أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الحروب - -نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة















المزيد.....

-نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 5309 - 2016 / 10 / 9 - 11:14
المحور: الادب والفن
    




ليس ثمة جديد في الإشارة إلى الأدوار المُعقدة والمُركبة التي تلعبها الاسطورة في تشكيل الهويات القومية الحديثة. كل قومية إثنية او دينية إحتاجت وتحتاج إلى جملة من الاساطير كي تبني عليها هويتها: تهاجر إلى الماضي، حتى لو كان ماضياً قريباً، لتبحث في اركيولوجيا التاريخ المنسي عن حدث هنا، او بقايا معركة هناك، فتجلبها إلى الحاضر بكل قوة ومبالغة، وتحولها عماداً لما تريد تعزيزه وادلجته. فجأة تصير لملمة شظايا وقائع وشبه وقائع متناثرة مكانياً وغير مترابطة زمنياً "تأريخاً" عضوياً ومتسلسلاً مكرساً للقومية المعنية، او للايديولوجيا، او للفكرة المتوترة التي تبحث عن عراقة وشرعية مفقدوتان. كتابات المفكرين الذين تأملوا في الآليات المدهشة لتصنيع الهويات، منهم جان لوك، ارنست رينان، بندكت اندرسون، هيو سيتون واتسون، ارنست غلنر، اريك هوبوزبوم، تشير كيف يُفبرك التأريخ المُتخيل امجادا وبطولات وهويات لا قاسم بينها سوى الإصطناع والإنتقائية والعلوية المُفترضة. من دون إختراع وإعادة إختراع أساطير الماضي، البعيد والقريب ايضاً، لا تقوم قوميات وهويات الحاضر، وعلى وجه التحديد الصلدة منها والمتوترة. هذه الأخيرة على وجه التحديد لا تعتاش إلا على تخليق عدو خارجي تظل تستثمر تهديداته سواء الحقيقية او المتخيلة، كما نظر يوهان فيخته البروسي في الربع الاخير من القرن التاسع عشر، وذلك بهدف استنفار ميكانزمات الدفاع الجمعوي لقومية معينة بما يبقي هويتها دائمة الحضور وحادة القسمات.
المثال الابرز سطوعاً هو القومية والهوية "الإسرائيلية" التي نبش مخترعوها ولا زالوا ينبشون كل زوايا التاريخ لتخليق علاقة قوموية وهوياتية ودينية وإرتباطية بفلسطين. الفلسطينيون لم يحتاجوا إلى ذلك الرحيل المضني في التاريخ لإثبات ذاتهم الجماعية وعضوية علاقتها بالارض. لمن يكن هناك هوس مرضي بقصة الهوية والقومية، وغياب ذلك الهوس هو البرهان الاكثر سطوعاً على عفوية وعمق العلاقة بالمكان. ضربة محراث الفلاح البسيط في الارض كانت تختصر الحكاية، فيضيق صدر المهاجر اليهودي الاوروبي الذي يلبس بدلة وربطة عنق ويراقبه من وراء السلسلة الحجرية، فيشعر بالغربة والسرقة: من توصيف، على سبيلة الأمثلة فقط، اميل حبيبي في المتشائل" إلى المشاهد الأخاذة لإبراهيم نصر الله في "زمن الخيول البيضاء"، وليس إنتهاءاً بإلتقاطات ربعي المدهون في "كونشيرتو النكبة والهولوكوست". في مشهد دراما المقارنة الجماعية هذا لم يكن الفرق الرهيب بين "حداثة المهاجر" و"محلية" الفلاح ليبعث على الإطمئنان الهوياتي في دواخل اليهود الاوروبين، رغم ما يوفره هذا المشهد من إحساس حاسم بالتفوق المادي والعسكري. في قلب المحلية وعفوية الارتباط بالارض وربما اللامبالاة الساذجة إزاء الغرباء والتي وسمت الفلاح كان ثمة تجذر عميق أقلق ديفيد بن غوريون وعذبه، وهو يجول في الارض مُدعيا تملكها الحاضر وامتداد ذلك التملك في التاريخ. كان مشهد الفلاحين الفلسطينين وهم يحرثون ارضهم، بلبساهم التقليدي، ومحارثيهم البسيطة، لا يحتاج إلى تقعر تاريخي واسطوري ينتحر يأساً لتأسيس علاقة عضوية بفلسطين. بن غوريون قادته الرغبة الفاضحة في الإلتفاف على القلق الوجودي الذي بعثه فيه مشهد فلاحيي فلسطين إلى إطلاق مقولة مُنهِكة ومُنتهِكة للتاريخ بشكل فج ملخصها ان فلاحيي فلسطين واباءهم واجدادهم وكل اسلافهم ليسوا إلا يهوداً قدامى، تعود جذورهم "لليهود الاصليين الذين كانوا في فلسطين" لكنهم تحولوا إلى العروبة والاسلام في مراحل لاحقة من التاريخ!
