من الدوحة الى هونج كونج عن طريق كانكون هل سوف تنكمش منظمة التجارة العالمية أم تغرق؟

فاندانا شيفا

الحوار المتمدن-العدد: 1412 - 2005 / 12 / 27 - 15:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

اللقاء الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في هونج كونج قد فشل. بالنسبة لكوربوريشن العالم منظمة التجارة العالمية قد فشلت لان البلاد النامية الأفقر والأصغر بدأ يرتفع لها صوت في نتائج مفاوضات المنظمة. بدعم من سلطة الجماهير في الشوارع خرجت تلك البلاد من اللقاءات الوزارية في سياتل وكانكون، ممارسة لأعلى سلطات تمنحها الديموقراطية، سلطة أن تقول "لا"، السلطة التي مارسها غاندي ومارتن لوثر كنج، سلطة عدم التعاون مع حكم ظالم.

الدوحة كانت أول مؤتمر وزاري بعد فشل سياتل. لم يكن من اللازم عقد "جولة" جديدة من المباحثات في الدوحة. كان ذلك هو السبب في شعار الحركة الجماهيرية "لا لجولات جديدة: ابقوا كما انتم". كان اللقاء الوزاري في الدوحة مخصصا بشكل أولي لقضايا "التطبيق" – المراجعات الاجبارية للاتفاقية المشكلة حول التجارة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (TRIPS) واتفاقية الزراعة (AoA) المفروضتان على العالم من عبر جولة اوروجواي بعد مفاوضات غير ديموقراطية.

كالمعتاد، البلاد القوية، التي تقودها الكوربوريشن الأكثر قوة، أرادت كلا من منع الإصلاحات الإجبارية للاتفاقيات التي تؤسس احتكارات الكوربوريشن في الزراعة، والبذور والدواء، بالإضافة الى ادخال قضايا جديدة مثل اتاحة الوصول الى الأسواق غير الزراعية (NAMA) ومزيد من تشويه الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (الجاتس - GATS) التي هي مشوهة أصلا. الأمر هو ادخال قضايا جديدة يشيرون إليها "بجولة دوحة" جديدة بينما في الواقع نحن في فترة تنفيذ جولة اوروجواي. لتهدئة البلاد النامية بالكلام المزدوج، تجدهم يشيرون الى "جولة الدوحة للتنمية".

ما قد تم منحه "كحزمة خدمات للتنمية" في مسودة إعلان هونج كونج في 26 نوفمبر 2005 هو "معونة للتجارة - Aid for Trade " بينما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحبسان بلاد العالم الثالث في ديون أكثر من خلال قروض "للبنية التحتية المتعلقة بالتجارة" – موانئ أكثر، طرق سريعة أكثر، ليؤدي كل ذلك لانبعاث غازات الصوبة الزجاجية أكثر، وتغير مناخي أكثر. تلك ليست "حزمة خدمات تنمية" ولكنها وصفة لكارثة بيئية. يدفع البنك الدولي أيضا في اتجاه خصخصة المياة كبند من بنود البنية التحتية المتعلقة بالتجارة.

حزمة مزايا "المعونة من أجل التجارة" هي في الواقع قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منضمة الى أحكام منظمة التجارة العالمية لفرض تحرير التجارة في بلاد العالم الثالث. الآن حيث تعلم اللاعبون المهمشون والمستبعدون كيف يمارسون قوتهم في منظمة التجارة العالمية من خلال عدم التعاون، هم يرفضون التعاون مع المطالب الداعية لمزيد من تحرير التجارة في الزراعة، وإدخال تحرير التجارة في الخدمات والانتاج الصناعي. يحتاج هؤلاء اللاعبون الى رفض حزمة مزايا "معونة التجارة" في نص مسودة المؤتمر الوزاري في هونج كونج.

مسودة إعلان هونج كونج: تراجع عن تفويض الدوحة

مسودة إعلان هونج كونج هي محاولة للتراجع عن التزامات اتفق عليها في الدوحة. الفقرة 18 من إعلان الدوحة خاطبت امتداد الحماية للدواعي الجغرافية التي أوردتها المادة 23 لتشمل المنتجات الأخرى غير النبيذ والمواد الروحية. تلك المنتجات ذات أهمية لمصلحة البلاد النامية وتتضمن مواد مثل الأرز البسماتي (الذي قامت كوربوريشن رايستك بتكساس بالقرصنة البيولوجية عليه وفرضت براءة اختراع باسمها على هذا الارز) ومثل شاي الدارجيلينج. لا يورد إعلان هونج كونج اي إشارة الى امتداد الحماية ذات الدواعي الجغرافية الى اي منتجات أخرى.

الفقرة 19 من إعلان الدوحة كانت عبارة عن تعليمات بتنفيذ مراجعة إجبارية للمادة 27.3 (ب) من اتفاقيات التريبس (TRIPS) ومراجعة تنفيذ اتفاقية التريبس تحت المادة 71.1، آخذة في الاعتبار بالكامل البعد التنموي. برنامج العمل في الفقرة 19 المتعلقة بمراجعة التريبس لا نجد له ذكرا في مسودة هونج كونج.

مرحلة اتخاذ الخطوات العملية لإنهاء الدعم المالي للصادرات المتفق عليها في الدوحة قد اختفت في النص الجديد.

نص الدوحة قد أعاد تأكيد "حق الأعضاء طبقا لأحكام الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات أن يقوموا بوضع اللوائح المنظمة وإدخال لوائح جديدة فيما يخص الامداد بالخدمات". بالنسبة لهونج كونج تم تذويب ذلك وتخفيفه الى "مع الاحترام الواجب للحق في وضع اللوائح المنظمة".

في القضايا المهمة للناس والعالم الثالث، تصبح هونج كونج ردة رجعية مقارنة بالدوحة. في القضايا ذات الاهتمام للكوربوريشن العولمي والبلاد الغنية، إعلان هونج كونج اندفاعة للامام بتوسيعه لأجندة منظمة التجارة العالمية.

"يا منظمة التجارة العالمية، انكمشي أو اغرقي"

منذ سياتل، نداء حركة الشعوب "عالمنا ليس للبيع" قد كان "يا منظمة التجارة العالمية، انكمشي أو اغرقي"، حيث حركات الشعوب تريد لمنظمة التجارة أن تنكمش في الميادين التي تسيطر عليها. تلك الحركات تريد أن تخرج منظمة التجارة العالمية من ميدان الزراعة؛ ويريدون أخراج حقوق الملكية الفكرية من تحت سيطرة منظمة التجارة العالمية. بالنسبة لشعوب العالم، وبلاد العالم التي تتحمل تكلفة تحرير التجارة، يشير شعار "انكمشي أو اغرقي" الى تقليص حقوق الكوربوريشن وسلطات المنظمة على حياتنا وثرواتنا الطبيعية.

الكوربوريشن والبلاد ذات النفوذ، التي تعمل من أجل مصلحتها، يريدون توسيع الميادين التي تسيطر عليها منظمة التجارة العالمية، ولكنهم يريدون أيضا انكماش سلطات ومشاركة البلاد الأعضاء.

محاولات تهميش تنفيذ القضايا بشكل منهجي وتخريب الحق المتضمن الأصيل في إصلاح وتغيير أحكام منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها كشئ متضمن وأصيل في السلطات المخولة في إعلان الدوحة هي مثال على انكماش سياسي كما يفسره الأغنياء والبلاد ذات النفوذ. الإشارة الجديدة الى الاتفاقيات المتعددة الأطراف في الخدمات التي من المنتظر فرضها على البلاد النامية هي اتجاهات جديدة للاستبعاد عند بوادر ظهور مشاركة الأعضاء الأضعف في المفاوضات المتعددة الأطراف كعقبة لتنفيذ مصالح البلاد الأقوى والكوربوريشن. بالنسبة للكوربوريشن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الطريق الأقصر هو منظمة تجارة عالمية غير متزنة وغير عادلة ولا تقوم على المشاركة وغير ديموقراطية. فشعارهم "تنكمش أو فلتغرق" هو انكماش للديموقراطية وحقوق الشعوب.

القوى التي خلقت منظمة التجارة العالمية لن تسمح لها ان تغرق بسهولة. لذلك انكماش الديموقراطية هو الخيار الوحيد المتاح لهم. والانكماش الديموقراطي يعني كشفا أكثر عريا لاستيلاء الكوربوريشن الوحشي على اقتصادنا وعلى ضماناتنا بأكثر مما شاهدنا في العشر سنوات الماضية من حكم منظمة التجارة العالمية.

بالنسبة للحركات الشعبية أيضا، هناك تحديات جديدة تظهر. ففي الأثناء التي نريد فيها انكماش منظمة التجارة العالمية الى اتفاقية الجات (الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية - GATT) القديمة، عازلين كلا من القضايا الجديدة لجولة أوروجواي – حقوق الملكية الفكرية، والزراعة، والخدمات، والاستثمار – وعدم تناول القضايا الجديدة لما يسمى جولة الدوحة، يجب علينا أيضا أن نخاطب قضية تخريب تعددية الأطراف الضحلة لمنظمة التجارة عن طريق الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف.

نريد انكماشا في الاختصاصات القضائية وصلاحيات منظمة التجارة العالمية، ولكن نريد توسيعا لمشاركة وحق الشعوب وحكوماتها في أن يكون لها صوت في قضايا التجارة الدولية، بما فيها القضايا التي لا يمكن التحكيم فيها فقط بواسط أحكام التجارة العالمية. مثل هذه القضايا تتضمن قضايا الطعام والزراعة، والتنوع البيولوجي والدواء.

اتفاقية الزراعة قد أدت توا الى مقتل آلاف المزارعين. في الهند، دفع 40 الف فلاح تقريبا الى الانتحار في العقد الأخير بسبب تحرير التجارة. في كانكون، الفلاح الكوري لي قتل نفسه. انتحر فلاحان كوريان آخران مؤخرا احتجاجا ضد التجارة الحرة في الزراعة أثناء لقاءات الـ APEC. منظمة التجارة العالمية لا تقتل الفلاحين فقط، بل إنها تقتل الديموقراطية.

الخلافات الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي حو ل قضية الأغذية المعدلة وراثيا تظهر كيف أن أحكام منظمة التجارة العالمية تستخدم لانكار حق المواطنين في اختيار الطعام الذين يأكلونه. من الملاحظات التي لاحظها السيد سوباتشاي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية حتى الآن، في مؤتمر للاونكتاد عقد بدلهي في 28 نوفمبر 2005، حيث اشار الى البلد "التي تعرقل الأغذية المعدلة وراثيا" والتي خسرت قضيتها أمام منظمة التجارة العالمية، يمكن استنتاج أن مونسانتو قد استخدمت بشكل ناجح منظمة التجارة العالمية لإجبار الأوروبيين على فتح اسواقهم أمام إغراقها بالأغذية المعدلة وراثيا، ضد إرادة المواطنين الأوروبيين، وضد الحقوق الدستورية لثلاثين منطقة في أوروبا كانت قد أعلنت نفسها خالية من الأغذية المعدلة وراثيا.

منظمة التجارة العالمية هي بكل وضوح مؤسسة غير مناسبة وغير صالحة لاتخاذ قرارات حول ماذا يزرعه الفلاحون وماذا تأكله الشعوب. تلك القضايا من الأفضل تركها للديموقراطيات المحلية، والإقليمية والقومية. ذلك هو مضمون ديموقراطية الغذاء وسيادة الطعام. وهذا هو السبب الذي من أجله يجب ان توقف منظمة التجارة العالمية لخبطة طعامنا وأنظمتنا الزراعية.

وبالمثل، اتفاقية التريبس تحت مظلة منظمة التجارة العالمية التي تجبر البلاد على وضع البراءات على البذور وأشكال الحياة، تروج للقرصنة البيولوجية على المعرفة التقليدية، وتخلق احتكارات في مجال البذور والدواء، هذه الاتفاقية نحن في حاجة الى تغييرها. المؤسسة التجارية ليس من شأنها أن تفرض أحكاما لبراءات الاختراع صعبة المنال، تنكر على الناس حقهم في الوصول الى البذور والدواء. تلك القضايا أيضا نحتاج الى ردها الى آليات اتخاذ القرار الديموقراطية الوطنية.

سلطة الشعوب والبلاد النامية قد انتصرت في سياتل وكانكون. الهزيمة الاخلاقية والسياسية لمنظمة التجارة العالمية يجب أن يترجما الى خلق بدائل على المستوى المحلي والقومي والدولي.

بعد هونج كونج قد يكون علينا أن نذهب الى مدى أعمق إما في طريق الديموقراطية أو في الطريق العكسي طريق الديكتاتورية. اي طريق منهما سوف تتخذه البشرية سوف يعتمد على كيفية نجاح الحركات في خلق بدائل لمنظمة التجارة العالمية بدائل تقوم على الديموقراطية والعدالة الاقتصادية.
12 ديسمبر 2005.

#فاندانا_شيفا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات