أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الرتيلا..















المزيد.....

الرتيلا..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5308 - 2016 / 10 / 8 - 18:01
المحور: الادب والفن
    






لم أكن مستعدا أن أكشف عن نفسي، بهذه الطريقة التي حصلت بيني وبين هذا الذي يشاركني الطاولة التي حرصنا معا، منذ عدة أيام، أن تكون في زاوية المقهى، بعيدا عن مجاورة الآخرين.
كنت أحيانا، أي في بعض حالاتي في اليوم الواحد، أن أستسلم بهذه الكيفية لبعض حالات الرغبة في الحلم الفاضح. وقت كنت قادرا على الحفاظ على نوع من الاتزان بين تنوع أفكار وعلاقات بيئية موروثة، وبين ما يترسب في داخل نقسي من حالة انفلات عن طوق للتحرر عن اشكالية ذلك الموروث.
بكلمة أوضح ، كنت قادر تماما على الحفاظ على طريقة عقلانية تجنبني الخيانة الزوجية مثلا، أو سلوك مسلك مشابه لهذه الشائنة التي يرفضها العرف والمجتمع.
كانت لجليسي سحنة مطلية بالذهب، أو شيء ما يشبه العسل، مع بعض من ضباب رمادي، هو بعض من شحوب بقايا شعر لحية كره وجودها على جانبي وجهه، حاول جاهدا أن يعتنى بإزالة أي بادرة من بوادر تشويه سطح لون الذهب والعسل كي يبدو صافيا. وكنت ألمح كلما أمعنت النظر بوجهه، كان يكثر من إبداء ليونة على ملامحه، وشيء من الارتعاش في عينيه وشفتيه، ليمحي إي أثر من أثار ذلك الضباب الذي يشعره بالامتعاض
المساء، كان واسعا في الخارج. وكان عديد كبير من الزبائن، منشغلين عما يدور بيننا من كلام متغضن، مبتور. كلما حاولت أن أتحرر من الاسترسال فيه، كان هو أكثر شجاعة وعناد في ربط الأجزاء من جديد.
عينان ذكيتان، دائمتا التجاوز والانفعال، مسرفة في حيرتهما عما يعتريها من أرباك يثيره وجود الآخرين معنا. وكانتا تشيئان عن رغبة عارمة لمحو عالم يضج من حولهما، من أجل خلوة ضيقة.
في البداية، كنت أنا من أرتأى مزاولة اللعبة. صحيح أنا من أكتشف حقيقية نوايا محاولاته الدائمة، والتي أراد إيهامي منذ البدء أن صداقته معي ليست سوى صداقة بريئة خالصة. إلا أنني في تلك الأمسية، كنت أشعر بنوع من الاحباط أن أسترسل لحديث ورغبة في المجاراة تجعلني مشدودا، كثور معصوب العينين، ومحاصرا برغبة تثير الاشمئزاز، كان صاحبي يمارسها معي دون خوف، أو خشية.
في بضعة الأيام القليلة الماضية، التي مرت على علاقتنا، كنت أنا من يمارس دور اللاعب المتمرس في تحريك اللعبة. وكان الأمر ، بالنسبة لي، لا يعدو كونه مجرد نزوة لاكتشاف عالم لم أمارس الخوض فيه من قبل، لكنني ولفضول في نفسي قررت التعمد في إزاحة الستار عن كنهه، والوقوف على تفاصيله السرية. ذاك ما دفعني للتنقيب عما تحت الرماد من كنوزسرية كانت قبل اليوم محرمة الكشف عنها،. لكنني في تلك الأمسية بالذات شعرت بأنني غدوت مجرد قطعة نادرة في اللعبة القيمة، وأن صاحبي هو اللاعب المتمرس في تحريك الأشياء السرية بيننا، وليس أنا.
في كل كلمة شبيهة بعود ثقاب توقد نار المجون في حطب الدنس المضمر بيننا، وفي كل لمحة ثانية من زمن العبث، كان هو من يتفنن بلعبة يخصها لمكنون نفسه . وقت كنت أنا مجرد شريك لا يلوي على شيء سوى تحريك نوازع اللذة في شغف .
كنت كلما حاولت التحرر من رقعة اللعبة، وفي كل محاولة لجره لناحية، بعيدة عن زاوية يحاصرني فيها، كان ينزلق بمرونة أمام محاولاتي فيسد عليّ أي سبيل للهرب، أو حتى لالتقاط أنفاسي. كان كمن وهب بمحض الصدفة المستحيلة، سلطة الامتلاك المثلى، فتشبث بكل ما يملك قوة وعناد على القتال من أجلها . شعرت به وقد تحوّل كلية لأخطبوط بأذرع ذات مجسات عجيبة، لا تعد ولا تحصى. وتلك أصابعه تتشبث بكل أطراف الغنيمة كي لا تفلت من براثن شغفه. وكاليعسوب، كان يملك قدرة استثنائية في حركة الرغبة المجنونة لابتلاعي.
ولما كنت قد أنهكني صراع القوى. شعرت بأن قوة لا قانونية، تدفعني للاسترخاء. مددت رجليّ، تحت الطاولة، وكنت قد لجأت قبلها لعلبة سجائري، مضغت دخان احداها بتلذذ وهدوء. كنت كتلة عروق وأعصاب مشدودة، لحظة أزحت غطاء علبة رئتي مع الدخان، أحسست بالراحة. وكان هو ما يزال يرطن بالكلمات اللزجة.. يلفها حول جسدي باصرار.
شيء ما شعرت به ينزع مني أسلحة سلامي القديمة. كنت كالمغيّب في قبو مظلم. وكانت بعض تلك الأصابع تستدل طريقها في ليونة العجائب المعلولة. همست:
ــ " أريد أن أنام.. أتعبني اللعب بالمُدى العجيبة.
في البدء كان الأمر مجرد نكتة سمجة، ثم ما فتأ أن تحول لتنمل وحشي. حشرة سامة مخيفة تدب على عريي، أمي تحذرني من " الرتيلا " مذ كنت طفلا. قالت:
ــ "إذا لم تكن ولدا مطيعا، فستأكلك "الرتيلا!".
ــ " أمي، أرجوك كفي عن ذكر الحكايات المخيفة".
أتذكر توسلي وبكائي. وكيف كانت تشيح بوجهها الحيي عني، وتبتسم. يومها كانت تحضنني برفق حتى الصباح. وحين أستيقظ، أعلم أن التنمل كان أشبه ما يكون بالابتكار.


































لم أكن مستعدا أن أكشف عن نفسي، بهذه الطريقة التي حصلت بيني وبين هذا الذي يشاركني الطاولة التي حرصنا معا، منذ عدة أيام، أن تكون في زاوية المقهى، بعيدا عن مجاورة الآخرين.
كنت أحيانا، أي في بعض حالاتي في اليوم الواحد، أن أستسلم بهذه الكيفية لبعض حالات الرغبة في الحلم الفاضح. وقت كنت قادرا على الحفاظ على نوع من الاتزان بين تنوع أفكار وعلاقات بيئية موروثة، وبين ما يترسب في داخل نقسي من حالة انفلات عن طوق للتحرر عن اشكالية ذلك الموروث.
بكلمة أوضح ، كنت قادر تماما على الحفاظ على طريقة عقلانية تجنبني الخيانة الزوجية مثلا، أو سلوك مسلك مشابه لهذه الشائنة التي يرفضها العرف والمجتمع.
كانت لجليسي سحنة مطلية بالذهب، أو شيء ما يشبه العسل، مع بعض من ضباب رمادي، هو بعض من شحوب بقايا شعر لحية كره وجودها على جانبي وجهه، حاول جاهدا أن يعتنى بإزالة أي بادرة من بوادر تشويه سطح لون الذهب والعسل كي يبدو صافيا. وكنت ألمح كلما أمعنت النظر بوجهه، كان يكثر من إبداء ليونة على ملامحه، وشيء من الارتعاش في عينيه وشفتيه، ليمحي إي أثر من أثار ذلك الضباب الذي يشعره بالامتعاض
المساء، كان واسعا في الخارج. وكان عديد كبير من الزبائن، منشغلين عما يدور بيننا من كلام متغضن، مبتور. كلما حاولت أن أتحرر من الاسترسال فيه، كان هو أكثر شجاعة وعناد في ربط الأجزاء من جديد.
عينان ذكيتان، دائمتا التجاوز والانفعال، مسرفة في حيرتهما عما يعتريها من أرباك يثيره وجود الآخرين معنا. وكانتا تشيئان عن رغبة عارمة لمحو عالم يضج من حولهما، من أجل خلوة ضيقة.
في البداية، كنت أنا من أرتأى مزاولة اللعبة. صحيح أنا من أكتشف حقيقية نوايا محاولاته الدائمة، والتي أراد إيهامي منذ البدء أن صداقته معي ليست سوى صداقة بريئة خالصة. إلا أنني في تلك الأمسية، كنت أشعر بنوع من الاحباط أن أسترسل لحديث ورغبة في المجاراة تجعلني مشدودا، كثور معصوب العينين، ومحاصرا برغبة تثير الاشمئزاز، كان صاحبي يمارسها معي دون خوف، أو خشية.
في بضعة الأيام القليلة الماضية، التي مرت على علاقتنا، كنت أنا من يمارس دور اللاعب المتمرس في تحريك اللعبة. وكان الأمر ، بالنسبة لي، لا يعدو كونه مجرد نزوة لاكتشاف عالم لم أمارس الخوض فيه من قبل، لكنني ولفضول في نفسي قررت التعمد في إزاحة الستار عن كنهه، والوقوف على تفاصيله السرية. ذاك ما دفعني للتنقيب عما تحت الرماد من كنوزسرية كانت قبل اليوم محرمة الكشف عنها،. لكنني في تلك الأمسية بالذات شعرت بأنني غدوت مجرد قطعة نادرة في اللعبة القيمة، وأن صاحبي هو اللاعب المتمرس في تحريك الأشياء السرية بيننا، وليس أنا.
في كل كلمة شبيهة بعود ثقاب توقد نار المجون في حطب الدنس المضمر بيننا، وفي كل لمحة ثانية من زمن العبث، كان هو من يتفنن بلعبة يخصها لمكنون نفسه . وقت كنت أنا مجرد شريك لا يلوي على شيء سوى تحريك نوازع اللذة في شغف .
كنت كلما حاولت التحرر من رقعة اللعبة، وفي كل محاولة لجره لناحية، بعيدة عن زاوية يحاصرني فيها، كان ينزلق بمرونة أمام محاولاتي فيسد عليّ أي سبيل للهرب، أو حتى لالتقاط أنفاسي. كان كمن وهب بمحض الصدفة المستحيلة، سلطة الامتلاك المثلى، فتشبث بكل ما يملك قوة وعناد على القتال من أجلها . شعرت به وقد تحوّل كلية لأخطبوط بأذرع ذات مجسات عجيبة، لا تعد ولا تحصى. وتلك أصابعه تتشبث بكل أطراف الغنيمة كي لا تفلت من براثن شغفه. وكاليعسوب، كان يملك قدرة استثنائية في حركة الرغبة المجنونة لابتلاعي.
ولما كنت قد أنهكني صراع القوى. شعرت بأن قوة لا قانونية، تدفعني للاسترخاء. مددت رجليّ، تحت الطاولة، وكنت قد لجأت قبلها لعلبة سجائري، مضغت دخان احداها بتلذذ وهدوء. كنت كتلة عروق وأعصاب مشدودة، لحظة أزحت غطاء علبة رئتي مع الدخان، أحسست بالراحة. وكان هو ما يزال يرطن بالكلمات اللزجة.. يلفها حول جسدي باصرار.
شيء ما شعرت به ينزع مني أسلحة سلامي القديمة. كنت كالمغيّب في قبو مظلم. وكانت بعض تلك الأصابع تستدل طريقها في ليونة العجائب المعلولة. همست:
ــ " أريد أن أنام.. أتعبني اللعب بالمُدى العجيبة.
في البدء كان الأمر مجرد نكتة سمجة، ثم ما فتأ أن تحول لتنمل وحشي. حشرة سامة مخيفة تدب على عريي، أمي تحذرني من " الرتيلا " مذ كنت طفلا. قالت:
ــ "إذا لم تكن ولدا مطيعا، فستأكلك "الرتيلا!".
ــ " أمي، أرجوك كفي عن ذكر الحكايات المخيفة".
أتذكر توسلي وبكائي. وكيف كانت تشيح بوجهها الحيي عني، وتبتسم. يومها كانت تحضنني برفق حتى الصباح. وحين أستيقظ، أعلم أن التنمل كان أشبه ما يكون بالابتكار.








#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشفق...
- حقول الرغبة..
- ...وبمغبر ثيابي..
- صانع الفراشات الشمعية..
- سماء زرقاء ، وكوكبنا...
- المغزى .. بداية!
- آ آ آخ...
- بانتظار من سيأتي..
- قطرة على مجسات يدي..
- مساحة لحقول المتطلبات..
- لعري تنفسه، جُلدكَ...
- أنا وأنتِ بعضها..
- جوانب من شرفات الاجنحة..
- المتوالي المفقود..
- لو أنت وحدكَ تجيءُ
- رباعية ما بعد البداية...
- لا أبعد من تنوعِ موتكَ!..
- نصف أحمر.. ونصف....... !
- اختلاط...
- فيكِ.. ولأفيون العصرِ !..


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الرتيلا..