهذا فالأمر معقد جدا بالنسبة للعقل البشري الحالي المحدود. فالحقيقة بالنسبة لنا هو ما نراه ونلمسه وندركه بحواسنا الخمس ، ولكن، الفهم والإدراك والاستيعاب والتقبل يخضع لمختلف الاحتمالات، لذلك يجب عليك التفكير خارج منطقة الواقع المألوف, علينا أن نتحرر من جهلنا ونتخلص من نرجسيتنا ونتواضع في وجودنا وتقييمنا لأنفسنا كنوع حي من كائنات الكون التي لا تعد و لا تحصى.
السفر إلى النجوم ليس مسألة أسبوع أو شهر أو حتى سنة، بل سنوات طويلة جداً تزيد كثيراً على متوسط عمر الإنسان الواحد وقد تستغرق الرحلة آلاف السنين ، بل وحتى ملايين ومليارات السنين حسب المسافة التي تفصل المجموعة الشمسية التي نرغب بزيارة كواكبها عن كوكبنا الأرضي، فالبعد المكاني لا يمكن قهره أو تجاهله حتى لو استخدمنا أسرع مركبة فضائية يمكن أن يصممها البشر اليوم وغداً.
فمثلما تتحرك الأرض حول الشمس ، توجد كواكب تدور حول نجومها ولقد رأينا على النجوم القريبة منا تغييرات طفيفة على خلفية من النجوم الأخرى التي هي أبعد . وقد استخدم علماء الفلك هذا التأثير ، لتحديد المسافة إلى أقرب النجوم.
قام بذلك العالم الألماني فريدريك بسل سنة 1836 ، وذلك باستخدام تلسكوب صمم خصيصا لهذا الغرض، لمعرفة موقف النجم الذي يبدو أنه يغير مكانه بتغيير حركة الأرض حول الشمس. وجد فريدريك أن هذا النجم يبعد عن شمسنا مسافة تزيد 700000 مرة أكثر من نصف قطر نظامنا الشمسي! كما عثر على نجمة الثريا التي تبعد 400 سنة ضوئية . والسنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء خلال عام واحد بسرعة 300000 كلم/ثانية في الثانية الواحدة . وهي مغلفة بغلاف الحجاب الأزرق و يعكس ضوء النجوم من الغبار الذي يلف الكتلة النجمية التي تتواجد فيها نجمة الثريا.
واكتشف العالم هالي بحساباته أن كل 121 سنة يمر كوكب الزهرة أمام الشمس. ويتواجد كوكب فينوس ، نسبة إلى الشمس، وراء ذلك، ويبدو مختلفا جدا عندما ينظر إليه من مكانين مختلفين على الأرض. وتبدو الرؤية مختلفة لأنها تعتمد على مدى بعد الزهرة و الشمس عن الأرض .
وفي سنة 1761. أستغل علماء الفلك عبور كوكب الزهرة بالقرب منا ليقوموا بتحديد المسافة مع الشمس واكتشفوا أنها 93 مليون ميل.
الشمس هي أقرب نجم للأرض وتبعد حوالي 93 مليون كيلومتر ، وبهذه المسافة توفر الشمس الدفء اللازم للحياة ، وهو الأمر الذي سمح للتطور أن يتحقق على الأرض. وقد تكون حياة مماثلة قد تطورت في مكان آخر من المجرة؟
L’au-delà
الماوراء ، المرئي واللامرئي، الغيب، وما يقبع خلف الواقع ، عالم الأموات وما بعد الموت، وعلم قراءة المستقبل، ومحاولات الاستدلال على وجود الله أو إثبات عدم وجوده.
كلها أمور ومباحث ومجالات ميتافيزيقية ينفر منها العلماء، ويحبها الفلاسفة ورجال الدين لأنها تشكل الأرضية التي يبدعون فيها ويمتلكون أدوات الإقناع والإيهام والترهيب والترغيب اللازمة لدفع المرء للإيمان والاعتقاد واختيار دينه ومعتقده. فكل الأنبياء والرسل في تاريخ البشرية، خاصة أصحاب الرسالات السماوية والديانات التوحيدية، ربطوا نصوصهم وآيديولوجياتهم بالماوراء L’au-delà وبالغيب وبقوة خارقة تقع خارج المكان والزمان الكونيين المعهودين وتسميتها بمسميات كثيرة كــ : الله والرب والإله والخالد والأبدي والسرمدي والخالق والمدبر و ما يحيط به من جنة ونار ، وبرزخ ،وجحيم وفردوس الخ. فالكون وما فيه مسلوب الإرادة، وموجود برغبة وإرادة خارجة عنه ، ومفروضة عليه، ويتعين عليه الطاعة والانصياع والعبودية والخضوع ، سواء في عالم المادة والحياة، أو عالم الموت وما بعده، أي الآخرة والحساب. أحد القراء لهذه السلسة يعقب بإلحاح مستميت، كأنه معبراً بذلك عن قلقه الشخصي وتوقه لمعرفة جواب أو حقيقة ما قد تشفيه وتساعده على تغيير قناعات أو التمسك بها أكثر، ويتلخص تعقيبه بكلمتين هما، أن العلم لم يتمكن من إثبات وجود الله ولا عدم وجوده لحد الآن كما لم يتمكن من إثبات وجود كائنات عاقلة ذكية ومتطورة أخرى أقامت حضارات كونية متطورة ومتقدمة علمياً تتجاوز وتتقدم علة البشر بكثير. ونحن البشر، كنا وما نزال وسنظل لقرون طويلة، سجناء لهذه الثنائية الوجودية: هل الله موجود أم غير موجود؟ وماذا سيترتب على ذلك بالنسبة للبشر في حالة ثبات إحداها وبطلان الأخرى علمياً.
ليس من طبيعة العلم وغاياته واهتمامه، ولا بأي شكل من الأشكال، الخوض في هذا الموضوع وتقديم الإجابة التي ينتظرها منه مليارات البشر، فبكل بساطة الله ليس موضوعاً علمياً يمكن إخضاعه للبحث والتجربة والمعادلات الرياضية ، فهو في حقيقة الأمر مفهوم لاهوتي لا مادي قابل للتأويل وتطور التعاريف المرتبطة به. فلا توجد مشكلة إسمها الله لدى العلم والعلماء، بل هناك مشكلة علم بالنسبة للأديان ولرجال الدين والمؤسسات الدينية ، لأن هذا العلم يمتلك الأدوات والنظريات والقوانين التي تمكنه من تقديم إجابات مقنعة وناجعة ومقبولة وعقلانية عن الأصل والمصير لكل شيء مادي موجود في الكون المرئي مهما كان حجمه أو أهميته ، كبره أو صغره، وأغلب ما يقدمه من إجابات يتعارض مع المسلمات والنصوص التي قدمتها وتعاطت معها المؤسسات الدينية ورجال الدين بإسم الله، وهذا هو المقصود بالتابو المحرم الذي يتوج عنوان هذه الدراسة المطولة .
عندما تتصادم العوالم المتوازية .. تولد نظرية الكم:
الأكوان المتوازية، والعوالم المتعددة، كالعوالم التي لم تنقرض فيها بعد الدينصورات بسبب اصطدام كويكب، كما حصل مع عالمنا، أو حيث لم تُستعمر أستراليا بواسطة البرتغال ويكتشف كريستوف كولومبس أمريكا، هي مواضيع أساسية دسمة ورائجة في الخيال العلمي، لكن هل هناك حقاً أكوان متوازية وعوالم متعددة من الناحية العلمية المحضة؟
في ورقة بحثية مهمة جداً نُشرت مؤخراً في المعرض الفيزيائي أي بي اكس (APX)، قامت مجموعة من العلماء من جامعتي غريفيث وجامعة كاليفورنيا باقتراح أن الأكوان المتوازية ليست فقط حقيقة بل هي ضرورة لا بد منها للخروج من مأزق المفارقات والتناقضات العلمية الحالية، وهي على الأرجح ، ليست فقط موجودة فحسب، بل يمكن أن “تتصادم” بين بعضها البعض لتولد غيرها، وبالتالي فإن العوالم المجاورة هي مصدر الظواهر للميكانيكا الكمومية أو الكوانتية La mécaniques Quantiques غير الاعتيادية بالمرة حسب ما تقول النظرية.
كثرة تفسيرات وجود العوالم:
إن فكرة وجود العوالم الموازية في الميكانيكا الكمومية أو الكوانتية ليست جديدة – فلقد عرض العلماء واحدة من أبرز التفسيرات لها ، أي ميكانيكا الكموم ـ الكوانتوم في نهاية خمسينيات القرن الماضي وبالتحديد سنة 1957 والآن، أصبحت ميكانيكا الكموم أو الكانتوم قابلة للتطبيق على نحوٍ واسع وهي اليوم النظرية الفيزيائية الأكثر نجاحاً على مر الزمن. إذن، قد نتسائل، لماذا تحتاج (النظرية) لتفسير متواصل؟ هناك سببان أوليان لمثل هذا التساؤل:
أولاً، إن تشكيلية وهيكيلية وآلية ميكانيك الكموم بعيدة للغاية عن تجربة كل يوم المألوفة عند الناس. حيث تعتمد ميكانيكا الكموم على “دالة الموجة Fonction d’onde ” والتي تشبه الموجة باستثناء إنها لا توجد في فضاء ثلاثي الأبعاد إنما بفضاء يتمتع بدد لانهائي من الأبعاد.
ثانياً، ما يسمى بـ “علاقة بيل relation Bel”، التي مفادها إن دالة الموجة لا يمكن استبدالها، رياضياً، بأي وحدة قياس أخرى في العالم الطبيعي. إذ توجد تفسيرات حسابية متعددة لميكانيكا الكموم أو الكوانتوم، mécanique quantique (MWI) وكل واحدة منها تعطي تصوراً مختلفاً بعض الشيء عن طبيعة الحقيقة و ماهية الواقع. لكن كل تصور يقدمه المكيانيك الكوانتي أو الكمومي، هو، بالمعنى الدقيق للعبارة، غريب نوعاً ما؛ وذلك بسبب غرابة ميكانيكا الكموم نفسها، والتي اعتبرها البعض في بداية القرن الماضي بمثابة ميتافيزيقيا العلم أو الماوراء في العلم L’au-delà de la Science.
تكمن غرابة كثرة تفسيرات تعدد العوالم في طبيعتها المنتظمة التي هي “إن كل كم وفي أي وقت” هو موجود في “كونٍ” مستقل، وهذا “الكون” يتجزأ إلى كثير من الأكوان، واحداً لكل ناتج من العلاقة –علاقة بيل- المذكورة أعلاه.
يدحض الميكانيك الكمومي أو الكوانتي التعريف المادي المألوف للواقع والذي لا يمكن أن يقوم بتفسير يتحلى بالدقة عندما يكون هناك علاقة بيل. وبالتالي، يصبح عدد العوالم، في أي وقت ما، غير معروف، كما أن كل عالم غير واضح الحدود، وتكون تلك العوالم المتعددة موصفةً بدالة الموجةFonction d’onde .
كما إن النتائج تختلف باختلاف الاحتمالات، فتفترض ميكانيك الكموم أو الكوانتوم إن العوالم المختلفة هي ذات “أهمية” مختلفة – فبعضها أكثر أهمية من الأخرى لذا على الأرجح أن تكون كلها حقيقية وموجودة كحقيقة. وأخيراً، وفي نفس الوقت ، فإن هذه العوالم المختلفة لا تتفاعل، لذا فإن بعض الانتقادات تقول بأنها عوالم افتراضية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وبالتالي فهي لا تمتلك سبباً لتكون حقيقة وهذه مفارقة.
عوالم متفاعلة متعددة:
تضم هذه النظرية عوالم متعددة لكنها تملك نفس نهايات الـميكانيك الكمومي الاعتيادية. أولاً: تفترض هذه النظرية حلاً يقول: مع أن عدد العوالم ضخم جداً، فإن كل هذه العوالم الموجودة باستمرار خلال الزمن، وبدون تفرع. ثانياً: عوالمنا هذه ليست غامضة فحسب ، بل وعلى وجه التحديد، لديها مميزات معروفة. وفي ضوء هذا المنهج، فإن أي عالم سيكون محدداً بمكان وسرعة بدقة لكل جسيم أولي موجود في ذلك العالم . لا يوجد هناك “مبدأ الريبة أو اللايقين أو اللادقة لهاينزنبيرغ الذي ينطبق على عالم واحد هو عالمنا، وهذا ما يدفعنا للقول أنه، في الواقع، لو كان هناك عالم واحد فقط، لكان ذلك يُحكم بميكانيكا نيوتن لا بميكانيكا الكموم.
ثالثاً: عوالمنا تتفاعل، وذلك التفاعل هو ناتج كل التأثيرات الكمومية. وعلى وجه الخصوص، توجد قوة طاردة في كل جسيم أولي، بين عوالم ذات ترتيب مماثل (ذلك، وأيضاً عوالم ذات موضع مماثل لكل جسيم على وجه التقريب). وإن هذه القوة البينية تحول دون امتلاك العوالم المتقاربة نفس الترتيب، وتميل لتكوين عوالم مختلفة.
رابعاً: إن كل واقع، وكل عالم من هذه العوالم هو حقيقي على حد سواء. أمر محتمل واحد فقط ، عند اقحام النظرية بسبب الأجهزة الراصدة أو الجهة الراصدة، أين تكوّن جسيمات العالم الحقيقي؟، فلا يعلم الراصد بأي عالم هو، وهل هو داخل أم خارج هذه المجموعة من العوالم. من هنا سيسجل الراصد احتمال متساوي لكل عضو من هذه المجموعة والذي يكون متوافقاً مع تجاربها. بعد إجراء التجارب سنعرف أكثر عن أي عالم كان فيه، وبالتالي استبعاد مجموعة من العوالم التي من المرجح أن يكون موجوداً فيها أيضاً.
مع وضع كل هذه النقاط معاً – اقتراب العوالم التفاعلية المتعددة من ميكانيكا الكموم. لا يوجد شيء آخر في هذه النظرية. لا وجود لدالة الموجة ولا قاعدة خاصة للتفاعل ولا فارق أساسي بين الأجزاء الكبيرة والأجزاء المجهرية. على الرغم من ذلك، فمن الممكن لهذا النهج إعادة صياغة كل مفاهيم ميكانيكا الكموم الشائعة، بما فيها تداخل الشقين الطوليين، وطاقة نقطة الصفر، والحاجز النفقي، ومبدأ الريبة أو اللايقين، وأخيراً علاقة بيل المذكورة أعلاه.
آثار وتطبيقات:
يقترح العلماء تسمية النظرية بـ”نهجméthode ” بدلاً من تسميتها “تفسير” لأن لكل عدد متناهٍ في العالم في هذه النظرية يتم تقريبه لميكانيكا الكموم. وهذا يعطي احتمال دقيق، من الممكن اختباره في وجود عوالم أخرى. القدرة على “تقريب الكموم تتطور باستخدام عدد متناهٍ للعوالم” بإمكانها أن تكون مفيدة، خاصة في الديناميكية الجسيمية النموذجية (والتي هي مهمة لفهم التفاعلات الكيميائية).
دائماً ما كانت ميكانيكا الكموم لغزاً بسبب تعقيدها، لكن، من جهة أخرى، هناك طرق عميقة للإنحراف عن ميكانيكا نيوتن. وذلك بسبب ، أن هذه الانحرافات قد تكون سبباً لتفاعل العوالم النيوتونية المتقاربة تفاعلاً أساسياً مع العوالم المتوازية مما يُدخل حلولاً جديدة للغز الكمومية.
وفي النهاية، لا يوجد شيء غير قابل للتصديق بالمرة، ، وتلوح في الأفق إمكانية تطوير التواصل بين العوالم الموازية وهذا يستدعي أن نمتلك ناصية الميكانيك الكمومي ونستوعبه وندرك إمكانياته الكامنة.
من هنا صار لا بد من فك شيفرة ولغز الميكانيك الكمومي أو الكوانتي. فهذه النظرية كانت وما تزال تشكل مرجعية علمية فيزيائية بامتياز رغم تعقيدها وغموضها وصعوبتها. ومع ذلك فهي توفر تفسيرات ووصف للطبيعة والكون مقبولة وأكثر علمية، مع قدرة هائلة على التوقع والتكهن والتنبوء وإمكانية شرح وتفسير الكثير من الظواهر، ابتداءاً من سلوك الجسيمات المجهرية ومادون الذرية، والذرية، إلى النجوم والكواكب والمجرات. ويؤمن بعض العلماء أن كل ما يمكن أن يحدث في الوجود فهو يحدث فعلاً حسب معطيات وثوابت ومعادلات هذه النظرية الكمومية أو الكوانتية. وفي مواجهة القوة التي لا حد لها للطبيعة والكون لا بد من التسلح بأداة علمية قوية وناجعة، وهي هنا نظرية الكوانتوم أو الميكانيك الكمومي، فهي تفتح لنا آفاق الإبحار في عوالم اللامتناهي في الصغر l infiniment petit، الذي تفلت آلياته غير المرئية من قدرة الإدراك والإستيعاب البشري. والحال أن معرفة سلوك الطاقة والمادة في المستويات المجهرية ومادون الذرية اللامتناهية في الصغر في غاية الأهمية لمعرفة وفهم العالم بشموليته وكليته. ولكن أن نحسب en supputant أن جسيم أولي يمكن أن يتواجد في عدة أماكن في آن واحد تجعلنا نفكر بأن الميكانيك الكمومي أو الكوانتي هو شيء من الخيال العلمي وليس فرعاً من فروع العلم الجادة والرصينة، ومع ذلك فهو أحد أعمدة الفيزياء المعاصرة والحديثة. نعم ، المكيانيك الكمومي هو أفضل مثال لنظرية مقصورة على فئة معينة ومحدودة جداً جداً من النخبة العلمية ésotérique لكنها باتت ضرورية لا مفر منها ولا حيادة عنها في جميع ابحاثنا العلمية، فهي تبدو وكأنها ماورائية لأن وصفها للظواهر الطبيعية ينطوي على القول بأن بالإمكان حقاً لجسيم مجهري أو مادون ذري أن يتواجد في عدة أماكن في آن واحد ، وعلى طرفي نقيض في الكون، وفي نفس الوقت، و لا يتحرك أو ينتقل إلا بعد أن يستكشف الكون برمته دفعة واحدة بسرعة تفوق سرعة الضوء بمليارات المليارات من المرات ،وهذا ما يتعذر على الإنسان العادي تقبله أو إدراكه وفهمه . وهي مفيدة لأن فهم سلوك العناصر والمكونات والجسيمات الأولية الأصغر الموجودة في الكون المرئي يسبق فهم باقي الموجودات ، ولقد أوضحت النظرية وأثبتت بأن كل شيء في الوجود والطبيعة مكون ومبني من حفنة من الجسيمات الأولية التأسيسية particules élémentaires تطيع وتخضع لقوانين النظرية الكوانتية أو الكمومية ، وإن تلك القوانين تبدو سهلة وبسيطة يمكن تلخيصها واختزالها على ظهر ظرف رسائل عادي صغير، إنطلاقاً من مبدأ أن كل شيء يمكن أن يفسر عبر أو من خلال الفيزياء الكمومية أو الكوانتية من أصغر شيء إلى أكبر شيء يمكن تصوره. فالجسيمات الأولية اللامتناهية في الصغر هي بمثابة طابوق البناء الذي يهيكل نسيج الطبيعة وماهيتها ويقدم مفاتيح الفهم والإدراك للعالم الميكروسكوبي والعالم الماكروسكوبي، أي لعالمي اللامتناهي في الصغر وعالم اللامتناهي في الكبر. الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات تتفاعل فيما بينها مكونة الذرات التي تتفاعل بدورها فيما بينها وتتجمع لتشكل كل البنى الموجودة ، من أصغر وابسط الأشكال إلى أكثرها تركيباً وتعقيداً. وأكتشف العلماء فيما بعد أن البروتونات و النيوترونات يمكن تجزئتها بدورها إلى مكونات اصغر تسمى الكواركات وهي أصغر ما توصل إليه الإدراك البشري من بنيات للمادة المعروفة من قبل البشر.
عالم العشوائيات المتوقف على المصادفة aléatoire:
من أجل فهم واستيعاب المفاهيم الكبرى والرئيسية التي أفرزتها نظرية الميكانيك الكمومي أو الكوانتي، نحتاج للعودة قليلاً إلى الماضي القريب، إلى عام 1900 عندما وضع إرنست روذرفورد Ernest Rutherford حجر الأساس للنظرية قائلاً:" من المفترض أن لكل الذرات المتشكلة في نفس الوقت عمر محدد ، والحال هو عكس ذلك، فلقد أظهرت المشاهدات أن للذرة مدى حياتي يمكن أن يأخذ أية قيمة بين الصفر واللانهاية. وكان ذلك يمثل قطيعة حقيقية وعميقة مع علوم تلك الحقبة الزمنية المبنية على الحتمية déterminisme واليقين المطلق certitude absolue. وللمرة الأولى تبرز فكرة أن الطبيعة ، وبالأخص العالم الميكروسكوبي ما دون الذري فيها، يمتلكان خصائص عشوائية تتحكم بها الصدفة ومرهونة أو متوقفة على المصادفة. فالنظرية الكمومية أو الكوانتية تستبدل اليقين بالاحتماليات. فمن المستحيل، على سبيل المثال، معرفة متى سوف تتفتت ذرة معينة على وجه الدقة. فالأمر يتطلب سنوات عديدة من التجارب والجهود والعمل الدؤوب والمثابرة الضرورية لمعرفة التركيبة الدقيقة للذرة التي تمثل النواة كتلتها الأساسية، ومعرفة طريقة عملها الداخلية. في عام 1913 نشر العالم الدانيماركي نيلز بور Niels Bohrأول نظرية كمومية أو كوانتية بمعنى الكلمة حول بنية وتركيبة وهيكيلية الذرة وتكوينها وشبهها بالمجموعة الشمسية المصغرة أو المجهرية الميكروسكوبية وقال في خاتمة بحثه أن الإلكترونات تدور حول النواة ولا يمكنها احتلال كل المدارات بل بعضها على نحو محدد ومختار بدقة ولكن بإمكان الإلكترونات القفز من مدار إلى آخر ببث طاقة على شكل شعاع أو ضوء . وفي سنة 1925 تم الكشف عن بعض ألغاز وأسرار العالم ما دون الذري وذلك على يد العالم الألماني ويرنر هينزيبيرغ Werner Heinseberg ، لاغياً على نحو قاطع الفكرة التي تقول أن الطبيعة يجب أن تطيع منطق ما أو التوافق مع الحس العام ، وقالت نظرية هينزبيرغ الكمومية أو الكونتية عكس ذلك، أي أن العالم اللامتناهي في الصغر ليس عبارة عن نموذج مصغر للعالم الماكروسكوبي في اللامتناهي في الكبر ، بل هو عالم مختلف ويعمل بطريقة مختلفة تماماً ومن هنا فإن المكيانيك الكمومي معقد ومن الصعب مقاربته من قبل غير المختصين والمؤهلين والمتآلفين مع مفدراته وغرابته. ففهم هذا العالم يتطلب توفر شروط مسبقة للولوج إلى نظرية تضم مفاهيم الصدفة والاحتمالية حيث من الضروري أن نتمتع بالقدرة على الانسلاخ من حدسنا التقليدي ومفاهيمنا المرتبطة بقدرتنا على الفهم والإدراك والاستيعاب لهذا العالم. فبعض القوانين الفيزيائية التي اعتدنا عليها على صعيد النظرية والتجربة والتطبيق وأثبتت صلاحيتها وصحتها العملية مثل جاذبية نيوتن، لم يعد لها أي معنى في العالم الكوانتي أو الكمومي الذي يحتوي حقاً، وعلى نحو حقيقي ،على حالة " في كل مكان l ubiquité" .فقوانين نيوتن تمنحنا صورة متساوقة ومنسجمة تماماً مع إحساسنا وحدسنا وشعورنا تجاه العالم المادي المحيط بنا وتأخذ شكل المعادلات الرياضية التي تفيدنا في توقع الأشياء بدقة متناهية كحركة الأجسام. فكل شيء، في إطار هذه النظرية، وفي كل لحظة، متسمة بخصائص وسمات وتتميز caractérisés بمواقع وتتنقل على نحو مستمر من موقع إلى آخر على نحو محسوب بدقة. وهي من البديهية بمكان بحيث لا تتطلب الإشارة إليها و لا التعليق عليها في كل مرة، بيد أن ذلك بدا وكأنه مجرد إفتراضات présuposé، متناغمة ومنسجمة مع طبيعة إدراكنا وتجاربنا، لكنها غير مبنية على أي يقين certitude. فما الذي يضمن لنا أن الشيء موجود هنا أوهناك و لا يوجد في نفس اللحظة في أماكن أخرى مختلفة؟ وهذا ما لمسه أقطاب الميكانيك الكمومي أو الكوانتي، فيما يتعلق بالإلكترون داخل الذرة. حيث تبين لهم أنه يمكن أن يكون هنا وهناك وفي مكان آخر في نفس الوقت . وحتى لو بدت هذه الفكرة غريبة وغير معقولة أوغير قابلة للتصديق لأننا غير قادرين على تخيلها أو تمثلها في أذهاننا لكنها حقيقة علمية مثبتة اليوم كما قال بريان كوكس Brian Cox وجيف فورشو Jeff Forshaw. وهكذا أدرك العلماء والباحثون أنه إذا كانت التفاحات والكواكب تخضع بالفعل لقوانين نيوتن لكن الأمر مختلف كلياً بالنسبة لمكونات المادة الجوهرية. فعلى النقيض من الأشياء الكبيرة الماكروسكوبية والجسيمات العادية المعروفة ، إلا أن تجارب متعددة أظهرت أن الإلكترون يمتلك سلوكاً خاصاً ومتميزاً وغير متوقع و لايمكن التنبوء به imprévisible، فهو قادر على التفاعل مع نفسه . فالجسيمات ما دون الذرية لا تتصرف كموجات و لا كجسيمات عادية و لا كغيمات أو سحابات مجهرية و لا ككرات البليارد و لا ككتل مربوطة أو معلقة براسورات أو سبرنكات ressorts، بل ولا تشبه أي شيء آخر معروف ، كما قال العالم الفذ ريشارد فاينمان Richard Feynman الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1965 وأحد أهم العلماء الفيزيائين المؤثرين في منتصف القرن الماضي. فأساس الميكانيك الكوانتي أو الكمومي هو أن بوسع الجسيم الأولي أن يكون في أماكن ومواقع مختلفة في آن واحد وما تبقى هو محاول فهم تأثير ذلك وتداعياته على العالم الماكروسكوبي الكبير. وكانت أولى المحاولات هي تجربة شقي أو فتحتي يونغ الطوليتين fentes de young، وعرفنا من خلالها أن الإلكترون لا يسير أو يتنقل على شكل خط مستقيم من النقط أ إلى النقطة ب ، بل يتخذ عدد لا متناهي من الطرق الممكنة ، وهو سلوك يمكن تشبيهه بالموجة على سطح الماء ، وبهذا أدخلت الجسيمات الكمومية أو الكوانتية للفيزياء المعاصرة مبدأ الريبة أو مبدأ عدم اليقين principe d incertitude ، ولاستيعابه وفهمه يتعين تعريف وشرح مفهوم الاحتمال probabilité، وهذا المفهوم موجود، ليس فقط في النظرية الكمومية أو الكوانتية فحسب،فهي تستخدم باستمرار وبانتظام في سلسلة من الحالات ، من الرهانات في سباقات الخيل إلى الترموديناميك ، بيد أن اللجوء للإحتمالية في الحالة الأخيرة يعود إلى درجة معينة من الجهل لجزء من الواقع وليس لسبب جوهري ، فالواقع ليس مكشوفاً بكليته وإنما هناك جزء خفي منه لاتدركه الحواس. لنفكر في لعبة الزهر أو النرد وهي لعبة الصدفة المحضة، أو لعبة " طرة كتبة كما نقول في اللهجة العراقية" أي وجهي العملة المقذوفة في الهواء لذلك فإن الإحتمال ما هو إلا تعبير عن جهلنا أو عدم معرفتنا المسبقة بالنتائج في أي نظام كان. فلو امتلكنا كافة المعطيات اللازمة والدقيقة التي تتدخل في عملية قذف قطعة نقود في الهواء وانتظار سقوطها على الأرض على أحد وجهيها الكتابة و أو الصورة ، مثل القوى الأخرى والسرعات والجاذبية وحركات الهواء ودرجة الحرارة الخ ... عندها يمكننا مبدئياً أن نقدر ونتوقع على أية جهة ستسقط قطعة النقود. فانبثاق الإحتمالية في هذا الظرف الخاص هو إنعكاس لافتقادنا للمعرفة بشأن نظام ما. والحال إن الإحتماليات في النظرية الكوانتية أو الكمومية أمر جوهري . فإذا لم نتمكن من توقع وجود جسيم في مكان بدلاً من مكان أخر، فهذا ليس عائداً لجهلنا ، فليس بمقدورنا من الناحية المبدئية، التكهن بموقع الجسيم وسرعته بدقة متناهية في آن واحد. وكل ما يمكننا التكهن به بدقة مطلقة هو إحتمال وجود الجسيم في منطقة ما في لحظة ما. تطلب الأمر عقود طويلة كي يتقبل العلماء وعلى رأسهم آينشتين نفسه، أنه يوجد في قلب الطبيعة وعمقها المجهول عمليات عشوائية غير منتظمة. في حين أثبتت التجارب العلمية الحديثة أن عالم اللامتناهي في الصغر هو بهذه الهيئة ومبني على هذه الشاكلة. فجسيم كمومي ما يتواجد في منطقة معينة وفي لحظة معينة يمكن أن يتواجد بعد جزء متناهي من الثانية في أي مكان آخر في الكون، بل يمكنه أن يتواجد على بعد متر من موقعه الأول ، وعلى بعد مليار سنة ضوئية في نفس الوقت. مرة أخرى علينا أن نضع مسلماتنا وأحكامنا المسبقة وبديهياتنا في العالم على جنب عندما نتعامل معه من خلال النظرية الكمومية .
ما تقدم يوحي بأن العالم الكمومي أو الكوانتي Monde Quantique هو عالم فوضوي تحكمه الفوضى monde ananrchique gouverné par le chaos، وهي فرضية محيرة لأننا تعلمنا العكس وتعودنا على نقيض ذلك أي أن العالم منظم تحكمه القوانين الفيزيائية التي لاتنتهك ويخضع لنظام صارم دقيق. فما هو السبيل للجمع والتوفيق بين الفوضى البادية أو الظاهرة للعالم الكمومي مع الاستقرار الملموس والمحسوس للعالم الواقعي؟ بما أن المادة مكونة أساساً من الفراغ فماهي الظاهرة التي تمنع اختفاء الأرض التي تتواجد تحت أقدامنا. يجيبنا العلم بأن كل ذرة في الكون المرئي مرتبطة داخلياً وعلى نحو وثيق بغيرها من الذرات. إن فكرة كون الإلكترونات تبقى مرتبطة آنياً ولو على بعد مع غيرها يمكن أن يمثل ظاهرياً ، انتهاكاً لنظرية النسبية العامة لآينشتين ،ولكن في واقع الأمر هو على العكس من ذلك تماماً. فلا داعي للطعن أو للتحدي للعلاقة القائمة بين السبب والنتيجة والعلة والمعلول. وعلى هذا الأساس يمكن لبعض الإعدادات أن تنقل المعلومات بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهذا ما أثار حفيظة وقلق آينشتين سنة 1935 ولم يحبذ الوصف الذي ساد آنذاك وهو " الفعل الخارق للطبيعة عن بعد action surnaturelle à distance، ومع الوقت توضح للعلماء استحالة استغلال هذه الحالة عن العلاقات الآنية عن بعد لنقل المعلومة بسرعة تفوق سرعة الضوء وبالتالي لم تعد هناك حاجة لمراجعة وطعن المسلمة عن السبب والنتيجة والعلة والمعلول، ومن هذه التعددية غير المنظمة للقفزات الكمومية أو الكوانتية ، تبرز حينئذ الخصائص المألوفة لحاجياتنا اليومية . وبمعنىً ما فإن كل إلكترون وبروتون ونيوترون في جسمنا يستكشف كل الكون ، وعند حساب المجموع الكلي لتلك الاستكشافات explorations، نعثر على العالم الذي استقرت فيه ذراتنا في حالة من الانتظام المستقر لمائة عام أو أكثر على الأقل. بعبارة أخرى، كل شيء يحدث كما لو أن كل إلكترون يعرف الحالة الكوانتية أو الكمومية لمن يتواجد في الطرف الآخر من الكون من باقي الإلكترونات ، وهو أفق مذهل ومحير وفاتن ومقلق. وهناك علماء آخرون طليعيون وجريئون يذهبون إلى ابعد من ذلك. فالخصائص الكمومية أو الكوانتية توحي بوجود عوالم وأكوان متعددة وواقع متعدد متوازي في أبعاد متعددة ومتوازية أو متداخلة ما يعني أن الكون المرئي يمكن أن يتواجد في حالة تراكب superposition، يتوافق مع كافة الاحتمالات والإمكانيات الممكنة، وإننا لاندرك من خلال المعايشة اليومية ، سوى جزء ضئيل جداً من واقع أشمل وأكمل وأعقد وأكبر مما تتصوره عقولنا .

الصمت والتجاهل والانتظار، الاتصال الحتمي بعد حين:

في أغلب النقاشات التي خضتها حول هذا الموضوع يفاجئني المحاورون بالسؤال التالي:" على فرض أنهم موجودون كما تقول، اين هم إذن؟ وأين يتواجدون؟ ولماذا لايظهرون لنا علناً وعلى نحو جلي وواضح لا يقبل الجدل لكي يثبتوا وجودهم؟ وهكذا بكلمتين تتلخص هذه المفارقة التي تواجه الجميع وعلى رأسهم العلماء منذ أكثر من ستين عاماً.

وهذه المفارقة تقول:" نظراً لكثرة النجوم والكواكب الموجودة في كل مجرة من مجرات الكون المرئي، وحتى لو اقتصرنا على عدد النجوم والكواكب التي تسكن مجرتنا درب التبانة، فإن إحتمال وجود حضارات ذكية فيها كبير جداً، وبناءً على ذلك من المفترض أننا نكتشفها ونعثر عليها، أو على الأقل على دلائل قاطعة عن وجودها وهذا لم يحدث، فأين هي إذن؟" وهي المفارقة المعروفة، بمفارقة فيرمي، مقترنة باسم عالم الفيزياء الإيطالي أنريكو فيرمي Enrico Fermi. ففي عام 1950، وأثناء مناقشة مع زملائه في كافتريا المختبر الوطني في لوس آلاماوس، حيث يعمل منذ عدة سنوات، انزلقت المناقشات نحو موضوع الأجسام المحلقة مجهولة الهوية OVNI، ومن ثم حول فرص وجود الكائنات الفضائية والحضارات الكونية خارج مجموعتنا الشمسية. وبعد دقائق من احتدام النقاش، وبعد برهة من التأمل صرخ فيرمي:" أين هم إذن Where is everybody؟ وهنا وضع فيرمي الإصبع على تنافر وغرابة منطقية أو مشكلة لاتمتلك حلاً أو جواباً. ومنذ منتصف القرن العشرين إلى نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبالرغم من اكتشاف مايربو على الخمسة آلاف كوكب من الكواكب الخارجية exoplanètes خارج نظامنا الشمسي، مازالت المفارقة قائمة مع فارق أن فكرة وجود حضارات كونية ومخلوقات فضائية باتت تحتل قناعات الكثير من الناس ومن العلماء، فالأرض ليست جزيرة منعزلة عائمة في الفراغ الكوني مع الأخذ بالاعتبار حداثة عمرها الذي لا يتجاوز الأربعة مليارات ونصف المليار سنة مقارنة بعمر الكون 13.8 مليار سنة، حيث يمكن للعديد من الكواكب أن تحتوي على سطحها حضارات عاقلة أقدم منا ومتقدمة علينا بآلاف، وربما بملايين السنين، أي أكثر تطوراً منا حتماً.

معادلة رياضية لتخمين عدد الحضارات الكونية:

بات من المعلوم اليوم أن هناك عشرات المليارات من الكواكب الشبيهة للأرض في مجرة درب التبانة. وهذا يشجع على التفكير بأن الكون المرئي يعج بالحياة حسب اعتقاد عالم الفلك سيث شوستاك Seth Shostak الذي يعمل في مؤسسة سيتي، البحث عن الحضارات الفضائية الذكية SETI. التي بادرت رسمياً بعملية البحث عن إشارات قادمة من الفضاء منذ سنوات الستينات. ففي عام 1961 تم تنظيم أول مؤتمر للتواصل مع الحضارات الكونية الذكية أو العاقلة المتطورة في فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية وكان أحد المشاركين عالم شاب آنذاك يدعى فرانك دراك Frank Drake، وهو متخصص بالفلك الراديوي radioastronome، والذي قرر صياغة معادلة رياضية لإحصاء العدد المحتمل للحضارات المتطورة الذكية في الكون المرئي، والتي يمكن أن تتوفر لنا فرص الاتصال بها.

وتحتوي المعادلة على معطيات مثل عدد الحضارات القادرة على الاتصال بواسطة الراديو المعادل لعدد النجوم المتشكلة في نطاق وحدة زمنية مضروب بنسبة النجوم التي تحتوي على كواكب مضروبة بمتوسط عدد الكواكب التي تدور حول كل نجم مضروب بنسبة الكواكب التي تطورت فوقها الحياة مضروبة بنسبة الكواكب التي تطورت فوقها حياة ذكية عاقلة مضروبة بالمدة الزمنية المفترضة كمعدل زمني متوسط الذي يمكن لحضارة ما أن تتصل بغيرها بوسائل تكنولوجية N=R*XfpXneXflXfiXfTXL، فهناك إعدادات رقمية مفترضة تقديرية لكل حرف في المعادلة شرحناه بالتفصيل في دراسة سابقة. وهي معادلة ذات طابع بيداغوجي ولكن لو بقي فيها حرف واحد بدون رقم حقيق فسوف لن تفيد بشيء والحال لايعرف على وجه الدقة الإعدادات الرقمية المفترضة لهذه المعادلة خاصة الــ fp وهو عدد الكواكب المسكونة حيث لايوجد في الوقت الحاضر سوى كوكب واحد مأهول هو الأرض، والأمر يمكن أن يختلف لو أخذنا بالحسبان وضع الأقمار الصخرية التي تدور حول كواكبها وفيها غلاف جوي كالقمر تيتان التابع لكوكب المشتري. أما R* فقد قدر له الرقم الواقع بين 3 إلى 10 والحرف الأخير من المعادلة يستعصي على التقدير فنموذج الحياة على الأرض وهو الوحيد المعروف اليوم، لا يمكن تعميمه، وبالتالي فإن نتيجة التخمينات في معادلة ديراك هذه عن عدد الحضارات الكونية الذكية يتراوح بين واحد إلى عشرات المليارات، بعبارة أخرى فهي لاتسعفنا في شيء ولا تزيد معلوماتنا بشيء بل وتكشف عن مدى جهلنا المدقع بهذا الخصوص. وبغياب الدليل القاطع فكل شيء ممكن، وكل الأجوبة، مهما كانت افتراضية، ممكنة. وكان العالم البريطاني ستيفن ويب Stephen Webb قد حدد العدد بــ 50 سنة 2002 في كتابه المعنون Where is everybody، مفسراً عدم حدوث اتصال بيننا وبينها.

فرضيات الاتصال:

ماذا لو كانت بعض تلك الحضارات الكونية المتقدمة قد حاولت الاتصال بنا وأرسلت إلينا إشارات لكننا لم نرها أو لم تستلمها معداتنا البدائية؟ فمنذ أن وجه البشر أجهزتهم الراديوية radiotélescopes،نحو السماء بحثوا عن خصائص وميزات محددة اعتبروها هي التي سوف تمثل أو تكون البصمة المميزة لرسالة فضائية خارجية وهي إشارة راديوية تبث على ترددات معينة ضيقة ومكررة على نحو منتظم. فمنذ العام 1959 نشر عالما الفيزياء غيسيب ككوني Guiseppe Cocconi وفيليب موريسون Philip Morrison، من جامعة كورنيل، في مجلة الطبيعة Nature الشهيرة مقالاً ثبتا فيه الإمكانيات الكامنة للموجات الميكروية الراديوية Micro Ondes Radio، للاتصال مع النجوم. وللتمييز بين الإشارة المقصودة والضوضاء القادمة من الخلفية الكونية المكروية bruit de fond de l’univers، اقترح الباحثان تركيز انتباهنا على تردد بث الهيدروجين وهو 1.42GHz، وهو العنصر السهل في الكون المرئي الذي افترضا العلماء أنه معروف من قبل جميع سكان الكون المرئي وكل علماء الفلك الراديوي radioastronomes، حتى وإن كانوا من الحضارات الكونية المتقدمة والمتطورة علمياً. وكان أول من استخدم هذه التقنية هو مؤسسة سيتي ceti التي أسسها العالم فرانك دراك Frank Drake وما تزال تستخدمها بدون نتائج تذكر. ولقد وسعت هذه المؤسسة مجال تردداتها وصف بعضها بالحرج مثل ترددات جزيئات الماء 22.2 GHz، وأضيفت ترددات أخرى حتى بلغت 800 مليون ولكن لا أحد يعرف ما إذا كانت المخلوقات الفضائية المتطورة والحضارات الكونية قد أرسلت لنا إشارات على إحدى تلك الترددات قبل أن نستمع إليها ونتنصت عليها. أو على ترددات أخرى قد تكون أكثر مناسبة للحضارات الكونية المتطورة لأسباب تتعلق بقانون فيزياء مازلنا نجهله، ومن يعرف ما إذا كانت تلك الحضارات الفضائية المتطورة تكنولوجياً تستخدم تقنية الاتصالات الراديوية الأرضية. ربما يكونوا متمكنين من تكنولوجيا لا تزال مجهولة بالنسبة لنا. مثل الألياف الضوئية التي اكتشفها البشر مؤخراً وكانت مجهولة بالنسبة لهم في سنوات الثلاثينات. يمكن التواصل بين طرفين من خلال ضوء النجوم باعتبارها تلسكوبات راديوية عملاقة. والطاقة الضرورية اللازمة لذلك لا تتعدى بضعة واطات فقط وربما يكون سكان الحضارات المتطورة خارج الأرض قد استخدموها حيث يستهدفون أطراف الشمس في منطقة لا نستمع لها لذلك لم نتلق إلى الآن آية إشارات كلاسيكية مألوفة من قبل البشر كما يتقد ميكائيل جيلون Michael Gillon وهو عالم فلك ومكتشف للعديد من الكواكب الخارجية ويعمل في قسم الفيزياء الفلكية في جامعة ليج.

وهناك فرضية أخرى تقول أننا ربما تلقينا إشارات لكننا لم نفسرها على أنها إشارات صادرة من حضارات كونية متقدمة فربما مبدأ التكرار المنتظم لا تستخدمه تلك الحضارات كما يعتقد البشر. فخلال أربعون عاماً تلقينا الكثير من الإشارات الفضائية لكننا نجد دائماً لها تفسيرات عقلانية ترجعها إلى ظواهر كونية طبيعية أو ذات أصل أرضي، كانفجار مذنب أو نجم أو تداعيات لمستعر عظيم أو لخلل في أجهزة الرصد والاستماع الخ محيلين الفرضية الكونية الفضائية العاقلة إلى الصف الأخير من التحليلات والتفسيرات حسب مبدأ شفرة أوكهام rasoir d’Ocham، ولكن من يضمن لنا أن هذا المبدأ العلمي التحوطي لم يقودنا نحو الخطأ في التفسير؟.

فرضية حديقة الحيوان hypothèse du Zoo:

وقد تنتظر المخلوقات الفضائية الكونية المتقدمة علمياً وتكنولوجياً أن نكون مستعدين وقادرين على الفهم والاستيعاب لكي يكشفوا لنا عن وجودهم على نحو علني وصريح. وهذه هي فرضية حديقة الحيوان. وهي فرضية وضعها العالم قسطنطين تسيولكوفسكي Constantin Tsiolkovski سنة 1930أحد الرواد الروس في مجال الرحلات الفضائية المعاصرة، وهو يعتقد أن الأرض كانت في الماضي مرتعاً لزيارات من قبل أقوام كونية فضائية متقدمة علمياً أو أنها اكتشفت الأرض وما فيها منذ زمن بعيد لكنها فضلت أن تراقبنا عن بعد، أي أن الأرض بالنسبة لهم بمثابة محمية طبيعية يتفادون التدخل في نمط وطبيعة حياتها وتطورها لكي لا يؤثروا على التطور الطبيعي فيها. كما لو كان البشر قبيلة بدائية على غرار ما فعلنا نحن البشر العصريين المتطورين عندما اكتشفنا قبائل بدائية في غابات الأمازون ونرغب في الحفاظ على نقائها. وحسب العالم جون بال John Ball، الذي تبنى هذه الفرضية وصار ينظر حولها سنة 1973، لقد طورت المخلوقات الفضائية وسائل للتخفي عن أعين البشر وأجهزتهم الرصدية لتفادي أي اتصال ممكن بيننا وبينهم، سواء لأسباب أخلاقية، أو لانتظار الوقت المناسب عندما نبلغ المستوى التطوري والعلمي والتكنولوجي الملائم واللازم والكافي حتى لا نصاب بالهلع وردات الفعل السلبية. وفي هذا السياق يعتقد البعض على غرار عالم الفلك ميكائيل باباغيانيس Michael Papagiannis، مدير قسم علم الفلك في جامعة بوسطن الأمريكية،أنه ينبغي، لحصول الاتصال المأمول مع مثل تلك الحضارات الفضائية المتطورة، أن نحل أغلب النزاعات القائمة بين البشر كمخاطر الحرب النووية المدمرة، أو المخاطر البيئية، فهذا سوف يعطي الدليل لتلك الأقوام المتطورة جداً، أننا تجاوزنا المرحلة الحرجة من مخاطر التدمير الذاتي مما سيحثها بعد ذلك لأخذ المبادرة للاتصال بنا على نحو علني وصريح ومباشر. وهذا تنويع على فرضية حديقة الحيوان، تسمى فرضية البلانيتاريوم hypothèse du Planétarium، التي تخيلها ستيفن باكستر Stephen Baxter، وهو كاتب خيال علمي، والتي تذهب إلى ابعد من ذلك وتقول أن عالمنا الأرضي خلقته حضارة كونية متقدمة علمياً، هي التي نضفي عليها في أدبياتنا وكتبنا وأدياننا صفة الإلوهية، لتعطي لنا وهم العيش في إطار بيئة طبيعية، وهو سيناريو تبناه مخرجا فيلم " ماتريكس بثلاثيته الرائعة " وفيلم ترومان شو Truman Show، وفيها يكون الواقع الذي تدركه الشخصيات ما هو إلا ديكور مفبرك مصنوع بكل تفاصيله ليبدو لهم على هذا النحو. وبقي أن نعرف ما هو الهدف المطلوب والغاية المنشودة من ذلك. طبعاً تتعرض هذه الفرضية إلى انتقادات واعتراضات شديدة من قبل العديد من العلماء لكن ذلك لا يجعل منها خرافة.

فرضية استحالة الوصول إلينا لحد الآن:

يعتقد بعض العلماء بناءاً على معطيات السرعة والزمن التي تعوق البشر، وتطبيقها على المخلوقات الفضائية التي قد لا تتجاوز بكثير في علمها وتطورها وتكنولوجيتها المستوى الذي بلغناه، وبالتالي فهي تواجه نفس المعضلة أية استحالة الوصول إلينا بما لديها من وسائل سفر محدودة. أو أن تكون الحضارة الكونية الفضائية متقدمة ومسيطرة على تقنية السفر بين النجوم والكواكب مهما كانت المسافات الفاصلة بينها بعيدة لأنها تسيطر على طاقة المجرة التي تتواجد فيها. وبإمكان مثل هذه الحضارة استعمار المجرة برمتها. فإذا أرسلت حضارتنا البشرية مركبة لزيارة نجوم لمجرة بسرعة تبلغ عشر سرعة الضوء وهي سرعة لم تبلغها بعد تكنولوجيتنا المتواضعة، عند ذلك يمكن لجيل آخر من رواد الفضاء والعلماء التنقل من كوكب لآخر وزرع المستعمرات البشرية في العديد من كواكب المجرة كما هو حال بعض الحضارات الكونية المتقدمة علمياً على حسب اعتقاد بعض العلماء. وقد تستغرق هذه العلمية مليون سنة وهي زمن طويل بالنسبة لنا لكنه ضئيل جداً بالنسبة للزمن الكوني في الكون المرئي. وقد لاتكون هذه الطريقة ناجعة حسب نظرية الترشيح الرياضياتية théorie mathématique de la percolation، لأنه ليس بالضرورة أن تكون لدى الحضارات الفضائية المتطورة نزعة للسيطرة والاستعمار أوترغب بلعب دور قاطع الطريق الفضائي. فهناك بعض مناطق المجرة تثير الطمع وتفتن الآخرين وتطمعهم وتحثهم على غزوها واستعمارها لكونها غنية بمصادر الطاقة والثروات الطبيعية، بينما تظل مناطق أخرى من المجرة مهملة لا تحث أحد على المخاطرة في غزوها أو استعمارها وقد يكون نظامنا الشمسي يقع ضمن المناطق المهملة وغير المرغوبة، فقد يكون مكلفاً وخطيراً استعمار مناطق من المجرة لا تتمتع بعوامل الجذب كما يعتقد فرانك دراك إلى جانب أن السفر بسرعة تساوي عشر سرعة الضوء تنطوي على مخاطر جمة إذا لم نمتلك التكنولوجيا اللازمة للسيطرة عليها فاحتمالات التصادم ستكون كبيرة.

المعامل الأكثر إثارة للحيرة في معادلة فرانك ديراك هو متوسط المعدل الزمني لحضارة تكون خلاله قادرة على إجراء اتصالات تقنية مع غيرها من الحضارات، ومن هذا المنظور فإن حضارتنا البشرية فتية جداً وكوكبنا فتي مقارنة بعمر الكون المرئي من هنا يمكننا أن نتخيل وجود حضارة أقدم منا وأكثر تطوراً منا بكثير، ولكن لا توجد قاعدة ثابتة تقول أن مستوى التقدم التكنولوجي لحضارة ما مرهون بقدمها وطول عمرها فهناك كوارث طبيعية وأوبئة يمكن أن تؤخر حدوث التقدم العلمي وكذلك الصراعات والنزاعات المسلحة التي قد تقود حضارة ما إلى تدمير نفسها قبل أن تبدأ خطواتها في اكتشاف الفضاء الخارجي كما هو حال حضارتنا البشرية التي كانت على شفا حفرة من الدمار واندلاع حرب نووية كان بمقدورها إبادة الجنس البشري برمته. ويمكن لكارثة نووية أو انتشار فيروسات قاتلة أن تعيق المستوى التكنولوجي لحضارة، لذا من الصعب تخمين وتقويم وتقدير درجة التطور التقني أو التكنولوجي لحضارة ما. فلم يكن بوسع المصريين القدماء أو السومريين أن يتكهنوا بأن البشر سيصلون إلى القمر وسيمتلكون هواتف محمولة ذكية وكومبيوترات محمولة الخ.. ولقد قام الباحث الفرنسي نيكولا برونتازوس Nicolas Prantozos، بنشر دراسة سنة 2013 عبارة عن تحليل مزدوج لمفارقة فيرمي ومعادلة دراك آخذا بالاعتبار سرعة الاستعمار الفضائي المعقولة التي تتراوح بين %0.1 و %10 من سرعة الضوء، واستنتج الباحث منها إن الاتصال ممكن فقط بالنسبة لحضارة يتجاوز عمرها العشرة آلاف سنة في مجال السيطرة التامة على تقنية الاتصالات الفضائية الراديوية ولا ننسى إن البشرية بدأت الاستماع والانصات للفضاء الخارجي سنة 1960 لذلك لايجب أن نقلق من صمت السماء.

فرضية عبثية تقول أنهم قد يكونوا أحياء لكنهم ليسوا بالضرورة أذكياء:

هناك فئة متشائمة من العلماء يعتقدون أن الأرض قد لا تكون الوحيدة لكنها الأولى التي مرت من مرحلة الخلايا العضوية الميكروسكوبية micro-organisme إلى الكائنات المركبة الذكية والعاقلة المفكرة والواعية. فنحن نعرف أن الحياة تطورت بطفرات على الأرض قبل حوالي مليار سنة، بعد تشكل الأرض قبل 4.5 مليار سنة وبقيت بضعة مليارات من السنين على شكل مجهري لعضويات مجهرية غير متطورة كثيراً وإن ظروف تحولها إلى كائنات متعددة العضوية والخلايا أكثر تعقيداً ما تزال مجهولة وغير معروفة جيداً وغير مفهومة ولا نعرف ما إذا كان التطور آلي أتوماتيكي أم احتاج لمحفز خارجي ولظروف معينة نادرة؟ وهي فرضية طورها باحثون في الجامعة الوطنية الاسترالية في دراسة نشروها سنة 2016 في مجلة البيولوجيا الفلكيةAstrobiologie، ويفترضون أنه بعد ظهور الحياة على كوكب قابل للحياة فإنها من النادر أن تتطور بسرعة لتتحكم بتأثيرات الاحتباس الحراري والمحافظة على درجة حرارة مناسبة لوجود مياه سائلة. بتعبير آخر إن قابلية كوكب على السكن واحتضان الحياة تكون في اغلب الأحوال تسللية على امتداد مليار ومليار ونصف المليار سنة، وإن الإبادة ستكون تطوراً افتراضياً لكافة الحيوات التي انبثقت على أسطح الكواكب الصخرية في الكون المرئي قبل السماح للتطور أن يحدث ويصل إلى مستوى الكائنات المركبة الذكية. وهذا ما حصل لجارنا كوكب المريخ. فالأرض كانت الاستثناء عن القاعدة. لا توجد هناك قاعدة علمية ثابتة تقول أن تطور الأحياء المجهرية يفضي حتماً إلى ظهور كائنات ذكية واعية وعاقلة ومفكرة حتى لو كانت التجربة الوحيدة التي نعرفها في مجال التطور الطبيعي هي التي حدثت على الأرض وكانت نتيجتها نحن الذين نفكر ونكتب ونناقش ونبحث وندرس ونحلل ونفترض ونتكهن الخ.. ولو لم يحدث أن اصطدم نيزيك عملاق بالأرض وأباد جنس الديناصورات كما تقول الفرضية الأكثر انتشاراً بين العلماء، هل كنا سنظهر على ظهر البسيطة. ونحن لا نعرف لحد الآن ما هي الفرص المتوفر في الكون المرئي لكي تنبثق من عملية تطور مماثلة أو مختلفة، حضارة كونية متطورة ومخلوقات فضائية عاقلة وذكية. ولو وجدت حضارة أخرى أو إثنين في المجرة غيرنا فلن يغير ذلك في الأمر شيئا،ً فبسبب سعة المجرة الهائلة لن تتوفر لنا آية فرصة للقاء هاتين الحضارتين والاتصال بهما. ثم مالذي يؤكد لنا أن الحضارات الكونية خارج الأرض ترغب في الاتصال بنا؟ فنتاج مخيلتنا هو الذي يملي علينا فكرة أنها ترنو نحو الاستكشاف الفضائي، وربما الواقع يعني العكس تماماً، أي أن تكون تلك الحضارات انعزالية منطوية على نفسها ومهتمة بشؤونها ولا يهمها ما يحدث في الفضاء الخارجي وما يوجد فيه، ولا يوجد ما يثبت أنها ستبادر على نحو آلي، لكونها متقدمة علمياً وتكنولوجياً، بالاتصال بغيرها من الحضارات الذكية. فهناك العديد من أشكال الاستكشاف. فلو كانت الحضارة الفضائية تمتلك معرفة وتقنية معلوماتية متطورة جداً ومتقدمة علينا كثيراً فلربما تعيش في عالم فائق الاتصال على غرار ما يحدث في الأرض اليوم مع تطور وسائل الاتصال والانترنيت، وربما سيعملون على إنشاء شبكة انترنيت كونية ضخمة تربط جميع كواكب المجرة المأهولة، وربما تستطيع معرفة كل شيء عنا دون الحاجة للسفر من خلال المعطيات التي تجمعها عنا وتصيغ عالمنا افتراضياً على حواسيبها العملاقة تفادياً لمخاطر الاتصال المباشر والعدوى والتعرض لعدوانية المخلوقات المتعطشة للدم والعنف، وهوشعور يتقاسمه عدد من علمائنا الكبار الذين يعتقدون بوجود حضارات كونية ذكية متقدمة لكنهم ينصحون بعدم الاتصال بها وإعلامها بوجودنا وإرسال عنواننا وإحداثيات وجودنا المجري إليها. فتاريخ البشرية يعطينا درساً أن الشعوب المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً قامت بإبادة الشعوب البدائية من وجهة نظرها التي كانت تعيش بمعزل عنها بأمان منذ آلاف السنين، وكانت هناك حضارات أرضية متقدمة في الصين واليابان فضلت عدم الاحتكاك بالحضارات الأرضية الأخرى التي تعلم بوجودها. فربما تعلم الحضارات الفضائية أنها قد تثير الرعب والهلع والذعر الجماعي لدى البشر في الوقت الحاضر إذا ظهرت لنا على حقيقتها فهل سيستفاد الإنسان العاقل المتطور في التبادل والاتصال مع دودة الأرض أو عالم النمل، وهي كائنات تعيش في مجتمعات وممالك منظمة؟

ولادة أسطورة العصر الحديث:

التاريخ البشري مليء بالأساطير والخرافات والملاحم الخيالية. ويكاد أن يكون لكل عصر خرافاته وأساطيره، ولا يشذ العصر الحديث عن هذه القاعدة.

فمنذ الماضي السحيق توجد آثار وكتابات ونصوص تحدثت عن " تعدد العوالم" وعن وجود مخلوقات كونية هبطت من السماء واحتكت بسكان الأرض على نحو مباشر أو غير مباشر. وفي نهاية القرن التاسع عشر بعد اكتشاف الكوكب الأحمر أي المريخ، انتشرت خرافات وأساطير عن سكان المريخ وتعززت فرضية وجود كائنات فضائية غير بشرية، ثم غزت مخيلة أقوام القرن العشرين في كل مكان في العالم الأرضي، وتكاثرت الروايات والحكايات المفبركة واختلطت بالمشاهدات الحقيقية والمختلقة عن الأطباق الطائرة وأشكال أخرى للأجسام المحلقة مجهولة الهوية ومعها تنامت الأسطورة سيما بعد حادثة رزويل Roswell، وكان هذا الموضوع بحق هو أسطورة العصر الحديث على مدى قرن ونيف من الزمن.

بدأت خيوط هذه الملحمة تنسج منذ تاريخ 27 حزيران 1947في مكتب الجريدة اليومية شرق أوريغونين دي بنديلتون East Oregonian de Pendelton، في مدينة صغيرة تقع في ولاية أوريغون Oregon، في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الصباح الباكر من ذلك التاريخ، عندما دق زائر بقوة بقبضته على باب مقر الجريدة. وكان رجل أعمال شاب في الثلاثين من عمره يدعى كينيث آرنولد Kenneth Arnold، وطلب التحدث إلى أحد الصحفيين كان يحمل قصة غريبة ليرويها. ففي عشية اليوم السابق عندما كان يقوم بجولة في طائرته الخاصة قرب جبل رينير Mont Rainier، في ولاية واشنطن، فقد لمح كينيث آرنولد من على متن طائرته الخاصة التي كان يحلق بها، تسعة أجسام غريبة تتحرك أمامه في الجو، وأشكالها لا تشبه شيئاً نعرفه أو مألوفاً لدينا، كانت مسطحة ومدورة في المقدمة ومثلثة الشكل في المؤخرة، وأضاف قائلاً أن الأجسام المحلقة كانت تتحرك بسرعة مذهلة أسرع من الصوت بمرتين وفق تقديراته. والحال أنه في ذلك الوقت لم تكن هناك آلة أو طائرة يمكنها أن تتجاوز جدار الصوت. ولم يتحقق هذا الإنجاز العلمي إلا في نهاية سنة 1947. وللحصول على أجوبة تتعلق بطبيعة الأجسام المحلقة التي شاهدها، ذهب كينيث آرنولد إلى الجريدة للقاء الصحافي. فلقد كانت إشاعات تدور منذ الحرب بأن السوفييت استولوا على صواريخ ألمانية وفي طريقهم لتطوير أداءاتها وتحسينها، وكان الشاب قلقاً بهذا الصدد ضناً منه أنها أجهزة سوفيتية سرية جديدة.

ولقد أخذ الصحافي روايته على محمل الجد وجعل منها موضوعاً لمقاله في اليوم التالي. واكتفى المقال بعرض الحدث كما رواه كينيث آرنولد دون أن يشير إلى قلقه من إحتمال وجود سلاح سوفياتي سري. وبدلاً من تبقى القضية متوقفة عند هذا الحد، تناقلتها العديد من الصحف ونشرت بدورها المعلومة مبالغة في ذكر غرابة الأجهزة المحلقة التي شاهدها هذا الشاب في السماء في 24 حزيران وأطلقوا عليها صفة " الصحون أو الأطباق الطائرة soucoupes volantes - flying saucers"، ولقد تجمعت في الأيام اللاحقة مجموعة من الشهادات المماثلة في اغلب الصحف يدعون فيها أنهم شاهدوا هم كذلك أشكال غريبة طائرة في الجو، إلا أن الغالبية الساحقة من الأمريكيين لم تأخذ هذه الموجة بجدية لكنهم باتوا يتسائلون عن أسباب هذه المشاهدات الغريبة اللغزية ولقد قدم بعض العلماء النادرين تفسيرات تبسيطية عمومية مبنية على معلومات سيكولوجية بدائية وعزوها إلى نوع من الهلوسة والتأثر بقراءات من الخيال العلمي الخ.

وبذلك وضعت اللبنات الأولى لنشوء الأسطورة التي ضخمتها وسائل الإعلام المكتوبة والصحف فالحدث الغريب يؤدي إلى ردود أفعال بين مختلف الفئات الاجتماعية والرأي العام مما يرغم السلطات الرسمية على التعبير عن موقفها وتقديم تفسيراتها من خلال العلماء والتي تنحوا كلها نحو التكذيب والإنكار لحقيقة ما يشاع. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يدعي فيها أشخاص أنهم شاهدوا أجساماً غريبة في السماء لكن رواياتهم غمرها النسيان والإهمال بعد بضعة أيام من انتشارها. كان هذا الموضوع من الأخبار اليومية التي تعج بها الصحف المثيرة للمتعة والفضول وليست من النوع الذي يبقى مسجلاً ومؤرخاً في الحوليات والدوريات المتخصصة، ولكن هذه المرة كان تأثير هذه الرواية بمثابة كرة الثلج المتدحرجة والتي تكبر وتكبر كلما تدحرجت وانتشرت أكثر فأكثر حتى أصبحت نقطة الانطلاق لأسطورة جديدة حول الصحون أو الأطباق الطائرة والكائنات الفضائية الغازية والرجال الخضر وكائنات المريخ العدائية.

وفي شهر تموز من عام 1947 أطلع خبراء القوة الجوية الأمريكية على الأخبار والمقالات حول هذا الموضوع وبدأـوا في التحقيقات كما يقول بيير لوغرانج pierr legrange، عالم اجتماع في مجال العلوم وباحث في مختبر الأنثروبولوجي والتاريخ في معهد الثقافة العلمية والمركز القومي للأبحاث العلمية. ففي الوقت الذي يهتم فيه سلاح الجو المكلف بتشخيص الأجسام التي تخترق المجال الجوي الوطني الأمريكي،بظاهرة الأطباق الطائرة فهذا قد أعطاها ثقلاً ومصداقية لدى الرأي العام الذي صار يعتقد بأن الجيش الذي تلقى المزيد من الإشارات عن هذه الأجسام الغريبة المحلقة المجهولة الهوية بات يخفي الحقيقة عن الناس بالرغم من قيام طيارين متمرسين في صفوف القوة الجوية وسلاح الجو من المخضرمين هم الذين قاموا بتلك التحقيقات والمشاهدات بأنفسهم. ولم تعد تمرر على الناس فرضيات الخلل العقلي والهلوسة وتعين على الخبراء العسكريين الأخذ بعين الاعتبار وبجدية ذلك الزخم المتزايد من الشهادات والمشاهدات الجادة. من هناك أسست القوة الجوية الأمريكية مشروع Sign في ديسمبر 1947 وهدفه إجراء التحقيق بطريقة علمية حول ظاهرة الأطباق الطائرة. وجهد العسكريون ومعهم بعض العلماء في أن يجدوا تفسيرات علمية أو شروحات عقلانية لأغلب الشهادات العيانية التي يدلي بها الشهود. وكان أول حادث عولج من قبل هذه المؤسسة Sign هو حادث مانتيل Mantell ونشر على نحو واسع في الصحف ووسائل الإعلام وسلطت عليه الأضواء وبسبب حدوث خلل داخل لم يكشف توقف العمل بمشروع Sign في نهاية العام 1948 واستبدل بمشروع غرودج Grudge، ومن ثم استبدل هذا أيضاً سنة 1953 بمشروع الكتاب الأزرق Blue Book والذي بقي فاعلاً لغاية سنة 1969. وبفضل اهتمام الجيش الأمريكي بهذه الظاهرة، بقيت حية ومنتشرة إلى يومنا هذا.

طمئنة الجمهور:

كان دور الجيش هو تقويم وتقدير حجم خطر وتهديد الحضارات الكونية الموجودة في الفضاء الخارجي وفي نفس الوقت طمئنة الجمهور. فالمؤسسة العسكرية نادراً ما تعلن نتائج تحقيقاتها وتدعي دائماً أنها وجدت تفسيراً عقلانياً لكل ظاهرة غريبة تتعلق بهذا الموضوع، ولكن مجرد الاحتفاظ بوثائق التحقيقات وإحاطتها بسرية تامة واستمرار فرق متخصصة بمواصلة التحقيقات بشأن الظواهر التي أعلنوا أنها عادية وطبيعية مناخية أو فيزيائية أو مجرد وهم بصري أو أي تفسير آخر عقلاني لاعلاقة له بالمخلوقات والكائنات الفضائية، من هنا استنتج قسم كبير من الرأي العام أن الجيش يخفي أشياء وحقائق ودلائل عن الجمهور. وتشكلت مجموعات طوعية من هواة الأطباق الطائرة يسمون الإيفولوغ ufologues، ونظمت نفسها في جمعيات بهدف القيام بنفسها بالتحقيقات الميدانية على نحو مستقل عن السلطات العامة الرسمية بشأن حوادث وظواهر الأجسام المحلقة المجهولة الهوية OVNIS، لأن العلماء عازفين عن القيام بهذه المهمة ومترفعين عليها و لايهتمون بها والجيش غير مستعد للتعاون وعرض المعلومات الحقيقية التي بحوزته بهذا الصدد. وبدأ الإيفولوغ ufologues، بنشر الدراسات والأبحاث والمقالات وتأليف الكتب مما ساهم في إدخال هذه الظواهر في صلب التاريخ البشري المعاصر.

ففي عام 1948 نوه تقرير تقويم الوضع Estimate of Situation المعروف باسم projet Sign، وللمرة الأولى، بفرضية أن هذه الهيكيليات الطائرة أو المحلقة المجهولة الهوية يمكن أن تكون تجليات لحضارات كونية فضائية، أرسلها أقوام ومخلوقات أو كائنات فضائية عاقلة وذكية ومتطورة علمياً، بيد أن مثل هذه الفرضيات لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الحكومة آنذاك. فقط الإيفولوغ ufologues الهواة المولعين بالخيال العلمي وهـ ج ويلز وجول فيرن وحرب العوالم، هم الذين نشروا هذا التفسير الفاتن، الذي اخترق المخيال الشعبي وترسخ في أذهان الكثيرين. ولقد استقى العلماء والفنانين والروائيين وكتاب السيناريوهات من هذا المنهل ليجعلوه في قلب آثارهم وإبداعاتهم التي جعلت هذا الموضوع من المألوف الشعبي وأن يتقبله العقل والمخيال الجمعي. بينما تستمر الحكومة الأمريكية في مراكمة الأخطاء في الاتصالات الإعلامية الإنكارية أو التفسيرات التبسيطية الساذجة التي لا تنطلي حتى على الأطفال، وقررت أخيراً سنة 1969 أن توقف بحدة وبفظاظة كل تحقيقاتها حول الموضوع. بعد أن قررت أنه لا يشكل أي خطر أو تهديد على الأمن القومي ولكن فات الأوان حيث شق موضوع الصحون الطائرة أو الأجسام المحلقة المجهولة الهوية طريقه واحتل مكانه في رقعة المشهد الثقافي وتحول إلى ما يشبه الأسطورة المعاصرة.

وفي ثمانينات القرن الماضي، وتحت ضغط الإيفولوغ ufologues سمحت وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي أ CIA الاطلاع على جزء يسير من أرشيفها حول هذا الموضوع. وتم الكشف عن مئات الوثائق، ومع ذلك استمرت الروايات والمشاهدات والاتصالات مع الــ OVNIS وحوادث خطف البشر من قبل المخلوقات الفضائية والكائنات الكونية القادمة من الفضاء، بالتدفق والانتشار، في ذلك الوقت أطلق الرئيس الأمريكي مشروعه الجنوني حرب النجوم وتزامن مع بداية بث المسلسل التلفزيوني الشهير الملفات المجهولة أو غير المحلولة X – Files الذي تمتع بجماهيرية هائلة بشعاره الحقيقة ليست هنا أو في مكان آخر la vérité est ailleurs واتسع نفوذ وهيبة وشهرة الــ إيفولوغ ufologues حتى تحولت الروايات والمشاهدات والقصص الموثقة والمسجلة منذ سنة 1947، إلى ما يشبه الاعتقاد الديني أو الدين الجديد. ومنذ سنوات العشرينات قامت بعض المجموعات الغربية بإعادة قراءة وتفسير النصوص الدينية التي وردت في الكتب المقدسة للأديان التوحيدية في محاولة للعثور على شروحات وتفسيرات. فهناك بعض الآيات تشير إلى أجسام أو أشياء غريبة تحلق في الجو وعزت جماعات ملحدة وشخصيات مشهورة مثل جون سيندي في فرنسا، أو أرجعت تلك الأشياء الطائرة في السماء إلى تدخلات مخلوقات أو كائنات كونية فضائية وكانت موجات المشاهدات واللقاءات التي أعلنت ونشرت في النصف الثاني من القرن العشرين، تسير باتجاه هذه النظرية أي نظرية زيارة رواد فضاء متطورين من خارج الأرض قادمين من الفضاء الخارجي للأرض واتصالهم بالبشر في العصور القديمة قبل بضعة آلاف من السنين حيث صرنا وكأننا نتحدث عن معتقدات دينية راسخة جديدة كما في حالة الصحافي الفرنسي الذي سمى نفسه رائيل وأسس طائفة أو حركة الرائيليون، وغيرهم وهم مقتنعون أن كل أشكال الحياة على الأرض كانت قد خلقت أو أوجدت من قبل كائنات فضائية متقدمة علمياً وهي تراقبنا بين الفينة والأخرى وعلى نحو منتظم.

ومهما كان الجواب فإن الحقيقة تبقى غائبة ومختفية وليست هنا بل في مكان آخر والشيء الوحيد المؤكد هو أن الأمر تحول إلى ما يشبه الخرافة الميتافيز

محطات في طريق الأسطورة العصرية:
في سنة 1895 ، وعلى مشارف القرن العشرين، بدأت طلائع عصر جديد تعلن عن نفسها. فقد اعتقد بعض الفلكيين من خلف عدسات تلسكوباتهم أنهم رصدوا على ظهر المريخ قنوات مائية وهذا دفعهم إلى أن يتخيلوا وجود حضارة فضائية ذكية ومتطورة تكنولوجياً على سطح الكوكب الأحمر وافترضوا وجود جنس من المخلوقات المتفوقة علينا علمياً، ومن بين هؤلاء عالم الفلك الفرنسي كامي فلاماريون Camille Flamarion الذي كرس عدة مؤلفات حول هذا الموضوع، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان نظيره الأمريكي عالم الفلك برسيفال لويل Percival Lowell، الذي نشر سنة 1895 خارطة عن القنوات المريخية ، وافترض وجود واحات وبحيرات أعتقد أنه رآها بمرقابه من مرصده فلاغستاف في ولاية ىريزونا . اهتاج الناس من هذه الفرضية التي تقول بوجود الكائنات المريخية، إلا أن هذه الملاحظات جوبهت بالكثير من الشكوك والسجالات في الأوساط العلمية . وأبدى البعض شكوكه واتضح أنهم كانوا على حق، لأن تطور الأجهزة والتكنولوجيا في القرن العشرين كشفت عن إن هذه المشاهدات لم تكن سوى وهم بصري وآثار عشوائية تشكلت بفعل العوامل الطبيعية كالعواصف الرملية لكنها بدت للناظر لها عن بعد وكأنها سواقي وقنوات ومع ذلك استمر الاعتقاد بوجودها ردحاً من الزمن.
في عام 1938 ، تسرد الأدبيات المرتبطة بهذا الموضوع ، وكذلك في تاريخ السينما وسيرة حياة المخرج العبقري أرسون ويلز، أن هذا الأخير، عندما كان شاباً في مقتبل عمره المهني، كان مخرجاً إذاعياً واعداً وموهوباً وقد قام بإعداد درامي إذاعي لرواية هـ جـ ويلز المعنونة " حرب العوالم" ولكن ليس وفق معايير وقوالب وقواعدالتمثيليات الإذاعية الكلاسيكية بل على شكل ريبورتاج واقعي كالذي يقوم به المراسلون الحربيون عند تغطية ساحات المعارك، فقام أرسون ويلز بسرد وقائع هجوم فضائي خارجي قام به سكان المريخ لغزو الأرض وإرتكاب مجازر مروعة بحق سكان الولايات المتحدة الأمريكية وكان يبدو كأنه خبر حقيقي أثار الرعب والفزع بين المدنيين لأن الناس اعتقدوا بالفعل أن هناك غزواً من جانب كائنات فضائية عدوانية يجري في مدينة نيو جيرسي. اعترض بعض المؤرخين على مدى تأثير هذا الحدث الدرامي على الجمهور وكانت هنات مبالغات في نقله ولكن من المؤكد أن الحدث يعتبر أحد الأساطير المؤسسة التي ترسم صورة واقعية لخوف وهلع الناس المترسخ في المخيلة الجمعية من إمكانية وقوع غزو فضائي للأرض.
بعد حادثة كينيث آرنولد في 24 حزيران 1947 وإطلاق تسمية الصحون أو الأطباق الطائرة على الأجسام الغريبة المحلقة مجهولة الهوية التي شاهدها من طائرته الخاصة، وقع حدث مهم في حوليات هذا الموضوع التاريخية في 8 تموز 1947 ، حيث تم العثور على بقايا حطام بالقرب من القاعدة الجوية التابعة للقوة الجوية الأمريكية في روزويل في مكسيك الجديدة , ادعى بعض من عثروا عليها على أنها بقيا لطبق طائرة تحطم ، في حين أعلنت السلطات الرسمية أن نتائج تحقيقاتها تقول أنه بقايا لبالون اختبار للأنواء الجوية. وفي سنة 1980 ظهرت القضية من جديد إثر صدور كتاب يحمل عنوان " حادثة روزويل" الذي وجه أصابع الاتهام للحكومة الأمريكية واتهمها بأنها تخفي الحقيقة عن الناس وتطمس الحقائق عما حدث حقاً،لأن ما كان بين يدي السلطات هو بقايا لحطام طبق طائرة، ولقد فتح ذلك الباب أمام تنامي نظرية المؤامرة وملحقاتها أي مختلف الفرضيات الفنطازية بشأن طبيعة وحقيقة الحطام وما إذا كان معه مخلوقات فضائية تم نقلها إلى أماكن خفية مثل المنطقة 51. ولقد استمر الاعتقاد السائد هكذا لغاية سنوات التسعينات بعد انتشار فيلم وثائقي عن عملية تشريح جثة مخلوق فضائي قيل أنه كان من بين ما جمع من حطام في روزويل وقد صوره العسكريون في القاعدة للتوثيق ولقد بيع الفيلم لعشرات الدول والمحطات التلفزيونية، منها القناة الأولى الفرنسية ، ولكن في عام 2005 اعترف صاحب الفيلم الإنجليزي راي سانتيللي Ray Santilli أن ما شاهده الناس لم يكن سوى خدعة نفذها أحد المختصين بالخدع السينمائية الخبير بالمؤثرات الخاصة البصرية وقد يكون قد قام بهذا الاعتراف تحت التهديد من قبل السلطات الاستخبارية الأمريكية التي لا تريد أن يصدق الناس بوجود مخلوق فضائية أـجريت عليه عمليات تشريح سرية .
في السابع من يناير كانون الثاني عام 1948 انتشرت قضية مانتيل affaire Mantell، حيث تمت الإشارة إلى جسم فضائي مدور مشرق ناصع ومتألق ذو مظهر معدني من قبل عدد من الأشخاص في مدينة ماديسونفيل Madisonville ، في ولاية كينتيوكي Kentucky، وسرعان ما أرسلت دورية تفتيش عسكرية مكونة من ثلاث طائرات عسكرية من طراز موستانغ F-15 Mustangs، لكنها لم تفلح في ملاحقة ومطاردة الجسم الفضائي المحلق مجهول الهوية الذي كان يطير على ارتفاعات عالية جداً أكثر من 6000 متر. إثنين من الطائرات تخلت عن المهمة يائسة، في حين استمرت الطائرة الثالثة بالملاحقة والمطاردة الجوية ويقودها الطيار الشاب الكابتن توماس مانتيل Thomas Mantell، وسرعان ما فقد الاتصال الراديوي اللاسلكي مع القاعدة الأرضية واختفى من الرادار وعثر عليه فيما بعد مهروساً مع حطام طائرته في إحدى الحقول. انتهى التحقيق إلى نتيجة تقول أنه فقد السيطرة على طائرته بسبب فقدانه للأوكسجين أثناء مطاردته لبالون سكاي هوك لدراسة الأنواء الجوية على ارتفاعات عالية مليء بالهيليوم أطلقته البحرية الأمريكية كما قال التقرير، حيث جرفت الرياح القوية والسريعة هذا البالون إلى ارتفاعع عالي جداً . لكن الصحف والجرائد ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة نقلت رواية أخرى تقول أن الطائرة أسقطت من قبل مركبة فضائية وهي الصيغة التي انتشرت حول الحادثة مما حث على انطلاق موجة جديدة من الشهادات المماثلة.
وفي تموز من عام 1955 شهد العالم بداية لتجارب على طائرة المراقبة والتجسس على ارتفاعات عالية من طراز يو 2 U-، من صنع شركة لوكهيد مارتن Lookheed Martin، بالقرب من القاعدة العسكرية السرية المعروفة باسم المنطقة 51 Zone، في صحراء النيفادا. وبعد سنوات قليلة صنعت طائرة هي أوكسكارت 12 A-12 Oxcart، وهي عبارة عن نسخة مطورة سوبرسونيك Supersonique عن الطراز السابق والتي أثمرت هي بدورها عن ولادة نسخة أكثر تطوراً هي أس آر بلاك بيرد 71 SR-71 Blackbird ذات التصميم المستقبلي الخفية التي لا يكشفها الرادار Furtifs، وحسب تقرير سري تم تسريبه سنة 2013 عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي أ CIA، يقول أن هذا الطراز من الطائرات استخدم على نحو واسع إبان الحرب الباردة وهو الأصل وراء 50% مجموع الحالات البالغ 12618 التي تتحدث عن رؤية أطباق طائرة والتي أحصاها مشروع الكتاب الأزرق BlueBook، والصادر عن لجنة شكلتها القوة الجوية الأمريكية تحت هذا الإسم بغية دراسة وتحليل وتحقيق وتدقيق ظاهرة الأطباق الطائرة بين 1952 و 1969. وبعد ذلك ظهرت في الأجواء نماذج أخرى من الطائرات المتطورة جداً مثل القاصفة الخفية bombardier furtif F-117 و الطائرة الشهيرة سبيرت بي 2 B-2 Spirit وكلاهما مثلث الشكل والمظهر ويشبه وصف عدد من الأطباق الطائرة التي ذكرها الشهود .
في سنة 1959 بدأت منظمة سيتي Search for Extra-Terrestrial Intelligense -SETI في التنصت على الإشارات الفضائية أو القادمة من أعماق الفضاء. ففي أيلول ـ سبتمبر 1959 من ذلك العام نشر مقال في مجلة الطبيعة Nature بقلم باحثين في جامعة كورنيل اقترحا فيه الاستماع إلى السماء بحثاً عن إشارات كونية فضائية لا أرضية على التردد MHz 1420 ميغاهيرتز الذي يتوافق مع التردد الطيفي لغاز الهيدروجين وهو العنصر الأكثر انتشاراً في الكون المرئي، وبالتالي الأكثر عرضة للاستخدام من قبل أية حضارة كونية فضائية متطورة مفترضة . وفي نفس الوقت بدأ عالم فلك أمريكي شاب هو فرانك دريك Frank Drake بمراقبة السماء على نفس هذه الموجة بواسطة التلسكوب الراديوي غرين بنك radiotélescope de Green Bank، وأسس برنامج سيتي SETI الذي مولته لفترة من الزمن وكالة الفضاء المريكية ناسا NASA، ثم تخلت عنه. ومايزال هذا المشروع قائماً ويعمل بفضل تمويل وتربعات تبرعات خاصة بحثاً عن موجات كهرومغناطيسية لا أرضية تبث ، عمداً أو بلا قصد مسبق ، من قبل حضارة كونية فضائية متقدمة وذكية علمياً ولقد مضى على برنامج التنصت إلى الفضاء الخارجي أكثر من نصف قرن ولم يؤدي إلى نتيجة تذكر.
سجل عام 1961 أول عملية اختطاف لبشر من قبل كائنات أو مخلوقات كونية قادمة من الفضاء الخارجي. فأول شهادة عن هذا الموضوع ، أي خطف كائنات بشرية بهدف دراستها من قبل مخلوقات أو كائنات فضائية abduction، رواها زوجان أمريكيان بيتي وبارني هيل Betty et Barney Hill أثناء قيامهما برحلة في سيارتهما قرب لانكستر في نيو هامفشير. فللوهلة الأولى شاهدا من سيارتهما جسم غريب طائر يحلق بالقرب منهما وبعدها قالا أنهما لا يتذكران شيئاً سوى أنهما بعد عودتهما إلى البيت لاحظا فجوة زمنية مدتها ساعتين لا يعرفان كيف مرت وأين قضياها وبعد تعرضهما لوعكات صحية لا يعرف سببها أخضعا لجلسات تنويم مغناطيسي hypnose، فتبين من خلال التداعي في الذكريات المخزونة في اللاوعي لديهما أنهما خطفا من قبل كائنات فضائية صغيرة الحجم رمادية اللون. وسجلت شهاديتهما منفصلتين ومع ذلك كان هناك تطابق تام في سير الأحداث لما تعرضا له من تجارب جسدية على يد خاطفيهم من المخلوقات الفضائية على متن صحنهم الطائر ولم يكن هناك أي تناقض فيما روياها تحت التنويم المغناطيسي. وبعد ذلك جاءت شهادة الكاتب وايتلي ستريبير Whitley Strieber، المنشورة سنة 1987 في كتابه المعنون المشاركة أو "الطائفة أو القربان المقدس comm--union--"، وكان ذلك بمثابة مقدمة لسيل من الشهادات عن اختطاف أشخاص في أمريكا ونقلهم إلى الصحون أو الأطباق الطائرة أو الأجسام المحلقة مجهولة الهوية OVNIS ، لإجراء التجارب المختبرية السريرية عليهم وتعرضهم للآلام مبرحة ولعقد نفسية .
وفي بداية الستينات أيضاً وبالتحديد منذ عام 1963 انتشرت نظرية رواد الفضاء القدماء anciens astronautes ، على يد كتاب معروفين مثل روبرت شارو Robert Charroux و جون سينديJean Sendy و إريك فان داينكن Erich van Daniken وجعلها تتردد على لسان العديد من الناس في ذلك الوقت ، ويقول هؤلاء أن بعض الآثار القديمة vestiges et monuments، كالجيوغليف géoglyphes في النازكا Nazca، وتماثيل جزيرة الباك الشهيرة statutes de L’ile de Pâques ، ومغليثيات ستونهنج وهي صخور منحوتة ومرتبة على أشكال هندسية غريبة ، بل وحتى إهرامات الجيزة في مصر ، ما هي إلا بناءات ومنشآت شيدت ليس على يد أسلافنا القدماء وحدهم كما كنا نعتقد، بل بمساعدة زوار فضاء أي مخلوقات فضائية كونية قديمة متطورة تكنولوجياً، زارت الأرض واتصلت بهم ونقلوا لهم بعض المباديء العلمية والتكنولوجية التي تناسب عقولهم وسعة مداركهم في ذلك الوقت مما حدا بتلك الأقوام القديمة إلى تأليه هؤلاء الزوار الفضائون واعتبارهم ألهة لهم ، أو اعتبارهم ملائكة مرسلين لمساعدتهم وحمايتهم مما قاد إلى نسج الكثير من الخرافات والأساطير حولهم، استغل بعضها كتيمات لأفلام ومسلسلات خيال علمي من نوع بوابات النجوم ستار غيت وغيرها، وهناك تسميات أخرى لذلك مثل النيوهيميرية الجديدة néo-évhémérismes، و الحفريات النجمية أو الآركيولوجيا الفلكية astro- archéologie، مقابل علم الآثار الكلاسيكي التقليدي المعروف على الأرض.
معلم الحركة الرائيلية رائيل Raël يقول أنه نبي العصر الحديث وإنه في مهمة على الأرض باسم الإلوهيم Elohims لتشييد سفارة تليق بمقامهم استعداداً لزيارتهم الاستعراضية القادمة للأرض . ففي سنة 1974 ادعى المغني السابق والصحافي والمعلق الرياضي الفرنسي كلود فوريلون Claude Vorilhon ، الذي غير إسمه وصار يدعى رائيل Raël أنه مبعوث أو رسول الإليوهيم وأطلق حركة أو طائفة الرائيليين الدينية . ولقد أكد من خلال كتبه وتصريحاته وبرامجه التلفزيونية أنه أختير عن عمد وبقصد مسبق من قبل الإلوهيم وتم الاتصال به من قبل تلك الفئة من الأقوام الفضائية الذين ورد اسمهم في الكتاب المقدس في العهد القديم التوراة وهؤلاء يمثلون حضارة كونية متطورة علمياً وتكنولوجياً ويسيطرون على تقنية الاستنساخ الفوري وهم الذين أعدوا الأرض وجعلوها صالحة للسكن وتتقبل الحياة على سطحا وفي أعماق محيطاتها بعد أن عدلوا مناخها . وكذلك ادعى رائيل أنه قام بمعراجه الخاص وزار كوكب الإلوهيم على متن مركبة فضائية نقلته من الأرض حيث التقى هناك بعظماء من الأرض وهم أنبياء ورسل وأقطاب ومعلمين كبار أمثال موسى وعيسى المسيح ومحمد وبوذا وغيرهم، وكانوا خالدين وعلى قيد الحياة بعد أن أعيد استنساخهم بعد وفاتهم على الأرض بغية إعادتهم إلى الأرض يوما ما لإنقاذ البشرية من الهلاك وتدمير نفسها في اليوم الموعود، والحركة الرائيلية تدعم وتمول وتجري تجارب في مجال تقنية الاستنساخ البشري clonage humain لبلوغ الخلود ويتواجد المقر الرئيسي للحركة في جنيف في سويسرا وفي مونتريال في كندا وقد بلغ أتباع الحركة ومريديها أكثر من 90000 في حوالي مائة بلد وتعمل الطائفة على بناء سفارة فخمة للإيلوهيم على الأرض لكن طلبها قوبل بالرفض من قبل العديد من البلدان ، أمريكا وكندا والبرازيل وفرنسا والبيرو وإسرائيل والبرتغال الخ ..
قبل عقد من الزمن، أي في عام 2000 من القرن الماضي ظهر كتاب مثير للدهشة يروي فيه مؤلفه، وهو جون دي رغويالغ jean de Raigualgue تجربته الغريبة عن إتصاله بكائن فضائي سنة 1984. وقد رد الزائر الفضائي على تساؤل جون دي رغويالغ لماذا لا يقيم اتصالاً رسمياً واسعاً وعلنياً مع البشر، قائلاً بأن عدم الاتصال بين كائنات تعيش في مختلف بقاع الكون ومتقدمة كثيراً على البشر، يعود لاختلاف مستوى الوعي بين الحضارات الكونية المتطورة، ووعي البشر بحقيقتهم وبما يحيط بهم ولا يمكن لمثل هذا الاتصال أن يتم إلا بعد حصول تقارب وتجانس ولونسبي بمستوى الوعي لديهما. وأخبره بوجود كونفدرالية كونية بين بضعة مجرات وسكانها، يحكمها قانون أخلاقي كوني يفرض واجبات مشتركة تتحكم بطبيعة العلاقات مع الحضارات الأقل تطوراً في الكون والتي أمكن الاتصال بها بصورة غير مباشرة ويسمى بمبدأ عدم التدخلprincipe de non- interférence، والحال أن أغلب الحضارات الكونية التي وصلت إلينا هي متفوقة علينا كثيراً، ولن يكون بوسع أية حضارة كونية أن تبلغ مستوى راقياً إذا لم تتقدم أولاً في مجال " علم المحبة"، فالاتصالات التي تمت بين مختلف الحضارات الكونية المتطورة مبنية على مبدأ تبادل المعرفة والمساعدة المتبادلة والتعاون والثقة والاحترام المتبادل بينها، وليس النزوع نحو الهيمنة والسيطرة والاستعمار . ولا يوجد بينها نوايا شريرة معلنة ولا مضمرة، ومع ذلك هناك بعض الحضارات الكونية civilisations galactiques تمتلكها رغبة الهيمنة لكونها لم تبلغ المستوى التقني والتطور المادي المطلوب الذي حددته الفيدرالية الكونية وهي تتفوق علينا نحن البشر، تكنولوجياً ببضعة قرون معدودة علينا ليس إلا. ولا ينبغي أن نخشى منها لأنها موضوعة تحت المراقبة من قبل حضارات وكائنات متفوقة عليها كثيراً والتي أنذرتها بأنها ستعرضها لأقسى العقوبات إذا تجاوزت الحدود المسموح بها لها ولن يسمح لها بإيذاء الحضارات الأدنى منها كالحاضرة الأرضية. ومن شهادة هذا الشخص استمد مؤلف مسلسل " بوابة النجوم Starsgat - La porte des Etoiles" الخيالي العلمي فكرة مسلسله. والبعض الآخر من الحضارات تتجاهلنا ولا يهمها أمرنا ولا ترغب سوى بدراسة بعض الظواهر الطبيعية والاجتماعية لدينا وأخذ بعض الثروات الطبيعية من الأرض بصورة خفية لأن الأرض تحتوي على ثروات طبيعية ومعدنية غنية ومتنوعة ووفيرة. إن عدم التدخل الأناني في الشؤون الداخلية للأرض لهو أفضل لها من التدخل المبرر والمشروع من وجهة نظر تلك الحضارات الكونية المتقدمة، حيث كثيراً ما كانت التدخلات تحدث بذريعة حسن النوايا المبطنة والزائفة كما كان الحال مع البشر وتعاملهم مع المستعمرات والشعوب البدائية التي اكتشفوها بحجة جلب المدنية والحضارة والتقدم لها. فأغلب المشاكل بين مكونات الأرض البشرية ناجم عن التصادمات والتباينات الاقتصادية والثقافية الخارجة عن السيطرة. ويشير هؤلاء برسالتهم إلى جون دي رغيالغ إلى :" إن الرحلات في الفضاء شيء رديف لأغلب الحضارات المتقدمة، علما بأن السفر في الفضاء بالمعنى الفيزيائي البحت يرتبط بحضارات بربرية ومتوحشة مقارنة بأخرى راقية ومتسامية وإن مصطلح متقدمة لا معنى له إلا بمقارنته بالمستوى الذي وصلت إليه الأرض. فبعض الحضارات المتوحشة والبربرية كما نصفها نحن هي متقدمة جداً على الصعيدين العلمي والتقني على الأرض لكنها بدائية ومتخلفة بالنسبة لنا".
فعلى صعيد التطور البيولوجي والتقني ومستوى الوعي والإدراك لا نزال نحن على الأرض بمستوى متواضع جداً وعلى وشك إنهاء دورة حضارية، والانتقال إلى دورة حضارية جديدة من التطور لعمل أدمغتنا ونمط التفكير لدينا وتطوير وعينا مما سيعني زيادة قدراتنا على فهم الواقع المادي والمعنوي والنفسي والروحي والذي سيحصل على شكل انتقالات وطفرات متعاقبة ملموسة، وسنشهد ظهور أشخاص عباقرة وموهوبين ومتفوقين عقلياً في كافة المجالات وسيزداد عددهم بالتدريج بالرغم من أنه سيستغرق عدة أجيال وإن أشكال التحول المتعاقبة les formes de mutations successives قد بدأت في مطلع القرن الواحد والعشرين ولكن ببطء. هناك رحلات فضائية فيزيائية وتكنولوجية بحتة تحتاجها الحضارات المتطورة تكنولوجياً وعلمياً لكنها بدائية روحياً في حين أن هناك حضارات ترحل وتنتقل بين المجرات وهي ليست بحاجة للتكنولوجيا المادية ومع ذلك فتواصلها واتصالاتها وتنقلاتها روحانية محض وهي أكثر بساطة وفعالية من التنقل بواسطة المركبات والسفن الفضائية، التي تحتاج لطاقة مذهلة ولا محدودة وإلى سرعات تتجاوز سرعة الضوء بكثير. فمحدودية سرعة الضوء وفق نظرية النسبية تنطبق على حدود النظام الشمسي الذي نحن منه وما يحيط به داخل مجرة درب التبانة فقط، فباستخدام بعض خصائص الفضاء التي نجهلها ولم نكتشفها بعد، من الممكن اللعب على العلاقة المعقدة بين البعدين المكان والزمان وقطع مسافات هائلة في المكان خلال فترة زمنية قصيرة بالمقاييس الأرضية لكنها ليست الوسيلة الوحيدة للترحال والتنقل. فهناك حضارات تستطيع التنقل بقوة التفكير والمشيئة فقط وتستطيع توجيه كينونتها اللامادية إلى أي مكان ومنطقة في الفضاء المادي واحتلال جسد كائن آخر يسكن في المنطقة موضع الزيارة مؤقتاً ويمكنها أن تستخلص من الفراغ ماهية هلامية ولامادية لخلق جسد افتراضي واحتلاله للاتصال من خلاله بالآخرين . وقد شرح هذا الزائر الفضائي Le visiteur extraterrestre لجون دي رغيالغ Jean de Raigualgue أن الجسد الفيزيائي والمادي الذي يراه أمامه ويحدثه ليس سوى مظهر وصورة افتراضية image virtuelle لأنه لا توجد وسيلة أخرى يستوعبها مستوى إدراكه وقال له :" فإذا كنت تخاطبني وتلمسني وتتبادل معي الأفكار والحديث فذلك لأنني تمكنت من تجميد صورة حللت فيها وجعلتها صلبة خلقتها ووجهتها بالتفكير والتخاطر عن بعد مع إني أعيش في كوكب يبعد عنكم ملايين السنين الضوئية". وحين سأله جون إذا كان جزءاً من حضارة انتقلت إلى المجال الروحاني أجابه الزائر الفضائي :" ليس بالضبط فجنسي ما يزال يقيم بين عالمين نصفه مادي ونصفه الآخر معنوي وروحاني كما تقولون ومقدر لنا أن نغادر الغلاف المادي بمجرد الانتهاء من المهمة الملقاة على عاتقنا. وتتلخص تلك المهمة بالسهر على الحضارات المتأخرة والتي لم تبلغ بعد المستوى المنتظر منها على مختلف الصعد كحضارتنا الأرضية وحمايتها من الأخطار الكونية الأخرى. فنحن بمثابة الملائكة الحراس Anges Gardiens للجنس البشري ووسطاء بين الكائنات العليا للعالم اللامادي والكائنات المتقدمة في العالم المادي.
وهناك شخص يعمل راعي للماشية يدعى كيليان Kylian لا يعرف أحد له أصل ولا عنوان اتصل بشخص معروف من الوجهاء يدعى فردريك لونارديللي Frédérique Lunardelli وأطلعه على حقائق ومعلومات ومواضيع ميتافيزيقية وماورائية ésotériques نشرها هذا الأخير في كتابين ظهرا في منشورات هيليوس éditions Hélios يقول فيهما أن الكواكب المأهولة بالكائنات الذكية والعاقلة لا توجد على مستوى واحد من التقدم العلمي والتكنولوجي، وإنها لا تمتلك نفس النوايا، وهي تزور الأرض لدوافع وأغراض مختلفة، منها بسبب تعرضها لخلل تقني يضطرها للهبوط مؤقتاً على الأرض لإصلاحه، ولوجود فضول علمي لديها، ومنها ما يأتي للمراقبة الدورية ولتأمين الحماية اللازمة للأرض، وإنقاذها من احتمالات انفلات الطاقة التيللوريكية التي ينفثها الكوكب وتؤثر على من يعيش فوقه énergie tellurique . فالأرض مكونة من نواة noyau وغلاف ومعطف manteau وقشرة écorce. فالنواة تدور باتجاه والغلاف والمعطف يدور باتجاه معاكس والقشرة تدور بنفس اتجاه النواة، والمجموع يولد تياراً يسمى بالتيار التيلليريكي وإن كوكبنا هو الوحيد من بين مكونات هذا القطاع في المجرة الذي يولد هذه الطاقة التيلليريكية وإن ترددات هذه الطاقة تشبه ترددات أنظمة كوارتزية systèmes à quartz تستخدمها بعض المركبات الفضائية اللاأرضية لذلك يأتي البعض منها إلى الأرض للتزود بهذه الطاقة غير المرئية لمواصلة مهماتهم الفضائية خارج نطاق الأرض ومجموعتنا الشمسية وبالتالي فنحن مجرد " محطة بنزين " مجانية إذا جاز التعبير للتزود بالوقود. بينما يحدو البعض الآخر نوايا غير سليمة تنحو نحو السيطرة والتعايش المشترك القسري مع البشر وهؤلاء هم الذين يجب أن نحمي أنفسنا منهم أذ لا يجب أن تحدث هذه العملية لصالح طرف وعلى حساب طرف آخر حسب تعبير ملائكتنا الحارسة لنا لهذا السبب كلفت بعض الحضارات الراقية بحماية الأرض من قبل الكونفدرالية الكونية .
هناك حسب كيليان Kylian نوعان من العوالم، عوالم الكاربون mondes carbones وعوالم الآمونياك mondes ammoniaques والأول هو ما يعرف بالعوالم المادية mondes matériels في حين أن العوالم الآمونياكية هي المعادل لما يمكن أن نسميه العوالم الروحانية واللامادية mondes spirituels. هنالك سبعة صعد وطبقات كاربونية 7 « plans carbones وتتوافق مع سبعة عوالم متطورة نوعاً ما، وكل صعيد وطبقة مقسم بدوره إلى عدة مستويات ومراحل ودرجات niveaux, échelons et stades وحضارتنا الأرضية من النوع الثالث من الطبقات السبع وفوقنا أربع طبقات وأنواع حضارية كونية من العوالم الكاربونية. وما أن نتجاوز الطبقة الثالثة ننتقل إلى مرحلة أكثر تطوراً من الناحية التقنية تؤهلنا للإبحار بين الكواكب والمجرات فيزيائياً ومادياً أي بواسطة مركبات. تنبثق عادة عن مثل هذه الزيارت، مع اختلاف أهدافها وغاياتها، علاقات ودية ومسالمة، ولكن ابتداءاً من المرحلة والطبقة الرابعة والخامسة وربما بدايات السادسة، يمكن أن تولد علاقات تصارعية وتنافسية، وربما حروب مفتوحة بين الحضارات المتصلة ببعضها مما يقود إلى هجرات واسعة لكائنات بأكملها من كوكب لآخر مهجور وغير مأهول، ولأسباب سياسية، وانطلاقاً من المرحلة والطبقة السادسة والسابعة ينبثق نوع من الإشراف والسيطرة contrôle من قبل قوى وكائنات أرقى وأعلى تقوم بمراقبة عملية التهجير الجماعي بين الكواكب المتناحرة، والمهمة الملقاة على عاتق المشرفين هي التأكد من ملائمة الكواكب المستضيفة لأشكال الحياة للكائنات المهجرة والمرحلة وتفادي هيمنة الحضارات المتقدمة تكنولوجياً على الحضارات الأضعف والأدنى تطوراً ومساعدة أشكال الحياة التي تواجه صعوبات في التأقلم والتكيف مع الكواكب التي أرسلت إليها ومعرفة مدى تحملها وقابليتها على التأقلم وإيجاد كواكب أخرى بديلاً للكواكب التي توطنت فيها رغماً عنها، بحيث تكون أكثر ملائمة لها . تشير مختلف المصادر المتوفر لدينا إلى أن الاتصال مع الحضارات الكونية الأخرى سيتم ربما في آواخر القرن الحالي "الواحد والعشرين" إذا ما تعرضت الأرض لكارثة طبيعية خارج عن إرادتها وليست بفعل أبنائها كأن تنزلق وتنقلب الأقطاب فيها basculement des pôles وتصطدم بمذنبات مدمرة astéroïde وأن تتعرض للدمار بفعل أبنائها بسبب نشوب حروب نووية فيها guerres nucléaire
في سنة 1978 ظهرت مجموعة من الظواهر الغريبة في العديد من الحقول سميت بدوائر المحاصيل الفضائية ذات الأشكال الهندسية الغريبة والمتقنة على الأرض cropcircles التي يمكن مشاهدتها من الجو . وبعد بضعة حالات منعزلة عن أعشاش للصحون الطائرة في استراليا، أصبح جنوب إنكلترا فجأة مسرحاً لأشكال هندسية متنوعة مرسومة على نحو إعجازي في العديد من الحقول الزراعية سيما حقول الحبوب حيث أعتقد البعض إنها نجمت عن آثار لهبوط أطباق طائرة فوقها ، أو رسائل مشفرة من كائنات أو مخلوقات فضائية تركت لنا لنتأملها ونفك شفرتها وطلاسمها . ثم انتشرت هذه الظاهرة في كل مناطق العالم و بتنويعات هندسية غاية في الجمال والدقة والتعقيد. وفي سنة 1991 اعترف مزارعين هما دوغ بويرDoug Bower و ديف شورلي Dave Charley أنهما كان وراء حوالي 200 من تلك الدوائر الحقلية المحاصيلية الهندسية agroglyphes، في إنجلترا التي نفذاها بأدوات حصد بدائية وحبال وفق مخططات هندسية دقيقة معدة سلفاً بناءاً على حسابات هندسية دقيقة ، بين أعوام 1978 و 1991 . وفي نهاية العام 2015 اعترف شخصان بريطانيان ، مزراع وابنه أنهما قاما بتنفيذ 20 من هذه الدوائر المحاصيلية agroglyphes وعلى مدى خمسة عشر عاماً في مقاطعة ويلتشير comté de Wiltshire.
موجة الأطباق الطائرة البلجيكية سنة 1989 ، بدأت عندما صرح جنديين في الجندرمة أو قوات الدرك البلجيكية أنهما لمحا طبقاً طائراً على شكل مثلث وفيه أضواء بيضاء في نهاية كل زاوية من المثلث الطائر إلى جانب جيروفار gyrophare أو منار نابض في مركزه وانتشرت الحادثة في الجرائد والمجلات البلجيكية والعالمية أعقبها على مدى عامين موجة من الشهادات المماثلة لأجسام محلقة مجهولة الهوية لها نفس الشكل لوحظت في كافة أنحاء بلجيكا . بدت وكأنها حالة عدوى سيكولوجية جماعية أصابت المجتمع البلجيكي وهي حالة طبيعية إزاء وضع غريب وغامض وغير مفهوم وبدون تفسير منطقي وعقلاني ، تبين فيما بعد أن الأصل لهذه الموجة هو صورة لكليشة لطبق طائرة هي الأكثر انتشاراً وشهرة petit – rechain، صنعها باتريك ماريشال patrick Maréchal الذي اعترف أنه أنجزها للقيام بخدعة متقنة بكافة حذافيرها والجسم المصور كان عبارة عن مثلث من مادة البوليستيرن وملصق به أربعة مصابيح وصور بطريقة فنية بحيث بدا وكأنه طبق طائر مثلث الشكل.
الأوميين أبناء حضارة فضائية يعيشون بيننا منذ سنوات طويلة.
قبل حوالي أكثر من نصف قرن انتشرت قضية عرفت بظاهرة الأوميين Ummites ، وهم أقوام يشبهون البشر تماماً أقرب إلى الأوربيين الشماليين في الدول الاسكندنافية، وقد جاءوا إلى الأرض في بعثة استكشافية تقتصر على بضعة أشخاص علماء من مختلف الاختصاصات يمثلون حضارتهم المتقدمة علينا علمياً وتكنولوجياً بعشرات القرون وهبطوا على كوكب الأرض على متن مركبة فضائية سنة 1950، ويتواصلون فيما بينهم بطريقة توارد الخواطر وقراءة الأفكار بدون النطق أي التخاطر télépatie ، لذلك هناك خلل صوتي لديهم عندما يتحدثون وكأن أصواتهم خارجة من كومبيوتر أو روبوت إنسان آلي. ولقد تمكنوا من السيطرة على هذا العائق مع مرور الزمن وبمزيد من التمرين المتواصل. وهم حضارة كونية تعيش فوق كوكب يدعى أومو Ummo ويبعد عنا حوالي 20 سنة ضوئية. أختار الأوميون طريقة متميزة للاتصال بالبشر وذلك بكتابة رسائل بلغات متعددة يستخدمها سكان الأرض كالانجليزية والاسبانية والفرنسية والروسية والعربية والإيطالية والألمانية، وأرسلوها ابتداءاً من عام 1966 إلى أشخاص محددين أختاروهم بعناية بعد دراسة بروفايلاتهم وسيرهم الشخصية بعناية فائقة وأغلبهم من العلماء من مختلف الاختصاصات، ومن بينهم العالم الروسي أندريه زاخاروف والعالم الفرنسي جون بيير بتي وأشخاص من اسبانيا . وكان مضمون ومستوى الرسائل التي استلمت من قبل البشر تدل على نحو واضح على أنها ليست من صنع البشر لأن فيها معلومات علمية متقدمة جداً وتفوق بكثير مستوى المعلومات التي لدينا في ذلك الوقت وذلك باعتراف العلماء الذين تلقوها ودرسوها بدقة واهتمام كبيرين. وقد ظهر لغط كبير بخصوص هذه الرسائل وحقيقة الأوميين، عزاها البعض إلى مخابرات سرية بشرية تعمل على زرع الاضطراب لدى الخصوم، أو لجس النبض لدى العوام والرأي العام البشري عن إمكانية التعايش يوما ما مع مخلوقات كونية فضائية تشبه البشر . ولقد حرص الأوميون على عدم الظهور علناً للناس وطلبوا من المتعاونين معهم عن بعد عدم الإفشاء عن سر وجودهم والاستفادة مما يصلهم من معلومات تحتويها الرسائل في مختلف المجالات العلمية والفلسفية. في سنة 1992 أعترف الإسباني خوسيه أو جوزيه لويس جوردان بينا José Luis Jordan Pena، أنه هو مؤلف مئات الرسائل التي عرفت برسائل الأوميين، وتلقف المعادون للأوميين من البشر هذا الاعتراف الغريب ، لأن هذا الشحص لا يمتلك المؤهلات العلمية التي تتيح له كتابة مثل هذه الرسائل العلمية المتقدمة جداً من الناحية العلمية، فنشط الخصوم والمعادون لحقيقة وجود الأوميين ليدحضوا ويفضحوا هذه الخدعة ويتشمتوا بمن نشرها وعزاها إلى أقوام فضائية متفوقة علينا، ولكن اتضح فيما بعد أنه قام بهذا التصرف بناءاً على طلب من الأوميين أنفسهم كوسيلة للتمويه. واستمرت الرسائل بالتدفق على أشخاص بذاتهم لغاية نهاية عام 2015.
في بداية سبعينات القرن الماضي قام الأمريكي مارشال آبلوايت Marshall Applewhite بتأسيس طائفة دينية غريبة الأطوار تحت إسم أبواب الجنان أو الفراديس المرتبط بمذنب هالي ، ولقد أقنع هذا المعلم أتباعه بأن مصيرهم مرتبط بمرور هذا المذنب وأنهم تحت رقابة وسيطرة وإشراف أرواح كونية فضائية وعليهم في اليوم الموعود مغادرة أجسادهم البشرية الفانية للولوج إلى المرحلة الأسمى والطريقة الوحيدة هي الانتحار الجماعي لحظة مرور مذنب هالي في أجواء الأرض لأنه يحمل فوقه سفينة أو مركبة فضائية سوف تحمل في طريقها أرواح الأتباع المنتحرين، إلى الجنان السماوية ليكونوا سعداء وخالدين فيها، وهذا ما حدث بالفعل، إذا انتحر المعلم و39 من أقرب خاصته المخلصين والمؤمنين بأطروحته في آخر مرور لمذنب هالي في المدار الأرضي.
في أيلول سنة 2015 نشأ أمل جديد في نفوس البشر باكتشاف النجم الغريب كيك 8462852 L’étoile من قبل التلسكوب الفضائي المتطور كبلر وهو أحد أهم الاكتشافات في مجال الكواكب خارج المنظومة الشمسية les exoplanètes، وهو نجم يقع في كوكبة البجعة Cygne ويبعد حوالي 1500 سنة ضوئية عن الأرض وتم رصد تقلبات وانخفاضات غير طبيعية في لمعانه وسطوعه، فسره البعض بأنه يمكن أن يكون مؤشر أو علامة على وجود بنية فائقة بالتنظيم والتطور ومنشآت عملاقة شيدتها حضارة كونية فضائية متقدمة . وإثر ذلك توجهت أغلب التلسكوبات على الأرض وفي الفضاء نحو هذا النجم لدراسته بالتفصيل. ولكن لم تكن أطروحة الغرباء الفضائيين هي الأرجح أو الأكثر إقناعاً. فبدراسة الصور المأخوذة له بالأشعة تحت الحمراء بواسطة التلسكوب الفضائي سبتزر Spitzer ، قدم باحثون وعلماء في جامعة آيوا الأمريكية أطروحة مغايرة في مقال نشرته مجلة فيزيائية فلكية متخصصة هي The Astrophysical journal Letters، مفادها أن ما رصده البشر هو ربما عبارة عن انفجار عائلة من المذنبات أمام هذا النجم مشكلة غمامة من حطامها هو السبب في هذه التنويعات في مستوى السطوع الضوئي الشديد المسجل والمرصود. وبذلك سحب البساط من تحت أقدام مناصري أطروحة الحضارات الكونية المتطورة . وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهوس الجماعي الحماسي سبق وأن حدث سنة 1895 عندما اعتقد العلماء القدماء العاملين على الجيل الأول من التلسكوبات بوجود مخلوقات مريخية على سطح الكوكب الأحمر. وبعد مرور أكثر من قرن وبالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تحقق لدى البشر فإن المخيلة البشرية لم تنحسر مما يدعو للمزيد من الحذر والحيطة والتأني قبل إصدار الأحكام.
في 21 آب 1955 وقعت حادثة شهيرة في هوبكنسفيل بولاية كنتاكي الأمريكية عندما عاد الطفل بيلي إلى منزله مرعوبا وأخبر أهله بأنه رأى جسما كبيرا لامعا يهبط بالقرب من مزرعتهم، ولم تؤخذ أقواله على مأخذ الجد في بادئ الأمر، وبعد حوالي ساعة نبه نباح الكلب أفراد العائلة إلى وجود خطر، ولنا أن نتصور مدى رعب العائلة لمشاهدتها مخلوق غريب وصفه جميع أفراد العائلة وعددهم ثمانية كبار وثلاثة صغار. كان هذا المخلوق الذي لا يتجاوز طوله الثلاثة أقدام بأذنيه التي تشبه أذنا الفيل وعينيه المشعتان يقترب بخطى حثيثة من المنزل عندما بدأ أحد أفراد العائلة بإطلاق الرصاص عليه مما دفعه للاختفاء برهة، ليظهر مخلوق آخر مشابه من الشباك وآخر على الشجرة وثالث فوق سطح المنزل مما أصاب العائلة برعب شديد. وبدأت حالة حصار غريبة من نوعها كان الرجال المحاصرون يطلقون النار خلالها على المخلوقات دون فائدة تذكر إذ كان يبدو كأن الطلقات تنحرف عند اصطدامها بأجسادهم وكان الشيء الوحيد الذي يمنع هؤلاء الدخلاء هو الضوء الساطع المنبعث من مصابيح الإنارة اليدوية. وقرب منتصف الليل نجحت العائلة في الهرب من المزرعة وأسرع الجميع بسياراتهم إلى أقرب مدينة وتم إخبار بوليس الولاية. عند وصول سيارات الشرطة إلى مزرعة العائلة لاحظ قسم منهم انطلاق أجسام مضيئة من المنزل متجهة إلى السماء ومر واحد منها فوق سيارة الشرطة بسرعة فائقة محدثا طنينا شديدا. وبالطبع لم يجد رجال الشرطة في البيت شيئا سوى آثار المعركة وطلقات الرصاص، إن كثافة الشهود في حادثة هويكنسفيل دفع الكثير من الهيئات لدراستها منها سلاح الجو الأمريكي وهيئة الكتاب الأزرق، وكان تقرير الهيئة بأن الحادث لا يمكن تفسيره على أي أساس منطقي.
مشاهدات:
تشارلز ادروم الطيار المتميز شاهد بنفسه هذه الأطباق الطائرة وقال أنها تشبه مستوعبات الزجاج تشع وهجا بعيد المدى وكثيرا ما كانت ترافق الطائرات الحربية لمراقبتها ثم تختفي فجأة بسرعة خيالية والمثير للأبحاث العلمية أن هذه الأجسام تظهر بكثافة نسبية فوق القواعد العسكرية وصوامع الصواريخ النووية البعيدة المدى أو إلى جانب الطائرات الحربية المتطورة.. مما أثار الشكوك لدى العلماء من احتمال وجود حضارة أخرى تفوق الحضارة الأرضية ويحاول سكانها التعرف على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الأرضية
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ما زالت مدار بحث ودرس على أعلى المستويات في الدول المتطورة فإن وجودها أصبح حقيقة علمية ثابتة لا يمكن إنكارها لأن عشرات الأشخاص شاهدوها تحط على الأرض ثم تطير بسرعة لم يتوصل إليها سكان الأرض بعد وتصل إلى 30 ألف كم في الساعة.
وفي السادس من نيسان من عام 1948 شاهد عدد من الباحثين جسما غريبا يحوم فوق قاعدة عسكرية أميركية تضم أسلحة نووية متطورة فجأة توقفت كل وسائل الاتصال في منطقة تتجاوز مساحتها ألف كم مربع وبعد قليل هبط الطبق الطائر على تلة وترجل منه ثلاثة أشخاص يحملون أجهزة غريبة تشبه آلات تصوير الفيديو ثم لم يلبث الرواد الثلاثة أن صعدوا إلى مركبتهم وارتفعت عموديا بسرعة خمسة كيلومترات في الثانية.. هذا ما رواه شهود عيان ومن بينهم داني كيلي العامل في الإذاعة المحلية هناك وقد توقفت إذاعته طيلة مدة الهبوط.
وفي الرابع والعشرين من تموز من عام 1950 شاهد أحد الطيارين المدنيين فوق فرانكفورت وهجا أحمر يمر إلى جانب طائرته كاد أن يصطدم بها ولكنه انحرف في آخر لحظة بسرعة جنونية واختفى عن الأنظار خلال ثوان. وأكد يومها هذه الحادثة طياران آخران كانا في المجال الجوي ذاته وتطابق وصف الطيارين بأن الجسم الغريب يصل طوله إلى نحو ستة أمتار وفي مقدمته ما يشبه هوائي الرادار وله نوافذ على الجانبين تشع منها الأنوار.
ولكن أطرف حادثة عن هذه الأجسام الغريبة حصلت عام 1950 فوق قاعدة عسكرية نووية متطورة تقع في ولاية نيو مكسيكو جنوب الولايات المتحدة ويؤكد عدد من المسؤولين عن القاعدة أنهم شاهدوا فجأة جسما غريبا دائري الشكل يرسو ببطء على بعد 25 متر من القاعدة العسكرية يصل ارتفاع هذا الطبق إلى ستة أمتار وقطره ثمانية أمتار وينبعث منه وهج بنفسجي اللون، وتوقفت فجأة كل وسائل الاتصال في المنطقة وسمع عدد من المهندسين أصواتا غريبة غير مألوفة كأنها نوع من اللغة التعبيرية تنقل وصفا عن القاعدة العسكرية.

استنفار الأجهزة:
بعد مرور بضعة دقائق من الذهول المطبق ارتفع الجسم الغريب عموديا وبعد مراقبته بتلسكوب متطور تبين أنه التحم بمركبة فضائية أخرى كانت في انتظاره يعتقد أنها المكبة الأم، وإن كانت ظاهرة وجود أجسام غريبة من خارج الأرض تحاول التعرف عن كثب على مستوى الحضارة الأرضية أصبحت حقيقة لا تقبل الجدل العلمي فإن ما يدعو إلى التساؤل هو مركز وجود هذه الحضارات التي تتابع الإنجازات الأرضية المتطورة وخصوصا في المجال العسكري والنووي بالدرجة الأولى لأن معظم هذه الأطباق الطائرة تحوم فوق صوامع الصواريخ وأثناء التجارب النووية لجمع المعلومات الدقيقة.
وفي 23 تشرين الأول من عام 1975 سجلت الرادارات اليابانية وجود عدد من الأجسام الغريبة ظن الخبراء في البداية أنها طائرات حربية تجري مناورات، ولكن تبين فيما بعد بأن هذه الأجسام التي هي على شكل اسطوانات قطر الواحدة نحو ستة أمتار هي من خارج الأرض وتستطيع تغيير مسارها بسرعة كبيرة جدا مما يدل على أن محركاتها مختلفة عن المحركات المعروفة والمستخدمة في المركبات الأرضية.
في النصف الثاني من القرن العشرين برزت أنواع جديدة من المشاهدات دخل فيها عنصر جديد وهو الالتقاء المباشر بين رواد هذه الأجسام وبين البشر سواء عن طريق الإقناع أو الاختطاف وقد وصلت شهرة إحدى هذه الحوادث إلى حد أن بطلها جورج أدامسكي الذي التقى مباشرة مع مخلوقات فضائبة كلمته وححملته رسائل واشتهر شهرة عالمية واسعة إثر ذلك ، حيث دعي رسميا لمقابلة البابا وملكة هولندا وغيرهما وقام برحلة حول العالم لإلقاء محاضرات حول تجربته والتي ثبتها في مجموعة من الكتب. كان جورج أدامسكي، البولوني الأصل والأمريكي الجنسية، يعيش في كاليفورنيا عندما التقى لأول مرة برائد فضاء من كوكب الزهرة، وقد حدث ذلك في يوم 20 تشرين الثاني عام 1952 عندما خرج هو و ستة من أصدقائه الذين تجمعهم هواية مراقبة السماء بالتلسكوبات إلى صحراء كاليفورنيا لغرض رصد طبق طائر شوهد قبل ذلك بأيام وبصورة متكررة يوميا في أجواء المنطقة. ويقول ادامسكي في كتابه “هبطت الأطباق الطائرة” أنه أحس إحساسا غريبا بأنه هو المطلوب بالذات لمقابلة رواد هذا الطبق من بين أصدقائه فطلب منهم أن يتركوه وحيدا لفترة، وبالفعل شاهد الأصدقاء الستة من على بعد المركبة تهبط بالقرب من أدامسكي وينزل منها شخص يرتدي حلة رواد الفضاء، ويقول أدامسكي الذي كانت وسيلة اتصاله بالزائر الغريب عن طريق التلباثي télépathie(لتخاطر)، أن الرجل الذي كان يشبه سكان الأرض إلى حد التطابق أخبره أنه قادم من كوكب الزهرة بعد أن لاحظ أهلها تفجيرات ذرية على سطح الأرض (كانت قنبلة هيروشيما وناغازاكي قد فجرتا قبل ذلك بسبع سنوات) وأن على أدامسكي مهمة إرسال هذه الرسالة إلى سكان الأرض كي يتجهوا إلى السلام بدل الحرب. بقيت مشاهدات أدامسكي والتقائه برائد الفضاء من كوكب الزهرة مثار جدل كبير لا يزال قائما حتى بعد وفاة الرجل عام 1965 فبينما يعتبره البعض أكبر دجال ظهر في التاريخ خاصة بعد اكتشاف أن سطح كوكب الزهرة ملتهب ومليء بالغازات الخانقة مما لا يشجع رائد فضاء كالذي وصفه أدامسكي على العيش فيه، يعتقد البعض الآخر أن تجربة أدامسكي صحيحة وحقيقية لأنها أولا حدثت أمام ستة شهود ولأن أدامسكي استطاع عدة مرات من تصوير المركبة الفضائية وهناك سبب آخر حير المهتمين بالموضوع فترة طويلة فقد ادعى أدامسكي أن رواد الفضاء أخذوه معهم في إحدى المرات في زيارة إلى كوكبهم، وأنه عندما اخترق الحزام الجوي الأرضي رأى منظرا بديعا يتألف من بلايين الجزيئات الضوئية المحيطة بالمركبة والتي تشبه في شكلها الذبابات المضيئة، وقد ذكره المنظر بساحة العاب نارية هائلة. وكانت المفاجأة أن رائد الفضاء الأمريكي جون غلين، أكد هذه الملاحظة بنفس التفاصيل خلال تحليقه في أول رحلة فضاء مأهولة عام 1962 أي بعد رحلة أدامسكي المزعومة بسبع سنوات! فهل كان أدامسكي صادقا في ادعاءاته.

المحطة الأخيرة:
19: في 10 نيسان من سنة 1952 كانت شابة فرنسية تدعى روز تبلغ من العمر 24 عاماً وهي مطلقة ولديها طفلة صغيرة وتعيش مع والدها في بيتهم الريفي في أحد ضواحي مدينة نيمس Nimes. عاشت هذه المرأة البسيطة تجربة غريبة وفريدة من نوعها وتختلف عن كل التجارب في هذا المجال، أي الاتصال بمخلوقات فضائية extraterrestres، وقد أبقت الأمر مكتوماً وسراً لا يعرفه أحد عدا أشخاص قليلين من المقربين منها مثل والدها لسنوات طويلةً ثم قررت نشرها في كتاب ممتع تشع منه البساطة والعفوية والصدق إلى حد السذاجة. وعندما جئت إلى فرنسا في بداية سبعينات القرن الماضي سمعت بقصتها وقرأت الكتاب الذي صدر عام 1975، وسعيت للتعرف بها في سنة 1979. وسألت بعض الأصدقاء القريبين منها وجيرانها عنها وأكدوا لي جميعاً أنها إمرأة بلا عقد ولا تسعى للشهرة أو الإستفادة من قصتها لا مادياً ولا إعلامياً. تبدأ قصتها عندما جاء أهل زوجها لأخذ إبنتها معهم في عطلة في الخامس من نيسان 1952 ، وبقيت هي وحدها مع والدها الذي اقترح عليها الذهاب إلى بيتهم الصغير المؤلف من غرفة واحدة وزاوية مطبخ ، وهو بناء شبه مهجور ويعتبر بمثابة الإستراحة الريفية mazets ، و الموجودة في ضيعة نائية ، ولكن يمكن الوصول إليها بواسطة الدراجة الهوائية لأن وسائل النقل العامة مفقودة آنذاك. وذلك لجلب بعض المواد المخزونة هناك لصنع فراش جديد للطفلة، ويوجد بجنب ذلك الكوخ في الحديقة كوخ خشبي آخر أصغر petit mazet لخزن المواد والأمتعة والأثاثات المستخدمة و الزائدة . وبعد مسيرة نهار على دراجتها الهوائية بصحبة كلبيها الحميمين وصلت إلى الاستراحة الريفية الــ mazets، التي وصفتها بدقة وشاعرية ومعها كل مايحيط بها في كتابها المعنون " لقاء بمخلوقات فضائية rencontre avec les extraterrestres، وبعد أن وصلت دخلت إلى الاستراحة وجلبت الماء لها ولكلبيها لتغتسل وتشرب ومن ثم أعدت الطعام لها ولكلبيها وكان الطعام لا يتجاوز بعض الشطائر. وأثناء تناول الكلاب للطعام قررت أن تقوم بجولة في الكوخ الخشبي الملحق بالإستراحة petit mazet، وبيدها مجلة للأزياء والموضة، اشترتها قبل مغادرتها لتتسلى بها، دخلت إلى الكوخ المليء بالغبار وخيوط العنكبوت وغائط الفئران ، كأي مسكن مهجور منذ مدة طويلة . وفي الداخل بعض الكراسي وخزانة خشبية قديمة وفراش قديم مغلف بغطاء بلاستيكي للمحافظة عليه والذي كانت تريد أن تستعيد حشوته الصوفية، ولقد التحق بها الكلبان بعد الانتهاء من الأكل. كانت الخزانة مليئة بالفئران وفيها عدد من الكتب القديمة، ولقد استعادت في تلك اللحظة ذكريات طفولتها الجميلة التي عاشتها في هذا المكان وجولاتها هناك مع أطفال المنطقة عندما كانت ترافق والدها في تنقلاته. لا توجد نافذة في الكوخ الخشبي الملحق بالاستراحة ولم يجر عليه أي تغيير ، وقبل مغادرتها تركت المجلة على طاولة قديمة في الكوخ ثم خرجت وأغلقت الباب بمفتاح وضعته تحت صخرة بالقرب من الباب الخشبي فلا فائدة من أخذه معها لأنها سوف تعود غداً لنفس المكان. كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساءاً فقررت تحضير سريرها للنوم حيث قررت البقاء يومين أو ثلاثة أيام بما فيها فترة الذهاب والإياب التي تستغرق ساعات طويلة على الدراجة الهوائية. وبعد برهة من الزمن استفاقت على وقع ضوضاء نباح كلبيها اللذين كانا مرعوبين من شيء مجهول، ويتحركان بعصبية يريدان الخروج من الإستراحة . أخذت مصباح اليد وأشعلته لترى ماذا يحدث في هذه الظلمة الحالكة، وفتحت باب الإستراحة فخرج الكليان بسرعة كالطلقة النارية باتجاه الكوخ الخشبي الصغير الملحق بالاستراحة. وفجأة توقف نباح الكلاب وساد الصمت من جديد. خرجت روز من الاستراحة واتجهت نحو الكوخ بخطى هادئة لكن قلبها كان يخفق بسرعة وتحاول أن تكتم أنفاسها وعدم التسبب بأية ضجة. كانت وحيدة ولا يوجد بقربها أو حولها جيران وبدون أية وسائل للدفاع عن نفسها. استعادت المفتاح الذي وضعته تحت الحجر وهي تفكر بأنه لايوجد ما يستحق أن يسرق في هذا الكوخ المهجور وزاد قلقها أكثر بعد اختفاء صوت الكلبين ونباحهما. ولجت إلى داخل الكوخ الخشبي وفجأت اشتعل ضوء ساطع كأن المكان مغمور بضوء النهار وقبل أن تستعيد روز قدرتها على الرؤية بسبب قوة الضوء والتحول المفاجيء من الظلمة إلى النور، سمعت صوتاً وديعاً يقول لها بلغة فرنسية سليمة : ماذا تفعلين هنا؟ فردت على الفور: وماذا تفعل أنت هنا، وعند النظر إلى مصدر الصوت رأت رجلاً بقامتها تقريباً أبيض اللون، يرتدي زياً داكناً ولم يبد منه أي تصرف عدواني تجاهها. فكررت عبارتها : ماهذا ، أنت هنا في بيتي وتسألني ماذا أفعل هنا ، أنا التي يجب أن اسلك ماذا تفعل هنا في بيتي في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ومن أنت؟ وبعد سماع صوتها اقترب الكلبان منها ، وفي هذه اللحظة شعرت بحركة وضوضاء عشب ورائحته من خلفها، فاستدارت وشعرت بحالة رعب لم تشهدها في حياتها قط من قبل. وقالت منتفضة : ياإلهي ماهذا؟ وكانت مصدومة مما رأته. كائن عملاق بالقرب منها مسكها بيده الضخمة من عنقها دون أن يضغط عليها بقوة ليخنقها ولم يؤلمها ثم تركها تهبط على الأرض وهو يردد كلمات بلغة لا تعرفها روز ولم تسمعها من قبل. فقال لها الرجل العادي بالفرنسية لا تخافي يقول هذا الشخص أنك ارتعبت وهو يأسف لذلك فلم يكن يقصد إرعابك وليس في نيتنا إيذاءك على الإطلاق فلا تخافي من شيء. وبالرغم من كلامه المطمئن كانت روز متخشبة من الخوف عاجزة عن الرد والكلام والحركة، وفي نفس اللحظة شعرت وسمعت ضوضاء وشمت أو استنشقت رائحة العشب الغريبة والممتعة بجنبها مرة أخرى وإذا بها ترى عملاقاً آخر وبدأ يتكلم مع نظيره ومع الرجل العادي بلغة مجهولة وغريبة ليست من اللغات المألوفة أو المعروفة بين الناس. كرر الرجل العادي بلفة فرنسية منمقة : لاتخشي منا فنحن مسالمون ونحتاج لمساعدتك. أصدقائي يقولون هل لديك بعض الكتب القديمة يمكنك إعطائها لنا؟ أي كتب كانت. فردت روز بكلمات مرتجفة بالكاد كانت تخرج من شفتيها: لدي بعض الكتب القديمة لكنها في حالة يرثى لها . فطلب منه الرجل العادي: هل تتفضلين علينا وتعطينا تلك الكتب؟ سوف تقدمين لنا خدمة كبيرة . فكرت مع نفسها لبرهة قصيرة ، ما هي هذه الخدمة الهائلة التي سأقدمها بإعطائي كتب قديمة ممزقة نصفها مأكول من قبل الفئران وهي موجودة في الخزنة التي تعشش فيها الفئران؟ من هؤلاء الناس ومن أين جاءوا وماذا يفعلون هنا بحق السماء؟ هذه الأسئلة وغيرها تقاطرت على ذهنها في هذه اللحظة. ثم فاقت من تأملها الصامت عندما ألح الرجل العادي عليها بأخذ الكتب قالت إنها موجودة في الإستراحة المجاورة في الخزنة القديمة mazet. كانت قامة الرجل العادي مثلها بحدود متر و 72 سنتمتر أما العملاقين فقامتهما تقدر بحوالي 2 متر و 40 سنتمتر على الأقل. وبعد خطوات لمحت عملاقاً ثالث بنفس القامة أو أطول قليلاً يبدو أنه الزعيم للمجموعة حيث أسرع الكليان باتجاهه بمحبة وألفة وكأنهما يعرفانه منذ زمن بعيد وهو سيدهما وبدأ الكليان بتمريغ رأسيهما تحت قدميه وتحريك ذيلهما بسعادة للاحتفاء به. عند هذه اللحظة وبعد هذا المشهد، صرخت متسائلة : ولكن من أنتم بحق السماء؟ من أين أتيتم وكيف جئتم إلى هنا؟ موجهة أسئلتها للرجل العادي الذي يتكلم معها بلغتها الفرنسية.
رد عليها الرجل العادي بهدوء وهو يشير بإصبعه إلى السماء: جئنا من فوق، من أعلى ، من هناك، من بعيد. رفعت نظرها إلى السماء حيث كان القمر مكتملاً في العاشر من أيلول من عام 1952. فقالت له بسذاجة: هل جئتم من القمر؟ أجاب الرجل العادي: كلا على الإطلاق، لقد جئنا من أبعد من ذلك بكثير . سألت روز بثقة هذه المرة : هل أتيتم من المريخ هل أنتم مريخيون؟ أجابها الرجل العادي: لا لم نأت من المريخ ولسنا مريخيين. وبدأ يترجم لرفاقه بلغتهم ما دار بيننا من حديث وهم يضحكون وكان صوت كبيرهم منخفض وأجش. كررت روز السؤال: كيف وصلتم إلى هنا؟ فرد عليها الرجل العادي:أنظري، وصوب مصباحه نحو زاوية من أرضية الحوش أو الحديقة الجرداء وإذا بها ترى شيئاً كبيراً مدور الشكل رمادي مطفي على شكل طاقية لا يستند على شيء ويرتفع عن الأرض بمتر واحد يبدو وكأنه يطفو فوق الأرض. وتساءلت روز مع نفسها كيف أمكن لهذا الشيء أن يهبط دون أن أسمع شيئاً أو أي صوت أو ضجيج؟ كرر الرجل العادي طلبه بأدب : اين الكتب من فضلك؟ فقالت له في داخل الاستراحة داخل الخزانة الخشبية. دخلوا جميعهم واحتك شعر أحدهم بخيوط العنكبوت. أغلق الرجل العادي الباب خلفهم فشعرت روز بقلق مفاجيء لا تعرف مصدره فشعر بها الرجل العادي وطمأنها : قلت لك لاتخافي لن يصيبك أي سوء منا وبفعل قوة الإنارة الصادر من المصباح اليدوي الذي وضعه الرجل العادي على الطاولة تمكنت روز من رؤية ملامح الأشخاص الغرباء العمالقة الثلاثة. كانوا ذوي سحنة سمراء تقرب للسواد ولكن ليس بملامح زنجية وليسوا ذوأنوف مسطحة كسكان أفريقيا، وكانوا شديدي السمرة.وشعرهم أسود ومجعد على نحو خفيف فهم أقرب إلى الهنود والباكستانيين منهم إلى الأفريقيين ، وعندما كان أحدهم يزيل خيوط العنكبوت من شعر زميلة التفت روز للعملاق الثالث وكان يبدو أقل لياقة بدينة من الآخرين ، كان يبدو وكأن على جبينه نبتة معدنية أو نصف دحلة ملونة براقة جذابة جداً وكان الفريق يرتدي زياً يشبه زي الرجال الضفادع الغواصين وفي القدمين ينتعلون أحذية غريبة كما لو إنها أعدت للخوض في الوحول أو المستنقعات وهي أقدام كبيرة بقياس يتجاوز الــ 60 ، وكان العملاق صاحب الدحلة في الجبين يضع على صدره علبة سوداء وفيها العديد من الأزرار من كل الأنواع والأشكال وكانت الآلة على مستوى المعدة وتبدو وكأنها راديو ترانزيستور . توجهت بالسؤال إلى الرجل العادي وقالت له: لماذا تتحدث الفرنسية؟ ولماذا أنت لست ضخماً مثلهم ؟ أجابها الرجل العادي: ببساطة لأنني فرنسي وأنا معهم منذ عشرين عاماً من السنوات الأرضية . لقد التقيت بهم في إحدى الليالي عندما كنت أتنزه في الطريق لوحدي ومن ثم رحلت معهم وعشت في عالمهم . قاطعته روز متسائلة: هل كنت طفلاً ؟ لأنك تبدو بعمر لا يتعدى الثلاثين عاماً ؟ هذا يعني أنهم أخذوك معهم وأنت في العاشرة من عمرك. وحسبت برأسها لو كان عمره خمسة وعشرون عاماً عندما أخذوه معهم وأمضى معهم 20 عاماً فيجب أن يكون عمره الآن 45 سنة في حين يبدو أنه بعمر يقل عن الثلاثين سنة. واصلت روز كلامها معه: مستحيل أن يكون عمرك 45 سنة ومظهرك يدل على أن عمرك اقل من ثلاثين سنة. رد عليها مبتسماً : أنت على حق ليس عمري خمسة واربعون عاماً فالزمن بالنسبة لنا على الأرض ليس نفس الزمن بالنسبة لهم والوقت الذي يمر على الأرض ليس هو نفس الوقت الذي يمر على كوكبهم. فسألته مقاطعة كلامه : عن ماذا تبحثون هنا؟ قال لها: أنظري إلى الكيس بيد أحدهم الملقى على الأرض ، وعندما فتحه رأت بداخله أعشاب ونباتات وزهور وأغصان وأحجار . فبادرته متعجبة: وهل يستحق كل هذا مثل هذا العناء والرحلة الطويلة؟ أجابها الرجل العادي: نعم نحن نجمع كل شيء يقع تحت أيدينا من مختلف مناطق الكوكب الأرضي مما سيتيح لنا معرفة ودراسة النتائج الكارثية المترتبة على التفجيرات النووية في اليابان قبل سبعة أعوام من سنواتكم الأرضية. ردت عليه غاضبة: لسنا نحن الذين فجرنا في اليابان بل الأمريكيون. أجابها زعيم المجموعة الذي يحمل العلبة المعدنية على صدره: بالنسبة لنا انتم نفس الشيء جنس البشر هم المسؤولين عن ذلك ، وقام الشخص العادي بترجمة كلامه. ثم أردف متسائلاً : اين الكتب؟ فتحت له روز الخزانة وهي تفكر بالفئران وربما كن قد أكلن نصف الكتب ، وكانت محرجة مما قد يفكرون بشأنها ، فقالت لهم أن لديها بيت جميل ونظيف ومنظم ومؤثث في مكان آخر ، أما هنا فلا يعيش أحد غير الفئران والحشرات ، قال لها الرجل العادي: الكتب هي المهمة بالنسبة لنا. أخرجت روز على عجل دون أن تزعج الفئران بعض الكتب والجرائد القديمة. قالت لهم بأنها سوف تقتل الفئران غداً، رغم أنها لم تفكر حقاً بالقيام بذلك. رد عليها زعيمهم بواسطة المترجم المرافق : لاتقتلي الفئران دعيها تعيش، عندها شعرت روز بأنها بأمان تام عند سماعها هذه الجملة ، فردت عليه معلقة : لم أكن أنوي قتلها بل سأجلب لها الأكل والخبر القديم. فقال لها العملاق الزعيم: لا تطعميهم دعيهم يتدبرون أمرهم بأنفسهم فهم معتادون أن يكفوا نفسهم بأنفسهم فلو أطعمتيهم فسوف تجعليهم معتمدين عليك اتريكهم يتدبرون معيشتهم بأنفسهم حسب طبيعتهم. نفضت الغبار بنفخة من فمها عن أحد الكتب الضخمة وكان ذو غلاف جلدي أحمر وأسود وهو " الكونت مونت كريستو للألكسندر دوماس. وكتاب آخر أكلت الفئران بعض من صفحاته أو أطراف منها وهو كتاب البؤساء لفيكتور هيغو، ثم سأل كبيرهم، : هل يمكننا أخذ الجرائد ايضاً ؟ فلم تمانع روز،لكن الزعيم طلب أيضاً أن يأخذ كتالوغ الموضة الذي جلبته معها للتسلية؟ فقالت له هذا كاتالوغ الموضة نحن نلبس هكذا في هذه الأيام. وكان يبدو مهتماً بأي شيء يقع بين يديه. ثم التفتت إلى الرجل الفرنسي العادي وسألته: عندما ذهبت معهم قبل عشرون عاماً ألم تفكر بعائلتك وبقلقها عليك عندما تفتقدك ولا تعرف مصيرك؟ رد عليها بهدوء مهذب : ليس لدي عائلة أوأهل مقربين ، كنت وحيداً لا أحد يقلق من أجلي فيما عدا تلاميذي ربما فلقد كنت معلماً . واصلت روز استجوابه: ألم تأسف أبداً على مغادرتك الأرض؟ فأجاب بلا تردد: هل تعلمين أننا نربح كل شيء بمغادرتنا هذه الأرض . ثم فاجأها قائلاً : ألا تريدين الذهاب معنا؟ فكرت على الفور مع نفسها بأبنتها الصغيرة وبوالدها وردت بحزم : كلا لا أرغب بذلك أريد البقاء هنا. عند ذلك سألها كبيرهم عبر المترجم: من هو الرجل العجوز والطفلة الصغيرة التي فكرتي بهما للتو؟ صعقت روز من هول ما اكتشفته لأنها لم تحدثهم أبداً عن طفلتها ووالدها. وفهمت أنه يقرأ أفكارها ويعرف ما تفكر به بصمت. فأجابت: الرجل الكبير العجوز ذو السبعين عاماً هو أبي والطفلة هي إبنتي ونعيش نحن الثلاثة على بعد بضعة كيلومترات من هنا. قائد المجموعة بادرها بسؤال مفاجيء: هل أنت بحاجة إليهم أم هم بحاجة لك؟ ردت بسرعة: هم بحاجة إلي فأبي أرمل وكبير في السن وأنا وحيدة لتربية إبنتي لأن والدها هجرني. كان الكلبان يجلسان عند قدمي الزعيم كبير المجموعة، لاحظت روز ذلك وسألت: يبدو أن أصدقائك يحبون الكلاب ، هل لديكم كلاب هناك في كوكبهم أجابها الرجل العادي: كل ما يوجد عندكم على الأرض لديهم مثله في كوكبهم لأن أسلافهم القدماء هم الذين جلبوا معهم كل ما يوجد على الأرض ولكن الاختلاف هو بالأحجام فكل ما لديهم أكبر فالقطط عندهم بحجم النمور الصغيرة عندكم والأشجار عملاقة باسقة وحتى البشر ينحدرون منهم، ولكن مع مرور الزمن تقلص حجم الأحفاد على الأرض . كانت مهمة إعداد الأرض وتحضيرها لكي تستقبل كائنات حية تعيش فوقها ليس بالأمر السهر وكانت مهمة عسيرة للغاية ، كان الأمر يستدعي زرعها وتنقية أجوائها وخلق غلاف جوي لحمايتها من الإشعاعات الشمسية المميتة وجلب الحيوانات والنباتات المختلفة ، كانت مهمة شاقة وطويلة الأمد وبعد فترة طويلة من أقلمة الأرض وتحضيرها جلبنا البشر، ولم يكونوا بشر عاديين. فعلى الأرض عندما تعاقبون أشخاصاً مجرمين وأشرار وسراق لصوص أو قاطعي طرق ورجال عصابات وقتلة ومجرمين فأنتهم تضعونهم إما في السجون أو في أماكن خاصة ومعزولة للمحكومين ، مجردين من حرياتهم ويعيشون على ما يقدمه دافعي الضرائب أما هم فقد وجدوا حلاً للمشكلة بإعداد كوكب كامل لنفي مجرميهم فيه وبذلك نقلوهم بعد أن جردوهم من جزء كبير من ذاكرتهم ،ومعارفهم وتركوهم أحراراً يجولون في هذا الكوكب وسلموا لأنفسهم وبات مصيرهم بيدهم وعلى أنفسهم يعتمد بقائم وديمومتهم ، وصاروا بشر بدائيين شبه متوحشين ، وأنتم سكان الأرض الحاليين من نسل أولئك المجرمين المنفيين من كوكب العمالقة . كل ذلك لم يكن بالأمر الهين على روز لكي تستوعبه أو تصدقه، وواصل العملاق زععيم المجموعة حديثه عن استخدام الأرض كمنفى للمجرمين قائلاً : ولكن أصعب ما واجهه أسلافنا السابقين، هو ضرورة إيجاد قمر تابع للأرض من أجل الدورة البيئية الصحيحة اللازمة للأرض وكان عليهم العثور على القمر المناسب وجلبه ووضعه في مدار الأرض إذ إن التجربة الأولى فشلت عندما جلبوا شحنة من المحكومين لكنهم التقوا بعمالقة أكبر منهم بثلاث مرات ثم سقط القمر هاوياً على الكوكب واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لعثور على التابع السيار الملائم للأرض أي القمر الحالي فلقد اكتشفوه في نظام شمسي آخر وجلبوه بتكنلوجيتهم المتقدمة ووضعوه في مدار الأرض كما نراه اليوم من الأرض. ثم أردف قائلاً : أعرف إنك مندهشة ويصعب عليك تصديق ذلك لكنني قلت لك الحقيقة . روز: وهل لديهم أقمار في كوكبهم ؟ الرجل العادي: نعم أكبر من قمر الأرض ثلاث مرات . روز : هل هناك كواكب أخرى مثل كوكبهم؟ الرجل العادي: نعم هناك كوكب البشر الصغار ، ونحن نتاجر معهم كثيراً ولا أحد يتفوق عليهم في مجال التصغير أو النماذج المصغرة. وكل شيء عندهم صغير بما فيه القمر التابع لكوكبهم. أود أن أذكر لك شيئاً مهما يتعلق بسكان الأرض وأنا كنت واحداً منهم وأعرف عماذا أتكلم، وهو أنهم يهدرون الكثير من الوقت، عندما يرتادون المدارس ليتعلموا أشياء لا فائدة منها ويمضون أوقاتهم ينظرون نحو الماضي بدلا من النظر للمستقبل ويلقون نظرات إلى الوراء أعماها تقارير تاريخية خاطئة خادعة وكاذبة ومزيفة محاطة بغلالة من المثالية . فهم يحترمون ويقدسون شخصيات يعتقدون أنهم رجال مرموقين ومشهورين وأبطال وفاتحين، دون أن يعوا أن كل عملية غزو مجيدة ما هي إلا مذبحة ومقتل للأجساد البشرية التي تسبح في بحر من الدماء. امتعضت روز من هذا الخطاب السلبي وردت بحزم : علماً أن شارلمان ولويس الرابع عشر ونابليون قاموا بأعمال كبيرة. عقب عليها المواطن الفرنسي سابقاً أي الرجل العادي المترجم بينها وبين الرجال العمالقة: هذا ما يرويه لكم التاريخ لكن من المفيد أن تعرفوا ما كانت تفكر به الشعوب في تلك الحقبة . فإذا لم يغير ويزيف التاريخ الوقائع والحقائق، الذي يقدم المذابح على شكل ملاحم لا بد منها أو لا غنى عنها في حين كان يجب أن تقدم لكم على حقيقتها كونها أخطاء وخطايا يمكنك أخذ الدروس والعبر منها لكنكم مع الأسف تفقدون وقتاً ثميناً بميلكم نحو الماضي تاركين على جنب المشكلة الحقيقية ألا وهي المستقبل وكيفية الاستعداد له. أما بعد، لو كنتم تعرفون مدى جمال كوكبكم ، بل هو أبهى وأجمل من الكثير من الكواكب التي نعرفها، لعرفتم كيف تحافظون عليه. عند هذه اللحظة اصطبغ صوته بنبرة من الحزن والرقة مع مسحة من التأسف والتعاسة والكآبة كما لو أنه شخص وضعاً هو غريب عنه تماماً . وشعرت روز في أعماقها أنه محقاً في كلامه . علقت روز باستسلام: قد تكون محقاً ، اشعر أن مصير الأرض يهمهم كثيراً.رد الزعيم العملاق بعد أن سمع الترجمة : نعم فهو يهمنا بالنظر إلى أنه يمكن أن يشكل تهديداً لنا ونشعر بالمسؤولية لأننا نحن الذين صنعناه و لا نتمنى له مصيراً كارثياً لذلك نحن نعمل منذ أسابيع أرضية على جمع أشياء مختلفة ومن مختلف الأماكن والمواقع بل ودرسنا في كوكبكم كسوف تام للشمس قبل أسابيع من أسابيعكم الأرضية. شعرت روز أنها ضاعت بين مصطلحات لا تعرف معناها مثل أسابيع أرضية وسنوات أرضية وحرصهم على التأكيد على " أرضكم" كما لو إنه لم يكن جزء منها فهو يبدو كما لو إنه انتقل كلياً للطرف الآخر فهو لا يشعر أنه في بيته وعلى أرضه فبيته وأرضه هي هناك في الأعلى في كوكبهم مع الآخرين. لمح الرجل الفرنسي العادي مسحة الحزن والقنوط عند روز وأضاف قائلاً : كل إثني عشر ألف سنة من سنواتكم تتسببون بكارثة جائحة cataclysme بفعل تجاربكم الخطيرة وأنتم الآن تتجهون نحو كارثة كونية جديدة لو أستمريتم في هذا الطريق الخطير . وبسبب تجارب مشابهة ، قبل 11357 سنة أرضية كانت هناك كارثة مخيفة ومهولة . تذكري جيداً هذا الرقم 11357 سنة. ردت روز غاضبة: إذا كنتم تعرفون أننا نتجه نحو كارثة محتمة فلماذا لا تتدخلون لمنع وقوعها؟ رد عليها المترجم الفرنسي بحزم قائلاً: في كل مرة تدخلوا فيها معتقدين أنهم يعملون خيراً لكم، انتهت جهودهم هباء . فجلب العلم لمن لايعرف قيمته الحقيقية يكون كمن جلب الوباء وأنتم قادرين على تدمير أنفسكم بأنفسكم بدوننا .
بادر كبير مجموعة الفضائيين العمالقة بأخذ يد السيدة روز بين يديه فشعرت أن قوة غريبة تجذبها إليه وأحست براحة كبيرة ولم تستطع أن تسحب يديها بل ولم تحاول ذلك، وركز نظرته على وجهها وفي أعماق عينيها فلم تستطع التهرب من نظراته حيث أدركت بعقلها الباطن بأن شيئاً ما اخترقها وأحدث انقلاباً جذرياً في كيانها، وفجأة غدت مغرمة بالأرض وما عليها بمياهها وجبالها وطبيعتها ونباتاتها وحيواناتها وببعض ناسها فكلما نطق بشي شعرت أنها عشقت ما يتحدث عنه هذا الكائن الغريب. وتدفقت الدموع من عينيها لاإرادياً فبادر العملاق إلى مسحها بإصبعه عن خديها فعرفت حينها أنها ستحبه إلى الأبد.
ثم وضع إحدى كفيه على رأسها وبالكف الأخرى تلاعب ببعض الأزرار في اللوح المعلق على صدره وكأنه يقدم لها هدية لا تقدر بثمن . وبعد برهة دخل أحد زملائه للإستراحة حاملاً الحجر الذي وضعت تحته روز المفتاح وطلب منها أن تركز نظرها على الحجر وقام ببضعة عمليات على أزرار العلبة المعلقة في صدره وفجأة اختفى الحجر عن الأنظار بعملية سحرية قام الآخر بفتح الباب فنظرت روز إلى الخارج وإذا بالحجر موجود في مكان في مدخل الإستراحة قرب الباب ونصحها المعلم الفرنسي المترجم والمرافق للمجموعة الفضائية ألا تلمسه على الفور وقال لها ليس في الأمر معجزة أو حيلة سحرية بل هو العلم وهذه العملية سوف تعرفونها وتصبح مألوفة عندكم بعد بضعة عقود وإسمها التليبورتيشن téléportation، أي الانتقال الفوري لجسم من مكان إلى آخر. وقام أحدهم بنفس العملية لكن بدلاً من الحجر انتقل هو من داخل الاستراحة إلى خارجها عبر الجدار وليس من خلال الباب ، وقام بنفس الشيء مع الكلبين اللذين كانا في الداخل وفجأة أصبحا خارج الاستراحة. وقبل أن يغادروا المكان طلب المعلم الفرنسي والمترجم أي الرجل العادي من روز بعض النقود من مختلف الفئات النقدية ووعد بأنه سيرجعها لها في أقرب فرصة فلو عادت في العام القادم فسوف تجد نقودها كما هي في الاستراحة . وفي الخارج رأت الحجر الذي يزن أكثر من خمسين كيلو يطفو في الهواء وكأنه ريشة ، وأشار المترجم الفرنسي إلى العلبة كمصدر لتفسير كل هذه العمليات المذهلة بالنسبة لروز وعندما أعيد الحجر إلى مكانه حاولت روز زحزحته فلم تتمكن لأنه ثقيل جداً فقال لها المترجم أن أصدقائه يمكنهم السيطرة على الجاذبية . ثم قاموا بتوديعها وركبوا في مركبتهم الدائرية التي تشبه القبعة وغادروا المكان بأسرع من لمح البصر.
خفايا لم تظهر للعلن بعد
حلم اليقظة ويقظة الحلم وتداخل الوقائع والمخيلة بعيداً عن العلم وقوانينه وقيوده، إنها الحقيقة الخافية التي لا يعرفها أحد و لا يعترف بحقيقتها أحد والحال إنها الحقيقة ووجهتها الظاهر للعيان هو الواقع الذي نعيش فيها كما تريده المصفوفة الآلية التي تديره وتحركه وتوهمنا بحقيقته.
كان صباحاً بارداً ليوم من أيام الأسبوع الرتيبة، يشبه باقي الأيام ولا يميزه عنها شيئاً سوى حالة الخمول التي تلف الجميع، إنه يوم الأحد حيث العطلة الأسبوعية وكآبة المحيط الخارجي ورداءة الطقس، التي دفعت الكثيرين للبقاء منكفئين في بيوتهم يشاهدون برامج التلفزيون المملة حتى وإن كانت متدنية وسخيفة لتضييع الوقت. انتهت أعياد الميلاد قبل برهة قصيرة وأنتقل العالم إلى العام الجديد 2025، بعد عقود من الحروب الأهلية الدامية في الشرق الأوسط، وتفشي التهديدات الإرهابية التي شلت المجتمعات الإسلامية والغربية على السواء وجعلتها تعيش تحت قوانين الطوارئ وفقدان الحريات الشخصية، رافقتها، لحسن الحظ، منجزات علمية وتكنولوجية مهمة. تمكنت القوى العظمى من تدمير الدولة الإسلامية داعش ، ونجحت الأوساط العلمية في اكتشاف الموجات الثقالية، وقبلها بأعوام قليلة اكتشاف بوزونات هيغز مما عزز ورسخ صحة النموذج المعياري في فيزياء الجسيمات الأولية وتحققت قفزات لا يستهان بها في عالم اللامتناهي في الصغر.
كان " ج " الأب غارقاً في متاهات آدم وحواء التي أهداها له صديقه الروائي برهان شاوي قبل مايربو على الخمسة عشر عاماً ويعيد قراءتها على الدوام كلما شعر بضيق أو ضياع في متاهة الحياة، أبحر معها ليلتحف بها ويغلف عزلته عن هذا العالم الرتيب المتخم بالروتين والضوضاء . الزوجة " ر" تقوم بكي الملابس وتتأفف في كل لحظة كأنها شبح نحيف بلا ملامح، والطفلة " س" ذات العشرة أعوام تحاول فك طلاسم درسها في الرياضيات الذي فرضه عليها مدرسها في الكوليج ولم تنجح فاستنجدت بأمها إلا أن هذه الأخيرة ردت عليها متبرمة :" اسألي أبوك . قالت الطفلة بحذر: لماذا؟ هل لأنه هو الذي يعرف كل شيء celui qui sait tout ؟ ألا ترين إنه منصرف عنا وغائب في متاهاته، قالتها بالفرنسية وهي اللغة التي تتقنها لأنها لغتها الأم. تبادلت الطفلة وأمها النظرات برعب وذهول لأن شيئاً ما قد حدث واقتلع " ج" من غيبوبته وأعاده إلى الواقع اليومي وبدا كأنه مصاب بصدمة، إنها جملة : "هو الذي يعرف كل شيء" تكرر صدى هذه الجملة في رأسه مرات ومرات حتى كاد أن يغمى عليه، وبدا وكأنه يتحرك على نحو آلي كأنه منوم مغناطيسياً. نظرت إليه طفلته مفزوعة وزوجته مرتعبة وهو يتصرف ويتحرك كأنه أصيب بالذهان والهستيريا والصرع الشديد، ثم تصلبت أوصاله فجأة وتجمدت نظراته نحو الأفق وقسمات وجهه تحاول أن تقول شيئاً ما لكنها تبدو بلا مشاعر . في داخله ، انتقل "ج" إلى عالم آخر، وعاد نصف قرن إلى الوراء، إلى ماضيه البابلي، إلى مرتع طفولته وصباه. فصار يشاهد نفسه على شاشة غير مرئية إلا من قبله هو فقط، رأى نفسه وهو في عمر السابعة عشر ويستعد لاجتياز امتحانات البكالوريا حاملاً كتبه وتائهاً بين أطلال مدينته التاريخية بابل في ظهيرة يوم قائظ يبحث عن ظل يقيه أشعة الشمس الحارقة. سمع صوتاً خارجاً من جدران المدينة التاريخية المتهرئة يطمئنه:" لا تخف فأنت لست مجنوناً، فلا أحد غيرك يسمع هذا الصوت . لقد اخترناك من بين مليارات البشر على هذه الأرض لهذه المهمة بعد أن درسنا تركيبتك الجينية. أنت سليل إنسان متميز يحتوي حامضه الأميني على جزء من حامضنا الأميني وذلك قبل أكثر من خمسة عشر قرناً من سنواتكم، عند زيارتنا الأخيرة لهذا المكان وكان جدك الأول يتسكع هنا بالضبط مثلك تماماً، وتم اللقاء بيننا، وكان ودوداً ومتعاوناً، سمح لنا بإجراء التجارب الجينية عليه وكتم السر ولم يتحدث لأحد بهذا الأمر تنفيذاً لتعاليمنا. كان "ج" يتلفت مذهولاً ويتمعن في كل الجدران وأحجارها عله يعثر على مصدر هذا الصوت غير المألوف الذي كان يبدو وكأنه يخرج من آلة تسجيل. استعاد " ج" رباطة جأشه وتوازنه وقليل من الشجاعة وقال: من أنت وماذا تريد مني؟ رد عليه مصدر الصوت غير المرئي. قلت لك لا تخف ستعرف كل شيء في حينه، كل شيء سيتضح لك فيما بعد عندما يحين الأوان. كل ما هو مطلوب منك الآن هو أن تحفر تحت هذا الحجر الصغير وتستخرج حقيبة مدفونة تركها لك جدك الأول وهي هدية منا له، ترثها أنت منه اليوم، ولكن يجب أن لا تفتحها إلا عندما تسمع عبارة" هو الذي يعرف كل شيء ، ينطقها أحد من صلبك، بعد نصف قرن من الآن، لأنك لن تستوعب ما فيها في هذا العمر. عليك أن تتخصص في علم الفيزياء والفلك والرياضيات في جامعات متقدمة خارج بلدك لكي تدرك قيمة ما بين يديك. حافظ عليها كما تحافظ على حياتك ولا تجعلها تفارقك أبداً في رحلاتك وتنقلاتك. ثم اختفى الصوت فجأة كما ظهر دون أن يترك أي أثر.
استفاق "ج" من غيبوبته المؤقتة في شقته الباريسية الأنيقة وهو بين يدي طبيب الطواريء الذي استدعته زوجته على عجل، وهو يتذكر كل كلمة سمعها عند عبوره نحو العالم الميتافيزيقي. تناول بعض المهدئات التي وصفها له الطبيب واستعاد حالته الطبيعية. كان قد نسى تماماً أنه جلب معه، قبل نصف قرن، حقيبة غامضة مغلفة بمادة غير معروفة داكنة اللون أخفاها بين حاجياته القديمة وهي اليوم مركونة في قبو بيته.
في منتصف الليل تسلل بهدوء من سريره كاللص كي لا يوقظ أحد واتجه إلى القبو وأخرج الحقيبة الصغيرة وصار يتأمل فيها ملياً ثم فتح الحقيبة ووجد في داخلها لوح إلكتروني يشبه الآيباد لكنه غريب ولا يشبه أية ماركة معروفة ، ومعه تعليمات دقيقة وخطوات عليه إتباعها، وبثلاث لغات العربية والانجليزية والفرنسية، كما وجد بطاقة إئتمان مصرفية، ورقمها السري لحساب مفتوح بإسمه لا يعرف من الذي فتحه له وفيه مبلغ كبير من المال. عرف ذلك عندما تأكد بنفسه من ذلك من خلال حاسوبه أو كمبيوتره الشخصي . كانت هناك قائمة بأدوات وأجهزة محددة عليه اقتنائها من عدة أسواق ومن عدة مصادر وعدة دول، وفي داخل اللوح خريطة تقنية بالغة التعقيد والدقة، وخطة عمل متناهية الدقة أيضاً، وبعض القطع النانوية اللاأرضية المصدر ، من الفضاء الخارجي من صنع حضارة كونية راقية ومتقدمة جداً تكنولوجياً، لصنع كمبيوتر كمومي أو كوانتي فائق القدرة، لا محدود في إمكانياته وخصائصه وميزاته، وذا قدرة استيعابية غير محدودة وذاكرة مهولة تستطيع أن تحتفظ في قاعدة بياناتها على كل الموسوعات الأرضية وكل ما أنتجته البشرية من تراث وعلوم ونصوص ونظريات ومعلومات، وهو على اتصال دائم و مباشر بكافة الشبكات الموجودة في المجرة ـ درب التبانة ـ دون أن يتمكن أحد على الأرض من رصده أو الكشف عنه ، و لا القدرة على معرفة مكان تواجده، يعمل بطاقة مطلقة لا تستهلك ويلتقط كافة أنواع الإشارات والموجات دون الحاجة للمرور عبر شبكات الاتصالات الأرضية السلكية واللاسلكية، ولا اللجوء إلى سيرفر أرضي، ويمتلك ذكاءاً صناعياً يتفوق على أرقى دماغ بشري بمليارات المرات .
وخلال فترة وجيزة من الزمن، وبعد عمل دؤوب، تحول القبو إلى منطقة منيعة يتعذر الدخول إليها بعد تغيير الأبواب والمغاليق، وتم تجهيزه بأحدث المبتكرات والاختراعات التكنولوجية والأجهزة الإلكترونية المتطورة حتى يخيل لمن يدخله وكأنه في إحدى مختبرات وكالة الفضاء الأمريكية الناسا.
إستقال ج من عمله وبقي في بيته يعمل ليل نهار و لا يخرج إلا نادراً ويختلق شتى الأعذار والذرائع لكي يبرر غيابه وعدم تواصله مع زملائه وأصدقائه . كان ينام ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم فقط. وما أن انتهى من صنع حاسوبه الفائق حتى أجرى أول اتصال بأصدقائه من الكائنات الفضائية الذي أخبروه بعزمهم على زيارته سراً وأخذه معهم في جولة قصيرة لا تستغرق سوى بضعة ساعات لكنهم شرحوا له أن هذه الساعات القليلة التي سيغيبها عن بيته وعن الأرض سيقابلها تسع سنوات أرضية ستمضي على الأرض قبل إعادتهم له إلى الأرض وعليه أن يتدبر أمر غيابه بأية حجة، وتذكر ما تعلمه من دروس الفيزياء عن مفارقة التوأم التي تقول أن توأمين يبلغان من العمر عشرون عاماً بقي أحدهما على الأرض وغادر الآخر في مركبة فضائية تسير بسرعة 297000 كلم / ثانية من سرعة الضوء التي تبلغ 300000 كلم / ثانية باتجاه نجم يبعد عن الأرض 20 سنة ضوئية ، أي أن الرحلة من المفترض أن تستغرق أربعين سنة ضوئية فيما لو سارت المركبة بسرعة الضوء، لكن التوأم المسافر استغرق ست سنوات فقط من سنوات الأرض في رحلته ذهاباً وإياباً أي ثلاث سنوات وثلاث سنوات في الإياب، عبر ثقب أو نفق دودي ،ما يعني أن عمر التوأم المسافر سيصبح 26 عاماً عند عودته إلى الأرض ليجد شقيقه التوأم الذي بقي على الأرض وقد بلغ ستون عاماً، وهناك إمكانية السفر خلال الخدود أو الثقوب الدودية بسرعة تقرب من سرعة الضوء لمدة عشر سنوات تستطيع المركبة الفضائية بلوغ مركز مجرة درب التبانة ولكن عن العودة يكون قد مضى على الأرض خمسة عشر ألف سنة ولو استغرقت رحلة المركبة خمسة وعشرون عاماً بسرعة تقرب من سرعة الضوء فإن بإمكانها القيام برحلة كاملة حول الكون المرئي ولكن عن عودتها إلى الأرض يكون قد مضى ثلاثون مليار سنة من السنوات الأرضية على الأرض ولكن من الذي سيضمن أن الأرض ستكون موجودة فهي ستفنى بسبب إنتهاء الشمس وغيابها إن لم تدمر نفسها بحرب نووية وتكنولوجية شاملة، ولن تكون هناك حياة بل وربما سيختفي النظام الشمسي برمته، لذلك فمثل هذه الرحلة مستحيلة بالنسبة للبشر. . شرح لزوجته وطفلته أنه سيغادر في رحلة عمل طويلة لايمكنه أن يشرح لهما تفاصيلها ويكشف أسرارها وعليهما أن تثقان به وسيترك لهما ما يحتاجانه من مال لمواجهة متطلبات الحياة ووعدهما بالعودة فور إنتهاء مهمته التي سيدونها في مخطوطة تحت عنوان " كنت ضيفاً في السماء" صب فيها خلاصة تجربته مع الكائنات الفضائية التي أخذته في رحلة لم تدم سوى ثلاث ساعات في مركبتهم كما يصفها بدقة مذهلة ومشوقة، لكنه عندما أعيد إلى الأرض كانت قد مضت تسع سنوات على اختفائه في ظروف غامضة فهو في نظر زوجته وطفلته، لا هو بالحي ولا هو بالميت، إنه مجرد مفقود. وعندما عاد لم يشخ سوى ثلاث ساعات فحسب ولم يكن هنا أي أثر للسنوات التسعة التي مضت على اختفائه، لكنه قرر عدم التحدث في الموضوع أو تقديم أي تفسير لغيابه بل ادعى فقدانه للذاكرة وإنه لا يتذكر شيئاً عن فترة اختفائه، كان " ج " رجلاً عصامياً، جاداً وصارماً، وصادقاً وأميناً وذكياً إلى أبعد الحدود، دون في مخطوطته إجابات للكثير من الأسئلة التي كانت تدور في خاطره كما هو حال الملايين من البشر على الأرض وناقش بعضها مع مضيفيه الفضائيين الذين لم يقدموا له تفسيرا عن سبب اختياره هو بالذات من بين مليارات البشر، فما هي خصوصيته لكي يختاروه هو وليس غيره وكان جوابهم :لايمكنك إدراك ذلك الآن أو فهم واستيعاب الشرح والإجابة التي سنقدمها لك . فهم لديهم معلوماتهم وتحليلاتهم الجينية والتركيبة الدماغية لكل كائن بشري يعيش على الأرض منذ ظهور الإنسان على الأرض وحتى يومنا هذا، لذلك يختارون عينات محددة من البشر يعرفونهم سلفا لإجراء أو استكمال تجاربهم العلمية عليهم بين الحين والآخر، وكان جده الأول من بين هؤلاء المختارين les élus. ولكن هل نحن على الأرض بمحض إرادتنا وما هو الهدف الحقيقي لهذا الوجود الحي؟ كان هذا أحد أسئلته، فقيل له :" أنتم البشر جزء جوهري ومهم من الوجود الحي للكون المطلق الحي ولكم دور ووظيفة محددة لكنكم لاتدركون ماهيتها في الوقت الحاضر إلا أنكم أساسيون للتوازن والديمومة فهناك الماهية الحية المطلقة هي التي أنجبت أو أوجدت البشر وباقي كائنات الوجود برمته". كما تم إخباره بأننا نحن البشر تم استخلاصنا وتطويرنا من جينات كائنات بشرية فضائية لا أرضية تعيش في مجرتنا وتتقدم علينا بملايين السنين وهم الذين أوجدونا على هذه الأرض بعد أن تدخلوا لتحسين وتطوير ظروفها المناخية خلال ملايين السنين لتكون صالحة للحياة، وعلى مدى أجيال كثيرة، مثلما كان حالهم هم أيضاً حيث أوجدتهم حضارات أكثر تطورا منهم وأقدم بكثير، خلقوهم في كوكبهم الذي يبعد عن الأرض حوالي 20 سنة ضوئية، وأخبروه كذلك أن البشر سوف يتطورون بدورهم في المستقبل البعيد ويصلون إلى درجة أو مستوى استعمار كواكب غير مأهولة بالحياة وتطويرها وتغيير ظروفها المناخية لكي تكون قابلة لاحتواء واحتضان الحياة ثم زرع مستوطنات بشرية هناك بعد السيطرة على ميدان الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري المباشر والفوري، وهذه العملية مستمرة منذ مليارات السنين، وهذا بالفعل ما يحدث اليوم من برامج وخطط من قبل وكالات الفضاء الدولية لاستعمار المريخ والقمر . هناك عمر محدود للفرد ولكن لا يوجد للبشرية كجنس عمر محدد فموت خلية في جسم الإنسان لا يعني موت الجسم حيث تولد خلية بديلا عنها وهناك دورة حياتية أبدية يفنى فيها الجسد ويدوم الوعي وتدوم الذاكرة إلى الأبد على شكل معلومة حاسوبية افتراضية أو رقمية يمكن نقلها أو نسخها من جسم إلى آخر، لأنهما جزء جوهري من الوعي الكلي المطلق والذاكرة الكونية الكلية حيث ينتقل الوعي الفردي بعد موت الجسد ليلتحق بالوعي الكلي وتعاد برمجته ليبث في جسد آخر على غرار معتقد تناسخ الأرواح الهندوسي والبوذي ويمكن أن يبقى الوعي الفردي هائما لفترة قد تطول أو تقصر حسب معايير نجهلها لكن الوعي والذاكرة تظلان كامنتين في الأكوان المتوازية التي يستحيل ولوجها إلى أن يأتي دورهما في عملية تحول مادي جديدة. وهذا يعني أن لا شيء متروك للصدفة والعبث والعشوائية وما يتعرض له البشر من كوارث وحروب وأوبئة وأمراض جماعية وظروف حياتية مرفهة أو قاسية ليست سوى حيثيات تفرضها التباينات والتوازنات الطبيعية والمادية والفيزيائية المكانية والزمانية للحفاظ على التوازن الكوني الشمولي فكل جسيم وكل خليه مادية تحمل موروثها الجيني وذاكرتها ووعيها وتعرف دورها ومآلها كأن تكون لسان أو عيناً أو دماغاً منذ الأزل وإلى الأبد فهي كينونة مبرمجة سلفاً. يمكن للبشر لو تطورا قليلا أن يعوا أهمية الحفاظ على البيئة وإنقاذها من التلف والتدهور ويتم ذلك بالوسائل التكنولوجية حيث يمكنهم تكييف كل شيء مع أية بيئة يخلقونها وفي أي مكان في الكون. وسوف يصل الإنسان في المستقبل إلى وضع ومستوى يمكنه من قهر الأمراض والشيخوخة والآلام ومن ثم سيصل إلى حالة الخلود التي وصلتها الأقوام التي خلقت البشرية الأرضية، فهم لا يشيخون ولا يموتون ولو انقرض النحل على سبيل المثال فسوف يبتكر البشر وسائل تعوض النحل وتقوم بنفس الدور الذي يقوم به في المرحلة الحالية من التطور البشري فدماغ الإنسان كنز لا ينضب ولم يستغل البشر حاليا سوى جزء ضئيل جداً من إمكانياته،الكون المطلق الحي والمتسامي لم يخلق أي لم يخلقه خالق، ولا يوجد هناك إله مطلق خلقه لأن الكون المطلق هو الإله المطلق الذي يحتوي كل موجوداته ومكوناته من أصغر جسيم لامتناهي في الصغر في الكون المرئي وباقي الأكوان الأخرى إلى اللامتناهي في الكبر حيث تتواجد الأكوان اللامتناهية العدد، فنحن أجزاء من جسيمات الكون المطلق الحي التي هي مجموع الأكوان المتعددة التي تمثل خلاياه. يمكن للخلايا أن تموت وتولد بدلها خلايا أخرى ونفس الشيء يحدث للأكوان المتعددة اللامتناهية في أعدادها، أن تموت وتنشأ عنها أكوان جديدة . إنها الدورة اللامتناهية حيث يقود كل بعد إلى آخر بآليات خفية ومعقدة لامجال لشرحها هنا فهناك عدد لامتناهي من الأكوان في اللامتنااهي في الصغر وهو أصغر بمليار مليار مرة من أصغر جزيئية نانو وهناك عدد لا متناهي من الأكوان في اللامتناهي في الكبر فالصغير يؤدي إلى الكبير والكبير يصل إلى الصغير بعملية تفاعلية ليس بوسع البشر تخيلها أو استيعابها لسبب بسيط أن كل ذلك هو النسيج المكون للوجود المطلق الحي وكل الباقي نسبي ليس إلا مكونات متفاوتة الأحجام والأبعاد بين اللامتناهي في الصغر و اللامتناهي في الكبر.
وهنالك آلاف الحوادث من مشاهدات الأطباق الطائرة والاتصالات بمخلوقات فضائية جاءت من أعماق الكون المرئي وفي كل أنحاء العالم، وقد قامت هيئات ومنظمات بتوثيق هذه الحوادث وتحليلها وقد وجد أن الكثير منها يمكن تفسيرها على أنها رؤية لظواهر طبيعية كالشفق أو نيازك ومذنبات وغيرها من الظواهر يظن الأشخاص الذين يرونها أنها أطباق طائرة كما أن هناك الكثير من المشاهدات الكاذبة التي يسعى أصحابها للحصول على الشهرة، ولكن رغم كل هذا يبقى هناك عدد كبير من المشاهدات التي لا يمكن إيجاد تفسير منطقي لها.
كوكب جديد يضاف إلى مجموعة الكويكبات المجهولة داخل نظامنا الشمسي
وهكذا انضم كوكب جديد إلى نظامنا الشمسي معروف حتى الآن بـ 2014 UZ224.

وبحسب ما ورد على موقع Minor Planet Electronic Circulator التابع للاتحاد الفلكي الدولي، فهو جسم بحجم ولاية أيوا الأمريكية ونصف حجم بلوتو تقريباً، ولكن يزيد عنه بعداً بمقدار الضعفين، ينضمّ إلى قائمة متزايدة من الكواكب القزمة في النظام الشمسي: سيريس، وهوميا، وماكيماكي، وايريس، و بلوتو الذي يعدّ الأشهر بينها، ويشتبه العلماء في وجود 100 بعد على الأقل.

كاميرا كونيّة

وبمساعدة فريق من الباحثين الجامعيين، قام عالم الفيزياء الفلكية "ديفيد جيردز" من جامعة ميشيغن، باكتشاف "كوكب ما وراء نبتون" المعروف حتى الآن بـ 2014 UZ224. جيردز هو عضو في فريق دولي من العلماء العاملين على مشروع "دراسة المادة المظلمة" Dark Energy Survey، في محاولة لوضع خارطة للكون وفضح أسراره، وبالتحديد، اكتشاف سبب تسارع التوسع الكوني. وبما أنّ دراسة مماثلة تحتاج إلى كاميرا للمادة السوداء، صُنعت في سيرو تولولو في تشيلي، كاميرا فائقة الدقة وواسعة العدسة قادرة على التقاط صور للسماء بكاملها.

تطبيق إلكتروني دقيق

منذ سنوات قليلة، كان جيردز يشرف على بعض الباحثين الجامعيين وأراد أن يعطيهم نوعاً من التحدي، فسلّمهم إحدى خرائط المجرّة الملتقطة بعدسة الكاميرا المذكورة، وسألهم إذا كانوا قادرين على تحديد الأجسام الموجودة في نظامنا الشمسي، وكان السر يكمن في تحديد الأجسام المتحرّكة، وفي خلفية شاسعة لمجرة درب التبانة، تبدو حركة الكواكب القريبة وبعض الأجسام الأخرى أسرع من كل ما يحيط بها. فعمل التلامذة مع جيردز وساعدوه في إنشاء تطبيق إلكتروني قادر على تحديد أجسام بالكاد تتحرّك، واكتشفوا في الأشهر الأولى حوالى 6 أجسام جديدة.

اكتشاف الكوكب القزم

وفي شهر يوليو، كان جيردز يستعمل التطبيق الإلكتروني نفسه حين وجد UZ224. وتطلّب الأمر تعقّباً دقيقاً لتأكيد الاكتشاف وتحديد مدار 2014 UZ224. وتجدر الملاحظة أنّ مساره ما زال غير واضح لأنّه يستغرق أكثر من ألف سنة لإتمام دورة واحدة حول الشمس، ولكن يُعتقد بأنّه ثالث أبعد جسم في النظام الشمسي. ولفت جيردز إلى أنّ بعض علماء الفلك قد يتجادلون حول اسم الكوكب 2014 UZ224، فهذا الجسم البعيد فائق الصغر حتى بالنسبة إلى كوكب قزم، ولكنّها التسمية المعتمدة حتى الآن.

أمور أكبر

في هذه الأثناء، يعمل جيردز مع زملائه على أمور أكبر: فهم يبحثون عن الكوكب 9 الغامض الذي صرّحت مجلة Astronomical Journal عن وجوده في أوائل هذا العام. وفي هذا السياق، قال جيردز إنّ قدرتهم على إيجاد جسم كهذا بعيد جداً وشديد البطء، هي إشارة واعدة إلى أنّ لديهم فرصة طيبة في اكتشاف أشياء مماثلة في الفضاء إذا كانت موجودة. إلى هذا لقد اكتشف فلكيون اوروبيون كوكباً شبيهًا بالأرض، حيث يوجد في غسق دائم، ورغم أن نجمه القزم الأحمر لا يمده إلا بجزء ضئيل من الضوء بالمقارنة مع شمسنا، فإن درجة حرارته قد تكون كافية، بحيث يكون مناخه مناسباً لنشوء حياة، ولا يعرف العلماء حتى الآن إن كانت هناك حياة على الكوكب المكتَشف حديثاً، ولكن ما يعرفونه على وجه التأكيد أن الحيوانات والنباتات على هذا الكوكب ستكون بسبب ظلامه ذات اشكال تختلف عن حيوانات كوكبنا ونباتاته، وستكون اوراق اشجاره سوداء قاتمة، وكأنها اوراق محروقة.

ولا بد أن تكون النباتات في هذا الكوكب داكنة اللون لاستخدام كل الضوء المنبعث من نجمه في عملية التركيب الضوئي، ومن الجائز أن توجد كائنات حية غريبة على الكوكب.

فهو نشأ ملايين السنين قبل نشوء الأرض، وبالتالي كان لديه ما يكفي من الوقت لنشوء حياة عليه، ولكنه، من جهة أخرى، كوكب كان عليه أن يتحمل ظروفاً بالغة القسوة، لأن نجمه نجم متفجر يطلق موجات هائلة من البلازما. ومن الجائز أن محيطاته وانهاره وبحيراته تبخرت منذ زمن طويل.
خارج المنظومة الشمسية
وما زال الكوكب المكتَشف حديثًا بلا اسم، ولكن نجمه القزم الأحمر نجم معروف هو بروكسيما سنتوري، أو "قنطور الأقرب"، لأنه لا يبعد إلا 4.24 سنة ضوئية، وبذلك يكون أقرب جار لشمسنا. وهذا ما يجعل الاكتشاف مثيرًا.

فاكتشاف كواكب جديدة تضيئها نجوم بعيدة بات شيئاً مألوفاً، وشهدت السنوات القليلة الماضية اكتشاف اكثر من 3000 كوكب خارج منظومتنا الشمسية، ولكن غالبيتها تبعد مئات السنوات الضوئية، ومن المتعذر تقريبًا دراستها.

اما كوكب النجم بروكسيما فهو مختلف لأن العلماء لم يكتشفوا من قبل كوكباً شبيهاً بكوكب الأرض على هذه المسافة القريبة التي تتيح للعلماء فرصة البحث عن آثار حياة فيه، وكان المرصد الجنوبي الاوروبي تكتم على اكتشاف الكوكب لإعلانه في اواخر اغسطس.

وقال فيزيائي فلكي، شارك في اكتشافه لمجلة شبيغل الالمانية، "إن اكتشاف الجرم السماوي الصغير كان عملاً شاقاً، وبلغنا الحدود القصوى لما هو ممكن تكنولوجياً حين يتعلق الأمر بالقياسات".

رحلة مغرية
تشير كتلة الكوكب الى انه صخري مثل الأرض. والأهم من ذلك أنه يدور قرب نجمه القزم الأحمر، بحيث يمكن ان يوجد ماء على سطحه.

ويريد العلماء أن يعرفوا ما إذا كان الكوكب حقاً واحة في الفضاء. ولمعرفة ذلك عليهم اعتراض الضوء المنبعث منه وتحليله لتحديد التركيب الكيميائي لغلافه الجوي البعيد. وسيكون وجود الاوكسجين والميثان في وقت واحد مؤشراً كافياً الى وجود حياة.

فالغازان يتفاعلان مع احدهما الآخر لإنتاج ثاني اوكسيد الكاربون وماء. وإذا كان وجود الغازين بمستويات عالية فلا بد من وجود كائنات مثل البكتيريا أو الطحالب تنتج هذين الغازين. وسيكون ذلك بمثابة بصمة اصابع كيميائية تثبت وجود حياة خارج الأرض.

من شأن مثل هذا الاختراق العلمي أن يجعل النجم بروكسيما سنتوري هدفاً مغرياً لرحلة فضائية علمية بين النجوم. لكن حتى هذا النجم الأقرب الى شمسنا ما زال بعيداً، وسيحتاج المسبار الفضائي التقليدي نحو 80 الف سنة للوصول اليه، أو ما يعادل عمر البشر على الأرض، واستخدم العلماء في اكتشاف الكوكب تلسكوباً عاكساً متخصصاً يديره الفلكيون الاوروبيون على جبل لا سيلا في صحراء اتاكاما في تشيلي.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاضرة عن الشيعة ومشكلات الدولة والسياسة والتشريع
- لغز مقتدى الصدر يربك العملية السياسية في العراق بشدة
- ثورة في فيزياء الجسيمات على النموذج المعياري
- جواد بشارة - كاتب وباحث اكاديمي - في حوار مفتوح مع القراء وا ...
- خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 2 -
- خواطر سينمائية من مرحلة الشباب والدراسة - 1 -
- السينما والأثر الأدبي وجهاً لوجه
- تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً
- قراءات في كتب
- الله بين العلم والدين
- أنشودة الكون الأنيق
- الكون المرئي من كافة جوانبه
- تيار السينما الذاتية عند شاعر السينما الراحل اندريه تاركوفسك ...
- وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:
- الإستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط وصراع الدول العظمى سور ...
- شرخ كبير في نسيج العلاقات بين الجالية العراقية والسفارة العر ...
- حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
- السينما عندما كانت فن ورسالة
- هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين ...
- الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1


المزيد.....




- شد الطفل أذنه علامة على وجود مشكلة.. طبيب يوضح
- الدفعة الـ 14 من أطفال قطاع غزة الجرحى ومرضى السرطان تصل الإ ...
- الصحة العالمية: 10 مستشفيات فقط تعمل في غزة
- المعدة فى رمضان.. مشروب يحافظ عليها ويحميها من المضاعفات.. ا ...
- أحلى واحده في ليبيا.. تردد قناة المسار الليبية الفضائية 2024 ...
- بإشارة قوية HD.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك National Geogr ...
- بدون سابق إنذار.. العلامات المبكرة لكشف إصابة طفلك باللوكيمي ...
- مكملات غذائية للوقاية من أمراض خطيرة
- مدير الصحة العالمية: 10 مستشفيات فقط تعمل في غزة
- استمعوا إلى أول تصريح عام للملك تشارلز منذ تشخيص إصابة كيت ب ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - فصل من المجلد الرابع عن الكون: الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي نظرات في أطروحة الأكوان المتعددة Réalité visible , réalité cachée dans L’nivers observable كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم: