أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سندس القيسي - الثورة السورية خازوق ومقالتي ليست حبًّا في بشار!















المزيد.....

الثورة السورية خازوق ومقالتي ليست حبًّا في بشار!


سندس القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 5306 - 2016 / 10 / 6 - 12:11
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الثورة السورية خازوق ومقالتي ليست حبًًا في بشار!!

كون والدتي سورية، من قلب مدينة حلب الشهباء عنى أن نقضي كامل إجازتنا الصيفية والتي كانت مدتها حوالي ثلاثة أشهر في حلب والرقة والشام واللاذقية وغيرهم سنويًا. وتقنيًا، فمن المفروض أن أكون نصف سورية، غير أنه لا يمكنني الفوز على أقل سوري ولو غير متعلم لا بنقاش ولا بجدل ولا بأي شيء. فالسوريون معروفون ببرود الأعصاب والدهاء والذكاء وإذا لفيت ودرت عليهم، أو وجدوا فيك صَيْدًا سهلاً، فإنهم سيأخذونك إلى البحر ويرجعونك عطشانًا. كم كنت أستاء من البرود والدهاء السوري. وهم في ظل القهر والقمع والظلم، لديهم شهوة كبيرة للحياة ويعرفون كيف يحتفون ويحتفلون بأيامهم الغنية باللقاءات والسهرات، فالمائدة الحلبية فيها ما لذ وطاب، ولو أني بدأت أقدرها واستمتع بها على كبر، لأنه في صغري لم أكن أحب الطبخ، بل البطاطا المقلية والهمبرجر! ولذلك لم أقدر في طفولتي الولائم الحلبية اللذيذة. ومنذ الصغر، كانت الفتاة الحلبية لا تتعلم الطبخ فقط، بل تتعلم صنع جميع أنواع العصائر والمشروبات مثل عصير الحصرم والبرتقال ومستحلب اللوز ومعجون البندورة كلها تصنعها بيديها الغضتين إضافة إلى تخزين الأطعمة بكافة أنواعها بتنشيفها في مواسمها، ولا ننسى المربيات بأنواعها، والتي ليس لها مثيل في الأسواق. وألذها مربى الكرز والورد والباذنجان الصغير والقرع والمشمش بأنواعه.

في تلك الأيام في سوريا، لم تكن هناك لحوم معدلة جينيا ولا خضروات وفواكه بلاستيكية متوفرة طوال العام. وكان كل شيء في البيت الحلبي طبيعي وفي موسمه ومن صنع أيدي الحلبيات الماهرات. ولا ننسى بالطبع، كيف كانت النساء تتجمع لعمل مئات الكيلوات من الجبنة الحلبية المشنشلة والمسنرة ( المكعبات). ولا زلت أذكر النزول إلى سوق الجبن الشعبي وأسواق حلب القديمة الرائعة. وطالما عاش الحلبيون في أصالة مبهرة، في مدينتهم، خلابة الجمال. وطالما أكلوا أكلاً صحيًا طبيعيًا من بلدهم، غير معرض للأسمدة والأدوية الكيماوية. ورغم الفقر والقلة ورغم أن كثيرًا منهم لم يخرج من سوريا قط، إلا أنهم كانوا يعيشون حياة ثرية، حيث كانوا يجتمعون ويسهرون ويدعون بعضهم البعض ويعيشون بملء الحياة ولا يكترثون بالحياة السياسية العفنة في بلادهم. والأهم من كل هذا، لم تكن البسمة والضحكة والمرح والفرح والبهجة تغيب عنهم يومًا.

ولكل هذا سوريا تعنيني، وأنا أعرف حجم القمع والفساد والرشاوي والواسطات الدائرة في سوريا على مر العقود. وفي ذات مرة، ذهبنا إلى سوريا أيام الأزمة مع الأخوان المسلمين، وكان الجو مشحونًا في الشام، عسكر ورشاشات ودبابات وما إلى ذلك. وقد فقدت أمي اثنين من أبناء عمومتها، اللذين سحلا في الشوارع. وأتذكر كيف وجدت أمي عمها الهارب من سوريا في مدينة الزرقاء بالصدفة، وقد جلب معه إمرأة حلبية هاربة هي وصغيرها. وأذكر كيف قصت علينا زوجة عّم أمي قصة مقتل ولديها دون أن تبكي. قالت: جاءها العسكر بجثتي ولديها وطلبا إليها التعرف عليهما هي وزوجها، لكنها تقول إنها لم تعرفهما، وأصبحت تردد هؤلاء ليسوا أولادي. ثم شرحت لنا أنها بالفعل لم تستطع التعرف عليهما أو ربما من روع الصدمة، لم تستطع أن تتقبل أنهما أولادها أو من التشويه. لكنها فسرت ذلك بأن الله ربما وضع غشاوة على عينيها و ألهمها لأنه ببساطة لو قالت أنهما ولديها، لكانت قتلت هي وزوجها الختيار في تلك اللحظة. أما المرأة الهاربة، فقد عاشت هي وصغيرها تحت رعاية عّم إمي عدة سنوات. ولعل السوريون هم الوحيدون في هذا العالم الذين يستضيفون الغريب لعدة سنوات وليس عدة شهور دون أي مقابل. وقد شاهدت هذا الأمر عند جدي لأمي، الذي كان يستضيف الحلبيين حين كان يملك مطعمًا في بغداد لشهور وسنوات، يأكلون ويشربون وينامون مجانًا. وقد وجدت بعض أخوالي يفعلون ذات الشيء. إلا أن هذه المرأة تزوجت في النهاية، وبعد أن تزوجت بعدة أعوام، اكتشفت أن زوجها الأول حي وليس ميتًا كما بلغها. والظاهر أنه كان مفقودًا ووضعه الجميع في عداد الموتى!

وفي ذات مرة، ونحن في الطريق إلى حلب، مع خالتي وأبنائها وجدتي وجدي، أوقف حرس الحدود السوري جدي الطاعن في السن، وحققوا معه لساعات، في حين بقينا نحن في السيارة، قلقين على مصيره. بكت جدتي حينها لكن الفرج طل عندما شاهدنا جدي يتجه نحونا وكم فرحنا حين خرج جدي حيًّا من ذلك المكان المشؤوم. لكن أي شيء على الحدود السورية كان متوقعًا.

ولربما لم نكن لنتصور يومًا بأن يثور هذا الشعب الجميل، الرايق والذكي. وأنا في الحقيقة، عندي تحفظ على الثورة السورية التي نكشت الوضع الساكن. ففي البداية، تحمست ولو بتحفظ لثورة ليبرالية حقيقية أو هكذا تصورت، لكنها كانت منذ البداية، ليبرالية محافظة تؤمن بمؤسسة الزواج لكن الليبرالية الحقيقية تؤمن بالفردانية أولاً، بحرية الشخص، بكونه عالمًا مستقلاً متكاملاً، ذو هويات متعددة والإنسان الليبرالي هو من يعيش في مجتمع غربي ديمقراطي استهلاكي أو هذا ما يعتقده فلاسفة الغرب، لكن في الحقيقة، رؤساء الحكومات الغربية هم متزوجون في الغالب. لذلك، فطرح أن الثورة السورية هي ليبرالية ليس بالأمر الصحيح. كشعوب عربية نحن لا نفهم معنى الليبرالية! فهم هنا يستعملون كلمة الليبرالية كطابع أو عنوان لكي يحصلوا على تمويل للثورة السورية، فمن ذَا الذي دفع فاتورة الثورة السورية؟ ومن ذَا الذي مدها بالدعم اللوجيستي والتكتيكي؟ ومن نظر لها؟ ومن خطط مراحلها؟ أما الليبرالية التي تقصدها الثورة السورية، فهي نظام عربي محافظ، يخبىء حقيقته كمجتمع مسلم تحت دعاية الليبرالية الغربية. الليبرالية الوحيدة التي حصلت هنا هي أن بعض الثوار السوريين وضعوا أيديهم بيد بريطانيا والولايات المتحدة، ولهذا عدت ثورة ليبرالية، تتعامل مع الغرب وترسم وتخطط لخلع النظام السوري من دمشق، إلى أن وصلت إلى نصف البئر، ثم قطع الحليفان الغربيان الحبل بالثورة السورية وتركوها تحتضر لوحدها في الشام وسط فقاقيع التطرّف والرجعية.

لماذا يكرر العربي نفس الخطأ ولا يتعلم من الدرس؟ فمنذ الثورة العربية الكبرى التي انطلقت في بدايات القرن الماضي وبريطانيا وحلفاؤها يلقوننا دروسًا صعبة ويقعدون رؤساء العرب على خوازيق متينة الصنع وغاية في الجودة، منذ تقسيم العالم العربي حسب سايكس بيكو وحتى شراء امتيازات التنقيب عن البترول لعشرات السنين وإلى غاية تدمير العراق التكتيكي والإستراتيجي على مدار عقود من الزمن وحتى إشعال فتيل الفتنة في سوريا. علينا أن نفهم جميعًا أن بريطانيا والولايات المتحدة لا يهمهما أن تتحول الدول العربية إلى ديمقراطية ولا ليبرالية ولا حتى إلى دول تعتمد على نفسها وكل ما يهم هاتان الدولتان العظيمتان هو إستعادة حكم الإمبراطورية الرومانية في الشرق الأوسط، التي يعتبر الغرب امتدادًا مباشرًا لها. ولهذا عندما يريد العربي أن يضع يده بأيدي هاتين الدولتين، عليه أن يفاوض على حصته ودوره المحتملين في الإمبراطورية الرومانية المقبلة، أو ما سيكون مثيلتها هذا إذا قبلت الدول العظمى! كما أن عَلى العربي أن يفاوض على حقوقنا كأقليات قد نعيش دون أي تمثيل سياسي، مجرد كائنات مكسورة، متشككة في هويتها، منهكة من شدة القتل وليس لها أي قيمة فعلية. وعلى العربي أن يعي أن من مصلحة الغرب أن ننهي على بَعضُنَا البعض في أغبى مشروع إبادة جماعية، ثم ستدخل هذه الدول العظمى عندما نكون قد تعبنا وانهكنا وفقدنا البوصلة تمامًا، من أجل وضع اللمسات الأخيرة وقد يلقون قنابل نووية هنا وهناك، لإخفاء معالم الحقيقة التي ستموت مع الأبرياء وغير الأبرياء ولذلك صدقوا رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، حين تقول بكل ثقة إنها ستستخدم القنابل النووية، واعتبروا كلمتها كلمة رجال وأزيد! فهي لم تقلها عَبَثًا!

أنا لا أستطيع أن آخذ موقف مع أو ضد الثورة السورية، لأَنِّي بصراحة غير مقتنعة بأطروحاتها! لكني لست مع حمام الدم في سوريا، دون أن أوجه أصبع الإتهام لأحد. فالجميع مسؤولون عما يحدث! لماذا لم تتعلم المعارضة السورية من سابقتها المعارضة العراقية؟ انظروا كيف أصبح العراق؟ يجب أن نستنتج أن المعارضات لا تحقق برامجها المطروحة من خلال المرور عبر لندن وواشنطن. أنا لا أفهم العقلية العربية، المستعدة لسفك الدماء العربية على السريع! "خلي الناس تموت من أجل القضايا التي تدافع عنها". أنا أقول: لا، غلط. علينا أن لا نهدر الدم العربي وأن نقبل بأي ثمن حتى لو كان القمع كي نتجنب سفك الدماء والإبادة الجماعية. نعم، أنا ضد الحرية إذا كانت ستقود إلى مجازر ومذابح. أنا ضد الحرب الأهلية! أنا ضد المواجهة المسلحة إذا كان كل هذا يعني موت العربي وتشريده وتشويهه. وغدًا عندما تصبحون على سوريا الحلم أيها الثوار، ستجدونها خرابة وقد قضت الفتنة فيها على الأخضر واليابس! ولم تبق هناك سوريا ولا وطن ولا حرية وتكون سوريا قد تمزقت إلى دويلات، كل هذا بسبب أوهام الحرية التي تحملون! ليس حبًّا في بشار وليس كرهًا في الثورة السورية، التاريخ سيجعلكم مسؤولين وشركاء، ربما فيما سيكون إبادة جماعية، من الوزن الثقيل! فقد أدخلتم أنفسكم في مشروع تقسيم سوريا وربما إعادة احتلالها. كان من الأجدى درء الإنفجار، إلا أنكم وجدتم أنفسكم تنفذونه بأيديكم، لأن هناك من مد لكم بحبل متين وطويل، ظننتم أنه سيكون سبب خلاصكم من بشار، إلا أنه الحبل الذي ستلفونه حول رقابكم لكي تشنقوا به أنفسكم.





#سندس_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زين كرزون؛ راحت على تركيا سياحة ورجعت على سجن الجويدة سباحة! ...
- اغتيال اليساري ناهض حتر في الأردن
- آمنة الخروب؛ غيابك عن الحياة خسارة حقيقية
- إلى اللقاء باريس
- من لندن إلى باريس لقضاء العيد وقصة الجاسوسة القديمة على الحد ...
- باريس ولندن والكيس أبو خمسة قروش
- باريس وتفجيرات نيس والخدمة العربية
- باريس وتفجيرات نيس والتطرف
- لماذا لا يتعاطف العالم مع الإستشهادي الفلسطيني؟
- لمن يكره الفلسطينيين: حلوا عنا
- فلسطين وحواراتي مع اليهود
- فلسطين: اللاسلم واللاحرب
- فلسطين وطن وليست أرض ميعاد
- فلسطين أول مرة
- بريطانيا والإتحاد الأوروبي 2: الأجندة الداخلية والخارجية
- بريطانيا والإتحاد الأوروبي 1: بريطانيا، هل هي صاحبة الحق؟
- بريطانيا تقف وحيدة والصليبيون الجدد عائدون
- الشرطة العربية 4: التلفيق والتصديق
- الشرطة العربية 3 : العرف العشائري أقوى من القانون المدني
- الشرطة العربية 2: القانون والقضاء أم الواسطة والعشيرة؟


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سندس القيسي - الثورة السورية خازوق ومقالتي ليست حبًّا في بشار!