في التأريخ للهوية الفلسطينية الحديثة تأتي النكبة لتلعب دوراً ملتبساً في إعادة التشكيل، ليست اسطورة، وليست ماض بعيد، او تاريخ مشكوك فيه. حدث حقيقي، ممهور بالدم والمأساة والحسرة، ثم الثورة. على عكس الاسطورة الماضوية المُستدعاة قسراً لتخليق هوية راهنة، تحضر النكبة كواقع تاريخي طازج وحار يفيض بالراهنية، ويعمل على تشكيل وإعادة تشكيل هوية استفزت للدفاع عن حضور اصحابها. على هذا تتموضع النكبة كواقعة وسيرورة وكارثة ورافعة تاريخية في قلب كل ما له علاقة بفلسطين الحديثة، وفلسطينيها، وتاريخها، وتحولاتها. وفي كثير من المقاربات تواجهنا مفارقة حقيقية ذلك اننا كلما اعتقدنا تعقلاً اعمق لواقعة النكبة، كحدث مأساوي مؤسس في التاريخ الفلسطيني، والهوية الفلسطينية، والتاريخ العربي الحديث، والهوية العربية، كلما اكتشفنا خطأ ما اعتقدناه.
النكبة تحولت إلى شيء معقد في الوجدان والوجود الفلسطيني: وهي خليط من أشياء. هي حدث حقيقي تناسل عنه واقع وترتب عليه هجرة وتهجير، وقيام دولة للعدو الذي تسبب في النكبة. وهي زمن بواباتي مركزي اغلق حقبة وفتح حقباً اخرى تختلف تاريخياً، وسياسياً، وفكرياً، واجتماعياً، ووجدانياً. هي اهزوجة حزينة للجيل الذي ذاق مرارتها مباشرة. وهي الترتيل الليلي لفاجعة جماعية على وطن ضاع. هي الصدمة النهارية الدائمة للواقع الجديد. ثم هي بداية التمرد على الذات الجمعية التي سلمت قرارها لقيادات رخوة محلية او عربية، فكان ان اكتملت الكارثة على ايديها. بذلك التمرد تحولت كارثية وتحسرية النكبة إلى طاقة فدائية وثورية ارادت ان تمحو العار، وتعيد صوغ الزمن. لكن تذرى جزء كبير من تلك الطاقة، او كمن. صارت النكبة صندوق الذاكرة المليء بالمتناقضات: بالحنين إلى ماض لا يعود، بالهزيمة، بالتراخي، بالبساطة والسذاجة، بالجهل والتسرع في مغادرة الوطن، بجلد الذات ولومها وتحميلها جزء من مسؤولية ضياع البلاد، وبالنقمة على الشقيق الذي تخاذل عن المناصرة، او قدمها مشلولة وشالة.
تولد عن النكبة عشية وقوعها احد اكثر الوجوه الملتبسة والمكثفة والمحيرة في السردية الفلسطينية: المخيم. المخيم في لحظة ولادته كان عملياً إبن السفاح للجريمة التاريخية، كريهاً ومنقوماً عليه. كان البديل البشع والكالح للأمس الجميل والبرتقالي. إتساع افق البيارات والبحر والقرى والجبال أُغلق فجأة وانحشر هو والناس في خيم ضيقة كئيبة، باردة، وغريبة. ظل المخيم وساكنيه محقونين بالصدمة والحزن والنقمة. بعدها بسنوات انتفض المخيم على ذاته التراجيدية التي لم يكن هو السبب في نشوئها، وفي قلبه تولدت الفدائية والثورة، ربما بمنطق ديالكتيك هيغلي مُدهش. انتفض اللقيط على من تسبب في مصيره، وصار المخيم في الوجدان الفلسطيني صنو الكفاح والصمود وإعادة تشكيل الذات. كاد المخيم ان يستولي على الهوية ويتماهى معها، رغم انه كبنية ثقافية وتاريخية واجتماعية واقع طارىء يجب ان يزول. لكن الإلتباس ظل قائماً حتى هذا اللحظة. لنتأمل وقع وجرس اسماء المخيمات: مخيم الدهيشة، مخيم الامعري، مخيم الجلزون، مخيم الشاطىء، مخيم جباليا، مخيم البقعة، مخيم الوحدات، مخيم صبرا، مخيم شاتيلا، مخيم تل الزعتر، مخيم اليرموك. لنستمع ثانية لجرس، او هل اقول موسيقى، تلك الاسماء ونتأمل الإلتباس الذي يتركه والتداعيات التي تولدها في دواخلنا.
امام كل هذا الالتباس النكبوي وما تولد عنه من التباس مخيماتي وقف الإبداع الروائي الفلسطيني يتأمل ويفكك وينخرط. مركزية النكبة في اوجه الإبداع الفلسطيني لا تحتاج إلى تدليل او شواهد، وكذا مركزية ابنها المخيم: اللقيط اولاً والمنتزع شرعية الإبوة ثانيا. توزع معظم ذلك الإبداع على مقاربة جوانب الكارثية، والحزن، والحنين، واقله على جوانب النقمة والتأمل في المسؤولية الذاتية، والثورة على الذات والآخر. وقصر كثيره في الغوص في محرمات "نكبوية" ما تزال بحاجة إلى جرأة للتناول مثل هجرة ولجوء اهالي قرى وارياف عديدة من دون اي صدامات عسكرية بل خوفاً من وصول المنظمات العسكرية الصهيونية وجنودها، مضحين بالارض حفاظاً على العرض! تناول تلك المحرمات روائياً ودرامياً صار امراً ضرورياً لأن فيه درس راهن كبير يشير إلى ضرورة البقاء، البقاء في الارض رغم اي حدث واي نكبة.

** مساهمة في ندوة بنفس العنوان في معرض عمان للكتاب الدولي، بتاريخ 30 سبتمبر 2016



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال ناهض حتر ... داعشيتنا الكامنة!
- أسماءُ نسائنا: -الشرف السمج- ... والقيعان المتلاحقة!
- «سيد قطب» متخفياً في كتاب «استحالة الدولة الإسلامية» (١ ...
- الحق في عدم التدين .. بين المواطنة والدعشنة الكامنة
- الإرهاب المُنتسب للدين: سؤالان صريحان ومواجهة!
- بريطانيا: شعبوية صادمة ... ثم تعود لاوروبا!
- الإنقسام الفلسطيني: هل تكرس سيناريو -قبرص الغزاوية-؟
- سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟
- «النهضة التونسية» وتحولاتها: دمقرطة إسلامية جديدة؟
- صادق خان: تجديد التعددية الثقافية وتصحيحها
- طرابيشي.. مثقف المروءة
- «الإخوان المسلمون»: مقاربات القطبيّة والتطرّف
- بروفايل «الفلسطيني العادي» ... خليط الأزمنة والهويات
- هل يستقيل عباس ويقلب أوسلو على صانعيه؟
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (٢ من ٢ ...
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (١ من ٢ ...
- إصلاح التعليم الديني... من هنا نبدأ!
- رحل المرنيسي ويبقى سندبادها
- الإرهاب يدمّرنا قبل تدمير الآخرين
- الإنتفاضات الفلسطينية تكسر الجدار الحديدي


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الحروب - -نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة